قلّة من الرأي العام سمعت باسم سهيل بوجي، أما السياسيون، وخصوصاً الوزراء في السنوات العشر الماضية، فيعرفون الاسم وصاحبه جيداً. معظمهم يهابونه ويرون أنه يكاد يكون الحاكم الفعلي في الجمهورية اللبنانية اليوم. يأتي رئيس حكومة ويغادر آخر، وبوجي ثابت في موقعه
دخان سيجاره يملأ فضاء السرايا الحكومية. رائحة السيجار لا تفارق أنفاس سهيل بوجي (مواليد بيروت 1947) صاحب الدكتوراه في القانون العام من جامعة باريس، الذي تدرج في عدّة مواقع رسمية (عضو في لجنة المعادلات للتعليم العالي، مستشار قانوني لرئاسة مجلس الوزراء، أستاذ جامعي، قاضي في مجلس شورى الدولة) قبل أن يسمّيه الرئيس رفيق الحريري مديراً عاماً للمديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء (المرسوم الرقم 4340 تاريخ 11/11/2000).
في تلك المرحلة، كان بوجي لا يتدخل في حوارات الوزراء إلا بناءً على طلب الرئيس الحريري، علماً بأن وجود الأمين العام السابق لرئاسة الجمهورية سالم بو ضاهر الذي يضاهي بوجي في الخبرة القانونية لم يسمح لبوجي بأداء دور يتجاوز حجم موقعه. لكن مع وصول الرئيس فؤاد السنيورة إلى السرايا بدأ القاضي البيروتي بالموازنة بين خبرته القانونية لإمرار ما يريده السنيورة، وخبرته الكشفية (هو رئيس جمعية رواد الكشاف المسلم) لينظّم أكثر أعمال المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء ويضبط مئتي موظف (142 ملاك، 7 متعاقدين و51 ملاك مركز المعلوماتية) لينجح في مهماته على أكمل وجه.
يفعل كل شيء
سرعان ما استفاد بوجي من معرفته وانضباط فريق عمله وانشغال السنيورة بالسجالات السياسية ليغدو عملياً الحاكم الفعلي في السرايا. ونجح في ملء وظائفه كلها، فهو بحسب القانون المسؤول عن:
ـــــ درس القضايا المعروضة على مجلس الوزراء والمجالس التي تتبع لرئاسة الحكومة واللجان الوزارية الدائمة والمؤقتة التي يرأسها رئيس مجلس الوزراء.
ـــــ إعداد جدول أعمال مجلس الوزراء (فوجئ الوزير السابق آلان طابوريان بردّ من بوجي، لا يحترم أبداً أصول التخاطب بين الموظف والوزير، على كتاب كان قد أرسله طابوريان إلى السنيورة يطلب فيه إدراج بند يتعلق بوزارته على جدول أعمال مجلس الوزراء).
ـــــ تنظيم محاضر بمقررات مجلس الوزراء.
ـــــ إعداد الكتب اللازمة لمتابعة الملفات التي ترسلها الإدارات العامة.
ـــــ إقامة العلاقات الإدارية بين الحكومة ومجلس النواب وإحالة الأسئلة الخطية والاستجوابات على الإدارات المختصة ودرس أجوبتها (علماً بأن الكثير من الأسئلة بقيت في عهود السنيورة ـــــ بوجي دون أجوبة).
ـــــ الإشراف على تنظيم مقابلات رئيس مجلس الوزراء وترتيب استقبال رؤساء البعثات الدبلوماسية. وإعداد الرسائل والبرقيات التي توجه إلى رؤساء الدول العربية والأجنبية مباشرة أو بواسطة وزارة الخارجية والمغتربين.
ـــــ الاهتمام بشؤون الصحافة والنشر والإعلام العائدة إلى رئيس مجلس الوزراء.
ـــــ دراسة النصوص من الناحيتين القانونية والإدارية.
وفوق هذه اللائحة التي تبدو كأنها لا تنتهي وتحتاج إلى وقت وجهد لعرضها ليس إلا، يجد القاضي بوجي وقتاً لعمل إضافي، فهو عضو مجلس إدارة صندوق تعاضد القضاة، ورئيس اللجنة الخاصة بالمدارس المجانية في وزارة التربية والتعليم العالي ومفوض الحكومة لدى كل من المجلس الوطني للبحوث العلمية وصندوق تعاضد القضاة الشرعيين.
