الأحد، يناير 27، 2013

سوريا عنصر جاذب للإرهاب

حذرت وزيرة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس باراك اوباما (الأول) هيلاري كلينتون في آخر ظهور لها من تنامي العنف في افريقيا. وجاءت تحذيراتها امام لجنتي الشؤون الخارجية في مجلسي الشيوخ والنواب أثناء استجوابها في قضية مقتل السفير الاميركي وعدد من اعضاء السفارة في حادثة القنصلية الاميركية في بنغازي العام الماضي.
 وكشفت كلينتون عن معلومات توافرت لوزارتها مفادها أن الاسلحة التي استخدمها الخاطفون في منشآت عين إمناس في الجزائر وصلت اليهم من مالي عبر ليبيا.

 وهذه التحذيرات التي اطلقتها كلينتون ليست نابعة من فراغ. فالمعلومات الحقيقة تفيد أنّ مالي شكّلت منطقة استقطاب لمقاتلي تنظيم "القاعدة" وغيرهم من المقاتلين الذين يتيحون الفرص للتحرك في اكثر من منطقة ومكان.

 ولعل اختيار المقاتلين منطقة مالي جاء بعد سقوط نظام معمر القذافي وما نجم عنه من سقوط الاتفاق الذي كان قائماً بينه وبين "الطوارق"، ما جعل هؤلاء يتوجسون خيفة وترقباً من النظام الآتي، وراحوا يعدّون الحسابات للمرحلة المقبلة انطلاقاً من دول الجوار واولها جغرافياً، مالي التي تحتضن في مكوناتها مجموعات بشرية تميل الى العنف بفعل عوامل عدم الاستقرار والفقر والأوضاع الاجتماعية الصعبة ما يجعلها منطقة خصبة لنمو التيارات المتشددة المتجهة نحو العنف.

 ومع بدء فرنسا العمليات العسكرية في مالي اصبحت هذه المنطقة نقطة جاذبة للقوى المتشددة في افريقيا لتحديد بوصلتها واعادة رسم خريطة تحركاتها وتوجهاتها.

 فما قدمته لهم فرنسا من حضور ميداني على الارض يسهل لهم الحركة والاستهداف، وهو ما تدركه فرنسا جيداً، ويجعلها تطلب من الدول الافريقية المشاركة بقواتها في هذه العملية وتقديم كل الدعم والعون والمساعدات لهذه القوات لكي تأخذ دورها في حماية الامن في هذه المنطقة، وتوجيه رسالة واضحة الى كل القوى المتطرفة، مفادها أن افريقيا لن تكون مقراً او مستقراً لتحركاتها بتهديد المصالح الغربية في القارة السمراء.

 ويبدو ان بريطانيا ليست بعيدة عن اجواء ما يجري في المنطقة الافريقية انطلاقاً من ليبيا هذه المرة، حيث دعت رعاياها الى وجوب مغادرة ليبيا وبررت ذلك بالخوف من عمليات انتقامية.

 وفي المعلومات ان الخوف البريطاني مرده معلومات محددة تشي بإمكان تعرض رعاياها في مدينة بنغازي تحديداً لأعمال ارهابية، في اعتبار ان هذه المدينة باتت تشكل تجمعاً للمقاتلين المتشددين بعدما كانت شكلت نقطة انطلاق وتجمعاً بمساعدة حلف "الناتو" لاسقاط نظام القذافي.

 هذه الصورة عن الواقع الارهابي التي يتداولها عدد من العواصم الغربية وما يرافقها من مخاوف، سحبت نفسها على الوضع في سوريا ودول الجوار، ودفعت عواصم القرار الى التلكؤ عن نصرة المقاتلين ضد النظام السوري.

 ولعلّ هذا النظام، بالاضافة الى ما تبثه "جبهة النصرة" الاسلامية من أشرطة فيديو عن اعمالها ودورها في سوريا نجحا في اضفاء طابع التشدد على القوى التغييرية في سوريا، وراح الحديث يتكرر عن تنظيم "القاعدة" ودوره في الحراك السياسي والعسكري في سوريا وجوارها.

 ولا تقتصر المخاوف من تنامي الجهاديين وتنظيم "القاعدة"، على افريقيا او في سوريا فقط، بل وصلت الى روسيا التي تخشى في الاساس من خسارة موطئ قدمها في الشرق الاوسط اذا سقط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

 فما نقله رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط عن مسؤولين روس من ان الاسد باق ليس حبّا به، بل خشية من وصول الاعمال المسلحة والتشدد الإسلامي إلى السكان المسلمين في الجمهوريات السوفياتية السابقة.

 وهذه المخاوف سحبت نفسها على الحكومة العراقية التي تخشى من إستبدال الأسد بحكومة سُنيّة متشدّدة. ففي الوقت الذي كانت سوريا تغض النظر عن انتقال مقاتلي "القاعدة" عبر حدودها لشن هجمات في العراق خلال الحرب الطائفية قبل بدء الانتفاضة السورية، عادت حكومتا البلدين الى تحسين العلاقات بينهما.

 وقد تجلى ذلك في التصريح الذي أدلى به أخيراً رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي امضى سنوات منفاه في سوريا ايام نظام صدام حسين، وقال فيه "إن العراق غير قادر على تفتيش كل الطائرات المتجهة الى سوريا، بناء على طلب اميركي". لكنه اكد ان بلاده ملتزمة ألّا تكون واسطة لنقل السلاح الى سوريا وقال: "لن نكون طرفاً في النزاع بين "الجيش السوري الحر" والحكومة السورية".

 قصارى القول إن تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي التي توقع فيها استمرار الازمة السورية عامين اضافيين، يؤكد صحة المعلومات القائلة إن سوريا تطل على مسرح من العنف لن يُعرف مداه لكن عناصره ستكون مزيجاً من التداخلات الاقليمية والجهادية انطلاقاً من افريقيا وامتداداً الى كل دول الجوار".

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية