الاثنين، سبتمبر 07، 2020

جعجع بأعنف خطاب يهشم فيه "العهد" ويتحدى حزب الله

جعجع بأعنف خطاب يهشم فيه "العهد" ويتحدى حزب الله  
 
هو الموقف الأعنف الذي يتخذه سمير جعجع  ضد حزب الله منذ اتفاق معراب مع التيار الوطني الحرّ في العام 2016. عاد جعجع بوضوح إلى حقبة ما قبل التسويات، والأحلام الرئاسية التي تنامت على أعتاب اتفاق إعلان النوايا وتكريس مبدأ وصول الأقوى في طائفته إلى المواقع الرئاسية.

القطيعة والانتخابات
اختار رئيس حزب القوات اللبنانية من ذكرى شهدائها، توقيتاً مناسباً لإعلان القطع مع الجميع. أعلنها ثورة على تحالفاته وعلاقاته وتوجهاته. في الخلفية همّ الانتخابات والتركيز عليها، بالإستناد إلى ثورة 17 تشرين وما تلاها. قال الرجل للثوار واللبنانيين ما لم تنجحوا في تحقيقه بتظاهراتكم، لا بد لكم أن تفعلوه يوم تأتي الانتخابات، وتذهبون إلى التغيير في صناديق الإقتراع. طالب بالانتخابات النيابية المبكرة على أساس القانون الحالي، فالتقى مع التيار الوطني الحرّ وحزب الله، اللذين اتهمهما بالتسبب بما حل بلبنان من انهيارات، بينما تعارض مع توجهات تيار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي.

أقلع جعجع بخطابه عن الكثير من محاولات مهادنة الحزب وإطلاق الإشارات الإيجابية بينهما في فترات سابقة، لم ترق إلى مستوى حوار. هو على يقين كما حزب الله أن لا إمكانية لأن يلتقيا، ولا يمكن للحزب أن يسير خلف جعجع في أي حلم رئاسي. لذلك يذهب جعجع بعيداً في مساره السياسي. وهو فرض نفسه قوة مسيحية أكبر شعبياً وسياسياً وبرلمانياً، مستنداً إلى استطلاعات كثيرة للرأي تشير إلى مثل هذه الأرقام.

الطائف واللامركزية الموسعة
حمّل سمير جعجع مسؤولية ما يجري من انهيارات إلى كلمة سحرية هي "اتفاق مار مخايل" والذي وصفه باتفاق المصالح والصفقات بين حزب الله والتيار الوطني الحر، ولم ينجح في إدخال الحزب إلى الدولة، بل أدخل الدولة في الحزب. معتبراً أن هؤلاء الفاسدين والمفسدين يجب أن يرحلوا. والشعب اللبناني هو الذي يتخذ القرار برحيلهم. كاد جعجع يقترب من الدعوة صراحة إلى إسقاط رئيس الجمهورية لكنه لم يفعل، دعا إلى اسقاط جميع المنظومة الفاسدة، واعتبر ان المدخل الأساسي للتغيير هو مجلس النواب، من خلال انتخابات، سواء كانت مبكرة أم في موعدها.

في النقاش الدائر حول تغيير الصيغة والنظام، أكد جعجع أنه متمسك باتفاق الطائف الذي يجب أن يطبق، أما بحال أصر البعض على تغيير النظام، فأعلن جهاراً الذهاب إلى نظام اللامركزية الموسعة. أي تغيير الصيغة اللبنانية ككل، وقد يفهم من ذلك الفيدرالية.