وجود غير قانوني!
أمام تعاظم نفوذ بوجي أيام السنيورة، أثارت المعارضة ممثلة بالنائب ميشال عون مسألة عدم قانونية شغل بوجي منصبه. فأشار الجنرال إلى أن نص المادة 16 من قانون مجلس الشورى لا يجيز لأي قاضٍ من المجلس أن يُنتدب لوظيفة خارج المجلس لأكثر من 6 سنوات، مؤكداً أن بوجي تجاوز هذه المدة خلافاً للقانون. فردّت رئاسة مجلس الوزراء (في 10 أيلول 2008) معتبرة أن انتداب بوجي جرى بالاستناد إلى المادة الثامنة من الأحكام الخاصة المتعلقة بأصول التعيين في رئاسة مجلس الوزراء.
الإجابة لم تقنع الجنرال، الذي عاد في 16 شباط 2009 ليلفت إلى أن المادة الثامنة التي تحدثت عنها رئاسة الحكومة لا تنطبق على قضاة مجلس الشورى، بل على الموظفين والمساحين والمهندسين. وأكد عون، بناءً على مطالعة قانونية للقاضي سليم جريصاتي، أنه «بعد انتهاء الولاية الشرعية التي فصل على أساسها بوجي (6 سنوات) يمكن الطعن في أي قرار اتخذ أو أي مرسوم نفذ في حضوره». تابع عون يومها: يجب إيقاف هذا التجاوز الفاضح والمعيب للقانون.
الرئيس الفعلي للحكومة
حين قدّم الرئيس سعد الحريري تشكيلته الحكومية الأولى إلى رئيس الجمهورية في السابع من أيلول، كان سهيل بوجي واحداً من الوزراء الواردة أسماؤهم (وزيراً للعدل). كأن الحريري مقتنع بعدم قانونية استمرار بوجي في منصبه من جهة، وصعوبة استغنائه عن خدماته في مجلس الوزراء من جهة أخرى. لكنّ تشكيلة الحريري رفضت، وصعد بوجي في 9 تشرين الثاني مع الحريري إلى قصر بعبدا ليعلن أسماء تشكيلة حكومية لم يرد اسمه ضمنها.
الغريب هنا أن المعارضة سابقاً لم تعترض على استمرار شغل بوجي لمنصبه خلافاً للقانون. وبحسب مصادر مطّلعة، فإن التسوية قضت ببقاء بوجي في منصبه خلافاً للقانون مقابل موافقة الحريري على اقتراحين تقدم بهما وزراء التيار الوطني الحر في الجلسة الثانية لمجلس الوزراء، يهدفان إلى تحجيم بوجي قليلاً، وهما:
1ـــــ توزيع جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء على الوزراء قبل أسبوع من موعد الجلسة، علماً بأن المادة الرابعة من مرسوم تنظيم أعمال مجلس الوزراء (المرسوم الرقم 2552 الصادر بتاريخ 1/8/1992) تنص على «وضع رئيس مجلس الوزراء جدول الأعمال (...) وإرسال نسخ عنه إلى الوزراء قبل أسبوع على الأقل من موعد الجلسة بالنسبة إلى مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية، وقبل يومين على الأقل بالنسبة إلى المواضيع الأخرى.
2ـــــ تضمين جدول الأعمال الموزع على الوزراء نسخة مكتوبة عن المقررات التي صدّق عليها مجلس الوزراء في جلسته السابقة كي يضمن الوزراء عدم وجود «أخطاء» في صياغة هذه المقررات، علماً بأن المادة 17 من المرسوم المذكور تؤكد أن «على الأمين العام تلاوة المقررات التي اتخذها المجلس للتصديق عليها قبل إعلان الرئيس رفع الجلسة».
وقد أبدى بوجي، الذي يجلس غالباً على كرسي خلفي قريب من رئيس الحكومة، مرونة مع هذه الاقتراحات، ورحّب بها، فيما يقول أحد وزراء المعارضة السابقة إنه لا أحد في الوقت الحالي يريد معركة مع الحريري الذي تبدو واضحة حاجته إلى بوجي إلى يمينه. يُسأل الوزير أكثر عن دور بوجي في الجلستين الوزاريتين الماضيتين، فيكتفي بالتأكيد أنه أساسي، وهو «سوبر وزير».
بوجي لم يبدأ بعد بتدخين السيجار خلال اجتماع مجلس الوزراء الجديد، لكنه يحافظ على وتيرة التدخين نفسها في أروقة السرايا. عيناه تطاردان الموظفين هناك وتؤنّبان المقصّرين، وتلاحقان الصحافيين بقلق دائم.
في لقاءاته الخاصة، يردّد بوجي باعتزاز أنه إداري من الطراز الرفيع، ويكاد لا يضاهيه أحد في معرفة خبايا الإدارة اللبنانية. هو جازم وحساس تجاه التقصير، لا مع الموظفين وحسب، بل مع كل قوى 14 آذار تقريباً، وحتى مع المفتي محمد رشيد قباني حين تدعو الحاجة (وجّه في جلسة خاصة انتقادات قاسية إلى المفتي على خلفية ملف دار الإفتاء وسلوك نجل المفتي).
معظم وزراء تيار المستقبل هرعوا فور تسميتهم وزراء إلى منزل بوجي لينسّقوا معه خطواتهم المقبلة. الحريري يستبق الجلسة باجتماعين طويلين معه يتفقان خلالهما على تبادل الأدوار وتنسيق المواقف، مع إبداء بوجي الاستعداد الدائم للتدخل حين تستدعي الحاجة أو حين يشعر الحريري بالحرج أو بأن الكرة تخرج من ملعب خصومه صوب ملعبه. في جلسات مجلس الوزراء عيون الوزراء الجدد المستقبليين تنتظر إيحاءاته لتوافق أو تعارض، وغالباً ما ينتظر هؤلاء أن يطلب الحريري منه شرح «وجهة النظر القانونية». هو غالباً ما يكون دقيقاً جداً في اختيار كلماته، منظّم، يستعرض خبراته في المهمات الإدارية، فارضاً هيبته على الوزراء. حتى مستشار الرئيس الحريري، هاني حمود، يفترض أن يكون تحت سلطته التي تشمل «الاهتمام بشؤون الصحافة والنشر والإعلام العائدة إلى رئيس مجلس الوزراء». وزيرة المال، ريا الحسن، كشفت عن دوره الكبير اليوم حين قالت إنها وقّعت على تمديد اتفاقية القرض بين لبنان وفرنسا من دون إحالتها على المجلس النيابي، خلافاً للدستور، لأن بوجي فوّض إليها التوقيع بعد موافقة «شفهية» من رئيسَي الجمهورية والحكومة.
بوجي في السرايا ملك بمباركة المعارضة والموالاة. يودّع رئيس حكومة ليستقبل آخر، غير مبالٍ بـ«لو دامت لغيرك لما اتصلت إليك». يتجاهل الإعلام، يحضر كل الاجتماعات المهمة، سواء أكانت أمنية أم اقتصادية أم اجتماعية أم سياسية، ويصدر لمرتين في السنة مذكرة تؤكد تحكّمه في توقيت الحياة بالنسبة إلى اللبنانيين.
لا أمين عاماً لمجلس الوزراء
أعدّ الدكتور في القانون العام محفوظ سكينة دراسة عن «مسألة الأمانة العامة لمجلس الوزراء» يرفض في نتيجتها دمج المديرية العامة لمجلس الوزراء والأمانة العامة لمجلس الوزراء، لأن مهمات الأمانة العامة تنحصر في تأمين الأعمال الإدارية لمجلس الوزراء فحسب، فيما مهمات المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء كثيرة ومتنوعة، وتشمل جميع الأمور الإدارية المتعلقة برئاسة مجلس الوزراء، ومجلس الوزراء معاً.
وينتهي سكينة إلى القول إن تسمية المدير العام لرئاسة مجلس الوزراء بالأمين العام وإضافة مهمات جديدة هي مخالفة للقانون، مشيراً إلى عدم وجود وظيفة عامة، بالمعنى الاشتراعي، يدعى شاغلها الأمين العام لمجلس الوزراء، ولا إدارة عامة تدعى أمانة عامة لمجلس الوزراء.".
0 comments:
إرسال تعليق