الجمعة، ديسمبر 06، 2013

حزب الله ونهائيّة الكيان اللبناني

إعتبر البعض أن تأكيد السيّد حسن نصرالله «نهائية الكيان اللبناني» فرصة تاريخية يجب التقاطها «لإعادة تجديد التسوية اللبنانية التاريخية»، ولكن المشكلة مع «حزب الله» منذ اتفاق الطائف إلى اليوم تكمن في سلاحه ورؤيته للبنان لا لنهائيته.

الخلاف الذي رافق نشأة الكيان اللبناني بين المسيحيين والمسلمين حول عروبة الدولة ونهائيّة الكيان، والذي جاء اتفاق الطائف ليحسم هذا الخلاف عبر تطمينات متبادلة تمّ إدخالها في مقدمة الدستور تضمن للمسيحيين نهائية الكيان وتبدد هواجسهم من ضَمّ لبنان وإلحاقه، وتضمن للمسلمين عروبة الانتماء والهوية وتبدّد هواجسهم من فصل لبنان عن محيطه، لم يكن في الحقيقة خلافاً مسيحياً-إسلامياً بقدر ما كان خلافاً مسيحياً-سنياً، فيما الشيعة كانوا منقسمين بين فئة صغيرة تؤيّد المسيحيين وأخرى تؤيّد السنّة من باب الحركة الوطنية ربطاً بالصراع مع إسرائيل، إلى أن جاء السيّد موسى الصدر وبدأ بتكوين حيثية شيعية نضالية أقرّت منذ العام 1974 في الوثيقة الصادرة عن حركة "أمل" بنهائية الكيان اللبناني.

 

فالخلاف تاريخياً حول مفهوم الكيان لم يكن مع الشيعة، إنما مع السنة، ورفض "حزب الله" تضمين هذا المصطلح الخلافي في وثيقتيه عامَي 1985 و2009 مردّه إلى عدم إقراره بتسوية "الطائف"، فضلاً عن عقيدته الإسلامية التي ترفض تجزئة أرض الإسلام إلى كيانات. وبالتالي، بمعزل عن تناقض هذه العقيدة مع الدستور اللبناني ومحاولته التكيّف مع المعطيات الراهنة وطبيعة المرحلة بانتظار اللحظة المناسبة للانقلاب عليها، تبقى المشكلة الأساسية مع الحزب في سلاحه ودوره ونظرته للبنان.

 

وإذا كان اتفاق الطائف حسم النهائية والهوية دستورياً، غير أنّ الجامعة العربية أعادت تحديد مفهوم العروبة باعتبارها رابطة ثقافية، وجاءت انتفاضة الاستقلال لتوحّد مشاعر اللبنانيين وأهدافهم ونظرتهم، ومن ثم الثورات العربية التي أكّدت البُعد الوطني لا القومي، ووضعت حداً نهائياً لكلّ مقولات الأمة ووحدتها، وأخيراً الثورة السورية التي أزالت كلّ أحلام الوحدة مع لبنان وضمّه إلى سوريا.

 

وبالتالي، المسألة الخلافية اليوم ليست من الطبيعة ذاتها التي فرزت اللبنانيين على مدى عقود، بدليل أنّ الخلاف المركزي منذ الخروج السوري من لبنان يتمحور حول سلاح "حزب الله" ومشتقاته ومتفرّعاته، وأيّ كلام آخر من قبيل إقرار السيد نصرالله بنهائية الكيان هو كناية عن "شيك" من دون رصيد، أو بالأحرى من رصيد الطرف الآخر في محاولة مكشوفة لتقديم تنازل وهميّ مقابل الحصول على تنازلات فعلية تتصِل بسيادة لبنان واستعادة الدولة لقرارها.

 

فالمطلوب اليوم من السيّد نصرالله إعطاء تطمينات من نوع آخر، وعدم الكلام عن قضية انتهى مفعولها وزمنها. ولكن لا يبدو في الواقع أنّ "حزب الله" قادر أو لديه النيّة على اجتراح تسوية شبيهة بالعام 1943 على قاعدة "لا شرق ولا غرب"، أو التي تمّ تجديدها في العام 1989 بالمَزج بين البعدَين اللبناني والعروبي وبين السيادة والإصلاحات. ومن هنا فإنّ أيّ كلام خارج عن السلاح ودور الحزب لا يخرج عن سياق التشاطُر وإمعان الحزب في مواصلة مشروعه الذي يُبقي لبنان مخطوفاً والدولة معلّقة.

 

ومن ثم الالتزام بنهائية الكيان يتجاوز الإقرار الشكلي إلى الممارسة العملية، ولهذا الالتزام شروطه التي لا تخرج عن القواعد الميثاقية التاريخية بين اللبنانيين وفي طليعتها تحييده عن المحاور وصراعاتها، وجعل الدولة المرجعية الأولى والأخيرة. وبالتالي، أين "حزب الله" من هاتين القاعدتين؟

 

وعن أيّ نهائية كيان يتحدّث عندما يُرسل مقاتليه إلى البوسنة والهرسك، ويتدخّل في الشؤون الفلسطينية، وينتهك السيادة المصرية بإرسال مجموعات لمواجهة إسرائيل انطلاقاً من الأراضي المصرية، واتهامه بتفجير بورغاس في بلغاريا وتفجير آخر في قبرص ونَشر شبكاته في كل العواصم العربية، واتهامات غربية موثقة على مَدّ العين والنظر؟ وعن أيّ نهائية كيان يتحدث عندما ينتقل بكلّ قوته إلى سوريا دفاعاً عن النظام السوري؟

 

وعن أيّ نهائية كيان يتحدث عندما يعرض علاقات لبنان الخارجية وتحديداً مع المملكة العربية السعودية للقطع؟ وعن أيّ نهائيّة كيان يتحدث عندما يرفض تسليم سلاحه ويعلن أنّ من أهدافه إزالة إسرائيل؟

 

ومن أهداف إدخال هذا المعطى على الحياة السياسية تبييض صورة "حزب الله" عبر تصوير مقاومته بأنها في خدمة نهائية الكيان اللبناني، أو الدفاع عن "لبنان أولاً". وبالتالي، محاولة لتشريع سلاحه من منطلق الدفاع عن الكيان في مواجهة إسرائيل وأخيراً التكفيريين وكلّ هذه المعزوفة، فيما القاصي والداني يعلمان أنّ سلاحه يصبّ في خدمة المشروع الإيراني الإقليمي، ولبنان مجرد ساحة من ساحات هذا المشروع.

 

ومن أهدافه أيضاً تحوير النقاش عن القضية الأساسية المتمثلة بالسلاح وإعادة الاعتبار لعناوين وإشكاليات غير موجودة، الغاية منها تحسين شروط "حزب الله" التفاوضية وتحصين وضعيته الداخلية في اللحظة التي فقد فيها كلّ ما راكَمه عربياً وإسلامياً، وأخيراً مسيحياً، وتكفي المقارنة بين وضعه في العام 2006 واليوم.

 

ومن هنا، فإنّ الإقرار بنهائية الكيان لا يضيف شيئاً اليوم، وإذا كان هناك أيضاً من إصلاحات يتطلب إدخالها على النظام، تبقى هذه الإصلاحات ثانوية مقابل الإشكالية الأساسية المتمثّلة بالسلاح، والتي توازي بأهميتها وربما أكثر إشكالية "لا شرق ولا غرب" في العام 1943، وإشكالية النهائية والهوية في العام 1989، حيث أنّ القضية الرئيسية المطروحة على طاولة البحث، والتي تُعيق قيام الدولة والوفاق الوطني، تتمَثّل بسلاح "حزب الله"، ولا أمل بعودة الاستقرار السياسي وانتظام العمل الدولَتي المؤسساتي قبل إمساك الدولة وحدها بالسلاح والقرار الاستراتيجي للبنان.

 

يستطيع السيّد نصرالله أن يقول ما يريد، وأن يعلن ما يشاء، ولكن ما هو مطلوب من "حزب الله" حقيقة ليس انتسابُه إلى نهائية الكيان، إنما الالتزام بمقتضى هذا الإعلان قبل فوات الأوان، لأنّ دوره سيقود إلى نهاية لبنان لا الى تثبيت نهائية الكيان.



0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية