الخميس، يناير 12، 2012
موقف "الجماعة" من سلاح "حزب الله": متمايز عن "14 آذار".. وليس أقل منه!
الخميس, يناير 12, 2012
اضف تعليق
فادي شامية
لدى قراءة مواقف "الجماعة الإسلامية" في لبنان، يبدو أنها تجهد في التميز عن فريقي 8 و14 آذار، ما استطاعت لذلك سبيلاً. كما يبدو أن مواقفها أقرب إلى فريقٍ معين في موضوع، وأقرب إلى الفريق الآخر في موضوع آخر، وكلا الملاحظيتن صحيح. ما هو غير صحيح القول: إن "الجماعة" أقرب إلى فريق 14 آذار في الموقف من المحكمة الدولية، وأقرب إلى فريق 8 آذار في الموقف من السلاح!.
الواقع؛ أنه في الظاهر قد يبدو الأمر كذلك، انطلاقاً من أن مقاربة "الجماعة" للسلاح تنطلق من حرصها على المقاومة، ومن كونها شريكاً فيها في السابق وحريصة عليها في الراهن. لكن دراسة مواقف "الجماعة" بدقة، تجعل الحقيقة مختلفة؛ فالتمايز عن "14 آذار" يكمن في أن "الجماعة" أنشأت في الماضي جناحاً مقاوماً اسمه "قوات الفجر"، وأن هذا الجناح قام خلال فترة زمنية معينة بعمليات عسكرية وسقط له شهداء، وأن "الجماعة" ترغب في أن تكون جزءاً فعلياً في الدفاع عن لبنان ضمن "إستراتيجية دفاعية" متفق عليها، وأنها تعتبر نفسها جزءاً من أي حالة دفاعية للبنان في حال الاعتداء عليه، كما جرى خلال عدوان تموز 2008.
غير أن هذا "التمايز"؛ لا يعني أن موقفها أصبح أقرب إلى فريق 8 آذار، وذلك استناداً إلى الأسس الجوهرية الآتية -وفق ما هو واضح من أدبيات "الجماعة"-:
أولاً: رفض استعمال السلاح أو الاستقواء به في الداخل: وهذا أساس جوهري في خطاب "الجماعة"، وقد عبّر عنه المسؤول السياسي عزام الأيوبي في غير مناسبة، كما عبّر عنه النائب عماد الحوت بوضوح مؤخراً بقوله: "المبدأ هو عدم الاستقواء بالسلاح، وإن هذا السلاح الذي لطالما كان موجّهاً ضد العدو الاسرائيلي فقد مصداقيته عند العديد من أبناء الوطن، خاصة عندما تحول الى صدور اللبنانيين في يوم من الأيام" (7/1/2012).
ثانياً: مرجعية الدولة لأي سلاح على الأرض اللبنانية: وهذا الأساس كان واضحاً جداً منذ سنوات، وقد أراد الأمين العام السابق لـ "الجماعة" الشيخ الراحل فيصل مولوي أن يجعله أساساً موثقاً عندما طرح إعلامياً رؤية "الجماعة" للإستراتيجية الدفاعية (4/10/2006) مقترحاً أن تكون "المقاومة الشعبية جزءاً من إستراتيجية الدولة الدفاعية، تعمل إلى جانب الجيش النظامي، وفق صيغة تقررها مؤسسات الدولة الدستورية، بما يحفظ حق الدولة بقرار الحرب والسلم، وعلى أن ترعى الدولة وتنظم هذه المقاومة، مما يجعلها مقاومة وطنية مفتوحة أمام جميع اللبنانيين، ودفاعية بحتة". مستلهماً بذلك النموذج السويسري كما أوضح حينها. ومعلوم أن هذه النقطة بالذات هي الفارق الجوهري بين الطروحات التي قدمها فريق 14 آذار (على سبيل المثال طرح الدكتور سمير جعجع في 22/12/2008 القائم على أساس وجود مجموعات تعمل وفق أسلوب الحزب ولكن تحت إشراف الدولة)، وبين طرح "حزب الله" المفروض، وطرح حليفه ميشال عون المرغوب (المقاومة الشعبية المنفصلة عن الجيش كلياً).
ثالثاً: رفض حصرية المقاومة في الراهن وضمن أي إستراتيجية دفاعية يُتفق عليها لاحقاً: وهذا أساس زائد على الطروحات التي تحاول إيجاد صيغة ما في موضوع سلاح "حزب الله"، فمن وجهة نظر "الجماعة" فإن أي اتفاق وطني على "إستراتجية الدفاع" عن البلد لا يكون مقبولاً إذا كرّس حزباً باعتباره حزب المقاومة، حتى لو كانت المرجعية هي الدولة وقرار السلم والحرب بيدها. وهذا الأمر ورد في رؤية الجماعة الدفاعية في العام 2006 على لسان الشيخ مولوي (...بما يجعلها مقاومة وطنية مفتوحة أمام جميع اللبنانيين، ودفاعية بحتة)، كما أنه ورد على لسان مسؤولي "الجماعة" كلهم (التفريق بين "طائفة المقاومة" و "مقاومة الطائفة")، وصولاً إلى كلام النائب عماد الحوت مؤخراً في المحاضرة التي أثارت جدلاً في عكار والتي قال فيها: "غير مسموح في لبنان أن يحتكر أي طرف صفة المقاومة، ويجب أن تكون من أطياف الشعب اللبناني كافة، على مختلف انتماءاته، وتحت سيادة الدولة اللبنانية"(7/1/2012).
إذاً؛ كما هو واضح فإن مقاربة "الجماعة" لمسألة السلاح مختلفة نسبياً عن القوى الأخرى، لكنها في العمق متناقضة جدياً مع طروحات "حزب الله". وما هو أكثر تناقضاً هو طبيعة العلاقة بين "الجماعة" و"فريق السلاح" على الأرض؛ فبرغم حرص الطرفين في القيادة على الحفاظ على "شعرة معاوية"، فإن الوقائع تشير إلى أزمة متفاقمة؛ لها -على الأقل- عنصران يرتبطان بموضوع السلاح:
أولاً: محاولات "الحزب" المستمرة لشق "الجماعة"، عبر استقطاب أو احتواء عناصر وقيادات منها، وصلت في الماضي إلى مستوى أمين عام سابق، فضلاً عن استيلاء أحد التيارات التي يرعاها الحزب على تاريخ "الجماعة" الجهادي وتجييره إلى مكان آخر. (أثار نائب أمين عام "الجماعة" الشيخ محمد عمار هذه المسألة في احتفال ذكرى شهداء "الجماعة" الأخير في صيدا، عندما قال: "الذين ينافسوننا على شهدائنا نتفهم حاجاتهم، ولكن يأبى الله أن توظف دماء الشهداء لمناصرة الظالمين" 25/12/2011).
ثانياً: تمويل ونشر "الجماعات الإسلامية" التي تنافس "الجماعة" في ساحتها، ما يشكل عبثاً بالساحة الإسلامية السنية -من وجهة نظر الجماعة- سيما أن أكثر هذه الجماعات لا تحمل فكراً إسلامياً بقدر ما ترتبط بالكامل بالحزب عن طريق المال والسلاح، وتشكل ضغطاً على "الجماعة" عند اللزوم، وهذا الواقع بالذات كان محل موقف "غير تقليدي" للأمين العام الحالي لـ "الجماعة" إبراهيم المصري، تساءل فيه: "هل يُعقل أن تقوم حركة إسلاميّة –يقصد الحزب- بشراء الذمم، وضعاف النفوس؟... كلّما وجدوا شباباً في حي أو منطقة، دفعوا للواحد منهم بين 300 و 500 دولار شهرياً. وفي بعض الأحيان يدفعون لمشايخ، ويقومون بتفتيت الحركات الإسلاميّة" (الأخبار 6/1/2012).
وغير خافٍ أن عناصر الأزمة في العلاقة بين "الجماعة" و"الحزب" قد أضيف إليها مؤخراً "الملف السوري"، والموقف من "الربيع العربي" عموماً، لا سيما بعد بروز "الأخوان المسلمين"، وفتح الحزب قنواته –كما حلفائه- لضيوف يشتمون "الأخوان" (في سوريا أو ليبيا أو تونس أو تركيا... أو حتى مصر) بعبارات لا علاقة لها بالانتقاد السياسي.
على أي حال؛ فإن الراهن المُلح اليوم في الموقف من السلاح هو استعماله بالداخل. في هذا الموضوع ليس ثمة تمايز بين "الجماعة" و"14 آذار"، فعماد الحوت، النائب عن "الجماعة"، هو جزء من الدعوة إلى بيروت منزوعة السلاح، وجزء من الوفود التي تزور المرجعيات لدعم هذا المشروع، ويديهي أن موقف "الجماعة" هذا لا يعجب الحزب وحلفاءه، ورصد التعبير عن هذا الانزعاج واضح عند متابعيه.
0 comments:
إرسال تعليق