الأحد، يناير 06، 2013

السُّنّة الإيرانيون: إقصاء مزدوج مذهبي وعرقي

تَطرح إشكاليات السنّة في إيران كأقلية من الأقليات لها حقوق وعليها واجبات؛ مشكلة المستوى الحضاري للكيان الفكري الشيعي من جهة، ووجهه السياسي، وانتشاره المجتمعي من جهة أخرى كصانع قرار في المحصلة النهائية. فعند ذكر هذه الكلمة "أقلية سنّية" تتوارد جملة أحكام مسبقة أهمها: مفهوم الأضعف أو القاصر، أو الأمر الذي يوضح مدى قدرة الأقوى، أو المتمتع بعلاقة قوة مع الآخر، وموقفه من كرامة هذا الآخر الذاتية، بتعبير آخر: ما مدى الحرص على حق الآخر كجزء أساسي من "مفهوم حق الذات" في العيش بحرية والشعور بالأمان في حياة كريمة؟

الغالب في الماضي والحاضر من تاريخ الكيانات الحضارية؛ قيام الدول على تعدد من الأديان والقوميات، وإيران واحدة من تلك الدول التي تحفل بحمولة تعددية ثقافية هائلة. فمثلاً من حيث التنوع اللغوي هناك قرابة (110) مائة وعشرة لغات، أهمها خمس لغات هي: الفارسية -اللغة الرسمية للدولة- والبلوشية، والكردية، والعربية، والأذرية. وعندما دخل الفرس في الإسلام سمت تصوراتهم العقيدية، وعلوا في النظم الاجتماعية، وتحرروا من أصفاد الحكم المطلق. وتخلصوا من أوهاق(اغلال) الظلم والاستبداد، وسمت حتى أرواحهم، وظهر فيهم العرفان، والمتصوفة، والزهاد. إن الوصف الدقيق للتوزع الجغرافي في التجمعات السُّنّية في إيران عملية وعرة من جهتين: 

الأولى: إن الوثائق الوطنية التي يحملها المواطن الإيراني لا تصف المذهب وإنما الدِّيانة؛ فيتساوى السُّنّي- أياً كان توجّهه- بالشيعي أياً كان مشرَبه- وعندئذ نحن أمام أقلية متماثلة في الانتماء للجنس الديني لمن نودّ معرفة موقعها منه؛ من حيث إنهما يحملان وصف الدين الإسلامي فحسب.

الثانية: إن وجود مثل هذا الوصف يسبب تفاقم الإثنيات، ويعمق إشكالية السُّنّة في حال وجوده، مثل تصاعد الأزمة الطائفية والعنصرية المجتمعية. فطائفة السُّنّة في إيران تعتبر ثاني أكبر نسبة. بعد الأكثرية الإمامية التي تتجاوز في الإحصاءات الأخيرة نسبة(85%) خمسة وثمانين بالمائة.

تكاد تتقارب وتتفق الدراسات والمحاولات، فالإحصائيات السكانية لا تظهر عدد المسلمين السُّنّة في إيران على الوجه الدقيق والمتيقن؛ وترى أنه من الصعب معرفة نسبتهم في إيران، إلا أن المتعارف عليه في الدوائر السُّنّية أن تعداد السُّنّة ليست بأقل من "14إلى نحو 20 مليون نسمة"، وتتراوح نسبتهم المئوية ما بين: (20% وترتفع في حدها الأقصى إلى30%) من عدد السكان الكلي. علماً أن عدد السكان الأصلي في تقديرات العام (2009) يقدر بقرابة أربعة وسبعين مليون نسمة.

المشكلات التي تعترض "المسألة السُّنّية" في إيران شديدة التداخل، ومرجعها ليس المذهبية وحدها - وإن كانت أكبر العوامل- فجزء منها يعود لأسباب عرقية في دولة متعددة العرقيات مثل إيران، فجميع المسلمين السُّنّة في إيران ليسوا من أصول فارسية، فهم إما أكراد أو بلوش أو عرب أوترك، أو لأسباب جغرافية فمعظم أهل السُّنّة يقيمون على أطراف الدول التي تصل بينهما وبين دول سنّية هي على خلاف مع إيران مثل أفغانستان أو باكستان، أو العراق، وزاد من مشكلتهم "البعد السياسي" الذي تمثّل في عدم انخراطهم في الثورة الإيرانية منذ بدايتها. 

