منظمة بدر لم تكن الأولى وليست تكون الأخيرة في سلسلة الإستحداثات العسكرية العقائدية المعارضة، فقبل بدر تشكلت سرايا مقاتلة على نطاق ضيق وتحديداً في جنوب العراق والفرات الأوسط، أما بعد بدر وإستلام معظم الأحزاب والكتل الشيعية للسلطة في العراق كان لابد من تشكيل وإدامة الأجنحة العسكرية التابعة لها في السنوات التي تلت الإحتلال الأمريكي.
كان لبعض هذه الفصائل الدور المتميز للتصدي للاحتلال الأمريكي في مناطق ومساحات معينة؛ وأتهم بعضها بالمشاركة العلنية وغير العلنية بعد أحداث 2006 بقتل آلاف المواطنين الأبرياء والشروع بهدم وحدة البلاد. أما بعد أحداث الموصل في عام 2014 إزداد عدد المنتسبين لهذه الفصائل وتأسست عشرات أخرى للتصدي للزحف الداعشي والدفاع عن الأماكن المقدسة ومدن وسط وجنوب العراق.
العراق إذن أمام واقعٍ جديد لم يألفه نظامه السياسي أو تكوينه الاجتماعي، يبدأ قبل كل شيء بالتفسير العادل لتكوين وتشكيل الحشد الشعبي وتحديداً في ذروة تصديه للدواعش بعد توالي سقوط المدن العراقية ذات الغالبية السنيّة، وهي الموصل وصلاح الدين والأنبار وأجزاء من مدينتي كركوك وديالى.
فالمقاتلون المتطوعون بعد هذه الأحداث يختلفون إختلافاً جوهرياً عن أسباب تطوعهم وإندفاعهم للقتال في هذه الفصائل؛ عكس أقرانهم المؤسسين لها والّذين تحولوا في أغلبهم إلى القيادات الميدانية أو الإشراف عن بعد، عموماً فُسر هذا الإندفاع بالأحقية المطلقة لطائفة غالبة من تكوينات الشعب العراقي معرضة بالكامل للإبادة هي ومدنها ومقدساتها وتأريخها وإنجازاتها لو لم تستدرك المرجعية الدينية هذا الأمر ودعت في فتواها العامة العراقيين للتصدي للدواعش وليس العراقيين الشيعة فقط.
من هنا بدأت دوائر التوسع والظهور لبعض الفصائل بعد الفتوى جنباً إلى جنب مع التشكيلات الجديدة وقدم الطرفان تضحيات جسيمة في تصديهم للدواعش وإيقاف زحفهم ومن ثم مشاركتهم الواسعة في معارك التحرير. المناطق السنيّة المحتلة بدأت بتثبيت موقفها مما يدور وشكلت أيضاً فصائل للحشد لكنها سُميت خطأً بالحشد العشائري وهي في الأصل لاتختلف في تنظيمها وأهدافها عن الحشد الشعبي. الفرق بين الطرفين لم يكن جديداً بل منذ تشكيل هذه الفصائل التي كانت تُدعم من الأحزاب والتكتلات والتنظيمات المعارضة سابقاً كما ذكرنا أما الحشد العشائري فتقوده شخصيات عشائرية ونفوذ مناطقي منفرد.
في قراءةٍ سريعةٍ للمقارنة بين الحشدين نجدُ أنَّ الحشد الشعبي يعادل أضعاف عديد الحشد العشائري فضلاً عن شمول الغالبية العظمى من منتسبيه بالحقوق التي أقرها القانون الأخير وقبله طبعاً منذ سنوات فضلاً على حرية الحركة والصلاحيات التي يتمتع بها قادة الحشد الشعبي ومنتسبوه في أي مدينة عراقية عكس الحشد العشائري تماماً فهو يعاني من عجزٍ واضحٍ في عديد قواته وصلاحياته وشموله بصلاحيات قانونية بمعنى آخر أُدرج ضمن القوات المؤقتة أو الطارئة التي ماتلبث أن تنتهي بإنتهاء ظروف تواجدها.
أما الحشد الشعبي فقد أطبقَ الآن تماماً على جميع سلطات الدولة الثلاث وأجهزتها في مفاصل الحكومة الأساسية كالوزارات والسفارات والمنافذ والمؤسسات الأخرى وهو أمرٌ سيحيرُ المشرعين كثيراً، ماهو الحل بعد تحرير المدن والمناطق العراقية وتوقف العمليات العسكرية في العراق بصورة كاملة؟! كيفَ سيتم التعامل مع أكثر من مئة ألف مقاتل ومعدات عسكرية تعادل جيشاً كاملاً وثكنات وإرتباطات مالية ونفسية وهل سيُلغى أو يُحدد الحشد الشعبي، الجواب بالنفي طبعاً.
كما ذُكر فالحشد الشعبي لم يكن تأسيسه أو ولادته بالتزامن مع تصاعد الأحداث في العراق بل أحد أهم أعمدة الأحزاب والتكتلات والعقائد التي من شأنها أن تقلب الموازين خلال دقائق وتُحدثَ انقلاباً في ساعة لأي محافظة أو مدينة يوجد بها مؤسسو هذا الفصيل أو ذاك.
لكن بالتأكيد سيُختصر عديد الحشد بعد سنوات وبخاصة ممن تطوع في صفوفه من العمال والموظفين والطلبة الّذين دافعوا عن العراق وأرضه ببسالة أو من غير الممكن أن يُدَقَّ باب من له دور دولي وإقليمي في المنطقة ككل، بمحصلة مختصرة، الحشد الشعبي ثورة في داخل دولة بيدها السلطات وموقف الحسم إذا ماتمَ القضاء على الكثير من السلبيات المرتكبة والجرائم المسجلة لبعض منتسبي تلك الفصائل بعدالة.
0 comments:
إرسال تعليق