الثلاثاء، أغسطس 14، 2018

قصة مرض جنسي كاد يفتك بجيش محمد علي: «الباشا» ينفي «عاملات الجنس» للصعيد

جلس طبيب الجيش على مكتبه، في مطلع ثلاثينيات القرن التاسع عشر، يقرأ الرسالة التي وصلته من أنطوان كلوت بك، رئيس أطباء جيش محمد علي باشا، غير مصدق ما يحدث.
وكان نص الرسالة يقول: «عندما تتلقى هذه الرسالة يجب أن تجري فحوصات على كل الرجال الذي أنت مسؤول عن صحتهم، ضباط وصف ضباط وجنود سواء، هؤلاء المصابين بمرضي الزهري أو الجرب يجب أن يتم فصلهم عن الباقيين، ويجب أن تعطي اهتمامًا خاصًا بمرضى الزهري. يجب أن تفحص أعضائهم التناسلية ومؤخراتهم وأفواههم لبيان أي علامات للمرض. هذه الفحوصات يجب أن تتم مرة أسبوعيًا».
انتهى الطبيب من قراءة رسالة رئيسه، الأمر لا يبدو عاديًا أبدًا بل خطير وخطير جدًا، كان جيش الوالي محمد علي باشا على شفى الهاوية والانهيار يلوح في الأفق بفضل قرار خاطئ من القيادة، وكان عليه هو أن ينقذ ما يمكن إنقاذه قبل انتشار الوباء.. وحلول الكارثة.
كانت قيادة جيش الوالي محمد علي  قد اتخذت قرارا بفصل كل من يرتدي البدلة العسكرية عن أهله، كما ذكرت الباحثة ميليسا ديتمور في الجزء الأول من موسوعتها Encyclopedia of Prostitution and Sex Work، لا زوج سيجتمع بزوجته ولا أسرته، انفصال كامل يتم بإرسال الجنود والضباط إلى أماكن خدمة بعيدة عن أهلهم.
وبررت القيادة القرار حينها بأن الحياة المدنية تهدد التزام الرجل العسكري، كما أن العسكريين من الممكن أن يشاركوا أسرهم في الأسرار العسكرية. في الوقت ذاته، دفع القرار النساء للعمل في مجال الدعارة، بعد حرمانهن من أزواجهن الذين يعولونهن، كما ذكرت «ديتمور».
في بيت من بيوت الدعارة، كان المكان يعج برجال جيش محمد علي سلموا أجسادهم لعاملات الجنس، تلك الأجساد التي ظنوا أنها لهم وظنت زوجاتهم أنها ستبقى لهن، قبل أن تقرر قيادة الجيش أنها ملك للخدمة العسكرية فحسب، لم تكن كذلك في تلك الليالي الحمراء التي قضوها العسكريون في أحضان «العاهرات»، للترويح عن أنفسهم التفافًا على القرار، وعاشوا ليالي لم تنتقل فيها المشاعر من الأجساد للقلوب، لكن ما كان يتقل بين الرجال والنساء كان شيئًا أكثر خطورة، مرض على وشك أن يتحول إلى وباء يدعى الزهري، كما أتت الرواية في الموسوعة.
حالة طوارئ سيطرت على الجيش. كان الوضع يزداد خطورة بعد أربعة سنوات على اتخاذ القرار بفصل الأزواج عن زوجاتهم بشكل منهجي. مرض الزهري ينتشر بشكل عشوائي وخطير جدًا، يبدو أنه يتحول إلى وباء. راحت القيادة في البحث عن أطباء أصحاب خبرات لإنقاذ الموقف، ذلك الذي وضعوا فيه أنفسهم فما كان لهم إلا الندم.
ضابط وراء الآخر ومجند وراء الثاني يتم فصلهم من الخدمة، هل سينتهي جيش محمد علي على يد ذلك الوباء؟ وزعت إرشادات «كلوت بك» للتعامل مع المرض على الأطباء، وكان الوضع يزداد سوءً يومًا بعد يوم والأطباء يبذلون جهودهم لحصر المرض وحصاره. أما «كلوت بك» فحمل عاملات الجنس مسؤولية انتشار المرض بين رجاله. قال رئيس الأطباء: «على الدولة أن تراقب عاملات الجنس لتشكيل خط دفاع أول في مواجهة المرض، لقد تدخلت فرنسا في هذه التجارة ويجب على مصر أن تتدخل مصر بدورها».
وجلس الوالي محمد على يستمع إلى أخبار انتشار المرض في الجيش في غضب، كيف لجيش محمد علي أن يحدث فيه ذلك؟ استمع الوالي إلى نصيحة «كلوت بك»، ذلك الرجل الذي حاز احترامه بشدة، ليقرر في مايو من عام 1834 بإصدار مرسوم بإيقاف نشاط عاملات الجنس والراقصات في القاهرة. كان القرار ليس حفاظًا على أخلاق المجتمع، لكنه أتى باعتبار أن وجودهم يمثل تهديدًا لالتزام وصحة رجال الجيش.
كان «نساء المشورات» أو «نساء الفواحش»، كما أطلق عليهن كثيرًا ما يقومون بزيارات لقواعد الجيش، حاملين معهن الخمور، لذا كان التخلص منهن ضروريًا للحفاظ على جيش محمد علي، وانصاعت مصر لنصيحة «كلوت بك» بالسيطرة على تجارة الجنس، حيث تم منع عاملات الجنس من العمل بجوار معسكرات الجيش في المدن الكبرى.
وأتى القرار التالي للوالي محمد على بنفي عاملات الجنس والغوازي إلى خارج القاهرة، وتحديدًا إلى جنوب مصر، حيث اجتمعن في إسنا بالأخص، حيث القصة الشهيرة لأشهر عاملة جنس عرفتها مصر، كوتشوك هانم، كما قام بعضهن بإقامة تجارتهن في طنطا ودسوق في الدلتا.
ربما كانت قرارات الإصلاح جيدة، واحتوت الموقف بشكل ما، إلا أن الأمر لم يتوقف تمامًا رغم ذلك بتلك القرارات، حيث بقى بعض عاملات الجنس على علاقات برجال من جيش محمد علي في الخفاء مقابل بضع قروش، حتى انتهت تجارة الجنس مع مرور السنوات في مصر كلها، تلك التجارة التي تغذت في فترة ما على قرار خاطئ غير محسوب من قيادة كادت أن تضع نهاية مآساوية لجيش محمد علي العظيم.


0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية