الجمعة، ديسمبر 28، 2012
هل نسي الأسد أنَّ فَتْح دمشق بدأ بمعركة اليرموك؟
إنَّه لأمْرٌ في منزلة البديهية الهندسية أنْ تقول إنَّ الحُكْم الأسدي (المديد، الممتد من الوالد إلى ولده) لسورية هو الأسوأ عربياً وعالمياً بمعياريٍّ "الاستبداد" و"الفساد"؛ وليس من سوريٍّ حُرٍّ، ولو قليلاً، يجادِل في هذا الأمر؛ وإنَّه لأمْرٌ في منزلة البديهية الهندسية أيضاً أنْ تقول إنَّ عداء هذا الحُكْم للشعب الفلسطيني، وقضيته وحقوقه القومية، والمتأصِّل في نفس الأسد، والداً وولداً، هو خير وأقوى دليلٍ على أنَّ الحُكْم الأسدي مجبولٌ على العداء الحقيقي للقضايا القومية العربية، وخادمٌ ذليل لكل عدوٍّ قوميٍّ للأمَّة العربية، وللعدوِّ الإسرائيلي على وجه الخصوص؛ ولن تقوى كل مزاعمه القومية على طمس هذه الحقيقة التي تفقأ العيون.
أمَّا الخادِم الفلسطيني الذليل لهذا الخادم الذليل للعدوِّ الإسرائيلي، وهو أحمد جبريل وعصابته، فهو دليلٌ إضافي على حقد الأسد (حافظ وبشار) على الشعب الفلسطيني، وعدائه له؛ ولو سأَلْتَ أي فلسطيني "ما هي الخِسَّة والنذالة والرُّخْص..؟"، لأجابكَ على البديهة قائلاً: "إنَّها أحمد جبريل"، الذي صنعه "الجهاز الأمني الأسدي" ليكون سلاحاً له في حربه الدائمة على الشعب الفلسطيني.
وقبل المجزرة التي ارتكبها (ويرتكبها) بشار الأسد في حقِّ اللاجئين الفلسطينيين في مخيَّم اليرموك، والذين آلمهم كثيراً ما ارتكبه سفَّاح سورية من مجازر في حقِّ أشقائهم السوريين، عانى الفلسطينيون كثيراً من وحشية الأسد الأب في لبنان؛ ولقد بانت لهم في مخيَّم تل الزعتر، على وجه الخصوص، حقيقة حُكْم الأسد عاريةً من الأوهام القومية التي استصلح لباسها، واستصلح له أسياده من أعدائنا القوميين لباسها في سعيهم إلى جعله يخدمهم على خير وجه، وفي أوقات الضِّيق والشِّدَّة على وجه الخصوص؛ ولعلَّ هذا ما جعل الفلسطينيين جميعاً يجدون مشقَّة كبرى في تمييز "الأسدية" من "الشارونية"؛ فالمقارنة الفلسطينية بين هذه الوحشية وتلك كانت تفضي دائماً إلى زيادة اقتناع الفلسطينيين بأنَّ "الأسدية" هي، بـ "المعيار القومي الفلسطيني ـ العربي"، "الشارونية" بأسوأ صورها وأشكالها.
ويحقُّ للفلسطينيين أنْ ينسبوا إلى أنفسهم الفضل في اكتشاف، وكَشْف، "الماهية الحقيقية" للحُكْم الأسدي، قبل غيرهم؛ وأحسبُ أنَّ استطاعتهم رؤية "الأسدية" بعيون يقظة لا تغشاها الأوهام هي ما جعلتهم يُحْسِنون فَهْم وتعليل ما أبداه الأسد (الأب والابن) من "صلابة" في مفاوضاته للسلام مع إسرائيل؛ فهو لا يريد معاهدة للسلام معها؛ لأنَّه لم يتخلَّ لها عن الجولان من أجل أنْ يطالب لاحقاً باستعادتها؛ لقد تخلَّى لها عن الجولان، والتزم عدم السعي لاستعادتها، إنْ سِلْماً أو حرباً، مع التظاهر بالتزامه هذا السعي، وأسبع عليها نعمة الأمن المُطْلَق، في مقابل أنْ يبقى مُحْكِماً قبضته على سورية وشعبها؛ فهو كان أذكى من أنْ يُصَدِّق أنَّ له عدوَّاً لدوداً غير شعبه.
وذكاؤه هذا قاده إلى الاستمساك بالسبب الحقيقي لبقائه، والذي هو، في محتواه، الاستبداد والدكتاتورية والقمع والإرهاب والترويع والفساد وبَثِّ الفُرْقة التي يحتاج إليها كل حاكمٍ أوتوقراطي معزول ومكروه شعبياً؛ أمَّا في شكله (أو في الشكل الذي يستصلحه هذا المحتوى) فكان هذا "العداء اللفظي (الكاذب الخادع المضلِّل)" لإسرائيل؛ وأحسبُ أنَّ "الزِّنى" هي الجريمة الكبرى التي يجب أنْ يُعاقَب عليها حُكْم الأسد؛ فهو، والحقُّ يُقال، الزَّاني الأوَّل والأكبر بالقضية الفلسطينية؛ ولن تُغْفَر له أبداً جريمته الكبرى هذه.
حتى وهو يَلْعَب لعبة "الاضرار بأمن إسرائيل، من طريق غيره، وانطلاقاً من لبنان على وجه الخصوص" كان يسعى في إقناع الإسرائيليين بأنَّه النَّافِع لهم ولأمنهم؛ فالهدف الكامن في أساس لعبته هذه إنَّما كان أنْ يُثْبِت لإسرائيل أنَّ النَّافِع لها هو من يستطيع إلحاق الضرر بها.
ومن أجل أنْ يظلَّ قادراً على لعب هذه اللعبة جدَّ واجتهد في أنْ يَسْتَجْمِع في يده كل ما يمكنه استجماعه من "أوراق الضغط"؛ فاستجماعه لهذه الأوراق، مع استعماله لها، أو لبعضها، عند الضرورة، هو بعضٌ من "العُمْلة" التي كان بها يشتري بقاءه، أو مزيداً من بقائه.
لقد كان لإسرائيل مَصْدَر الأمن والأمان؛ ولو كان في فِعْله شبيهاً بزعمه لَمَا رَأَيْنا هذا الحرص الإسرائيلي على بقائه واستمراره، ولَمَا رَأَيْنا الولايات المتحدة (وقوى غربية أخرى) تستخذي لمشيئة إسرائيل، وتتصرَّف، من ثمَّ، بما يُهيِّئ له مزيداً من فُرَص البقاء المُقْتَرِن بتدمير مقوِّمات البقاء لسورية نفسها؛ ويكفي أنْ يُنْجِز الأسد، في صراعه من أجل البقاء، مهمَّة القضاء على مقوِّمات سورية، حتى نرى إسرائيل (والولايات المتحدة من ثمَّ) تتصرَّف تَصَرُّف من انتفت لديه الحاجة إلى الأسد وحكمه، ومن اشتدت لديه الحاجة، في الوقت نفسه، إلى أنْ يَسْتَثْمِر جهوده في الواقع السوري الذي يتمخَّض بسقوط الأسد؛ وشتَّان ما بين واقع سوريٍّ قديم، كانت تَنْعُم فيه إسرائيل بـ "اليقين"، وواقع سوريٍّ جديد، يَحْرم إسرائيل من نِعْمة "اليقين".
وإنِّي لمتأكِّد تماماً أنَّ السقوط الحتمي للأسد لن يكون إلاَّ ضربة في الصميم لإسرائيل، ولو بعد حين؛ فأنتَ لا يمكنكَ أنْ تكون معادياً للأسد من غير أنْ تكون معادياً، في الوقت نفسه، لإسرائيل؛ كما لا يمكنكَ أنْ تكون معادياً لإسرائيل من غير أنْ تكون معادياً، في الوقت نفسه، للأسد.
1 comments:
العداء للأسد عداء لاسرائيل، والعداء لاسرائيل هو عداء للاسد.
إرسال تعليق