بالنسبة للكثيرين في واشنطن، أصبحت حركة المعارضة الخضراء مجرد ذكرى باهتة لموجة احتجاج ضد تلاعب في الانتخابات قمعها النظام الإسلامي إلى حد الإنهاك إن لم يكن الموت.
بيد أن مثل هذه النظرة لا تدرك مسألة أكثر أهمية تتمثل تحديداً في كيف يمكن تقييم قدرة المعارضة على الاستمرار في بلد تتسم سياساته بالمراوغة بدرجة كبيرة.
هنا علينا أن نلاحظ أن الجمهورية الإسلامية ليست دولة سلطوية عادية بل هي كيان ايديولوجي مميز. ومثل هذا النظام يكون لديه دائماً تفسيرات لتبرير مغامراته في الخارج. صحيح أن حراس الدولة الدينية ربما يتورطون بعمليات وحشية، لكنهم يفعلون هذا برأيهم من أجل قضية تاريخية ولتحقيق فكرة مثالية رفيعة.
لذا يحتاج ضابط الشرطة ورجال المخابرات والحرس الثوري في مثل هذه الدولة إلى غطاء ايديولوجي لتبرير القطاعات التي يرتكبونها أمام أنفسهم.
لا إسلامية ولا جمهورية
لقد أظهر انتصار الحركة الخضراء، الذي أجهضته الدولة، للموالين للنظام أنهم لا يدافعون في حقيقة الأمر عن عقيدة سامية بل عن رجال قساة جبناء يريدون التمسك بالسلطة مهما كان الثمن.
ولعل من المفيد الإشارة هنا إلى ما كان قد قاله رجل الدين الإصلاحي الراحل آية الله حسين منتظري إثر حملة القمع العنيفة التي نفذتها السلطات في أعقاب انتخابات عام 2009، حينما أعلن قائلاً: لم تعد الجمهورية الإسلامية إسلامية ولا جمهورية.
من ناحية أخرى، يلاحظ المؤلف كرين بربينتون في دراسته الأنظمة الثورية أن مسؤولي الطبقة الحاكمة يشعرون بالتهديد والخوف عندما يبدأون بالاعتقاد أنهم يسيطرون على السلطة دون وجه حق، وأن الأفكار التي أعلنوها كانت فارغة.
وفي هذا السياق، من الملاحظ أن هناك أعداداً متزايدة من نخبة النظام بدأوا منذ انتخابات الرئاسة المزيفة في إيران بالتخلي عن ميراثهم الثوري، وإبعاد أنفسهم عن الحكومة التي دافعوا عنها مرة.
نعم لقد تخلى أبناء الجيل الأول من الثوريين الذين عاصروا قيام الثورة، ومنهم رؤساء وأعضاء سابقون في البرلمان ومدافعون أقوياء عن النظام، تخلوا عن أفكار إخوانهم الثوريين والمسلحين. وهكذا بدأت قيادة الجمهورية الإسلامية المتقلصة تجد نفسها على نحو متزايد في نفس المكان الذي كان يحتله سادة الاتحاد السوفييتي السابق في استخدام السلطة للبطش والإرهاب على الرغم من أن هذا الأسلوب في الحكم أثبت فشله عبر التاريخ.
دور التكنولوجيا
غير أن هذا لم يمنع المهيمنين على الجمهورية الإسلامية من الاستمرار في مواجهة المقاومة الشعبية. ومن المعروف أن الهدف الأول لأي دكتاتورية هو بث الخلاف في المجتمع وإبقاء أفراده في عزلة وروح معنوية منهارة كي يسهل قمعه.
إلا أن الحركة الخضراء برهنت أن بإمكان تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين فعل الكثير في التصدي لمثل تلك الممارسات، فقد تمكنت الشبكات الإخبارية الاجتماعية عبر الانترنت ووسائل التكنولوجيا الأخرى الحديثة من تعزيز تلاحم المجتمع وتحدي سلطة الملالي، والقيام بأعمال احتجاج. كما أن استمرار عمليات الانشقاق باتت تؤثر على النظام الذي يجد نفسه الآن يواجه أزمة شرعية تتعلق بوجوده، ولم يعد بمقدوره القضاء بالكامل على المعارضة.
ولابد من الاعتراف أيضاً أن إنجازات الحركة الخضراء مذهلة. فقد صدّعت الدولة، كسبت المعرفة الفكرية فيما يتصل بمستقبل إيران وجذبت إليها قطاعاً واسعاً من أبناء الشعب.
لكن ليس هناك ضمان لأن تخلف الحركة الخضراء النظام السلطوي الراهن.
فعلى الرغم من تحرك النظام بالتأكيد ولو بصعوبة نحو مزبلة التاريخ، لايزال مستقبل إيران غير واضح وموضوعاً مثيراً للجدل. لكن من المحتمل جداً أن تدهور الأوضاع في إيران بعد سقوط نظام الجمهورية الإسلامية لتدخل البلاد في فترة عنف طويلة وربما حالة انفصلا عرقي.
بل ويمكن أن تظهر دكتاتورية جديدة أخرى ترتكز في قوتها على الشيفونية الفارسية بدل المبادئ الإسلامية.
لكن لاشك أن سلسلة القرارات التي تتخذها الولايات المتحدة وحلفاؤها اليوم ستساعد في تحديد ملامح السلطة في إيران الغد.
نقلا عن "نيويورك تايمز"
0 comments:
إرسال تعليق