مرت مناسبة عاشوراء قبل يومين، ولطم من لطم وشق جيبه من أراد وسالت دماء المطبرين ودموع الباكين، بما شاهده العالمين على الهواء، مما يجعل المقال قاصرا عن الوصف الدقيق.
وكالعادة سيّس إئتلاف حزب الدعوة ومجلس آل العقور الحكيم المناسبة وبتخطيط مسبق افترضوه محكما جدا حيث وزعوا منابرهم ومحطات بثهم الفضائية حول المراقد وعلى الساحات القريبة ومفارق الطرق. وكالعادة أيضا ظهر عمار كيكة على دكة يراقب اللاطمين النادبين وخلفه جلاوزته المجرمون باقر صولاغ وهويدي العامري ومن لف لفهم.
وكالعادة أيضا تنابح إعلاميوهم بترديد الشعارات المعهودة، وبنبرة الواثق من أن الجماهير قد حولتها مباشرة إلى أصوات انتخابية. وقال أحد معلقي فضائية الفرات قائلا: " إن جماهير الحسين المظلوم لا ولن تنتخب غير المثلين الصادقين لأتباع آل البيت، وهم نسل الشجرة الحسنية المباركة،، إن شعب العراق الذي عانى من المقابر الجماعية قد حسم رأيه وقرر أن ينتخب الممثلين الصادقين لشعائر عاشوراه ومظلومية آل البيت صلىى الله عليهم أجمعين،،" ثم أعلن بعدها أن أيها الشيعة الصابرون، سأترككم الآن مع سليل الشجرة الحسينة، العلامة السيد عمار الحكيم دام ظله، ليحدثكم عن عاشوراء ومظلومية آل البيت والوضع في العراق،،،!
لكن شيئا واحد تغير هذا العام وهو عدم المبالغة بعدد الزوار بالشكل الخيالي المعتاد.
ففي أول عاشوراه ما بعد الاحتلال إدعوا أن عدد زوار كربلاء ربا عن 12 مليونا. ثم في العام الثالني أدعوا أن العدد ربا عن العشرة ملايين، ثم توقف في الأعوام التي تلته إلى الستة ملايين زائر. أما هذا العام فأوردت فضائية الفرات الناطقة باسم آل العقور الحكيم رقمين متغايرين أولهما أدعت فيه أن عدد الزوار هو ثلاثة ملايين، ثم عادت يوم العاشر من عاشوراه وخفضت الرقم إلى "مئات الألوف".
فهل لهذا من سبب؟!
نعم!
إنما مقدما أقول إن عدد زوار كربلاء لا ولن يفوق 40 ألفا بتاتا. لأنه حجم استيعاب مدينة كربلاء ذاتها. وكل الأعداد التي قيلت سابقا إنما مبالغة وحسب. كما لا علاقة لآل العقور الحكيم بالشجرة الحسنية (سلالة الإمام الحسن بن علي ع) بتاتا، لعوامل أولها أن الحسن بن علي عربي قرشي وثانيها إنه مسلم خالص الإسلام. بينما هؤلاء هم نسل جدهم العاشر اسماعيل طبطبي. واسماعيل هذا الملقب وقتها بالديباج لأنه تاجر أقمشة في استنبول، هو من يهود الدونمة الذين حين اكتشف السلطات التركية زيف إسلامهم لاحقتهم فهرب إسماعيل إلى جبل لبنان متخفيا وزاول الأقرباذ (طب الأعشاب) فلحق به لقب الحكيم "الطبيب". واكتشفت المخابرات التركية أمره فطلبته، فهرب عبر سوريا والعراق إلى إيران حيث إلتحق بخدمة طبيب الشاه، وهو يهودي اسمه سعد الدولة. والعادة في إيران أن ينتسب الناس إلى المدن. وحيث اسماعيل لم يولد في إيران ولا علاقة له بأي مدينة إيرانية، اتخذ اللقب العام وهو طبطبي، التي تعني الأعجمى.
ومن يتبحّر بوجوه آل العقور الحكيم سوف لن يعجب حتما من منهجهم اليهودي الشعائر والتطبيق والمفردات. وهم أساسا من أدخل بعض الأعدية اليهودية الخالصة إلى كتب "الصحيفة السجادية" و"مفاتيح الجنان" وغيرها كأدعية "الجوشنين" و"العهد" و"الكروبيم" المأخوذة حرفيا أو المتحورة عن أسفار التوراة. كما إن دعوات المظلومية هي نسخة طبق الأصل عن المظلومية اليهودية. واليهود هم الوحيدون الذين يقولون بعصمة الحاخام وحقه بالإفتاء بما يعارض الرب ذاته. تلك الحال التي جاهر بها الملعون باقر حكيم منتصف 2002 حين أفتى قائلا: "رغم نهي القرآن عن موالاة الكفار إلا أن أجيز هذا لأنه في مصلحة العراق". وما جاهر به الملعون سستاني يوم حذف ركن الجهاد مخالفا بذلك الأسس التي حددها الله ذاته للإسلام. كما إن صلاحيات المرجع الأعلى عند آل الحكيم، هي ذاتها التي للحاخام الأعلى، من حيث أنه معصوم في القول والفعل والتفكير، الأمر الذي يختصره شيعة الدونمة، بالقول " تقدس سره الشريف". وهنا فمرجعهم الأعلى معصوم في القول والفعل والتفكير أيضا. بل إن عداء آل العقور الحكيم للعراق، منسوخ جوهرا وفعلا وتطبيقا عن العداء الذي يكنه اليهود للعراق عامة، ولبابل حصرا.
هذا، وعام 1969 (أو ربما 1970) ويوم مات المقبور محسن حكيم نقل أتباعه جثمانه من بغداد إلى النجف مشيا. وعند معرض بغداد جاهر هؤلاء الأتباع بالعداء للنظام وقتها هاتفين: "انكب يريّس سيد مهدي انريده هنا!" أي هم يشتمون الرئيس وقتها أحمد حسن البكر ويطالبون بعودة المجرم الجاسوس مهدي حكيم ابن محسن حكيم، الذي أدانته وحكمته بالإعدام محكمة عراقية بالتجسس لصالح إسرائيل. والقاضي الذي حكمه هو السيد هادي وتوت، وهو من أعرق العائلات الشيعية. وقد هرب المجرم مهدي بمساعدة زوجة شاه إيران واستقر في الخرطوم. إلا أن الحكومة العراقية أرسلت له فتية نفذوا به القصاص وعادوا.
ومعلوم أن خيانة مهدي بن العقور الحكيم، لم تحسب على شيعة العراق ولم تؤثر على الشعائر الحسينية (لا ننسى أن مؤسسي حزب البعث العراقي كلهم شيعة) بل لم تسيس هذه الشعائر من قبل النظام في العراق الذي كان الأحوج إلى الجماهيرية وقتها حتى عام 1975 حين سيس آل العقور الحكيم وحزب الدعوة هذه المراسيم فقاموا بحركة عصيان سموها انتفاضة خان النص، (منطقة على الطريق من بغداد إلى النجف وكربلاء) وأحرقت المؤسسات الحكومية والمحلات التجارية وجرى قتل تحت شعارات معادية للدولة أهمها شعار "الله أكبر يا علي انريد قائد جعفري". وهي الانتفاضة التي يفخر بها الآن هؤلاء المجرمون كواحدة من أمجادهم.
وهذا عمليا هو أول وأشد تسييس لشعائر عاشوراء ما بعد ثورة تموز 1968. وكان رد الحكومة على هذا، ليس بتسييس معاكس وإنما قضائيا بحتا حيث تشكلت محكمة برئاسة عزت مصطفى العاني وفليح حسن الجاسم ومحسن العامرى. والأخيرين شيعيين. وانسحب منها فليح وعزت، وأصدرت المحكمة أحكاما قضائية بحتة بحق المجرمين. إنما منعت الحكومة مراسيم اللطم والتطبير وأبقت على الزيارات ومجالس العزاء، كمحاولة منها لتطويرها وتجريدها من الهرطقة وإثارة النعرات الطائفية. لكن إيران بدأت تلعب على وتر منع اللطم والتطبير هذا وألبسته لبوس المظلومية. ثم جاهرت باعتباره واحدا من معالم معاداة آل البيت وأتباعهم. ثم وحين ثار الشعب الإيراني على الشاه، لم تمض سوى عدة شهور ليتبين أن ملالي الثورة أشد من الشاه تسييسا لمراسيم عاشوراه وأحوج منه لطوفنة العراق. بل قد رقا الأمر من التظلم لمنع بغداد للطم والتطبير إلى تصدير الثورة الطائفية ذاتها، الأمر الذي لخصه خميني وقتها بالشعار: "الطريق إلى القدس تمر عبر كربلاء!"
ولا أفترض أن تسييسا أشد من هذا لشعائر عاشوراه.
وحين أتحدث عن الشعائر، فلا أقصد حتما اللطم والتطبير والزنجيل والعويل. لأن هذه كلها هرطقات لا علاقة لها بالدين أو المذهب ناهيك عن أنها بالأصل ليست نعيا للحسين وإنما تقريع للذات على خذلان الحسين ممن استدعوه.
المهم أن تسييس عاشوراه بشعار تصدير الثورة هذا أجهضته الحرب التي قامت بين البلدين عام 1980. إلا أن العدوان الثلاثيني وما تلاه من حصار وانتشار الجوع والأمراض والجهل، كل هذه مهدت التربة للهجمة الإيرانية المدروسة لتسييس شعائر عاشوراء مجددا قصد تفتيت المجتمع العراقي للحصول منه بالدسيسة وعبر العملاء ما عجزت عنه بالحرب. وخلال الأزمات العصيبة عادة ما تلجأ العامة إلى نشدان النجاة ليس بالدين عموما وإنما بالشكل التوسلي منه والذي عادة ما تغلب عليه الخرافات. أضف إلى ذلك أن شحة الأممكانيات في العراق حددت من التثقيف الجماهيري لتكون اليد الطولى للتجهيل المتعمد من الخصم. وحيث تقرر احتلال العراق من قبل الحلف الثلاثي المشؤوم "ماسونية، إمبريالية، صهيونية" فلزوم أن تقدم أمريكا وإسرائيل أقوى ما لديها في عالم الدعاية والوغر والتأليب، لتكمل ما تفعله إيران في هذا الصدد. وحتما ليس نافلا أن أغلب المتعاونين مع مشروع الغزو مما سمي بالمعارضة العراقية وقتها كانوا من الطائفيين الصفويي المذهب، وخضع أكثرهم بما فيهم باقر حكيم وأخوه، لدورات إعداد مكثفة في مستعمرة نتساريم في فلسطين المحتلة.
ما أعنيه هنا أن إيران وأتباعها هم أول من سيس مراسيم عاشوراء في العصر الحديث، واكثر من استغلها لغزو العراق واحتلاله. بل قد بدأت تسيس مراسيم الحج ذاته. ثم وحين سيطرت إيران على مقاليد الحكم في العراق عبر مواطنيها المباشرين آل العقور الحكيم، أو غلمانها وأتباعها، كان تقسيم العراق على الأساس الطائفي، وتسييس شعائر عاشوراء هي أول مطاليبها، حتى أدخلت هذه الشعائر فيما يسمى بدستور العراق. وكل عام يظهر المقبور عبدو حكيم ومن لف لفه في مسيرات عاشوراه وكل عام يتفننون بالخطب حتى لقد قرأ عمار حكيم المقتل خلال الثلاثة أعوام الأولى من عمر الاحتلال.
ما أعنيه أن قد سيس الصفويون مراسيم عاشوراه، ناهيك عن أنهم يعلنون أن التشيع هو ليس مذهبا وإنما "دينسياسة". ومعلوم أن التشيع منهم براء والإسلام أبرا. إنما هم قوميون شوفينيون مصاصوا دماء متسترون بحب الحسين.
وقد كان المقبور باقر حكيم في إيران يباغت الجموع المحتشدة في عاشوراه هناك ويخطب بهم، مسيسا الشعائر وإن دسيسة.
ما أعنيه أن قد تسيست مراسيم عاشوراه في وعي العامة، وكل عاشوراه لابد وتطرح خلالها شعارات سياسية بحتة. ولهذا السبب لم يكن مستغربا أن ترفع العامة الشيعية شعارات سياسية هذا العام، لكنها فاجأت مجلس آل العقور الحكيم ومن لف لفهم.
ذلك أن هذه الشعارات لم تكن معادية وحسب، وإنما تعاتب الحسين ذاته على الحال الذي صار إليه العراق، تحت هذه القيادات، التي سميت بالإسم تقريبا ونعتت بالعمالة واللصوصية والقتل والتدمير للعراق وشعبه. وكان رد الفعل الأول على هذا من المرجعية ومن لف لفها من المجرمين، هو تجريد عدد الزوار من المبالغة، كي يظهروا أن ليس كل الشيعة يعادون الحكومة والمرجعية وإنما حفنة صغيرة وحسب. أما في إيران ذاتها فقد كانت الشعارات التي رفعت ضد الملالي خلال عاشوراه من الخطورة إلى الدرجة التي ذكرتهم ببدايات عام 1979 ما بالك وقد سالت الدماء وبما يشير إلى أن الجاري في إيران الآن هو انتفاضة صادقة ولكن ضد الملالي هذه المرة. خصوصا وقد نفي موسوي ومن معه إلى خارج طهران كدليل على أن الأمور وصلت اللاعودة.
إي إن تسييس عاشوراه الذي هو صناعة إيرانية صرفة، ارتد على إيران ذاتها أولا ثم على عملائها في العراق ثانيا. ومن هنا، كان رد فعل المجرم خامنآي أن يندد بتسييس عائوراه أو كا سماه تدنيس حرمته برفع شعارات معادية لدولة الإسلام، فأثنى عليه وكيل سستاني وإمام جمعة النجف بأن تسييس عاشوراه هو إنتقاص من معنى عاشوراه ومساس بثوابت ثورة الحسين وأخلاقيات أتباع آل البيت ،، الخ من الترهات.
المهم إن إيران بدأت تشرب من الكأس ذاتها التي سقتها إلى العراق.
فهنيئا!
0 comments:
إرسال تعليق