ولسوريا مكانة خاصة في عداوات مبارك؛ ففي خلال استقبال «حميم» للمدّعي العام الأميركي، ألبيرتو غونزاليس، في مطلع تموز 2006، يروي مبارك كيف حذّر الرئيس بشار الأسد، خلال اتصال هاتفي، بـ»دفع ثمن كبير» إذا استمر بإيواء رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل في دمشق. والأبرز هو ما يقوله مبارك، في الجلسة نفسها، عن كيف أنه، خلال الاتصال التهديدي، كانت الطائرات الإسرائيلية تحلّق فوق العاصمة السورية، و»يفترض أن يكون الأسد قد ظنّ أنّني دبّرتُ ذلك (تحليق الطائرات الإسرائيلية بالتزامن مع الاتصال الهاتفي) مع الإسرائيليين، وهو ما أخافه». وعن التهديدات المصرية للقيادة السورية أيضاً، يروي مبارك عن لقاء جمع رئيس جهاز استخباراته عمر سليمان مع ممثل عن الأسد في مطار «ألماظة» العسكري في القاهرة، حيث «فضح سليمان السوريين في كذبهم حول تعاطيهم مع مشعل، وحذّر مندوبَ الأسد من الخطر الذي يمثله مشعل على نظامه».
وككل مرّة يلتقي فيها مسؤولون أميركيون مع نظرائهم المصريين، يكون ثالثهما الإلحاح الأميركي على ضرورة حظر قناة «المنار» على قمر «نايلسات». لكن الموقف الرسمي المصري ظلّ مصرّاً على رفض الطلب الأميركي، وهو ما عبّر عنه مبارك في اجتماعه مع غونزاليس بالقول إنه موضوع «حسّاس»، مشيراً إلى أن القاهرة ليست مستعدّة بعد لحظر «المنار»، لأن ذلك سيسبّب «أزمة كبيرة مع حزب الله». وتعليقاً على العلاقات المصرية – الإيرانية، اعترف الرئيس المصري بأنّه غير راغب في إعادة تطبيع العلاقات مع إيران، من دون أن يمنعه ذلك من نصح الأميركيّين بالتعاطي مع الإيرانيين من خلال القنوات والدبلوماسية لا عبر القوة، وهو موقف ظلّ ثابتاً عند القيادة المصرية، واصفاً موقف بلاده إزاء طهران بـ»المتوازن» بهدف تفادي ارتفاع منسوب التوتّر.
وليس سرّاً مقدار الاحتقار الذي كان (ولا يزال على الأرجح) يكنّه مبارك وعمر سليمان لـ»حماس» التي «لا يمكن الوثوق بها». احتقار مرفَق بسخرية مبارك إزاء مطالبة «حماس» بـ»ضمانات دولية» في ما يتعلق بالمفاوضات الجارية (بوساطة مصرية في حينها) حول إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المعتقل لدى حركة المقاومة الإسلامية، جلعاد شاليط، مطمئناً ضيفه الأميركي إلى أنه يعمل جاهداً لإقناع الفلسطينيين بأنّ إسرائيل «لن تقبل شروطاً من حماس» حول صفقة شاليط. وفي الوثيقة نفسها، التي تحمل تاريخ 9 تموز 2006، يظهر مبارك كأنه نافذة تل أبيب لإيصال الرسائل لقيادة السلطة الفلسطينية، رغم أن العلاقات لم تنقطع يوماً بين رئيس الحكومة العبرية آنذاك إيهود أولمرت من جهة، ومحمود عباس وفريق عمله من جهة أخرى. هكذا، يكشف الرئيس (المخلوع) لغونزاليس أنّه أبلغ أبو مازن بأن أولمرت ليس بوارد إطلاق سراح أسرى فلسطينيين محدَّدين قبل لقاء كان مقرراً بين أولمرت وعباس.
وفيما صارح مبارك غونزاليس بأنّ قطر وتركيا تحاولان التدخُّل لحل أزمة غزة «لأهداف تتعلّق بسمعتهما الوطنية أكثر من حرصهما على التأثير على الفلسطينيين»، عاد ليؤكّد عجز الدوحة وأنقرة عن فعل شيء يُذكَر في هذا الموضوع. وهنا يأتي الدور لكي ينتقد مبارك الفلسطينيين لكونهم «تاريخياً، لا يهتمون إلا بأخذ مال العرب»، وهؤلاء بدورهم مذنبون لأنهم «يقدّمون أموالهم لهم أيضاً». ولدى مبارك أمثلة عديدة عن علاقة مال العرب بالفلسطينيين، أشهرها «رشى صدام حسين لياسر عرفات خلال حرب الخليج» واحتلال الكويت، والرشى التي قدّمها لإعلاميين ومسؤولين مصريين حكوميين على هيئة سيارات فاخرة، ومحاولة رشوة مبارك نفسه «بـ25 مليون دولار نقداً».
وأمام هذا الكلام، ما كان من المسؤول الأميركي إلا أن شكره وعرض عليه طلب أي مساعدة يريدها من الإدارة الأميركية. وعن العراق، تشدّد برقيات كثيرة للسفارة الأميركية على مواقف متشابهة لمبارك، مفادها أنّ العراقيين شعب بحاجة دائماً إلى زعيم قوي (يصفه في عدد من الوثائق بالمستبدّ العادل) مع سلطة مركزية ماكنة، لا إلى ما تحاول الولايات المتحدة ترويجه عن فكرة حكم العراق بديموقراطية من خلال سلطة لا مركزيّة (أو فدرالية) على الطريقة الأميركية. كذلك يمكن اعتبار الوثيقة نفسها نموذجاً للرصد الأميركي للمواقف العدائية لمبارك من المواطنين الشيعة في الدول العربية. وفي تلك البرقية، لا يتردّد الرئيس في إبداء قلقه من ازدياد قوة المواطنين الشيعة، خصوصاً في كل من العراق والبحرين والسعودية والكويت. حتى إنّ «المنطقة برمّتها مهدَّدة من ازدياد قوة الشيعة»، محذّراً الأميركيين، من خلال غونزاليس، من مغبّة الوثوق بالشيعة، لأنّ «الإسلاميين سيطعنون أميركا بالظهر». ومن اللافت أن مبارك لا يشير إلى «النفوذ الإيراني» في لبنان، حتى إنه ينفي، في وثيقة بتاريخ 23 آذار 2005 [05CAIRO2280]، أمام نانسي بيلوسي، علمه بوجود أي عناصر للحرس الثوري الإيراني في لبنان
0 comments:
إرسال تعليق