الجمعة، أبريل 06، 2012

"مو" قناص

حمد سلام::

"القناص" الذي حاول اغتيال رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع ليس قناصاً بالمعنى الإحترافي للكلمة. ليس هو من رصد الهدف، وليس هو من دقّق في مجال الرمي، وليس هو من حدّد مسرح القتل، وليس هو من حدّد نقطة القتل، وليس هو من قرّر لحظة إطلاق النار.

المُسمّى "قنّاصاً" في محاولة إغتيال الدكتور جعجع تلقى أمراً بأن يحرك اصبعه للضغط على الزناد، تماماً كما من سبقه ممن ضغطوا بأصابعهم على أجهزة لاسلكية فجّرت عبوات واغتالت من اغتالت.

الفشل في اغتيال الهدف يؤدي عادة إلى اغتيال "صاحب الأصبع" الذي ضغط، سواء على زر جهاز التفجير أو على زناد بندقية قنص.

لذلك، فإن محاولة اغتيال الدكتور جعجع قنصاً لا تؤشر إلى وجود مدرسة جديدة تمارس الإغتيال، بل هي استمرار لعمل المدرسة نفسها التي مارست عمليات الإغتيال بالتفجير، مع إدخال تعديل على أداوت الإغتيال، لضرورات فرضتها التغيرات الميدانية الحاصلة في البلد عموماً، ولخصوصية مسرح الإغتيال ضمن أسوار مقر "الحكيم" المحصّن في معراب.

لذلك، بدلاً من البحث عن قنّاص أو قناصين، يبدو من الضروري البحث عن جثة أو جثتين، أو عن هارب أو هاربين، تماماً كما حصل بعد أقل من 48 ساعة على محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في الأول من تشرين الأول العام 2004، عندما عثر في بركة عين عطا على جثة المواطن السوري مهنّد علي ممتون وأفاد تقرير الطبيب الشرعي في القضاء أنّه قضى غرقاً.

إلا أن الطبيب الشرعي لمحافظة البقاع في زحلة أفاد في تقريره أن الرجل قتل ثم ألقي في البركة، ولم يقضي غرقاً بدليل عدم وجود مياه في رئتيه.

وبقيت قضية ذلك القتيل السوري الميمون معلَقة لأن النائب العام في البقاع إذ ذاك، وأعتقد أن اسمه كان عمر حمزة، رفض اعتماد التقرير الطبي الذي زعم أن القتيل انتحر أو غرق.

الملفت في الموضوع أن ممتون كان قد ظهر في شريط فيديو مدرسة الـ"آي سي" التي حاولوا اغتيال الوزير مروان حمادة قرب سورها.

عمليات البحث الآن يجب أن تركّز على أي قتيل يُعثر عليه في أي مكان فالأرجح أن من ضغط على زناد بندقية القنص التي أطلقت منها رصاصة باتجاه جعجع سيكون أحد هؤلاء القتلى. بل الأرجح أن صاحبي الأصبعين اللذين ضغطا على زنادي البندقيتين سيكونان من بين القتلى المجهولين الذين قد يعثر، وقد لا يعثر على جثثهم.

البندقيتان المستخدمتان في محاولة اغتيال جعجع هما، على الأرجح، من طراز "ستاير أ. م. ر. 5075" وهما من عياري 12,7 ملم و 14,5 ملم. وقد عرضتهما الشركة النمسوية المصنّعة للمرة الأولى في العام 1990.

وجاء إنتاج هذا الخط الجديد من البنادق تطويراً للبندقية المضادة للدروع السوفياتية الصنع والتي أنتجت في الحرب العالمية الثانية.

شركة "ستاير" عمدت إلى تطوير البندقية السوفياتية بحيث خفضت من وزنها، وعززت من معدنها، وجعلتها نصف أوتوماتيكية، وأدخلت على سبطانتها (أستونها) نظام الإمتصاص الهيدروليكي للإرتداد المستخدم في قطع مدفعية الهاوتزر (الميدان).

ومع تطور صناعة الدروع فقدت البندقية قيمتها كسلاح مضاد مع أن مقذوفتها تستطيع اختراق 40 ملم من الصفيح ضمن مجال رمي لا يتعدى الـ800 متر.

إلا أن الشركة المنتجة صممت للبندقية الجديدة رصاصة حديثة طولها 200 ملم، وزن مقذوفتها أقل بـ40% من وزن المقذوفة المضادة للدروع، وتستطيع تحقيق هدف بسرعة 1,500 متر في الثانية، ما جعلها بندقية قنص بامتياز، خصوصاً مع تقدم علم البصريات وتطوير مناظير تساعد، وفق ما قال أحدهم، على إدخال الخيط في خرم الإبرة.

هذا في البندقية. ولكن ماذا عن القناص؟

القناص، في محاولة اغتيال الدكتور جعجع، هو كاميرا لمراقبة مسرح القتل، أي الجهة الشرقية الشمالية من مقر الحكيم في معراب، على أن تكون مزوّدة جهازاً يرسل ما تلتقطه العدسة إلى حاسوب في غرفة عمليات.

غرفة العمليات والحاسوب هما القنّاص. أما الذي ضغط على الزناد فهو مجرد شخص عادي، مهمته أن يتأكد من وجود الهدف ضمن المنظار وعلى تقاطع خطي الرمي.

الحاسوب الموجود في غرفة العمليات هو الذي يحدّد لحظة الضغط على الزناد بناء على المعطيات التي تؤمنها الكاميرا.

بندقيتا القنص كانتا منصوبتين في تلة حرجية تحت دير بين بلدتي دلبتا وجوار البواشق إلى الشمال الغربي لحصن معراب، ما يؤمّن حقل بصر مباشر مع الجهة الشرقية الشمالية لمجمع معراب حيث "يتمشّى" الحكيم على مرجة خضراء، بين المواعيد.

الاتصال البصري يؤمن رؤية "حقل قتل مفترض" مثلث الشكل بزاوية 30-45 درجة وبعمق عشرة أمتار، يكون الهدف ضمنها ظاهراً بين الصدر والرأس ما يؤمن قتله، لأن أي إصابة ما دون الصدر قد لا تقتل، بل يرجّح ألا تقتل.

ولكن للحصول على هذه المعطيات، لا بد من رصد مستقر ودائم على مدى ما لا يقل عن شهرين، خصوصاً في فصل الربيع، مع تغير حالة الطقس، وحركة الشمس، وسرعة الرياح.

وبما أن أمن معراب الداخلي غير مخترق، ولا يمكن تأمين "راصد" من الداخل، كان لا بد من الإستعانة برصد خارجي.

وبما أن محيط معراب الديموغرافي يتكون من شبه "غيتو"، أي أنّه شبه صافٍ دينياً وطائفياً، ما لا يتيح إدخال عناصر "غريبة" إليه من دون إثارة شبهات، كان لا بد من الاستعانة بالرصد الإلكتروني الذي ينقل المشهد من حقل القتل في معراب الحكيم إلى غرفة العمليات في ... بواسطة الاتصال عن بعد.

ذلك يعني أن الرصد كان يتم يومياً منذ شروق الشمس وحتى ساعة الظهيرة. أي حتى ساعة وصول الشمس عمودياً فوق الراصد، أي الكاميرا، على أن يغلق غطاء عدسة الكاميرا إلكترونياً قبل أن تنحدر الشمس غرباً باتجاه المغيب، وذلك تلافياً لانعكاس أشعة الشمس في العدسة ما يكشفها لأمن معراب.

من أدخل الكاميرا، ومن أدخل البندقيتين ومن أدخل "القناصين" إلى تلة الصنوبر في الغيتو الديموغرافي بين دلبتا وجوار البواشق؟

السؤال محوري، لأن الإجابة عنه هي التي تكشف كل المخطط.

أتذكرون قضية ضابط المخابرات الأسدية الذي كان "ناطوراً" لكنيسة على كوع بكركي وأوقف بعدما قتل تلك الشابة المؤمنة؟

أتذكرون أنه قتلها ولم يغتصبها أو يسرقها؟

لماذا قتلها؟

أهي هواية القتل للقتل؟ علماً أن إحدى مسارب "طرقات القدم" الأربع التي تصل إلى تلة الصنوبر قرب دلبتا تمر من بكركي؟

الطبيعة الغيتوية في المنطقة المحيطة بمعراب تعزز فرضية البحث عن "عناصر محليّة أو عناصر مستوطنة" بمعنى مقيمة والناس تعودت رؤيتها. ولا بد من الإسراع في البحث، قبل العثور على جثث لقتلى مجهولين .. في المنطقة أو خارجها، هذا إذا كان المتورطون من "الغرباء" ويسعون للهرب إلى أرض آمنة، لم تعد وفق رأي أسيادهم سوى أرض آخرتهم لأن عملية الاغتيال ... فشلت.

المفارقة الملفتة في العملية كلها هي أنه تم العثور على ظرفين فارغين يعودان نظرياً للرصاصتين اللتين أطلقتا على جعجع.

لماذا هي مفارقة ملفتة؟

لأن الظرفين الفارغين يؤمّنان رأس خط دلالة يستعين به التحقيق. والمحترف لا يترك وراءه دليلاً. والقول بأن المجرم كان على عجلة من أمره ويريد الهرب فنسي الظرفين الفارغين هو سخافة بامتياز.

فهل تَرَكَ الظرفان الفارغان لتضليل التحقيق؟

بمعنى أن لكل ذخيرة سجل. وعند مصادرة أي قطعة ذخيرة يمكن العودة إلى سجلَها منذ خروجها من مصنعها. وهذا معروف وليس اجتهاداً.

والمعروف أيضاً أن القاتل الذي يترك وراءه ذخيرة هو الذي يريد أن يضلل التحقيق. ولتضليل التحقيق لا بد من أن تكون ذخيرته من مصدر لا يمت بصلة إليه. أي أن تكون ذخيرته مسروقة أو مصادرة من عدو. في هذه الحالة فقط يترك القاتل ذخيرته في مسرح الجريمة ... ليضلّل.

وبما أنه لم يتم العثور على كاميرا الرصد، وتم العثور على الظرفين الفارغين، فمعنى ذلك أن الجاني تلقى أمراً بترك "مخلفات الذخيرة المسلوبة" لتضليل التحقيق، كما تلقى أمراً بأن ينقل معه كاميرا الرصد لأنها "الصندوق الأسود" للعملية بكاملها ويمكن أن تكشف داتا الإتصالات، من دون الحاجة إلى طلبها من وزارة الاتصالات.

أما كيف نجا جعجع؟

علمياً، الفرضية الوحيدة للنجاة من الإصابة المؤكدة هي الحركة المفاجئة بالتزامن مع لحظة الإطلاق.

ولا يوجد أي قانون علمي للحركة المفاجئة في لحظة الإطلاق، خصوصاً من قبل من لا يعلم بأنه هدف ضمن منظار وبأن الأصبع ضغط الآن على الزناد.

الحركة غير المحسوبة في اللحظة الحرجة – الإنحناء لقطف زهرة - هي في عرفنا وإيماننا من صنع الله.

"ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين" صدق الله العظيم. قرآن كريم. سورة "آل عمران" الآية 54، الصفحة 57.



"لبنان الآن"

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية