"حتى الآن أنا أجهل كيف نجونا أنا وعبد. أنا علويّ ومُوالٍ للنظام ومؤيّد لبقائه في الحكم، وأجهل اليوم ما أقول بعدما خسرنا علي ورأينا الموت بأعيننا". التوقيع حسين خريس مراسل تلفزيون "الجديد".
استشهد المصور علي شعبان وانتهى الامر. استشهد على يد من كان علي وزميله حسين من أشد الموالين لهم. قبل 9\4\2012 كان الحديث مختلفا عن النظام السوري وجيشه، قبل هذا التاريخ، كان النظام لا يزال يقاتل "الارهابيين"، بعد هذا التاريخ تبيّن ان "الارهابيين" هم جيش النظام الذين يقتلون وبدم بارد متجمد حتى الموالين لهم. استشهد علي شعبان وانتهت الحكاية لتبدأ حكايات أخرى.
قصة علي مع الحياة صارت نقطة على السطر. ختم الرصاص "الشقيق" قصته بالدم الاحمر، ووضعه على رفّ الذاكرة. لا يريد المزيد من الشهود والادلة الدامغة على اجرام لا حدود له، فختم سطور علي عند حدود الوطن، وحاول أن يختم أيضا سطور حسين وعبد، لكن العناية الالهية التي لا تميّز حين تريد أن تتدخل، بين طائفة وعرق ولون، تتدخل حين تريد أن يبقى الناس شهودا للحقيقة على الارض، أو حين تريد أن توصل رسائل معيّنة عبر أشخاص لا نتوقعهم غالبا، فتدخلت بعنف وردعت "قدر" من لا يزال يصرّ بعض اللبنانيين على تسميتهم بـ"الاشقاء"، ويدافعون عنهم حتى رمق الكرامة الاخير المتبقي في انسانيتهم.
رسالة قاسية دامية وصلت عبر علي شعبان، ذاك المصور المندفع للقيام بواجبه المهني على أكمل وجه. لكن هل كان يجب ان يُقتل علي بهذه الوحشية لتصل الرسالة؟ "يُقتل" وعمدا ومباشرة ومن مسافة قريبة لا تتعدى ثلاثين مترا، كي تصل الرسالة بأن هذا الجيش الذي لا يرحم شعبه، كيف له أن يرحم اذن غرباء حتى ولو كانوا من أشد الموالين؟
كل الضرائب تُدفع هنا، فوق هذه الارض. ضريبة الحرية، ضريبة الدم، ضريبة الكرامة، ضريبة الانسان الذي لا يريد أكثر من تحقيق انسانيته بالكامل. لن نسأل ماذا ستفعل الحكومة وهل ستنأى بنفسها عن ألم أهل علي وأهل الاعلام، حسبها انها أعلنت تضامنها وانها ستفتح تحقيقا، وكأن بيدها اتخاذ القرارات الحاسمة، أو لعلها تحسب نفسها سكوتلانديارد زمانها، اما المضحك فهو مطالبة النظام السوري بفتح تحقيق بالحادثة و"معاقبة"، معاقبة الفاعلين!!
استشهد علي شعبان برصاص لم يتوقّعه، منذ ثلاثين عاما والرصاص ذاته موجّه الى صدور اللبنانيين. كثر ماتوا كما مات علي في القلب تماما. في قلب لبنان. هي حكاية طويلة تُختصر بكلمات، صدورنا ما عادت مشرّعة لهمجية هؤلاء حتى ولو ما زال يصرّ بعض اللبنانيين، بعضهم، القلّة التي تشرّع صدرها للذل، الدفاع عنهم!! هذا شأنهم لكن لبنان ليس من شأنهم. نحن اخترنا غير طريق وعليهم، عليهم، أن يمشوا عليها، ملزمون بذلك، وهنا ليست مسألة حرية خيار، هنا وباختصار اما لبنانيون أو عملاء، لا كلمة بين بين. أبيض أو أسود ولا رمادي.
استشهد علي برصاص سوري في قلب لبناني ولبنان لن ينعيه، ولن يشكي همّه لأحد، دخل من جديد في منظومة المقاومة، المقاومة اللبنانية من أجل علي وحسين وعبد وشربل وجورج وماريا و...و...و...ومقاومة بلا حدود لوضع حدّ نهائي لهدر الكرامات. توقف قلب علي، لكن قلب لبنان وان كان جريحا، ما زال بألف خير لا تنسوا...
0 comments:
إرسال تعليق