الجنرال ميئير داغان، الذي مارس حياته في ظل أرييل شارون، ثم عيّن على رأس الموساد بعد انتخاب الأخير رئيساً للوزراء عام 2000)، كان قد عرض أمام افرام في الجولان، في شهر آذار/ مارس 1982، مناورة قامت بها كتيبته المدرعة بعد تجهيزها بالدبابة الحديثة جداً، الميركافا. وطوال فترة العرض، وداغان يدخن سيجاراً تلو الآخر، مع نوع رخيص الثمن، يسمّم الجوّ. وفي شهر حزيران/ يونيو أخبر داغان أفرام بأنه يخضع لعلاج الوخز بالإبر كي يتوقف عن التدخين. ومن الجليّ أن ذلك لم يحقق النتيجة المرجوّة.
كان داغان بقامته القصيرة مربوعاً جداً، ومنطلقاً، يحب المزاح ويتكلم العربية بطلاقة، فيمثل في نظر القوات اللبنانية النموذج الأمثل للضابط الإسرائيلي. ولقد شارك في العديد من الوفود العسكرية التي جاءت إلى لبنان قبل 6 حزيران/ يونيو للإعداد لعملية «سلام الجليل»، فربطته علاقات ودية مع العديد من كوادر الميليشيا. ومن بين هؤلاء فادي أفرام وفؤاد أبو ناضر وإيلي حبيقة. وضمن هذه الصفات، ظنّت كوادر الميليشيا المسيحية أن تعيينه بهذه الصفة إنما يمثل متنفّساً حقيقياً. فرأى فيه القادة المسيحيين ذاك الذي سوف يعيد إلى الأشياء توازنها، لكنهم وقعوا في خطأ فادح.
قدّم فادي أفرام إلى داغان، أثناء اجتماع في 22 كانون الأول/ ديسمبر 1982، شرحاً مقتضباً للوضع كله، وللمواقف المبدئية للقوات اللبنانية. وعاد فأوضح أن مشكلة الجبل سياسية أكثر مما هي عسكرية، وأن السوريين والفلسطينيين إنما يستخدمون الدروز «غطاءً».
قال عامير دروري الذي كان يحضر الاجتماع:
ـ نحن متفقون مع نظرتكم، لكن المشكلة أن الدروز مسلحون ومنظّمون.
فقال أفرام موجهاً كلامه إلى داغان:
ـ سوف يستمرون ما داموا يملكون حرية العمل. وسوف يستكينون حين نقوم بقمعهم. ينبغي أن يفهموا أنكم إلى جانبنا.
حين خرج قائد القوات اللبنانية من المقر الإسرائيلي، توجه إلى القصر الرئاسي في بعبدا، فاستقبله الرئيس أمين الجميّل على الفور، وكان لطيفاً معه، ثم أعلن بلهجة فرحة عن قراره بإنشاء غرفة سوداء، أي مجموعة عمل تضم أصحاب قرار من «القوات» تعمل في ظل كرسي الرئاسة. قبل أفرام بحماسة، فهذه «الغرفة السوداء» فكرة متكررة لدى «القوات». ومنذ انتخاب أمين الجميّل راودهم الأمل في أن يحيطوه بالمستشارين، ولا سيما الذين كانوا يعملون مع أخيه. ثم أعلن الرئيس باللهجة ذاتها:
ـ ينبغي للجيش أن ينتشر في القطاعين الإسلامي والمسيحي من بيروت، ضمن إطار تولّي شؤون المدينة من الدولة. ولسوف يؤدي ذلك إلى انسحاب القوات اللبنانية، لكن يمكن أن تظل ثكنها ومراكز قيادتها في مكانها.
فرد عليه أفرام بجفاء:
ـ ذلك يعني نهاية القوات اللبنانية، ليس في ذلك ضربة قاصمة فقط لمعنويات عناصرنا، بل سيسهم ذلك أيضاً في تضييق حرية تنقّلنا.
طمأنه الجميّل بلهجة واثقة:
ـ لا، فالجيش لن ينتشر إلا لمدة خمسة عشر يوماً.
فأجابه قائد القوات اللبنانية:
ـ لا مجال للحديث في ذلك.
فقال الرئيس بلهجة مصالحة:
ـ إنْ رفضتم فالجيش لن ينتشر. أنا لن أثير نزاعاً مسيحياً داخلياً.
كان فادي أفرام مرتاباً. فما إن خرج من القصر حتى اتصل بقائد الجيش. فوعد الجنرال طنوس بمحاولة إقناع الجميّل بالتخلي عن المشروع، أو بتحديد الطلب الرئاسي، ليقتصر على الأكثر على انسحاب وهمي للميليشيا المسيحية من بيروت الشرقية. ثم مضى أفرام مندفعاً بعد ذلك إلى بيت بيار الجميّل. فنصحه رئيس الكتائب، مع اعترافه بأن وجود القوات اللبنانية حيوي في بيروت الشرقية، «بالتفاهم مع أمين»، وتفادي الدخول في نزاع مع الدولة. كذلك طلب رئيس الجمهورية، في الساعات التي تلت، العون من أبيه. فتلقّى الجواب ذاته:
ـ أنا مع مبدأ انتشار الجيش، لكن هنالك القوات اللبنانية، فتفاهم مع فادي.
وازداد أمين إلحاحاً، واضعاً في المقدمة «الضغوط الدولية والإسلامية»، لكن بيار الجميّل لم يعدّل موقفه.
كانت القوات مقتنعة بأن «تلك الضغوط» ليست سوى اختلاق. فقبل ذلك بأيام التقى ألفريد ماضي، الرئيس السابق لمكتب الكتائب والقوات اللبنانية في واشنطن، صائب سلام، الذي لم يشر إلى المسألة قط. أما مركز وكالة الاستخبارات الأميركية في بيروت، فقد أعرب من جانبه، قبل ذلك بأيام، عن أنه يعتبر وجود القوات اللبنانية في بيروت «مهمّاً جداً».
التقى رئيس فرع المركز الأميركي، كينيث هوسّ، وهو خلف جاك أوجينو (الصيني) إيلي حبيقة. كان ذلك الاستئناف للحوار بين مركزَي الاستخبارات، بعد فترة طويلة من الصمت، ذا دلالة بحد ذاته. ومضى كينيث هوس إلى ما هو أبعد:
ـ طلبنا من الرئيس الجميّل عدم نشر الجيش في بيروت الشرقية وعدم إضعاف قدرة القوات اللبنانية.
وبعد ذلك الإيضاح، عرض على إيلي حبيقة العون، بدعم عن طريق تزويدهم بالعتاد وتدريب الكوادر.
يضاف إلى ذلك أن هذا المشروع الرئاسي بإعادة نشر الجيش اللبناني في المنطقة المسيحية، جاء في بداية نموّ تقارب سني شيعي ودرزي في بيروت الغربية. وقد أقلق ذلك الرئيس الجديد للأمن العام زاهي بستاني، فقال لفادي أفرام:
ـ إذا ما استمر ذلك، فلن يعود أحد قادراً على مواجهته. ولديّ انطباع بأننا لن نعود قادرين، في غضون أسبوعين، على التوجه إلى ذلك الجزء من المدينة.
كان انتشار الجيش في منطقتهم، يعني بالنسبة إلى القوات، تحدياً إضافياً يضعهم على المحك. فقرروا معارضته بالسبل كافة. أما مشروع شرعنتهم، فقد سقط نهائياً في غياهب التاريخ.
دعا الإسرائيليون أفرام وأبو ناضر عشية عيد الميلاد. كان الجنرال دروري قد أقام مقر هيئة أركانه في دارة فخمة تعود إلى أمير سعودي، مقابل كلية اليسوعيين في الدامور، حيث يمكن الإشراف منها على بيروت كلها. فأبلغهما ميئير داغان، أثناء الاجتماع، أن كتيبة مدرعة تمركزت على طول طريق دمشق.
ـ لا بد من تهدئة الوضع في فترة الأعياد على الأقلّ. ولقد طردت واحداً من ضباطي كان يتعاون مع الدروز، ويجتمع بهم على الدوام.
فأجابه فادي أفرام:
ـ نحن لا نقوم حتى الآن بغير الرد، وهذا ما لا يروقني. بوسعنا أن نكون مرغمين على اتخاذ زمام المبادرة، فضلاً عن أنكم أنتم الذين علّمتمونا هذا النهج. لا يسعنا قبول أن نظل محاصرين فلا نقوم بغير الرد. علينا أن نسحق رأس الأفعى. فإلى جانبهم الآن عناصر من عند محسن إبراهيم ومن الإرهابيين.
ـ ماذا يسعنا أن نفعل لتهدئة الوضع؟
فقال اللبناني:
ـ أن تسحقوا الرأس.
فسأل داغان:
ـ رأس مَن على سبيل المثال؟
سوف يعطيكم حبيقة التعليمات اللازمة، زدْ أنه يريد أن يراكم.
فأوضح الجنرال حقيقة الوضع قائلاً:
ـ يسعني أن أمارس ضغوطاً عليهم، لكن لست بقادر على وضعهم في السجن. ولن يسمح لي أحد بذلك، ما لم يكن لدينا براهين على أنهم يعملون ضد إسرائيل. فمَن ذا الذي يدفع بهم، حسب رأيك، إلى التصرف هكذا؟
فقال فادي أفرام:
ـ مروان حمادة هو الذي يقوم بدور الوسيط بين محسن إبراهيم ووليد جنبلاط. وقد عاد منير الصياد (زعيم «الاتحاد الاشتراكي العربي») إلى بيروت، كما أن إبراهيم قليلات لن يتأخر في ذلك. كذلك فإن الحزب القومي السوري يعمل من قبرص حيث تقع قاعدته. فقاطعه ميئير داغان بحركة من يده. ثم استدار صوب أمنون، ممثل الموساد الدائم الذي كان يدوّن وقائع الحديث، فطلب إليه مغادرة القاعة. وعلى الرغم من أن أمنون فوجئ بذلك الطلب، إلا أنه وضع القلم من يده وخرج. وحين أُغلق الباب التفت داغان محدقاً إلى وجه اللبنانيين الاثنين:
ـ ولمَ لا تتولّيان أمرهما. لو كنت مكانكما لقضيت على مروان حمادة ثم على وليد جنبلاط. لذا أقترح عليكما التفكير في ذلك.
«شالوم، سلام، أهلاً وسهلاً، مرحباً بخير الجيران». ربّما كان أنطوان فتّال، رئيس الوفد اللبناني والأعضاء المرافقون قد دُهشوا في 30 كانون الأول/ ديسمبر 1982، وهم يقرأون تلك اللافتات، لكنّهم لم يُظهِروا شيئاً. كانت اللافتات مرفوعة فوق المسار الواصل بين مكان هبوط مروحيّة PUMA التابعة للجيش اللبناني، التي أقلّتهم حتى المركز الثقافي بيت إدلشتاين في كريات شمونة، حيث من المقرر أن تجري الجولة الثانية من المفاوضات. كان تلاميذ صغار قد تجمعوا في طقس بارد على طريق العربات، ملوّحين بأعلام لبنانية وإسرائيلية، وهم يرددون: فلنسِر معاً نحو السلام. لقد استُقبل الوفد القادم من بيروت استقبالاً حاراً من سكان كريات شمونة. ولدى ترجّلهم من السيارة أقبل عليهم حاخام، فقدم إليهم الخبز والملح، وهو رمز الضيافة التقليدي، ثم استمطر البركة الإلهية على البلدين. وقام أطفال بإطلاق حمامات. لقد انقضت خمسة أعوام بالتمام والكمال على افتتاح الحوار الرسمي الذي انتهى بمعاهدة سلام مع القاهرة، وها هم مفاوضون من بلد عربي آخر يُستَقبلون في الدولة العبرية بحماسة، تتناقض مع الجو الذي ساد خلدة قبل ذلك بثلاثة أيام.
كانت بعثة تحضيرية قد جاءت قبل 48 ساعة إلى كريات شمونة، مؤلفة من ضباط لبنانيين، وكانت أول مرة تلامس فيها آلية عسكرية عربية الأرض الإسرائيلية. أما تلك المدينة، وهي رمز الهجمات الفلسطينية، فهي المدينة الرئيسة في إصبع الجليل، وكان اختيارها مقصوداً من الدولة العبرية للحديث فيها عن السلام. وجرى من أجل المناسبة إحضاء 600 أصّ من الأزهار من تل أبيب. ووضعت طاولة بيضاوية الشكل وسط قاعة الرقص في مركز بيت إدلشتاين الثقافي.
اغتاظ أنطوان فتّال بعض الشيء من تزاحم الصحافيين الذين «تجاوزوا» جهاز الأمن الإسرائيلي، فرفض الإدلاء بأي تصريح سياسي، واكتفى بالإشارة إلى أن إله إبراهيم وإسحق ويعقوب هو نفسه إله الجميع. كان أنطوان فتّال لزمن طويل سفير لبنان في الفاتيكان. وهو سرياني كاثوليكي، وصديق لعائلة الجميّل ومولود في مصر. إنه ذو وجه رصين، وقد عُرف بنزاهته ووطنيته واطلاعه على العالم العبري. فقد درس العبرية القديمة «كي يقرأ الكتب المقدسة بنصوصها الأصلية»، وهو صاحب كتاب عن وضع غير المسلمين في البلدان الإسلامية، يعد مرجعاً دائماً.
وقف ديفيد كيمحي ليعلن أمام الكاميرات والميكروفونات: لا كاتيوشا بعد اليوم على كريات شمونة. ثم استدار صوب فتّال مشدداً على الضرورة القصوى للتوصل إلى علاقات «طبيعية» مع لبنان. فالكلمة المحرّمة، قد جرى التلفّظ بها حتى قبل البدء بالمناقشات، والتعليمات التي أعطاه إيّاها مناحيم بيغن كانت إلزامية. لا يمكن التوصل إلى حل من دون تطبيع صريح وفعلي. ولم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي راغباً في تكرار «الخطأ» الذي ارتُكِب مع مصر. وهو يقدّر أن تعميةً ما قد وقعت عليه عن طريق الأميركيين، بسبب نقص في الاحتياطات أثناء المناقشات مع القاهرة. والواقع أن النص قد سمح للمصريين، لمجرد اختفاء أنور السادات، بالبقاء على مسافات فاصلة مع الدولة العبرية، وإحلال «سلام بارد»، يقتصر عملياً على المناقشات الدبلوماسية وحدها. فكانت تل أبيب تريد إذاً أن تعرف معرفة دقيقة ما العلاقات المحددة بدقة التي يريد لبنان إقامتها مع إسرائيل، قبل مناقشة انسحاب جيشها (هذا الموقف سوف تعتمده إسرائيل مجدداً أثناء المحاداثات مع سوريا في عامي 93 ـــ 94).
كان جدول الأعمال النقطة الوحيدة التي جرت مناقشتها في تلك الجلسة. عرض فتّال اعتماد «حزمة واحدة»، مقترحاً ترقيم نقاط المشكلة ومظاهرها المختلفة على قائمة، من دون إقامة أي اعتبار لتسلسلها، بحيث تغدو نوعاً من «مخلوطة» يجد أخيراً فيها كل طرف بغيته، لكن الاقتراح رُفِض من كيمحي، الذي أصرّ على الالتزام بالترتيب المثبت في الوثيقة التي تفاوض «المبعوث» بشأنها.