إن التجربة التاريخية الإيرانية مع "الأقلية السُّنّية" تمّت في إطار معطيات محلية معيّنة؛ وفي ظل بيئة اجتماعية، وسياسية، أهم ما يميزها الخصوصية الشيعية لأغلبية إيران، ومركزية "المراجع الدينية" في صنع القرار في مصائرها، وبلورة المواقف الاجتماعية الناشئة عنها، وتكوين توجهات الرأي العام تجاهها.

من الواضح أيضا أن إخفاقات المسلمين، عموماً، ليست نتيجة لدهاء الأعداء بداءة، وإنما للعجز عن الكف عن استبداد بعضهم بعضاً بداهة! وتوظيف النعرات الطائفية لا يخدم في النهاية إلا المستبد الخارجي والداخلي. 

وإن كانت من إفادة تدرس وتقدمها لنا النماذج الحقوقية القليلة الماضية للأقلية السُّنّية في إيران؛ فإن هذا الدرس وتلك الفائدة أوجزها الرئيس الإيراني محمد خاتمي بقوله: "إن ما نفقده على طول خط الفكر السياسي؛ هو غياب السؤال عن ماهية التغلب والمغالبة، وعن كيفية الخروج منه".

لماذا الاستعلاء وقد أمرنا بالتواضع؟ قواسم مشتركة كثيرة تجمع المسلمين، وقيم رفيعة تؤلفهم، وعقيدة أساسها التوحيد، قادرة على لم الشتات، وكتاب واحد لا يأتيه الباطل دستورهم، وأساس أول من أسس الشريعة، وكعبة واحدة يتوده إليها في الصلوات، تجمعهم كل عام على أساس شعيرتي الحج والعمرة، تنطوي على مظاهر التوحيد والوحدة، وتتجلى معانيها الظاهرة والباطنة في ذلك المعنى البديع.

إن ما يتشبث به البعض من الاختلافات في بعض التصوّرات العقيدية - وهي خلافات لا ينكرها أحد- فإن ذلك لن يحول دون تحقيق الواجب، في أن نكون بحق أمة واحدة وجعلها ذريعة دون تحقيق الوحدة، لم يكن سوى إصرار على تثبيت الخطأ والتمادي فيه.

وما ذهب إليه البعض الآخر أبعد من ذلك، فراح يكفر ويفسق، والأدهى "يقتل": يحكم على هذا بالشرك، وعلى الآخر بالكفر، غير عابئ بالنصوص الملزمة بالنهي عن سلوك مسلك الإقصاء، الذي لا يعبّر سوى عن مظهر شاذّ عن الدين، قد حكمته الأهواء. وقد أعيته الحجج والبراهين. وما التطرّف الذي نشأ هنا وهناك، إلا إفراز لعقلية مريضة، تأسست على إلغاء الآخر، وإلا كيف نفسر سلوك هؤلاء الذين ينسبون أنفسهم إلى الإسلام، وقلوبهم قد طلقتها الرحمة، فهي كالحجارة أو أشد قسوة، ووجوههم مسحتها الكلوحة، وترسبت فيها الفضاضة والغلظة، سمحوا لأنفسهم سفك دماء المسلمين بدعوى الشرك ونحوه.

لكن تبقى أطروحة "الإسلام المحمدي" الأصيل هي المنهج الصائب، لينسج بقية المسلمين على منوالها، وإلى أن يكتمل وعي شعوبنا الإسلامية بتكاليفها، يبقى على طلائعها كثير من العمل لبلوغ الغاية، وتحقيق المؤمل، وهو ما نراه قريب التحقيق في هذا العصر، الذي لا أغالي إن قلت إنه عصر الصحوة لا بل عصر اليقظة والإبصار الذي يسبق النهضة والإعمار -كما يعبّر البعض-، وظهور الدين الإسلامي الحق على الدين كله في مسرح المسكونة: يعمل أبناؤه كمنقذين للإنسانية من كوارث الطبيعة البشرية؛ وأزمات الطبائع البيئية؛ ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ؛ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ (البقرة :143).

1 comments:

غير معرف يقول...

المشكلات التي تعترض وجود السُّنَّة في إيران شديدة التداخل، ومرجعها ليس المذهبية وحدها فجزء منها يعود لأسباب عرقية في دولة متعددة العرقيات.

المقال خلاصة من بحث أحمد الأحمدي 'الملف الحقوقي لسنة إيران ضبابية الأرقام وكابوس البقاء' ضمن كتاب 46 'أهل السُّنَّة في إيران' (أكتوبر 2010) الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية