الأربعاء، أكتوبر 31، 2012

العلويون في تركيا ... قضية لا حلَّ لها!

تشكل المسألة العلوية المشكلة الثانية التي تواجه تركيا وتهدد استقرارها.ومع ان هذه القضية لا بعد جغرافيا لها،غير انها لا تقل تهديدا للحمة الاجتماعية من القضية الكردية. ويتوزع العلويون في تركيا على ثلاثة مجموعات اتنية على الأقل: تركية وكردية وعربية. وبسبب عدم وجود احصاءات على اساس مذهبي فإن عدد العلويين يشكل عاملا ضاغطا جدا. فهم انفسهم يقدرون عددهم حوالي ال 25 مليونا فيما تقدر اوساط شبه رسمية انهم يقاربون الستة- سبعة ملايين. لكن التقديرت المحايدة والخارجية ومنها الاتحاد الأوروبي وتقارير اميركية ترجح ان يتراوح عدد العلويين بين 16 وعشرين مليونا. العلويون ليسوا طارئين على المجتمع التركي، بل موجودون منذ بدايات القدوم التركي إلى الأناضول، فهم جاؤوا مع موجات هجرة القبائل التركمانية. وعندما تأسست الدولة العثمانية في العام 1299 كان العلويون التركمان من مؤسسي الدولة ولطرقهم الصوفية تأثير في الدولة وداخل الجيش العثماني. وكان انهيار الدولة العثمانية السنة 1918، وتأسيس مصطفى كمال للجمهورية العلمانية في العام 1923 فرصة أمام عودة العلويين إلى المسرح السياسي وتأييدهم الجمهورية العلمانية التي أقامها اتاتورك. وتحول العلويون طوال العهد الجمهوري وما يزالون إلى نصير للأحزاب العلمانية، ولا سيما حزب الشعب الجمهوري، حزب أتاتورك. في عهد حزب "العدالة والتنمية" ومسيرته الاصلاحية القوية، ازداد الأمل في أن ينهج الحزب مساراً مختلفاً مع العلويين وتلبية مطالبهم. وبادر الحزب إلى طرح ما سمّاه "الانفتاح العلوي" لكن الطروحات الحكومية لم تقدم حلولا جذرية للمسألة العلوية فباتت تراوح مكانها. واعتبر رئيس وقف حاجي بكتاش ارجان غيتشميز ان الهيئة التي شكلتها الحكومة حول مطالب العلويين هي لتصفية القضية لا لحلها. واتهم غيتشميز وزير الدولة المكلف بالملف العلوي فاروق تشيليك بأنه يريد من العلويين ان يتصالحوا مع قاتليهم. ودعاه الى رفع يده عن الدين وجعل العلويين يعيشون مع السنّة حرياتهم الدينية الكاملة. لقد كان العام 2011 ذورة في استثارة الحساسيات الداخلية التركية مع استغلال رئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب اردوغان كون منافسه في الانتخابات زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشداراوغلو علويا وكرديا في الوقت نفسه.اذ كرر اردوغان في خطبه أثناء الحملة الانتخابية في ربيع 2011 الإشارة إلى انتماء كيليتشداراوغلو العلوي، محرضاً على عدم انتخابه من هذه الزاوية. كذلك اتهم حزب العدالة والتنمية حزب الشعب الجمهوري بالدفاع عن الرئيس السوري بشار الأسد لأسباب مذهبية رغم أن هذا ليس دقيقا فلا حزب الشعب الجمهوري دافع عن الأسد ولا كان انتقاده لسياسات اردوغان المعادية للأسد،انطلاقا من عوامل مذهبية. انتقد الزعيم العلوي المعروف علي بلقيز رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان قائلاً: إنه أصدر قانوناً جديداً حول رئاسة الشؤون الدينية جعلها أكثر قوة بدلا من أن يضعفها ويجعل مسؤوليها محصنين. وقال "إن رواتب وتعويضات موظفي رئاسة الشؤون الدينية ارتفعت من خمسين إلى 75 في المئة ولكن من مال اية خزينة ينالون هذه الأموال؟". والمشكلة هنا ليس فقط في مثل هذه المطالب اذ ان الدولة لا تعترف أصلا بوجود شيء اسمه الهوية العلوية وتعتبرهم مسلمين وبالتالي هم جزء من المسلمين وليسوا مذهبا مستقلا وبالتالي لا يحق لهم تأسيس كيان مؤسساتي خاص بهم. إن عدم الاعتراف في الأساس بالهوية العلوية انسحب على العديد من النقاط الأخرى. يمارس العلويون عبادتهم في ما يسمى بـ "بيت الجمع" أي حيث يجتمعون. لا جوامع لدى العلويين، فمكان عبادتهم هو "بيت الجمع". لكن الدولة لا تعترف بهذه الخصوصية، بل وصل الأمر ببعض الإسلاميين، منهم رجب طيب اردوغان، الى اعتبار "بيوت الجمع" على أنها مراكز تسلية ولهو. حتى اعتبار البعض أنها مراكز ثقافية فيه اساءة إلى الهوية العلوية. لذا يطالب العلويون الاعتراف ببيوت الجمع رسمياً، وبالتالي مساهمة الدولة في بناء هذه البيوت وتغطية تكاليف أئمتها الذين يعرفون عند العلويين ب"ده ده لر". ينسحب عدم الاعتراف بالهوية العلوية في أكثر محطاته حساسية من خلال اقتصار تدريس مادة الدين في المدارس الرسمية على المذهب السنّي الحنفي؛ حتى في المدارس في القرى التي يشكل العلويون كل طلابها حيث يأتي إمام سنّي ليدرّس الطلاب(العلويين) الدين الاسلامي على المذهب الحنفي.ويطالب هنا العلويون إما بإلغاء مادة تدريس الدين من الدستور وإما تدريسها بشكل تشمل كل الأديان والمذاهب أو اعطاؤهم الحق بتدريس المذهب العلوي في المدارس ذات الكثافة العلوية.وحتى الآن ليس من تجاوب مع هذا المطلب. ويقول علي بلقيز: إنه يتم التمييز ضد الطلاب العلويين في المدارس ويجبرونهم على اقامة الصلاة على الطريقة السنّية ويوجّهون لهم الاهانات.كما انهم يقيمون جوامع بالقوة في القرى العلوية. وقال: إنهم يعينون اماما لجامع فيقرأ القرآن ويرفع الأذان فينظر حوله فلا يجد احداً. ومن تلك المطالب الغاء خانة الدين من تذكرة الهوية الشخصية.حيث ان معاهدة لوزان 1923 قسمت المجتمع على أساس دسني: مسلم أو مسيحي أو يهودي. وعلى هذا الاساس توضع بجانب خانة الدين احدى هذه الصفات لكن العلويين يطالبون بإلغاء هذه الخانة لأنها تتعارض مع العلمنة والمساواة في المواطنة بين المواطنين.وهم يرون ان وضع صفة مسلم في هذه الخانة هي محاولة من السنّة لإلغاء الهوية العلوية. يراهن العلويون في تركيا على المسار الأوروبي لتحقيق مطالبهم، خصوصاً أن تقارير الاتحاد الأوروبي الدورية حول مدى تقدم تركيا في تلبية الشروط الأوروبية تتضمن الاشارة الى النمطالب العلويين كما أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان غالبا ما تسفر عن أحكام مؤيدة للمطالب العلوية ومنها الغاء خانة الدين عن الهوية وإلغاء تدريس الدين على مذهب محدد. لا يملك العلويون في الواقع أية وسيلة ضغط سوى المطالبة السلمية بحقوقهم. وليس فقط لا يميلون الى العنف ولم يستخدموه يوما بل غالباً ما تعرضوا هم لاعتداءات وتجاوزات من قبل التيارات الدينية الإسلامية. ولم يختلف وضع اي حزب اسلامي سواء في العقود السابقة أو في عهد حزب العدالة والتنمية لجهة افتقاده لقاعدة علوية ولندرة وجود نواب علويين في صفوفهم. لكن في الوقت نفسه فإن العلويين تعرّضوا للتمييز ضدهم بمعزل عن طبيعة السلطة لجهة عدم تمكينهم من الوصول إلى مواقع عالية حساسة ولا سيما في المؤسسات العسكرية والأمنية وحتى الادارية. ويعطي العلويون مثالاً على هذا التمييز الفاضح أنه من أصل 81 محافظاً تركيا ليس هناك من محافظ علوي واحد، رغم انهم يشكلون ربع السكان على الأقل، وتوجد محافظات بكاملها ذات أغلبية علوية كبيرة.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية