بعد محمد الحاج ومحمد عطوي واحمد بدرالدين، يبرز اسم محمد سليم (ابو عبدو) كعنوان جديد في عالم العمالة والجاسوسية لاسرائيل داخل ((حزب الله))، مع فارق بسيط وهو ان الاخير نجح في الفرار الى فلسطين المحتلة بينما اوقفت الاسماء الثلاثة الأولى من قبل ((حزب الله))، ولا احد يعرف عنهم شيئاً حتى الآن.
ابو عبدو سليم، صدر نفي من ((حزب الله)) حول فراره وعمالته. الاّ ان النفي لم يلغ حقيقة عمالة هذا الرجل، خاصة ان اعضاء ((حزب الله)) نفسه لم يصدقوا الرواية الرسمية الصادرة عن قيادتهم، لأن بعضاً منهم يعرفه وقسماً من هؤلاء عمل معه. اما الآخرون فمعظمهم يعرف انه كانت لسليم مكانته وموقفه داخل الحزب كواحد من الجسم الاساسي في قيادة الحزب والمقاومة..
ما هو موقع ابو عبدو سليم داخل الحزب؟ وهل كان فعلاً من قيادييه الفعليين غير المعروفين من الملأ؟
هناك روايتان حول موقعه، الاولى تشير الى انه رئيس وحدة البنية التحتية في الحزب وهي تشمل من ضمن ما تشمل منظومة الاتصالات، اما الرواية الثانية فتشير الى انه رئيس وحدة الاشارة الهوائية في الحزب. والروايتان قد لا تتعارضان اذا كان المقصود منهما الاشارة الى اختصاص سليم في سلاح الاشارة او الاتصالات، خاصة وان هناك من اهل الاختصاص من يتحدث عن ان العميل المذكور وهو خبير ومتخصص في علم الميكانيك يملك القدرة بحكم اختصاصه واختصاص وحدته على التحكم في ظهور او منع ظهور امين عام ((حزب الله)) السيد حسن نصرالله في وسائل الاعلام المرئية او عبر شاشات عملاقة خلال المهرجانات التي ينظمها ((حزب الله)) بين وقت وآخر.
ومن الثابت ان ابو عبدو سليم من مؤسسي ((حزب الله))، أو مما يسمى الجيل الأول في حزب الله.
ومن الثابت أيضاً ان اسم أبو عبدو سليم هو أحد الاسماء الواردة ضمن لائحة مطلوبين يتحدث عنها بعض الدول الغربية وعلى رأسها عماد مغنية، وهي لائحة متهمين بالإرهاب، وضمن ما يسمى فرع العمليات الخارجية في حزب الله وفق المفهوم البريطاني الذي يميز بين حزب الله كحزب لبناني له تمثيله السياسي والنيابي والشعبـي وبين فرع العمليات الخارجية المتهم بتنفيذ سلسلة عمليات..
وبين تلك العمليات التي ورد اسم سليم فيها، العملية التي نفذتها مجموعة عماد مغنية عام 1986 وتمثلت في خطف الطائرة الكويتية – الجابرية. ويقال ان سليم هو المخطط وان عماد وضع في الواجهة وحمل المسؤولية الكاملة تقريباً عن عملية الخطف.
كما برز اسم سليم في محطات عديدة، بينها انه كان وراء عمليات سلب المصارف التي كثرت خلال الثمانينيات والتسعينيات في القرن الماضي في لبنان، علماً انه كان يغطي هذه العمليات بفتاوى شرعية مزعومة.
ويقول أحد ضباط قوى الأمن الداخلي يومها انه اعتقل مجموعة سطت على أحد المصارف، واقتادها إلى ثكنة الحلو في بيروت للتحقيق معها فأبرز عناصرها فتوى من أحد المشايخ الذي بات من أبرز خطباء حزب الله على منابر الحسينيات فيما بعد.
المعروف أيضاً عن سليم انه كان معروفاً بقربه من عماد مغنية، سواء كان هذا الأمر الشائع دقيقاً أم لا ولعل سبب ذلك هو ان سليم تولى في فترات سابقة المسؤولية المالية لفرع العمليات الخارجية، في حين يتردد انه كان مسؤولاً عن الاموال الطائلة التي كانت بتصرف الحاج رضوان (عماد مغنية) ولعل ذلك ما يبرر وجود مبالغ مالية طائلة تقدر بعشرات ملايين الدولارات قام بنقلها معه لدى فراره إلى الكيان الصهيوني.
ابو عبدو سليم كان مقرباً أيضاً من محمد الحاج رئيس وحدة التدريب في الحزب الذي ضبط وأوقف بسبب عمالته للاستخبارات المركزية الاميركية وللعدو الاسرائيلي وهذا التقارب ليس فقط بحكم كونهما من منطقة الغبيري بل لاعتبارات كثيرة منها ما هو معروف ومنها ما يزال مبهماً وغامضاً. وكونه كان مقرباً من الحاج خضع للتحقيق كغيره من اعضاء وأطر الحزب الذين شملتهم عمليات تحقق واستقصاء وتحر واسعة لجوجلة المتورطين بالعمالة، حتى قيل ان ما من احد الاّ وخضع يومها لعملية فلترة او غربلة. وقد نجح ابو عبدو سليم خلال موجة التحقيقات تلك في اخفاء عمالته، الاّ ان ضبط الحاج أقلقه وجعله متوجساً من انكشاف امره، حتى جاءه احد المسؤولين في وحدة مكافحة التجسس وهو من إحدى العائلات الصغيرة في بلدة جباع في اقليم التفاح مسقط رأس النائب محمد رعد لينبهه الى ان امره انكشف وأوراقه احترقت.
وفيما ألقي القبض على هذا المسؤول، نجح ابو عبدو سليم في الفرار في خطة وصفت بأنها كانت بالغة الدقة والاحتراف، اذ انتقل من الضاحية الى المنطقة الحدودية مع فلسطين المحتلة عبر عدة مراحل، كان يستخدم في كل منها أساليب تمويه ومناورة ويلجأ في نهاية كل منها الى مدينة او بلدة، حتى وصل الى مقصده، علماً ان هناك من يقول انه انتقل الى فلسطين المحتلة عن طريق ميس الجبل، بينما يقول آخرون انه انتقل اليها عبر طريق رميش.
بين مغنية وسليم
واللافت في قضية هذا العميل انه كان كما ورد آنفاً على علاقة وثيقة مع القائد العسكري لـ((حزب الله)) عماد مغنية الذي اغتالته الاستخبارات الاسرائيلية في دمشق في مطلع شهر شباط/ فبراير عام 2008، وهذه الواقعة التي حصلت خلال حرب تموز/ يوليو عام 2006 لا تشير فقط الى علاقتهما الجيدة بل تشير ايضاً الى ان عماد مغنية كانت لديه شكوك من محمد الحاج منذ ذلك الوقت.
اما تفاصيل الواقعة فتبدأ بسؤال وجهه مغنية لسليم حول مكان اقامته او اختبائه، ولما اعطاه سليم عنوان المنطقة والشارع عاد مغنية لسؤاله عمن دلّـه على هذا المكان، فأجابه انه محمد الحاج.
وحرفياً ردّ مغنية على سليم بالقول: نصيحتي لك بأن تغير هذا المكان.
وحتى الآن لم تعرف تفاصيل محددة عن كيفية كشف هذا العميل الجديد، هل جرى التحقق من عمالته من خلال اعترافات محمد الحاج او كوهين ((حزب الله)) كما وصفته ((الشراع)) في عدد سابق وسجلت فيه سبق الكشف عما جرى؟ ام ان خيوطاً اخرى تجمعت لدى الحزب من خلال ما قيل ان وحدة اختراق لديها تأمنت بعد قيام الاستخبارات الروسية بالكشف عن لائحة عملاء لاسرائيل داخل ((حزب الله)) سبق لـ((الشراع)) ان كشفت تفاصيلها قبل اكثر من عام؟
واذا كان العميل محمد عطوي مندوب ((حزب الله)) في العلاقة التسليحية مع الحرس الثوري الايراني جرى الكشف عن عمالته بعد ضبط وتوقيف عميل ايراني في الحرس في طهران يتولى التعاطي مع عطوي وتزويده بما يطلبه من لوائح اسلحة وصواريخ.. فكيف انكشف امر عمالة ابو عبدو سليم.
هذا غيض من فيض، اسئلة مطروحة قد يمر وقت قبل ان يصبح بالامكان الاجابة عليها، خصوصاً وان هذا العميل الذي يبدو بوضوح انه في غاية الخطورة، وقد يكون قدم ويقدم للعدو الاسرائيلي معلومات قيمة وأدّى ادواراً كبيرة، علماً ان من بين الامور الخطيرة التي يتم الحديث عنها حالياً في اوساط ضيقة عادة ما توصف معلوماتها بأنها موثوقة هو وقوف ابو عبدو سليم وراء محاولة اغتيال رئيس مجلس النواب نبيه بري وقيادة حركة ((أمل)) في مقر قيادتها في البيسارية عام 1988.
وإذا كانت محاولة الاغتيال تلك هي من الصفحات السوداء للاقتتال بين الطرفين اللذين يعملان دائماً على عدم فتحها، فإن سليم كان ملاحقاً من حركة ((أمل)) في ذلك الوقت بعد ان انكشفت أدواره البارزة أمنياً ومنها مثلاً ان حركة ((أمل)) استطاعت كشف مخبأ له كان أقامه في بلدة أنصار في منـزل لا يناسب حجمه الكبير مع حاجته كشخص يسكن لوحده من دون عائلته. وبعد اقتحام المنـزل من قبل حركة ((أمل)) اكتشفت فيه زنزانة محصنة وأنواع مختلفة من السلاح.
بعد هذه الواقعة، وفيما كانت الاشتباكات محتدمة بين حركة ((أمل)) وحزب الله في الضاحية الجنوبية ومنطقة إقليم التفاح، نجح سليم في زرع كمية كبيرة من المتفجرات في مقر قيادة ((أمل)) في البيسارية، لكن حركة ((أمل)) استطاعت العثور عليها قبل أقل من ساعة من اجتماع كان سيعقد برئاسة بري.
ونجحت ((أمل)) يومها في القبض على الشخص الذي تولى زرع المتفجرات واعترف يومها بأن مسؤوله هو أبو عبدو وانه من كلفه بزرعها. ومنذ ذلك الحين أصبح اسم سليم مرادفاً لإسم العدو اللدود للحركة.
في السياق نفسه لا بد من القول ان هناك سيلاً من التقارير يضخ حالياً حول ما قام به سليم من أدوار داخل الحزب وخارجه لمصلحة العدو الاسرائيلي، إلا ان كل ما يسرب ويذاع ويتم افشاؤه كأسرار، يحتاج الى تدقيق، خصوصاً وانه لا يصدر عن هيئة تحقيق مستقلة او جهة رسمية تتمتع بصدقية مشهودة.
إعادة عقوبة الاعدام
علمت ((الشراع)) انه تم وبشكل سري إعدام أحد أعضاء حزب الله العملاء لإسرائيل ويدعى ر. غ. وهذا الأمر يكسر قاعدة كان أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالهح خلفها وقضت بتخفيف الاحكام في جرائم أو جنح مرتكبة من قبل حزبيين، رغم انها في المفهوم الشرعي كانت تستحق الإعدام. وجاء إعدام الشخص المذكور في إطار قيام نصرالله بإعادة عقوبة الاعدام بسبب حالات العمالة والتجسس التي يزداد اكتشافها داخل الحزب
المصدر بيروت اوبزرفر
0 comments:
إرسال تعليق