ودس الإسرائيليون ضمن وفدهم، كما هي عادتهم دوماً في ذلك النوع من المفاوضات، اختصاصيين في السلوك البشري وعلماء نفس، تكون مهمتهم رسم صور لمحاوريهم، وتحديد شكلهم السياسي وطرائق العمل ونقاط التباعد الفكرية أو السياسية في ما بينهم. ولدى الاجتماع الأول في خلدة، أدى مساعدو كيمحي دورهم بامتياز، فجلسوا وراء «المعلم»، وكانوا يمرّرون له بين وقت وآخر ورقة كتبوا عليها كلمة أو اسماً ليقوم بتسريبها ضمن كلامه، حتى يتمكنوا هم من ملاحظة ردود فعل اللبنانيين. لقد قرأ كيمحي، قبل التوجه إلى كريات شمونة، خلاصة الاجتماع الأول في خلدة. وكانت الملاحظة حول أنطوان فتّال مختصرة جداً: هذا الرجل قطعة حقيقية من الجليد. وما أمكن تكميلها في الجلسات التالية (العبارة قالها ديفيد كيمحي إلى آلان مينارغ).
كانت المحادثات مريرة تقطعها أحاديث على انفراد بين رئيسَي الوفدين ومشاورات هاتفية مع أمين الجميّل ومستشاريه. قُدّم الطعام إلى المتفاوضين ــ كان قوامَه طبق من الكبد والهليون ولحم اللسان المدخن والشرحات المشوية ـــ في حدود الواحدة بعد الظهر في فندق الشمال المواجه للمركز الثقافي. واستؤنفت المفاوضات بعد ذلك من دون إحراز أي تقدم، فظل كل طرف ثابتاً على مواقفه.
كان فادي أفرام وجوزيف أبو خليل ووليد فارس (وودي) يجتمعون مع إدارة الموساد في تل أبيب، التي وصلوا إليها مساء اليوم السابق في حوامة. أمضى اللبنانيون الثلاثة ليلتهم في فندق هيلتون، وكان لهم موعد مع أرييل شارون بعد الظهر. وجرت جلسة تحضيرية لذلك اللقاء في حدود الثالثة من بعد الظهر في أحد صالونات الفندق، مع ناحوم أدموني (بيتر) ومساعده مناحيم نافوت (مندي)، وأفنير أزوالي، المسؤول عن الملف اللبناني، وسيمون ييغال، المحلل الذي يشبه سيرج غينسبور.
قدم إليهم أفرام عرضاً عن الوضع في الشوف، وعن عودة الفلسطينيين والسوريين إلى حلفائهم في بيروت. ولقد أسف أسفاً مريراً للتغيير الذي طرأ على موقف الإسرائيليين حيال «القوات». قال لهم:
ـ كان لدينا قبل الحرب استراتيجية ومخططات مشتركة. كان لدينا في الواقع حلف حقيقي مقدس. أما اليوم، فلم يعد قائماً بيننا حتى التقويم المشترك، بل إننا لم نتوصل إلى إقناعكم بشأن مشكلة الجبل.
فرد عليه بيتر قائلاً:
ـ وهل من الممكن فصل الوضع في الجبل عن الوضع العام؟ ينبغي للرئيس الجميّل أن يتخذ قرارات، لكنه لا يفعل، أو أنه يغيّرها كل يوم.
طرح المسؤولون في الموساد على اللبنانيين أسئلة عدة عن تسلّح الدروز، وعن سلطات زاهي بستاني في وظائفه الجديدة، وعن الأمن العام وإعادة بناء الجيش اللبناني، قبل الرجوع إلى الشوف.
وتساءل ناحوم أدموني:
ـ هل تعتقدون أن مشاكل الجبل تتعلق بقرار مركزي؟
ـ تمام الاعتقاد!
فقال رئيس الموساد:
ـ يقدّر العسكريون أنها مشاكل محلية من دون أي تأثير خارجي.
فأقرّ أفرام بذلك:
هذا صحيح بالنسبة إلى بعض المشاكل. لكن أنتم تعلمون أنها موجهةً من الخارج. زد أن قواتكم أسرت عضواً من منظمة التحرير الفلسطينية!
ـ أنتم قابلتم ميئير داغان، فما رأيه في ذلك؟
ـ لا شيء حتى الآن، لكن ينبغي أن يدرك أنها مسألة سياسية.
فقال أدموني بإلحاح:
ـ من الأهمية بمكان أن يفهم داغان هذا، إذ لا ينظرون عندنا إلى الوضع في الشوف على ذلك النحو.
فقال قائد القوات اللبنانية بحدّة:
ـ لكن ما الذي ينبغي عمله لنجعلكم تفهمون؟
ـ ينبغي لكم أن تزوّدونا بمعلومات دقيقة عن منظمة التحرير الفلسطينية، وأن تستخدموا وسائل الإعلام. إن كان بوسعكم أسر عنصر من عناصر محسن إبراهيم، على ألا يكون درزياً، فسوف يكون ذلك ممتازاً، وعليكم أن تثبتوا أن هذا المسألة تستجيب لتوجيهات مركزية.
ـ أنا لا أفهم ذلك، فقبل يومين أوقف جنودكم مقاتلاً من منظمة التحرير الفلسطينية في الجبل، وإحدى دورياتكم وقعت في كمين… فقاطعه ناحوم أدموني (بيتر) قائلاً:
ـ ظنّ الدروز أننا من القوات اللبنانية.
فواصل أفرام قائلاً:
ـ … إبراهيم قليلات سوف يعود من باريس. ووليد جنبلاط يدعم اتصالاته بالسفارة السوفياتية.
ـ هذه معلومات مهمة، وعلينا أن نضع مخططاً مع زاهي بستاني لمواجهتها.
فقال مناحيم نافوت:
ـ إن الوضع سيتحسن الآن ما دامت المفاوضات بدأت في كريات شمونة.
فرد أفرام باحتجاج:
ـ لا ينبغي أن تجعلوا تحالفكم مع المسيحيين مشروطاً بعلاقتكم مع الدولة اللبنانية.
فرد مندي متعجّباً:
ـ لكنها مسألة مترابطة. فحين تكون علاقاتنا سلبية مع الدولة اللبنانية، يظن الدروز أن لديهم حرية الحركة فيفعلون. لو كنّا نستطيع نحن وأنتم وأمين الجميّل أن نجتمع، لكان بوسعنا حيئنذٍ أن نحدد كيف نصد عناصر جنبلاط، وكيف نضربهم. وكان من شأن الوضع أن يكون مختلفاً تمام الاختلاف.
فتدخل جوزيف أبو خليل قائلاً:
ـ أنتم تريدون بهذه الطريقة ممارسة ضغط على السلطة اللبنانية، لكن ليس للسلطة اللبنانية من وجود! إن ما جرى في الشوف قد أضعفنا، وليس هناك مَن يحسب لنا حساباً، لأن إسرائيل قد تخلّت عنّا. بدأ المسلمون الذين قبلوا فكرة معاهدة سلام بالارتداد على أعقابهم. والخوف يخامر حلفاءنا في بيروت الغربية، فهم يشكّون في قوتنا. هل أنتم راغبون في التوصل إلى اتفاقية مع لبنان؟ ينبغي أن تعرفوا أن ذلك منوط بموقف المسيحيين. إن أمين بحاجة إلى دعم المسيحيين لمجابهة رئيس الوزراء شفيق الوزان.
فأكد ناحوم أدموني قائلاً:
ـ وبعض الأشخاص في إسرائيل مقتنعون بأنكم إذا انسحبتم من بيت الدين، فالوضع سوف يهدأ، لكن ما يشغلني شخصياً أنكم تعتبرون أنه لم يعد هنالك من تعاون بيننا.
فقال فادي أفرام:
ـ ذلك هو الواقع! ولدينا العديد من الأدلة عليه: الصدامات في الجبل، وتوقفنا عن تلقّي العتاد…
فقاطعه رئيس الموساد قائلاً:
ـ أما عن العتاد، فتلك حكاية أخرى. إنها مسألة الحالة السيئة للموازنة الإسرائيلية. سوف تلتقون بعد قليل أرييل شارون، فحدّثوه في الأمر، وينبغي أن يكرر أبو خليل على مسامعه ما قاله الآن.
(غداً جزء ثان)
0 comments:
إرسال تعليق