الجمعة، مايو 06، 2011

الأزمة المالية العالمية وانهيار الأساس الفكري للرأسمالية.


د.صبري محمد خليل/ أستاذ الفلسفة بجامعه الخرطوم

يرى المحللين الاقتصاديين الغربيين أن الأزمة الاقتصادية بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية بنمط استهلاك غير متوازن صاحبه تشجيع للاستثمار، ومن ثم ظهرت مشكلة الرهن العقاري التي خلقت الديون المعدومة ولم يعد باستطاعة البنوك تسديد المتطلبات الملقاة عليها .

وقد أثرت الأزمة المالية الأمريكية على معظم دول العالم، فمع انهيار البنوك انخفضت قيمة الأسهم في الدول الأخرى التي تستثمر في الولايات المتحدة الأمريكية ويعتقد بعض هؤلاء المحللين أن مدراء البنوك ومسئولو البورصة كان لديهم علم مسبق بالأزمة وحاولوا النجاة منها قبل وقوعها بسحب أموالهم مما ساهم في اتساع نطاقها وقوع الضرر الأكبر على عاتق المستثمر الصغير والأجنبي .وتقوم خطة الإنقاذ المالي التي طرحتها الحكومة الأمريكية وسارت على خطاها الحكومات الغربية على أساس أن الأزمة الاقتصادية هي أزمة سيولة فقط وفي حال تم دعم المصارف فسيتم تجاوزها.

غير أن التحليل الاقتصادي الأعمق يوضح أن هذه الأزمة هي أزمة اقتصاديه (وليست أزمة مالية فقط) وان جذورها ترجع إلى صميم النظام الاقتصادي الرأسمالي المستند إلى الليبرالية كمنهج والقائلة بان مصلحه المجتمع ككل ستتحقق حتما من خلال محاوله كل فرد تحقيق مصالحه الخاصة، أي النظام الاقتصادي القائم على عدم تدخل الدولة كممثل للمجتمع ،وهو ما اثبت واقع المجتمعات الأوربية ذاته خطاه ،إذ قبل أن ينتهي القرن التاسع عشر حتى كانت ضرورة تدخل الدولة مسلمه في كل المجتمعات الأوربية، وان اختلفت في مدى هذا التدخل. إلا انه بعد المتغيرات الدولية الأخيرة المتمثلة في انهيار الكتلة الشرقية وظهور نظام عالمي أحادى القطب ممثلا في الولايات المتحدة ظهرت الدعوات التي تشكك في ضرورة تدخل الدولة وهذه الدعوات شكلت الأساس الايدولوجى للأزمة الاقتصادية الأخيرة. يدل على هذا أن بعض الاقتصادات العالمية الصاعدة التي ظلت للدولة فيها دور في أداره العملية الاقتصادية كالصين والهند وروسيا وغيرها كانت اقل تأثرا بالأزمة من الدول الأخرى..

ولا يعنى التحليل السابق أن هذه الأزمة الاقتصادية تعنى نهاية النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي على ارض الواقع كما يرى البعض- وان كان من الممكن أنها تعنى بداية نهايته- فتاريخ النظام الاقتصادي الرأسمالي هو تاريخ النمو من خلال الأزمات التي تكاد تتكرر بصوره دوريه..فالأزمة الأخيرة هي احد هذه الأزمات الدورية ،والتي يتم تجاوزها دائما من خلال تدخل الدولة، أي من خلال نفى الأساس الفكري الايديولوجى الذي يستند إليه النظام الاقتصادي الرأسمالي. أي أن هذه الأزمة الاقتصادية هي تأكيد على انهيار الأساس الفكري للنظام الاقتصادي الرأسمالي، رغم استمراره في الواقع.

كما أن هذه الأزمة الاقتصادية هي بمثابة بيان لخطاْ موقفين من الخصخصة (الآلية الاقتصادية الرئيسية للرأسمالية) في الدول النامية هما: موقف الرفض المطلق للخصخصة لان هذا الموقف يعنى العزلة عن الاقتصاد العالمي. وموقف القبول المطلق للخصخصة، لان هذا الموقف يعنى التبعية للاقتصاد الرأسمالي الغربي وبالتالي التأثر بكل أزماته الدورية.

ولا يبقى إلا تبنى موقف نقدي من الخصخصة قائم على: التأكيد على دور الدولة في الاقتصاد مع العمل على إصلاح القطاع العام و تطهيره من البيروقراطية والفساد.والوقوف ضد خصخصة المؤسسات الاستراتيجية والسلع الضرورية. وضمان شفافية وديمقراطية الخصخصة للقطاعات والسلع الأخرى بالرجوع إلي الشعب ورقابه الدول.

وفى إطار المجتمعات المسلمة ساهمت الأزمة الاقتصادية الأخيرة في تصاعد الدعوة إلى الاقتصاد الإسلامي، وهي دعوه صحيحة إذا استندت إلى أسس صحيحة أهمها التمييز بين الفلسفة الاقتصادية أي المفاهيم الكلية المجردة التي تسبق النشاط الاقتصادي، وعلم الاقتصاد أي الظواهر الاقتصادية الجزئية العينية والقوانين الموضوعية التي تضبط حركتها، والمذاهب الاقتصادية أي النظم والإشكال الفنية الاقتصادية.

أما الفلسفة الاقتصادية الإسلامية فقائمه على مبادئ كليه منها أن الله تعالى هو المالك الحقيقي للمال. وأن الجماعة هي المستخلفة في الانتفاع به. وأن الفرد والحاكم هما نواب ووكلاء عن الجماعة في إدارته على الوجه الذي يحقق مصلحتها... وبالتالي فإن الموقف من الفلسفات الاقتصادية الأخرى هو على اخذ وقبول ما لا يناقض المبادئ السابقة، ورد ورفض ما يناقضها. أما المذاهب الاقتصادية الإسلامية فهي النظم والأشكال الفنية الاقتصادية الملائمة لتحقيق هذه المبادئ الكلية في زمان ومكان معين، وهى خاضعة لاجتهاد المسلمين. وبالتالي يمكن للمسلمين الاستفادة من إسهامات المذاهب والنظم الاقتصادية الأخرى بشرط اتفاقها مع هذه المبادئ الكلية وواقع المجتمعات المسلمة. أما معيار أخذ أو رفض إسهامات المجتمعات الأخرى في مجال علم الاقتصاد التجريبي فهو التجربة والاختبار العلميين، فما تحقق من صحته وجب قبوله، وما تحقق من خطأه وجب رفضه طبقاً لهذا المعيار.
sabri.khalil@hotmail.com

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية