فادي شامية
للعام الثاني على التوالي تشهد بعلبك مراسم "مركزية" لإحياء "أربعينية الإمام الحسين"، لتكرس روايات تاريخية هي محل جدل، على أنها وقائع، تجيز وضع اليد على مسجد "الظاهر بيبرس" في المدينة، العائد دائرة الأوقاف الإسلامية التابعة لدار الفتوى. على هذا الأساس استحضرت رواية من بطن التاريخ منسوبة إلى محمد بن شهر آشوب المازندراني، وهي الرواية المنقوشة على باب المسجد اليوم، والتي على أساسها تحول مسجد "الظاهر بيبرس" إلى مسجد "رأس الحسين" الذي أصبح مزاراً شيعياً راهناً
في السابق؛ حاولت دائرة الأوقاف ترميم المسجد، المملوكي الطراز، أو بالأحرى سقفه وتجهيزه، نظراً لتداعي حجارته خلال سنوات عديدة كان مهملاً فيها المسجد، وأحضرت مهندساً مشهوراً من مصر لهذه الغاية، لكنه مُنع من إطلاق ورشته من قبل البلدية وقوى حزبية مؤثرة في بعلبك ترفض –إلى اليوم- أن تكون إدارة المسجد تابعة لدار الفتوى، استناداً إلى الرواية التاريخية إياها، وكأن وجود روايات تاريخية في أصل أي بناء –على فرض صحتها- تغير من ملكية العقار من جهة إلى أخرى!. ويبقى السؤال: ما الذي يمنع أن يُرمم المسجد، وأن يصلي فيه المسلمون جميعاً؛ كلٌ حسب اعتقاده، تحت إدارة الجهة التي تملك هذا الوقف؛ أليس في ذلك إطفاء لنار الفتن وتدعيم لـ "الوحدة الإسلامية" المتداعية؟
فما قصة هذا المسجد؟! وما علاقة بعلبك باستشهاده الإمام الحسين؟
من المعلوم أن الحسين بن علي (حفيد رسول الله من ابنته فاطمة) يحتل الإمام مكانة عظيمة في الإسلام، فهو وأخوه الحسن "سيدا شباب أهل الجنة"، وحب رسول الله له تحديداً؛ ثابت في أحاديث صحيحة لعل من أشهرها: "حسين مني وأنا من حسين" الذي رواه الترمذي، وأحمد، هذا عند السنة. أما الشيعة الإمامية فيزيدون على ذلك أن الحسين هو ثالث الأئمة المعصومين (بعد والده علي وأخيه الحسن-رضي الله عنهما-).
وغداة اعتراض الإمام الحسين على توريث الخلافة من معاوية إلى ابنه يزيد؛ خرج من الحجاز باتجاه أهل الكوفة الذين راسلوه وأبدوا دعمهم له، ثم خذلوه، ما شجع البغاة؛ وعلى رأسهم والي الكوفة عبيد الله بن زياد، على قتله وثلة من أهل بيته الطاهرين، في فاجعة عظيمة وقعت في كربلاء (واقعة الطف)، في العاشر من محرم 61هـ. وقد حُملت الرأس الشريفة للحسين بعد المعركة، إلى يزيد بن معاوية في الشام، (وقد دفن الرأس الشريف بعد ذلك في المدينة المنورة بجوار أمه فاطمة الزهراء، على أرجح الروايات)، كما سُرِّحت نساؤه إلى دمشق أيضاً. ويبدو أن بعلبك كانت محطة من محطات هذا المسير، حيث توفيت خولة بنت الحسين وهي طفلة في المدينة.
هذه المقدمة التاريخية ضرورية لفهم واقع المسجد المسمى اليوم: رأس الحسين؛ فالمسجد يتبع دائرة الأوقاف الإسلامية التابعة لدار الفتوى، وللأمس القريب كان اسمه مسجد الظاهر بيبرس، والوثائق المتعلقة بالمسجد في دائرة الأوقاف تشير إلى أنه مبني على أنقاض معبد وثني قديم في أيام الظاهر بيبرس عام 677هـ، وهذا ما يظهر من شكل عمارته المملوكية، وقد حاولت دائرة الأوقاف ترميم المسجد، أو بالأحرى سقفه وتجهيزه، نظراً لتداعي حجارته خلال سنوات عديدة كان مهملاً فيها، لكن البلدية وقوى حزبية مؤثرة في بعلبك ترفض –إلى اليوم- أن تكون إدارة المسجد تابعة لدار الفتوى، استناداً إلى رواية تاريخية، مختلف في صحتها، تقول إن أهل بعلبك بنوا المسجد تخليداً لمرور نساء الحسين وأهل بيته من بعلبك... وعليه فقد وضعت على باب المسجد اليوم لوحة باسم مسجد رأس الحسين، وفيها رواية "ابن شهر آشوب" المتقدمة (مرور موكب جيش الأمويين في بعلبك وفيه رأس الحسين). والمسجد على حاله إلى اليوم غير مسقوف، ويستعمل كمزار شيعي، مع أن الأرض وقف إسلامي تابع لدار الفتوى.
وعلى أي حال؛ فإن الرواية المتقدمة عن سبب بناء المسجد، لو أزلنا الشك في صحتها، لا تمنع من اعتباره مبنياً أو مجدَّداً أيام المماليك، من باب تكريم الإمام الحسين أيضاً، كما لا تمنع أن يكون صك الوقف في دار الفتوى، باسم الظاهر بيبرس، فكثير من المزارات الشيعية حول العالم تتبع إدارتها لأوقاف سنية (سوريا والعراق مثلاً)، ما يعني أنه لا داعي لأن يكون الأمر موضع خلاف وفرقة، بل يمكن أن يكون عامل تقريب ووحدة، إذ يمكن تجديد المسجد وإعادة بنائه، باسم مسجد الإمام الحسين، على أن يكون مسجداً لصلاة المسلمين جميعهم، بإدارة الجهة الموقوف إليها، أي دار الفتوى، على اعتبار أن استعمال روايات تاريخية حول سبب البناء، لتغيير وقفية مساجد مستقرة من مئات السنين أمر يجافي المنطق، وهو بابٌ في فتحه فتن كثيرة، ليس فقط بين المسلمين، بل بين المسلمين وغير المسلمين، (في العام 2008 طالبت مجموعة من أهالي جبيل بتحويل كنيسة إلى مسجد للمسلمين الشيعة، استناداً إلى رواية تاريخية أيضاً، ولما كاد الأمر ينتهي إلى فتنة، فقد جرى التراجع عن الموضوع).
هذا هو واقع المسجد، غير الممكن ترميمه راهناً (أحضرت دار الفتوى مهندس مشهور من مصر لهذه الغاية لكنه مُنع من إطلاق ورشته)، فهل يتم التفاهم حول المسجد ليكون مسجداً يجمع المسلمين تحت مظلة حبِّهم للحسين؟!
الأربعاء، يناير 18، 2012
أربعينية الإمام الحسين في بعلبك للعام الثاني على التوالي: تكريس وضع اليد على مسجد الظاهر بيبرس في المدينة؟!
الأربعاء, يناير 18, 2012
اضف تعليق
0 comments:
إرسال تعليق