الجمعة، نوفمبر 02، 2012

الديمقراطية الداء والدواء

عندما نتحدث عن الديمقراطية للاسف نختزلها في مؤشر واحد، انتخابات حرة ونزيهة تجرى بصفة دورية. هذا هو فهم الدول النامية للديمقراطية وهذا هو السبب الرئيسي لفشل كل تجارب التحول الديمقراطي فيها. الديمقراطية هي مفهوم له تعريف اجرائي أي مؤشرات تعطي معنى واضحا عنه، وهو نظرية كاملة في علم السياسة المقارنة ولازالت تتطور يوما بعد يوم. الدول النامية عندما وضعت في مأزق ضرورة التحول للديمقراطية نتيجة للضغوط الخارجية عليها، اختزلت الديمقراطية في الانتخابات واستخدمتها كي تجرى عملية تحول شكلي واهية تمكن الطغاة ونظام الحزب الواحد من الاستمرار ولكن بعد تجميل النظام. وهذه النقطة تحديدا محل بحث في عدد من مراكز الابحاث المتخصصة في الديمقراطية، لان احد أهم الانتقادات الموجهة للنظرية جاء من فكرة الانتخابات وما تسفر عنه، فيفترض ان الانتخابات فيها من يربح ومن يخسر فكيف يتعامل المجتمع مع الخاسر وهو في مصر مثلا في الانتخابات الرئاسية الاخيرة يقارب النصف. كذلك الحال في العراق فالقائمة العراقية التي كسبت الانتخابات كسبتها بفارق مقعد او مقعدين ومع ذلك لم تشكل الحكومة؟ في الدول المتقدمة هناك اليات تجعل الحكم للفائز نعم لكن مع ضمان حق الخاسر وعدم حرمانه من المعارضة وهذا ما نفتقده نحن هنا، نفتقد الآليات واهمها الدستور. ولنعد جميعا للدستور العراقي الذي يعقد عملية التحول للديمقراطية بمواده المتعارضة والمبهمة والمختلف عليها والتي كان من المفروض ان تعدل وإلى الآن لم تعدل، ولا اتوقع الدستور المصري سيكون احسن حالا ما لم يكن أسوأ. الديمقراطية لها شقان: الاول مؤسساتي والثاني متعلق بالحريات واحترام حقوق الانسان. نظرة للبرلمانات العربية خاصة في العراق ومصر تجعل المراقب فورا يدرك انها مجرد مبان فخمة دون انتاج يحترم المواطن ويحترم انسانيته ويلبي احتياجاته. منْ يعارضني ليذكر لي القوانين التي اصدرها البرلمان العراقي لصالح المواطن العراقي، وما الذي ساهمت فيه هذه البرلمانات لخدمة المواطن وحمايته والدفاع عن حقوقه، ابسط القضايا الكهرباء وغيابها عن العراق فماذا فعل البرلمان لمحاسبة الحكومة، الأمن اين هو ولماذا هو المسكوت عنه رغم ان غيابه يتسبب في موت الكثيرين. الشق الثاني وهو الحريات، ولا اعتقد اننا نستطيع أن نقول اننا وفرنا هذا الجانب من الديمقراطية سواء في العراق او في مصر. لازالت السجون تغص بالمعتقلين الذين يسجنون دون جريمة ولفترات تطول وتخالف ما ورد في الدستور، بل ويعذبون وتنتهك انسانيتهم وتقارير المنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة العفو الدولية تؤكد ما أقول. فأين هي الديمقراطية وانسانية الفرد تنتهك دون رحمة ودون أن يجد من يدافع عنه لا برلمان ولا منظمات مجتمع مدني. أين حرية الصحافة والإعلام والمادة الرابعة ارهاب في العراق تنتظر الجميع مرحبة بغلق أفواههم إن تجاسروا وفتحوها اعتراضا أو نقدا للحكومة الموقرة ولازلنا نذكر ما حدث مع بعض الصحف والكتاب العراقيين وقناة البغدادية، وكذلك الحال في مصر مع كتاب معروفين منعت مقالاتهم من النشر وصودرت بعض الصحف وتم اغلاق قنوات تلفزيونية، فهل هذه هي الديمقراطية؟ الديمقراطية تعني القضاء على الفساد، والمراقب لما يصدر عن المنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة الشفافية وتقارير الأمم المتحدة سيجد الدول العربية على رأس الدول التي يزدهر فيها الفساد لدرجة أنه أصبح حرفة من لا حرفة لا، السرقات بالملايين ولا أحد يتكلم أو يحاسب الحكومة بما في ذلك البرلمان. البرلمان الذي يساهم بدوره من خلال ما يتمتع به النواب في زيادة نسبة الفساد وسرقة المال العام وافقار المواطن فهل هذه الديمقراطية؟ ان قلتم نعم سأقول لكم واين مبدآ المحاسبة والمسئولية؟ هل سمع أحدكم عن مسئول سرق وتم سجنه أو محاسبته؟ بالطبع لا فالجميع متورطين بدرجة أو بأخرى في عمليات السرقة والنهب. من شروط الديمقراطية الصحيحة القضاء الحر وسيادة القانون وعدم تسييس القضاء، المراقب للأوضاع في الدول العربية سيجد أن ما سبق شعارات وهمية، فالقضاء غالبا م يدخل طرفا في الصراعات السياسية ويجر لها ويتم توريطه، وللأسف تضيع حقوق الناس والقضاء منشغل بهذه الصراعات، بل أن بعض القضاة يجبرون على اصدار أحكام مخالفة لضمائرهم من أجل استمراريتهم في الوظيفة أو خوفا على اقربائهم. الديمقراطية تعني مجتمعا مدنيا قويا وفاعلا، يمارس دور الرقابة على الحكومة ويعالج اختلال سير أعمالها فهل رأيتم هذا في العراق أو في مصر، لا أعتقد بل كل ما أراه أن هناك اتجاه قوي لاضعاف هذا الدور وتكبيله ببعض القوانين التي تقلل من فاعليته وتجعله تحت رحمة الحكومة، ان قام هذا المجتمع بدوره فالاتهامات جاهزة وأقلها العمالة للخارج وتلقي أموال لتخريب البلد، منظمات المجتمع المدني عبارة عن منظمات خدمية في أغلبها لا تمارس باقي الانشطة الاخرى التي يفترض بها أن تقوم بها ولهذا فهي لا تعد نموذجا صالحا للحكم على أن البلد يمر بمرحلة تحول ديمقراطي حقيقي. الديمقراطية تعني تمكين المرأة واحترام حقوقها ولا أعتقد أن أحدنا يجهل أن المرأة هي الجزء المنسي في عملية التحول للديمقراطية، بل على العكس هي من دفعت الثمن في هذا التحول وأصبحت مجنيا عليها في هذا التحول خاصة في ظل وصول قوى الإسلام السياسي للحكم، هذه القوى التي لا يشغل بالها الا الحد من حقوق المرأة وارجاعها لعصور التخلف والإستبداد، من ينكر قولي ليخبرني عن القوانين التي صدرت لصالح المرأة ومن أجلها وساهمت في حل مشاكلها المزمنة،ليخبرني عن عدد السيدات في المناصب القيادية، ليخبرني عما قدمه المجتمع للمرأة. من كل ما سبق اقول نعم الديمقراطية هي الحل لكل مشكلاتنا، ولكن هنا يجب ان نتحدث عن الديمقراطية الحقة بمؤسساتها القوية والصلبة وقوة القانون وحكمه وبجانبها المتعلق بالحريات وضمانها،الديمقراطية التي تقوم في ظل اقتصاد قوي ونهضة صناعية تكفل الضمان والحماية للديمقراطية، بدون كل ما سبق سيتحول الدواء لداء مزمن يقضي على مجتمعاتنا لانه سيعتمد فثط على الانتخابات التي تعطي الفائز وتحرم الجميع وفي ظل مجتمعات لازال لرجل الدين فيها سطوة فالنتيجة معروفة ومحسومة مسبقا لمن يجيدون استخدام الدين وتطويعه لخدمة اغراضهم الشخصية وحبهم للسلطة والنفوذ. سهام فوزي

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية