وفور أن بدأ الحديث عن الاحتفال بمئوية الرئيس جمال عبد الناصر، تداعى أمامى ذلك اليوم العصيب، حيث الثامن والعشرين من سبتمبر 1970 حين رحل الرئيس جمال عبدالناصر عن دنيانا، كانت الصدمة فوق كل احتمال، اعتصرت قلب مصر، هزت كيانها، زلزلت أرجاء الوطن العربى من المحيط إلى الخليج، وتخطت ذلك النطاق الجغرافى لتمتد إلى أحرار العالم.
لا أعرف لماذا لاحت تلك اللحظة القاسية- تحديدا - فى خاطرى فى تلك المناسبة، لعله جلل هذا اليوم، وتداعياته الكبيرة على مصر والمنطقة وربما العالم، وربما الحنين لمعلم وقائد تعلمت منه مبادئ الوطنية، والإخلاص فى العمل من أجل هذا الشعب، إلا أن كلمة مئوية فى حد ذاتها استنفرت شيئا داخلي، وعلى الفورت وجدت نفسى أردد الأسئلة التالية: هل مرت مائة عام على قدوم ناصر لدنيانا تلك؟، ماذا لو كان هذا الزعيم الكبير مازال بيننا الآن؟ كيف كان سيكون حال مصر والمنطقة؟ بالقطع .. أمور كثيرة جدا كانت ستتغير، ويقينى أننا كنا سنصير فى وضع أفضل بكثير مما نحن والعرب فيه.
بمقاييس الزمن عاش جمال عبد الناصر حسين حياة قصيرة (15 يناير 1918 - 28 سبتمبر 1970)؛ فقد رحل عن 52 عاما و8 أشهر و 13 يوما، ظهر فيها على مسرح التاريخ لمدة 18 عاما، مثلت فصلا استثنائيا فى التاريخ العربى كله، تاركا للأجيال المتعاقبة؛ مجداً وارثاً فكرياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً يشبهنا ويشبه طموحنا .. ترك لنا مشروعاً عظيماً خرج من رحم الأمة المصرية، يقوم على مبادئ الكفاية والعدل، وقيم الحرية والمساواة لجميع الشعوب، وكل الأوطان.
وكانت مشيئة الله - عز وجل - أن يرحل عبدالناصر قبل أن يحصد ثمار عمله، ويرى تحرير الأرض، رحل الرجل ولم يكتمل مشروعه، ولم تكتمل رسالته، وبعد وفاته، تم بتر تجربته، والانقضاض عليها، بترويج شعارات وحجج عبثية لا طائل من ورائها سوى محاولة تشويه التجربة لوأدها فى عقول وقلوب المصريين، حيث أطلقت حملات جاهلة ممولة تملأ الفضاء عويلا عليت غياب تطبيق الديمقراطية فى عهد جمال عبدالناصر.
وبالمناسبة، يواجه النظام المصرى الحالى ذات الحملات المشبوهة فى الداخل والخارج من قبل من لا يريد لهذا الوطن أن يملك قراره، وأن يظل منشغلا بقضايا وموضوعات تصرفه عن مسيرة البناء والتنمية، وإلا ما هو تفسيرنا لكل الحملات المسعورة التى يوجهها عدد ممن يطلقون على أنفسهم منظمات مجتمع مدني، ومنظمات حقوق إنسان، معظمها ذأقول معظمها وليس كلها- ذات تمويل خارجى مشبوه، تهدف لتشويه صورة النظام المصرى فى الخارج وأمام شعبه فى الخارج، ويركزون على حادثة يرتكبها أحد أفراد الشرطة أو أحد مسئولى الدولة هنا أو هناك، ويملأون الفضائيات والإعلام صراخا وعويلا، وكأن النظام المصرى يتفرد دون نظم العالم بأنه ينصب المشانق، والمجازر لشعبه!!.
هذا، فى الوقت الذى تتغافل هذه المنظمات عن انتهاكات لحقوق الإنسان أبشع وأفظع ترتكب فى الدول التى تمولها، وغيرها من الدول التى ينتهك فيها جميع حقوق الإنسان، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ...إلخ من جميع صنوف الانتهاكات الواضحة والصريحة، ولكن ليس لدى هذه المنظمات التعليمات من مموليها بتوجيه سهامها المسمومة والمشبوهة تجاه تلك الدول.
ها هو عبدالناصر - يا من تنصبون أنفسكم سدنة حقوق الإنسان وحماتها - رحل عن دنيانا منذ 47 عاما، ووصل لسدة الحكم فى وطننا العربى الكثيرون ممن كانوا ومازالوا يتبجحون بهذه العبارات الرنانة دون أى إنجاز يذكر، علما بأن هذه العبارات والمفاهيم باتت، فى يومنا هذا مألوفة ومعروفة من القاصى والدانى !.
ما رأيكم فيمن تدعونهم النخبة الذين باتوا سلعا فى سوق التهريج السياسى والمجتمعى والفضائى وموضع سخرية العالم المتحضر القوي؟
سامى شرف
0 comments:
إرسال تعليق