مخاطبة حزب الله
توجه جعجع إلى حزب الله بالقول: "‎إلى‎ ‎أين‎ ‎تريد‎ ‎بعد‎ ‎أن‎ ‎يصل‎ ‎الوضع‎ ‎في‎ ‎لبنان؟ ‏هل‎ ‎هناك‎ ‎بعد‎ ‎أسوأ‎ ‎مما‎ ‎‎نعيشه؟ هل‎ ‎تنتظر‎ ‎مجاعة‎ ‎كاملة؟‎ ‎هل‎ ‎تنتظر‎ ‎أن‎ ‎يموت‎ ‎اللبنانيون‎ ‎كباراً‎ ‎‎وصغارا‎ ً‎إما‎ ‎جوعاً‎ ‎أو‎ ‎مرضا‎ ً‎أو‎ ‎احتراقاً‎ ‎وخنقا‎ ً‎وسحلا‎ ً‎في‎ ‎انفجارات‎ ‎‎غامضة؟‎". وقال: "على‎ ‎حزب‎ ‎الله‎ ‎أن‎ ‎يسلم‎ ‎قرار‎ ‎الحرب‎ ‎والسلم‎ ‎للدولة، وعليه‎ ‎أن‎ ‎‎يكف‎ ‎عن‎ ‎تدخلاته‎ ‎الخارجية‎ ‎السافرة‎ ‎غير‎ ‎المبررة‎ ‎في‎ ‎شؤون‎ ‎وشجون‎ ‎‎أكثر‎ ‎من‎ ‎دولة‎ ‎عربية،‎ ‎وأن‎ ‎يكف‎ ‎عن‎ ‎لعب‎ ‎دور‎ ‎رأس‎ ‎الحربة‎ ‎للمشروع‎ ‎‎الإيراني‎ ‎المتمدد‎ ‎والمتوغل‎ ‎في‎ ‎المنطقة‎ ‎العربية". وأكد جعجع، أنه "لا‎ ‎يمكن‎ ‎لحزب‎ ‎الله‎ ‎‎أن‎ ‎يستمر‎ ‎من‎ ‎دون‎ ‎أن‎ ‎يغير‎ ‎في‎ ‎توجهاته‎ ‎وسلوكه،‎ ‎ومن‎ ‎دون‎ ‎أن‎ ‎ينظم‎ ‎‎علاقاته‎ ‎مع‎ ‎الدولة‎ ‎كأي‎ ‎حزب‎ ‎سياسي‎ ‎آخر،‎ ‎وينخرط‎ ‎في‎ ‎مشروع‎ ‎إعادة‎ ‎‎بنائها". لافتاً‎ إلى أنه "حان‎ ‎أوان‎ ‎الاعتراف‎ ‎بالواقع‎ ‎والوقائع،‎ ‎وإجراء‎ ‎مراجعة‎ ‎‎للسياسات‎ ‎والخيارات، حان‎ ‎وقت‎ ‎العودة‎ ‎إلى‎ ‎لبنان‎ ‎بالمعنى‎ ‎العريض‎ ‎‎للكلمة.‎ ‎لا‎ ‎يمكننا‎ ‎أن‎ ‎نستمر‎ ‎في‎ ‎ظل‎ ‎أوضاع‎ ‎مماثلة".

هذه الأزمة الممتدّة في كلّ اتّجاه ومجال، تعود في جوهرها إلى عاملين أساسيّين: أوّلاً: التّعدّي الحاصل على الدّولة، ودستورها وسيادتها وسلطتها ومؤسّساتها وقرارها من دويلة نمت في كنفها وعلى حسابها، ممّا أدّى إلى شللها. وثانياً: الفساد المستشري في الدّولة والمجتمع، والذي ينخر جسم الإدارات والمؤسّسات حتّى العظم، وفاق كلّ تصوّر في السّنوات الأربعة الأخيرة. هذه الآفة يجب استئصالها ومكافحتها من دون هوادة، ولا يكون استئصالها إلاّ باستئصال شياطينها. وإذا أردنا الذّهاب اعمق في الموضوع، هنالك كلمة سحريّة تختصر أسباب كلّ ما وصلنا إليه: "تفاهم مار مخايل"، الذي طبعاً مار مخايل براء منه تماماً، أمّا التّفاهم بحدّ ذاته فصفقة بين حزبين على تأمين مصالحهما الحزبيّة الضّيّقة على حساب لبنان الوطن، لبنان الدّولة، لبنان السّيادة، وعلى حساب اللّبنانيين كشعب وتاريخ ومستقبل".

ثورة 17 تشرين والبرلمان
وأكّد أن "نقطة البداية في التّغيير ستكون في مجلس النّواب، وعلى اللّبنانييّن جميعا تقع مهمّة ومسؤوليّة إحداث هذا التّغيير عبر صناديق الاقتراع، وعدم إضاعة فرصة أخيرة متاحة لهم بعد شهور طالت أم قصرت لاختيار من يمثّلهم، ويكون الأجدر والأكفأ والأنظف والأجرأ والأشرف. لا سبيل إلى محاربة الفساد على يد من كانوا سببا وصنّاعا له. الأمر يتطلّب إعادة إنتاج سلطة جديدة، واستحداث نخبة سياسيّة جديدة، وتحويل الانتخابات المقبلة إلى ساحة اختبار للنّوايا والإرادات، وإلى منصّة للتّغيير، والمحاسبة والمساءلة".

وأوضح جعجع، أن "انتفاضة 17 تشرين غيّرت في مسار الأحداث والذّهنيّات، لكنّها لن تؤتي ثمارها في الشّارع فقط، وستجنح إلى الفوضى والمراوحة والاستنزاف الذاتيّ، إذا لم تكن لها خريطة طريق واضحة توصلها إلى تحقيق أهدافها. هذه الانتفاضة كي تحقّق أهدافها، يجب أن تنتقل إلى صناديق الاقتراع، وعلى أرض الانتخابات، فتنبثق عنها أكثريّة نيابيّة جديدة معبّرة عن طموحات اللّبنانيين. والانتخابات المبكرة من الطّبيعيّ أن تجري على أساس القانون الحاليّ النّافذ الذي تطلّب الكثير من الوقت والجهد. إنّ الدّاعين إلى قانون جديد للانتخابات، حتّى ولو صدرت الدّعوة عن حسن نيّة، يخدمون الذين لا يريدون الانتخابات أن تجري، ولا للأكثريّة النّيابيّة أن تتغيّر".

وشدد على أننا "بقدر ما ننبّه إلى محاولات مشبوهة جارية لعدم إجراء الانتخابات لا قبل موعدها ولا في موعدها حتّى، فإنّنا نحذّر من أيّ محاولة لتمرير قانون انتخابات لا يراعي خصوصيّة التّركيبة التّعدّديّة للبنان، ويهدف إلى الإطاحة بخصائصه وتوازناته وتركيبته المجتمعيّة، والوصول تحت ستار إلغاء الطائفيّة السّياسيّة إلى تطبيق الديمقراطيّة العدديّة، وفي هذا موت أكيد للبنان". وتابع: "بعد الانتخابات النيابية المبكرة، سنكون أمام برلمان جديد وحكومة جديدة، وسلطة جديدة. وعندما تدقّ ساعة الاستحقاق الرئاسيّ ستكون لنا فيه كلمة وقرار وموقف. ولن نقبل بأن يكون هذا الاستحقاق خاضعاً لمساومات وصفقات ووسيلة لضرب الإرادة الشعبيّة الجامحة التّائقة للتّغيير".

الأسف في اتفاق معراب
وتطرّق جعجع إلى "اتفاق معراب"، قائلا: "طالما تطرّقنا إلى "تفاهم مار مخايل" المشؤوم، سنتكلّم قليلا عن اتفاق معراب المطعون. إنّ اتفاق معراب، وبخلاف ما يظنه أو يدّعيه البعض، هو في منطلقاته الأوّليّة مصالحة وجدانيّة تاريخيّة أخلاقيّة، تطوي صفحة صراع مجتمعيّ مديد". وأوضح أننا "أردنا من اتّفاق معراب بالإضافة إلى كونه مصالحة وجدانيّة أن يكون منطلقاً لشراكة مسيحيّة إسلاميّة حقّة في السّلطة، وبالتّالي خطوة أوّليّة على طريق بناء دولة فعليّة ولكن، وللأسف، مكرّرة عشرات المرّات، تبيّن لاحقاً أنّ الطّرف الآخر أراده مجرّد مصلحة سياسيّة آنيّة بحتة، وبعكس كلّ ما ورد في اتّفاق معراب. أردناه لبناء دولة المؤسّسات، وغيرنا أستعمله لبسط سلطة الميليشيات. أردناه لنرضي به طموح العماد ميشال عون الرئاسيّ منذ العام 1988، ونسدل السّتارة على هذه القّصّة لمرّة واحدة وأخيرة، لنبدأ بعدها فصلاً جديداً، وهم أرادوه ليعيدونا إلى العرض المسرحيّ ذاته من جديد. فيوقفوا الزّمن والمستقبل والسّياسة والاقتصاد والحياة الوطنيّة برمّتها، ويرهنوها بانتظار تحقيق الطّموح الرّئاسيّ لمن هو بعد عون. وكأنّ مستقبل اللّبنانيين ولقمة عيشهم وحياتهم مسخّرة خدمة لمآرب وطموحات هؤلاء".

وتابع: "لقد كان من المفترض باتفاق معراب أن يكون نقطة ارتكاز أساسيّة للعهد الرّئاسيّ الجديد وفق قواعد إصلاحيّة ووطنيّة واضحة، غير أنّ القيّمين على العهد سارعوا للتّخلّص من هذا الاتّفاق منذ اللّحظة الأولى، ظنّا منهم أنّهم بذلك يتحرّرون من أعباء الإصلاح ويتخلّصون من مشقّة التغيير، ويزيحون منافساً لهم. ولكن من دون أن يدروا أنّهم يحرمون بذلك أنفسهم من رافعة سياسيّة وشعبيّة وإصلاحيّة كان من الممكن لها إنقاذ العهد وتجنب وصول البلاد لاحقا إلى ما وصلت إليه".

الثورة مجدداً 
وتناول في كلمته ثورة 17 تشرين قائلاً: "قبل أن تكون هناك ثورة 17 تشرين، وقبل أن تكون هناك ثورة أرز، كان هناك منذ العام 1975 ثورة على الاحتلال والتّوطين والّسلاح غير الشّرعيّ واستباحة سيادة الدّولة، ثورة على الفساد والتّقليد والتّوريث وطبقة الـ43، مرّة بالمقاومة المسلّحة، ومرّات ومرّات بسلاح الكلمة والموقف والمثل الصّالح. وهذه الثّورة كان عنوانها بشير الجميل. نحن أبناء الثّورة وأحفادها، نحن إخوتها وأخواتها، ولدنا من رحم أحزان الوطن والشّعب، ولن نهدأ حتّى يزهر من تحت الرّماد لبنان الجديد".

وشدد على أنه "لا ليس كلّ من عمل بالسّياسة مثله مثل الآخرين، وفي هذا الإطار: لا ليس كلّن يعني كلّن، لأنّه من حيث المبدأ لا تزر وازرة وزر أخرى، ومن حيث التطبيق وكما يقول القول الإنكليزيّ الشائع: " بالتّعميم تصبح أحمق". ونحن لا نريد لبعض الحراك أن يبدو أحمق وأن يضعف بالمعركة مع أرانب السّياسة بمناوراتها وبهلوانيّاتها.

أما بالنسبة لمسألة الحياد التي طرحها غبطة أبينا البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، فقد أكّد جعجع أن "بكركي بتحكي صح. لماذا؟ لأّن بكركي تحكي في المبادىء الوطنيّة والإنسانيّة الكبرى، وتحكي في المسلّمات والبديهيّات السّياديّة والدّستوريّة والميثاقيّة من دون أيّ مصالح أو غايات سياسيّة او انتخابيّة، ولأنّها دائما كانت صوت الحقّ والحقيقة والوجدان الوطنيّ، ولأنّها صانعة الكيان وذاكرة التاريخ اللّبناني".

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية