الثلاثاء، يناير 10، 2012
"جمهورية الضاحية" : لولا لهجة سكانها، لا يوجد في ملامحها ما يدل على أنها منطقة لبنانية!
الثلاثاء, يناير 10, 2012
اضف تعليق
يرتبط اسم "الضاحية الجنوبية" لبيروت بالطائفة الشيعية، رغم أن سكانها الأصليين كانوا خليطاً من الطوائف اللبنانية. كما أن أغلب شيعتها هم نازحون إليها من مناطق الجنوب والبقاع, وقد بدأت "الضاحية" بفقدان هويتها المتنوعة في أوائل الثمانينات، بالتزامن مع ولادة "حزب الله"، وصولاً إلى سيطرته الكاملة عليها بعد المعارك التي خاضها مع حليفه اللدود "حركة أمل" في أواخر الثمانينات.
سيطرة "حزب الله" الأمنية والسياسية والإجتماعية على "الضاحية" الجنوبية حوّلتها إلى "غيتّو" شيعي خالص يتنفس من رئة الفرز والتصنيف، ويتغذى من المِخيال المذهبي والتبعية السياسية. ولولا لهجة سكانها، لا يوجد في ملامحها ما يدل على أنها منطقة لبنانية!
"الضاحية" الجنوبية ليست طرفا لمدينة بقدر ما هي "حُسينية" كبيرة، حيث لا صوت فيها يعلو على صوت الأذان في مواقيت الصلاة، وأصوات قرّاء "العزاء الحسيني"، سواء في موسم "عاشوراء" وفي المناسبات الدينية الخاصة بالمذهب الشيعي، تنقلها مكبرات الصوت المثبّتة فوق المآذن وأعلى المباني المحيطة بالمساجد، والتي تبث ليلَ نهار الآيات القرآنية والأدعية اليومية والأناشيد الحماسية والدينية، وخطب أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصر الله. حتى من خلف أبواب البيوت، ومن شرفات المنازل، لا يتناهى إلى المسامع سوى ما له علاقة بالدين والمذهب والإتجاه السياسي. في الشوارع، والأزقة، ومداخل الأحياء، تنتشر صور عملاقة لقائد الثورة الإسلامية الإمام الخميني ومرشدها السيد علي خامنئي، وسيد المقاومة السيد نصر الله، حيث لكل واحد منهم "لقبه" الشهير. فهم بالترتيب: "القائد" و"المرشد" و"السيّد". بالإضافة إلى صوّر ما يعرف بـ"الشهداء القادة"، وهم بالترتيب أيضا: الشيخ راغب حرب، والسيد عباس الموسوي، وعماد مغنية. وصور أخرى لشهداء سقطوا في المواجهات مع العدو الإسرائيلي. كذلك، لا ينجو جدار من جدران الأبنية في "الضاحية" الجنوبية من الشعارات السياسية والمذهبية التي تعد بـ"الويل والثبور" للإعداء، وأخرى تتضمن أحاديث منقولة عن النبي وآل بيته حول "الجهاد" و"الشهادة" و"حجاب المرأة المسلمة" وبعض المعتقدات الدينية.
وللألوان حصتها في "الضاحية". الأسود هو اللون الطاغي، حيث يؤثر سكان "الضاحية" ارتداء الملابس السوداء، انطلاقا من معتقد ديني يقول بحرمة الألوان الصارخة! فالقمصان سود، والعباءات سود، والمناديل سوداء. وفي أجوائها، ترفرف الرايات والأعلام السوداء على مدار الفصول والأيام، وتظلّل شوارعها وأرصفتها وجنباتها، كتأكيد على حزن الشيعة الدائم لمصاب "أهل بيت الرسول" وتطبيقاً لمقولة "كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء". يزاحم الأسود في الرايات اللونُ الأصفر الذي يعتبر شعار "حزب الله"، والذي يدل على الجهوزية الدائمة للحرب كما يشيعون.
مع هذين اللونين يتداخل الأخضر الذي هو لون التشيع، خاصة لأتباع الحسين وشقيقه العباس الذي استشهد معه في كربلاء. وتكثر رؤيته في أيام عاشوراء. هذا العام، درج اللون الأحمر ورفرف عدد كبير من الرايات الحمراء في سماء "الضاحية". والسببُ يعود إلى أن جهابذة الفكر الشيعي الإلهي قرروا اعتماد اللون الأحمر شعارا جديدا للشيعة، باعتباره لون انتظار الإمام المهدي,.. ! وأمروا بعدم تنكيس الرايات الحمراء حتى ظهور المهدي المنتظر الذي سيثأر لهم من قتلة الإمام الحسين.
في "الضاحية" زحمة محلات تجارية في فوضى تتسع لمئات الآلاف من أنواعها.
اسماء هذه المحلات عادةً ما تكون مستوحاةً من كتب الدين وألقاب آل البيت أو من ثقافة "حزب الله" الدينية. فهنا "بوتيك فاطمة"، و"نوفوتيه الحوراء"، و"ملحمة الزهراء"، و"مطعم الحسين" و"سناك الجواد"!
أسماء الشوارع أيضا تنضم إلى هذه الطقوس وأغلبها يحمل أسماء قادة الحزب وشهدائه وصواريخه "رعد وزلزال وخيبر"، وعملياته العسكرية. المؤسسات على أنواعها، سواء تلك التابعة للحزب أم لا، تحمل بِدَورها اسماء ذات دلالات دينية، كـ"مستشفى الرسول الأعظم" و"مدارس المهدي" و"المصطفى"، "مؤسسة القرض الحسن"، "مهنية الحسين بن علي".
غابة من المساجد تنتصب في "الضاحية" رغم اكتظاظها وضيق مساحتها الجغرافية. وهي تتميز بضخامتها واتساعها، كتأكيد على الهوية الدينية لسكانها، وأشهرها القائم والجواد سيد الأوصياء ... لا سينما ولا صالات مسرح في "الضاحية"، لأن ذلك يتنافى مع صورتها الإسلامية التي تتوجس من قِيَم الإنفتاح الثقافي وتُعدِّهُ وباءً اجتماعياً! ويفضَّل أن يرتاد شبان الطائفة وشاباتها المساجد والحسينيات، التي تشرع أبوابها على مدار اليوم، للدروس الدينية، كبديلٍ على ما يُعتبَر مجالس اللهو المفسدة والفاسدة.
ومن هنا تنشط موضة الحلقات الدينية، والتي تعقد بشكل شبه يومي، في أماكن العبادة والمراكز الثقافية الحزبية وفي البيوت، وينضم إليها من يرغب دون شروط مسبقة، وتنقسم حسب الجنس والعمر. فحلقات الذكور تنقسم إلى فئات بدءا من عمر الخمس سنوات وما فوق، وكذلك الإناث. ويتم الإعلان عنها بطريقة محلية، حيث يدور أشخاص يعملون في التعبئة الطلابية في "حزب الله" على البيوت والشقق، يطلعون السكان على مواعيدها ,ويزينون لهم أهمية الإنضمام إليها,وتستقطب هذه الحلقات فئة كبيرة من ربات البيوت والصبايا، والشبان. كما أن للإطفال دروسهم الخاصة التي تناسب أعمارهم وإدراكهم.
أما القاسم المشترك لـ"لحلقات التثقيفية" عموما فهو شد "العَصَب المذهبي والسياسي" للطائفة الشيعية!
ينتشر الحجاب بكثافة في "الضاحية" الجنوبية، وهو على أنواع. أفضلها هو العباءة السوداء، وتُعتبر من ترتديها أنها "استكملت دينها على أحسن وجه"! بعد العباءة، تأتي "الألبسة الشرعية". وهي عبارة عن أثواب فضفاضة جدا من شأنها أن تخفي تفاصيل الجسم. على أن المنديل الذي يغطي الرأس يجب أن يوضع بطريقة تخفي تفاصيل الأكتاف والصدر أيضا! في الدرجة الثالثة، يأتي "الحجاب المودرن"، والذي تفضّله الفتيات اللواتي يؤيدن الحزب ولا ينتمين إليه، أو من ينتمين إلى "حركة أمل"، وكذلك النساء غير المُسيَّسات. الفئة الأخيرة من المحجبات محطُّ انتقادٍ مستمر من قبل المحجبات الملتزمات، يلاحقنهنَّ كـ"المطوَّعات"، وينتقدنهنَّ عند كل فرصة تسنح، وغالبا ما تضعف هذه الفئة وتمتثل لرغبة الأكثرية وتلتحق بها!
يتبع.....
بقلم علي حيدر
0 comments:
إرسال تعليق