الاثنين، يونيو 15، 2020

البلاد ساقطة في قبضة الحزب كلياً

على غرار السياسة، بات حزب الله لاعباً اقتصادياً قوياً. ليس لأنه يملك نموذجاً اقتصادياً متقدّماً يمكنه تقديمه كمدخل للانقاذ، بل لأنه يتحكّم بمفاصل الدولة، ومنها الاقتصاد، عن طريق تحكّمه بقطاع الصرافة، وتالياً بالسوق السوداء، وبالتوازي تحكّمه بطرق التهريب نحو سورياً، إن على صعيد البضائع أو الدولار.

سيطرة كاملةاستطاع الحزب تطويق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة واخضاعه، عبر زيادة الضغط عليه وتركه يواجه كل القوى السياسية التي ترمي في وجهه مسؤولية انهيار سعر العملة، ومسؤولية تمويل الفساد والهدر طيلة 27 سنة. تمكّن الحزب أيضاً من عزل المصارف وإخراجها من المواجهة، بعد أن كانت رأس حربة ضدّه في العقوبات الأميركية على الحزب. ولعبت الظروف النقدية والاقتصادية دوراً في عزل المصارف من دون تكبّد الحزب الكثير من العناء. فالمصارف اليوم بالكاد قادرة على إدارة أزمتها تجاه المودعين.

على صعيد ثالث، سيطر الحزب على قطاع الصرّافين، فبات هذا القطاع منفذاً للحزب للقيام بالعمليات المالية والسيطرة على السوقين القانوني وغير القانوني.

رابعاً، يسيطر الحزب على مجلسي الوزراء والنواب، أي على القرار السياسي للبلاد، وكذلك يسيطر على الأمن. أي أن البلاد ساقطة في قبضة الحزب كلياً.

هذه السيطرة لا تعني بالضرورة امتلاك مفاتيح الحل النقدي والاقتصادي والاجتماعي، لكنها بلا شك، تصلح لتكون مدخلاً لفرض "الإصلاح" فيما لو أراد المسيطر فعل ذلك. ومن الواضح أن القرار السياسي لا يمكن الركون إليه وحيداً للجم ارتفاع أسعار الدولار، لكنه يحد من التقلّب المفاجىء أولاً، ويرسم الخطوط الرئيسية للبدء بالإصلاح الحقيقي الذي يؤثر على أسعار الصرف، ثانياً. وبالتوازي يحد من التهريب إلى سوريا، وهو الطريق الذي يسهم في رفع أسعار الدولار والسلع على حد سواء. وهو ما لا تقترب منه الحكومة وبالتوازي مصرف لبنان، بل يعمدان لاتّباع اجراءات، يعلمون أنها عقيمة، وعلى رأسها إجراءات ضخ الدولارات في السوق، فكيف إذا كان الضخ سيسلك طريق الصرّافين أولاً؟

الحفاظ على سلامة
السيطرة التي حققها الحزب، تُرجِمَت في مهاجمة الحكومة لسلامة، وإعلامه أنه تُرِكَ وحيداً في عملية تدفيعه ثمن الأزمة. وتجلّى الهجوم بالمداخلة التي قامت بها وزيرة العدل ماري كلود نجم، خلال جلسة الحكومة الأخيرة، إذ أكّدت أن مَن يحمل 4000 دولار على دراجة نارية في الضاحية الجنوبية لبيروت، ليس هو من سبّب الأزمة، وليست ثورة 17 تشرين هي من سبّبت الأزمة، وانما السياسات المالية الخاطئة، لا بل المجرمة، هي من أدت الى هدر المال العام وتعميم الفساد. وتابعت نجم، أن الأزمة التي نعيشها، هي نتيجة هندسات مالية جرت لتغطية خسائر المصارف التي قامت باستثمارات فاشلة خارج لبنان.

لكن رغم الحصار، لا يزال سلامة يتمتّع بهامش واسع للتحرّك، ويعلم أن الطبقة السياسية لا يمكنها التخلي عنه بسرعة حالياً. وهذا واضح من خلال إصرار رئيس مجلس النواب نبيه برّي على عدم التخلّي عن أحد في هذه الظروف التي تحتاج جميع الأشخاص، والمقصود هنا رياض سلامة تحديداً.

وبرّي لا يدافع عن سلامة حبّاً به، وانما صوناً لعدم انطلاق لسان سلامة بما يعرفه من خبايا مالية تطال جميع السياسيين، وتحاشياً لانعكاسات سلبية متسارعة ستطال الليرة والمشهد السياسي، فيما لو تمّت إقالة سلامة أو زيادة الخناق عليه أكثر. لذلك، فإن كلام برّي موجّه بجزء منه إلى حزب الله الذي زاد الخناق على سلامة في الآونة الأخيرة.

وما تأكيد رئيس المجلس على توحيد اللغة مع صندوق النقد، سوى تهدئة للأحوال، سعياً لايجاد نقاط يمكن الاتفاق عليها بين حزب الله وسلامة، تؤدي إلى تقليل حجم التباينات بين الحكومة والمصرف المركزي، ما يسهم في ترطيب الأجواء بين الطرفين خلال التفاوض مع صندوق النقد.

غير أنه في المقلب الآخر، لا ترتبط مساعي التهدئة بالداخل فقط، بل بالسياسة الإقليمية والدولية التي ينغمس فيها الحزب بوصفه ذراعاً إيرانية في المنطقة. والمتغيّرات خارج الحدود تدفع الحزب لزيادة الضغط في الداخل توسيعاً لسيطرته وإحكاماً لقبضته. ولا حرج لدى الحزب إن ساهمت سياساته في استمرار رفع سعر الدولار وتضييق الخناق الاقتصادي والاجتماعي على الناس، بمن فيهم بيئته الحاضنة. فرواتب رجاله بخير، وبيئته الحاضنة تسلّم بأن زعيم الحزب لديه بصيرة وحكمة خلف كل ما يفعله، حتى وإن هلكت البيئة بأكملها، فهي شهيدة تحت راية الدفاع المقدّس. "..وما الصبر إلاّ مفتاح الفرج". وهذه العقيدة ليست تفصيلاً عابراً، بل هي الركيزة التي تحمي ظهر الحزب، والتي نجح في تمتينها منذ العام 2006 حتى اللحظة. ويُلتمس ذلك بوضوح من خلال عدم انتفاض تلك البيئة رغم كل ما يصيبها.

لا رؤية اقتصادية
لا يملك الحزب رؤية اقتصادية تشكّل حلاً للأزمة. وهو لا يحتاج إليها، لأنه لا يبحث عن بناء دولة قوية. وكل ما يحتاجه هو صد الهجوم الأميركي عليه من خلال القطاع المصرفي. ونجح الحزب في التصدّي وخلق قطاع رديف لتداول الدولار، وهو قطاع الصيارفة الذي يستعمله الحزب كسلاح قوي في المواجهة والتحكّم بالسوق.

الجانب الأميركي لديه من العنجهية والتكبّر ما يكفي لتجاهل المكاسب التي حققها الحزب، ولعدم تغيير آلية المواجهة. فالأميركي يصرّ على الضغط بطريقة تؤذي الجميع، بمن فيهم حلفاؤه. وهو في هذه النقطة، لا يختلف عن حزب الله، فالطرفان لا يهمّهما البلد بقدر تحقيق مكاسب خاصة. وعموماً، القوى السياسية الحليفة للولايات المتحدة الأميركية، لا تملك هي الأخرى خطة اقتصادية، فكل ما كانت تفعله في السابق، هو الانتفاع من هذا النظام، وتنصّلت منه عند وقوع الكارثة، ظناً منها أن التنصّل يعفيها من المسؤولية.

في النتيجة، الكل مسؤول عمّا آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والنقدية والاجتماعية. فالكل استفاد من هدر المال العام. وما الأميركي وحزب الله، سوى قوى تتصارع على أنقاض الاقتصاد لتحقيق مكاسب سياسية، فيما يبقى الاقتصاد والليرة في حالة ضياع تامّة، وحيدان من دون سَنَد فعلي.

لا يُلام الأميركي على قدر حزب الله، ليس لأنه ملاكاً بريئاً، بل لا يلام الذئب إن كان الراعي عدوّ الغنم. فبدل أن يزيد الحزب الضغط الداخلي، ويسهم في تأرجح سعر الدولار وفي دعم السوق السوداء، يمكنه تقليل الضغط السياسي الذي ينعكس على الاقتصاد. وبامكانه لعب هذا الدور الإيجابي لأنه المسيطر على الساحة اللبنانية بكل مفاصلها، وبيده فتح ممرات للحوار السياسي مع خصومه، وبيده كذلك الاطاحة بالبلد. ويبدو أن الخيار الثاني هو الأرجح

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية