كل كلمة فيه تفيد أن الرئيس وأجهزته الأمنية والسياسية والقضائية، قررا مباشرة سياسة "الحل الأمني". من الآن فصاعداً، تجريم الثورة والثوار سيكون عملاً يومياً. التناغم بين هراوة العسكري ومطرقة القاضي وقبضة السياسي (ومرافقيه وأزلامه) من أجل إخماد أي تمرد أو اعتراض، بات الآن خطة منسقة وجاهزة للانقضاض على كل من تسول نفسه المس بهذه السلطة.
الرئيس الذي لطّخت انتفاضة 17 تشرين عهده بالفشل والانهيار، على نحو لا يمكن إنكاره، بل وجعلته واحداً من أسوأ العهود الرئاسية (على مثال عهد إميل لحود)، لن يكنّ الودّ لأهل الانتفاضة ولا لصورها، وبالأخص شبابها وناشطيها. هؤلاء الأخيرون مسببو الغيظ له ولأتباعه ومستشاريه وضباطه ووزرائه ونوابه.. وصهره. وقد حان الوقت لتلقينهم الدرس.
رفع عون التهديد الأقصى: الاستقرار والسلم الأهلي. وفي البيان، أمر واضح باستعمال كل الأجهزة الأمنية والقوى العسكرية لـ"المحافظة على الاستقرار والسلم الأهلي". وتلقائياً، يعني ذلك أن الذين يسيرون اليوم في ركب الثورة، الذين يطالبون بالتغيير، الذين يرفضون حكومة الظلال، وعهد جبران باسيل.. إنما هم خطر على "الاستقرار" وعلى "السلم الأهلي". إنها الترنيمة ذاتها لكل الأنظمة العربية الساقطة أو المتسلطة على مواطنيها، عنفاً وتنكيلاً. حجة مسبقة لاقتراف القسوة والعنف والقمع والسحل والاعتقال..
وأسوأ من هذه التهمة، هناك تهديد آخر، ينبئ بشراسة أمنية مقبلة، تستعد لها السلطة. لقد تبنى المجلس الأعلى للدفاع: "عدم التهاون مع أي محاولة للنيل من هيبة الدولة ومؤسساتها ومقراتها الرسمية". هذه الجملة بحرفيتها، ستفتح باباً للقمع ضد مطلق اعتصام أو تحرك أو تظاهرة تقترب من أي مؤسسة رسمية مهما صغر شأنها. وستطلق يد "حراس مجلس النواب" مثلاً، المعروفين بفائق "اللباقة"، كي يستأنفوا هوايتهم العدوانية على الشابات والشبان.
وأوضح ما في البيان، هو تبني سياسة "الضربات الاستباقية". إذ يشي أن الأجهزة الأمنية، على اختلاف مهامها وأدوارها، استطاعت خلال الأشهر الثلاثة الماضية، جمع "داتا" وملفات عن معظم المشاركين الأساسيين والناشطين البارزين وقادة المجموعات الثورية، وباتوا الآن مرشحين كي تسري عليهم عبارة البيان الحازمة: "الطلب إلى الأجهزة الأمنية والقضائية التعاون في ما بينها لاتخاذ التدابير اللازمة بحق المخالفين، تطبيقاً للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء". بمعنى ترتيب التسلسل العملاني ما بين المراقبة والملاحقة والاعتقال والتحقيق والسوق إلى المحاكم. وهذا ما بدأنا نراه في الأسبوعين الأخيرين، على نحو تصاعدي.
ويكشف بيان بعبدا هذا، "الحرب الاستباقية" التي قررها ميشال عون، عبر قوله "استباق الأحداث التخريبية لتفادي أي تطورات". وعلى الرغم من أن مجلس الدفاع أبقى قراراته سرية، يمكن أن نستشف من عبارته الأخيرة هذه، أن هناك خطة لإفشال أي حركة شعبية تهدف إلى محاصرة مجلس النواب يوم الثلاثاء المقبل. وربما، قد يعاود الوزير العسكري محمد فهمي محاولته في عملية "تحرير" وسط بيروت، ما بين اليوم وصباح الثلاثاء 11 شباط.
الفحوى من كل هذا أن السلطة مقتنعة أن لا "سياسة" ممكنة مع الثورة، وأن حكومتها لم تتحصل على رضى شعبي، ولا على "ثقة". السلطة ليس لديها جواب تقدمه للبنانيين. بل ليس لديها أي حل لأي شيء. عاجزة أصلاً عن الرحيل. إنها عاجزة عن إلقاء القبض على فاسد واحد. وعاجزة حتى عن تقديم أي وعد. سلطة ضد الأمل نفسه. لذا، هي في كامل عريها، في مطلق يأسها، بالغة الخطورة.. وستلجأ فقط إلى العنف. هذا هو رصيدها الأخير. هذا هو مشروعها.. ضد الاستقرار وضد السلم الأهلي.
0 comments:
إرسال تعليق