الاثنين، ديسمبر 31، 2012
ماذا وراء الترويج لـ 'النصرالمستحيل'..والتلويح بخيار التقسيم في سوريا؟
بعد التطورات التي طرأت على تشكيلة المعارضة السورية بشقيها المدني والعسكري في الشهرين الأخيرين، وخروج فاروق الشرع (نائب بشار) بتصريح اعتبره البعض"بارومترا" يستهدف جس نبض من يعنيهم الأمر تجاه حل سياسيي عن طريق الحوار بين النظام وقوى الثورة. يحق لكل منا أن يتساءل: أين كان هذا الرجل كل هذه الفترة التي لم نره خلالها غير ثوان عابرة، كما ظهر في جلسته الصامتة أواخر آب الماضي مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية فى البرلمان الإيرانى.
ولماذا لم يَبُح طوالها ببت شفَة، وما الذي أعطاه جرعة هذه الجرأة كي يُدلي بكلام يُناقض الموقف الرسمي المعلّن على الملأ ليل نهار،عندما اعترف أن نظامه غير قادر على حسم الصراع مع قوى الثورة السورية؟
لا أحد يمكنه أن يفسّر جازما في أي سياق أُرِيدَ لتصريحه أن يصبّ، على الرغم من المعلومات التي تؤكد أن ثمة من التقطه وبدأ حراكا في أكثر من اتجاه وعاصمة للإستفادة منه، على اعتبار أنه يمثّل موقف النظام غير المصرّح به حتى الآن.
ولكن السؤال الذي يتوجّب طرحه هنا ومنذ بداية التطوّرات الأخيرة هو : هل وضعت فصائل المعارضة السورية وقوات جيشنا الحرّ موضع التساؤل والتفسير حالة الاستنفار الفجائي التي أحدثتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قبل شهرين من اليوم، أي بعد مضي حوالي عشرين شهرا على انطلاق الثورة وما رافقها من مجازر هزّت ضمير العالم، عندما دعت علانية إلى تجاوز المجلس الوطني السوري، والبدء بعملية تجديد وتوسيع وتآلف، بعد سلسلة تصريحات لمسؤولين أميركيين انتقدوا فيها تقصير المجلس وعدم قدرته على جذب المزيد من المعارضين المدنيين والعسكريين؟
هل سأل أحد نفسه عن السر الحقيقي الكامن وراء هذه الدعوة وتوقيتها وما تلاها من تغييرات، وكيف تمت الإستجابة الفورية لها وجرى تنفيذ مضمون ما ورد فيها بقدرة قادر، بعد أن بقيت متعثرة تراوح مكانها منذ انطلاق الثورة؟
طرح هذه الأسئلة لا يرمي إلى تحقيق هدف ما بقدر ما يستهدف الحصول على أجوبة تمكننا من حل اللغز الكامن وراء هذه التطوّرات، كي يتأكد العالم بمنأى عن"بروباغندا" الدولة الأكبر وألاعيبها، هل الولايات المتحدة حريصة فعلا على دماء الشعب السوري ودعم ثورته، أم أن وراء الأكمة ما وراءها، وهذا لن يثبت إلا بانكشاف النتيجة التي قُصِد الوصول إليها من وراء هذه التغييرات، وهي لن تخرج في أي حال عن ثلاثة احتمالات.اثنان منها طبيعيان في مسيرة أي ثورة. أما ثالثها فغير طبيعي، وهو المخيف المخبّأ من قبل القوى التي تدّعي السعي لمصلحة الشعب بالتصريحات الكلامية وعقد المؤتمرات هنا وهناك، دون أن تُقدّم شيئاً ملموساً لدعمه. بانتظار...
الاحتمالان الأوّلان لا يخرجان عن إطار إما أن يسقط النظام بأية وسيلة من الوسائل، أو أن تُسحَق الثورة لا قدّر الله.
أما الاحتمال الثالث فيدور في فلك استعصاء تحقيق أي من الإثنين، إلى جانب عدم التمكن من فرض تسوية مرضية عن طريق الحوار، أو أي شكل من أشكال التدخّل الخارجي، الأمر الذي سيدفع الأوضاع إلى حال أسوأ من الوضع الحالي.
عندها، يستحيل التعايش بين "الفرقاء" الذين يمثّلون أطراف الصراع، ويكون انكفاء كل منهم داخل محيطه الطائفي أو المناطقي هو الحل الأسلم بالنسبة إليه بدل استمرار مسيرة التصفية حتى النهاية، وهذا ما بدأنا نتخوّف منه ونسمع عن الإعداد المسبق له في مناطق معيّنة كساحل المتوسط وجبل العلويين، كما بدأنا نسمع أصواتاً تريد أي حل يوقف شلاّل الدم.
قبل قراءة ما حصل في الشهرين الأخيرين ومحاولة تفسير هذا الحبّ الأميركي الجارف والمفاجئ، الذي فرض تغيير هيكلية الثورة وإعلان التآلف ثم تشكيل القيادة العسكرية العليا، وما تلا ذلك من اعترافات دولية واسعة، لا بد من الرجوع إلى الوضع الذي سبق انطلاق الثورة، ومعرفة ما الذي دفع ـ مؤخرا فقط ـ إلى التدخل الطارئ بعد كل الذي حصل.
بالنسبة للأميركان وغيرهم من القوى الكبرى، ليست دكتاتورية أي نظام ولا قائمة جرائمه الداخلية هي الأهم والأكثر خطورة، بل السياسة والمواقف.
وإذا اعتبرنا إن أبرز ما ميّز نظام بشار ووالده من قبله ما اصطلح على تسميته بالممانعة التي لم تُطلق رصاصة واحدة بعلم الجميع، فإن الثابت بالتجربة طوال العقود الأربعة الماضية أن هذه الممانعة بكل أطروحاتها المقتصرة على الكلام أفضل حالة لكل من أميركا وإسرائيل، لأنها لا تعني التحرير، ولا حتى توهم الناس بجديتها العملية في هذا الاتجاه، بل تعني ـ في أحسن التفسيرات ـ التمنّع عن فعل ما سلباً أم إيجاباً، في حين تُبقي الوضع مجمّدا إلى ما شاء الله!
هذه الصيغة "الفهلوية"لا ترفضها إسرائيل، بل تتعايش معها وتقبل بها مثلما تقبل بمن يتعامل معها بنصف علانية أونصف سرية، كما تقبل أيضاً بمن يتعامل معها بسرية كاملة.
المهم بالنسبة إليها أن تفعل ذلك ولو بأية صيغة، ولا أحد حتى الآن لا يتعامل مع هذا الكيان الصهيوني، سواء مباشرة أم عن طريق طرف ثالث بغير هذه الطرق، اللّهمّ إلا إذا اعتبرنا الممانعة طريقا مميزا لذاته، يُرضي الممانِع والممانَع أمامه وبعض المخدوعين فيها. وهذا هو الاستثناء الذي مثّله موقف نظام عائلة الأسد.
أَمَا وقد وصل وضع هذا النظام إلى نقطة تؤكد استحالة بقائه مهما طال الوقت، فهذا يعني أن الوضع البديل سيكون مفتوحاً على المجهول في ظل عدم معرفة ملامحه أو الاتفاق عليه، وهذا ما شغل الغرب والشرق ودفع وزير الخارجية الروسي أخيراً الى القول بأسلوب ليّن أن ما يُشغل بلاده ليس شخص بشار وذهابه بالدرجة الأساس، بل من سيكون البديل. وأنه قد عبّر عن هذا الموقف مرارا وتكرارا، لكن الكثيرين لم يقرأوا ذلك حسب قوله. علما بأن الولايات المتحدة قد اعترفت هي الأخرى أن عقدة التفاهم بينها وبين موسكو تكاد تُحَل إذا حصل الروس على الإجابة الواضحة، وكيفية التعامل المشترك مع هذا البديل. ذلك لأن مجهولية البديل تعني مجهولية المستقبل داخل منطقة مشتعلة، وفي بلد محوري وأساسي سياسيا وجغرافيا. فسوريا من هذا الجانب ليست كتونس ولا السودان أو البحرين..وغيرها.
خصوصية هذا الوضع الذي كانت روسيا تضعه في الاعتبار الأول وبقيت تضرب على وتره حتى الآن، كان الأميركان يدركون أهميته ويتعاملون معه انطلاقا من موقع الحرص على ضمان استقرار ما كان مستقرا طوال العقود الماضية، سواء بوجود بشار أم بمن سيخلفه لا يهمّ.
لذلك واجهوه بالتريث وإعطاء الفرص المتتالية للنجاة، ثم بتوجيه نداءات التحذير له كي يلتزم أوّلا بالتجاوب مع متطلبات شعبه، ثم بوجوب وقف عمليات القتل والتدمير، وأخيرا بدعوته إلى التنحّي.
أّمَا وقد استنفدت كل المحاولات دون أية استجابة من قبل النظام، فإنه لم يعد أمام الولايات المتحدة في ظل فقدان الحل الذي يضمن حالة الاستقرار التي كانت سائدة، إلا أن تعيد النظر في صيغة المجموعات المعارضة من باب الحرص اللفظي عليها، وهكذا أتت دعوة التغيير الشامل التي أوعزت السيدة كلينتون بضرورة تنفيذها. وسريعا جاء الجواب في مؤتمر الدوحة، وتم تشكيل الائتلاف الذي سارع إلى إعلان تمسكه بهدف إسقاط النظام وعدم الحوار معه.
لكن توحيد الإرادة السياسية لن يستطيع وحده أن يُسقط النظام أو إجباره على حلّ لا يريده، طالما أن التدخل العسكري غير قابل للتنفيذ، بعد أن سقطت حجّة الكيماوي منذ كذبة إدارة بوش حول العراق ولم تعد مقنعة لأحد. ولهذا جرى استكمال هذه الإنعطافة السياسية بعقد "دوحة العسكر"في أنطاليا.
وإذا كان الأميركان لم يظهروا علناً عند تشكيل التآلف السياسي في العاصمة القطرية، فقد كانوا هم أصحاب الحضور المباشر على تشكيل التآلف العسكري في أنطاليا، وتسمية مجلس القيادة العسكرية المشتركة بحضور الأتراك وغيرهم، وقد اكملوا تحضيرهم للمشهد الجديد بالاعتراف الكامل بكل من التآلف والمجلس العسكري.
هل بتنا الآن أقرب إلى تبيان المخبّأ من النوايا وراء الوُدّ الأميركي ـ الأوروبي المصطنع، وهل ينتهي الصراع بانتصار الثورة التي أكدت في آخر بيان مشترك بين هيئة الآركان والائتلاف المشترك على هدف إسقاط النظام بكل رموزه، أم يستحيل انتصار طرف على آخر على حد تعبير الشرع، ومن بعده ما أُوعِز لمفتي النظام الأكثر تملقاً لبشار بقوله للمعارضة أن عليها السعي إلى "تغيير النظام بالحوار لا بالقوة"؟
أسئلة تخلو من الإشارة إلى الاحتمال الذي يجري التجهيز له، وقد يكون هو البديل والضياع في آن. اللهمّ إلا إذا كنا ممن يحلمون بإمكانية أن ينشقّ بشار عن نظامه أو ينشق النظام عن جزّاره.
د.عمّار البرادعي
كاتب سوري
0 comments:
إرسال تعليق