الأحد، مايو 06، 2012

الدولار الامريكي والحضارة المصرية - ج1 ... الماسونية

الماسونية

الدولار الأمريكى والحضارة المصرية (1)
الماسونية (أ)
لا يُعدّ كل من داوود ابن يسى (توفى حوالى 972ق.م) ولا سُليمان ابن داوود (توفى حوالى 932ق.م) من أنبياء بنى إسرائيل ، فى التوراة ولدى اليهود . وقد اكتسب داوود ابن يسى تقديراً عند المسيحيين ، لأن اليهود – بعد إنهيار مملكتهم – كانوا يحلمون بعودة المسيح (أو المسّيا أو المخلّص) لينقذهم من الإحتلال الرومانى (وغيره) ، ويعتقدون أنه سوف يكون من نسل داوود فيقيم لهم المُلْك الذى تحقق من قبل فى عهد داوود ، وكان هذا هو المقصود بوضع لافتة على رأس السيد المسيح لدى تنفيذ حكم الإعدام عليه (كما يؤمن الكثيرون) تفيد أنه ملك اليهود (I.N.R.I) ، وهى التهمة التى أوغربها السّنهدْرين (المؤسسة الدينية اليهودية) صدر الحاكم الرومانى ، حتى يتيسر لهم التخلص من السيد المسيح ومن دعواه ؛ مع أنه كان يقول "مملكتى ليست فى هذا العالم" .

أما القرآن فقد أورد إسمى داوود وسليمان بين الأنْبياء ، كما جاء فى القرآن أن الله أنزل على داوود زابورا (وهو اسم المزامير فى اللغة العربية) .فبعدما دخل اليهود أرض كنعان (فلسطين) كان يحكمهم القضاة ، واحد بعد آخر ، إلى أن طلبوا أن يكون لهم ملك مثل باقى الأمم ، فمسح لهم الكاهن صموئيلُ شاولَ (أو شاؤول) أول ملك لهم ، ثم تلاه فى الحكم داوود ابن يسى ، ثم خلفه ابنه سليمان ابن داوود (حكم حوالى 972 – 932ق.م) وبعده تحارب اليهود فانقسمت المملكة إلى مملكتين ، إحداهما فى الجنوب ، واسمها يهوذا ، ويحكمها رحبعام ابن سليمان وثانيتهما فى الشمال واسمها إسرائيل ويحكمها ربعام ابن بياط . وبينما كانت كل القبائل اليهودية فى هذه المملكة ، فقد كان أمة (سبط) يهوذا وحدها هى التى تقيم فى الجنوب . وقد استمرت الحروب سجالا بين المملكتين قرنين من الزمان (935 – 725ق.م) حتى غزاهما سرجون الملك الأشورى عام 722 ق.م ، وهدم المعبد وبدّد اليهود ، فبدأ عصر الشتات (DIASPORA) وفيه اختفت عشر قبائل أو ضاعت ، وعبّرت التوراة عن الباقين بأنهم (بقية يهوذا) ثم حارب هؤلاء الذين بقوا من اليهود نبوخذ نصر أو بُختنصر (توفى 562ق.م) وساقهم إلى بابل حيث ظلوا مدة 70 عاما (585 – 516ق.م) ولما انتصر قورش الفارسى على أشوريا أعاد حفيد له اليهود إلى القدس من الأسر البابلى .

فى ذاك الوقت ، كان الحكام فى مصر قد تدهوروا ، وبعد أن أمّنوا الجبهة الشرقية بإخراج العبرانيين من أرض جاسان (حول مدينة بلبيس الحالية) وإعادة تسكينهم فى أرض كنعان بعد طرد أغلب القبائل التى كانت تسكن بها ، بعد ذلك ، هاجمت مصر من الغرب قبائل بدوية من الصحراء الليبية ، ومن الجنوب قبائل من منطقة النوبة ، وكانت كلتا المنطقتين تعتبر ، على نحو ما ، ضمن الحدود المصرية . وأسس شيشنق الأول (954 – 924 ق.م) الأسرة 22 ، التى استقرت فى إقليم اهناسيا ، وهى من أعمال محافظة بنى سويف حالاً (حالياً) . وفى فترة حكم شيشنق البدوى (الأول أو الثانى ؟؟) كان سليمان ابن داوود يحكم العبرانيين أو بنى إسرائيل أو اليهود فى أرض كنعان (فلسطين الحالية) .
ومع أن فراعين الأسرات المصرية السابقة كانوا قد دأبوا على رفض تزويج بناتهم إلى غرباء غير مصريين ، مهما كانت مكانتهم ، ملوكا أو أمراء ، فإن الوضع مع شيشنق البدوى كان جدّ مختلفا ، إذ لم ير الفرعون غضاضة فى تزويج ابنته إلى سليمان ابن داوود ، فكانت زوجه الأولى ، وغالبا ما كانت هذه الزيجة سياسية يستهدف بها شيشنق أن يمكّن لنفسه وأسرته فى أرض مصر ، بعد أن تُؤمن له هذه الزيجة الجبهة الشرقية .

وسواء كان شيشنق يعتنق العقيدة المصرية أصلا ، أم كان قد حدث ذلك بعد جلوسه على عرش الفرعون ، فإنه أرسل إلى أورشليم (القدس) – غالبا قبل أن تذهب إبنته – بعض الرهبان المصريين ومعهم بعض البنائين الأطهار ، ليبنوا قصرا تقيم فيه ابنته ، وليؤسسوا لها معبداً تؤدى فيه هى وحاشيتها فروض وطقوس العقيدة المصرية (التى تختلف كثيراً عن اليهودية – كما سوف يلى) . فمصر ، هى أول بلد فى التاريخ يقيم أبنية من الحجارة ، وهرم سقارة المدّرج (حوالى 27800ق.م) هو أقدم بناء من الحجر يشيده بشر ، على مسار الزمان ومدار المكان . وكان استعمال الحجارة يقتضى قطعها من أماكن بعيدة عن المبنى ثم نقلها وصقلها ووضعها ورفعها ، بطرائق هندسيّة وعلميّة حتى يكتمل البناء . وهذا العمل المستمر أدى إلى إرتقاء علوم الهندسة والرياضيات والميكانيكا والفيزيقا ورفع الأثقال ودفعها ، وما إلى ذلك . وإذ كان البناؤون الذين يشيدون المعابد ويقيمون الحيطان ويضعون القباب ويرفعون المسلات ويبنون الأهرام ، هم وقادتهم ورؤساؤهم من رهبان المعابد أو طوائف الصّديقين ، فقد كانوا يعمدون فى كل ما يبنون إلى تأكيد الرموز كسبل للحقائق ، بحيث تكون الشعائر كناية عن الضمائر ، والأبعاد إشارة إلى الفؤاد ، والمظاهر تعبيراً عن الجواهر ، والأماكن دلالة عن الكوامن ، والسوانح ملامح على الجوارح ، وهكذا .

وعلى سبيل المثال ، فإن المكان الذى يسمى فى المعبد قدس (وهو بالهيروغليفية) دِثَر (DSR) كان رمزا للذات البشرية . أما قدس الأقداس ، دثر دثرو (DSR DSRO) فقد كان رمزا للقلب الإنسانى أو الفؤاد ، بالهيروغليفية آب (AB) ، اللفظة التى صُحفت فى العربية إلى قلب وإلى لُب .
ولتأكيد ذلك فإنه يكون من الأصوب بيان ما حدث بقصد بناء معبد سليمان حتى يمكن استجلاء الوسيلة والأسلوب الذى تم بمقتضاه إقامة هذا البناء .

فمن التوراة يبين أن سليمان ابن داوود استورد كل ما يتصل ببناء المعبد من الخارج ، فأشجار الأَرز من لبنان ، وخشب السرو من صور ، أما العمال ففى التوراة عن ذلك (وسخرّ الملك من جميع إسرائيل وكانت السُخْر ثلاثين ألف رجل ... يقدموا حجارة كبيرة حجارة كريمة لتأسيس البيت ، حجارة مربعة نحتها بناؤو سليمان وبناؤو حيرام (من صور) وهيأوا الخشب والحجارة لبناء البيت) سفر الملوك أول ، اصحاح 5 : 3 – 18 . وفى الأصحاح التالى ورد وصف المعبد الذى يقال إنه بيت الله ، وفيه يظهر الأثر المصرى الذى حرص كتّاب التوراة على إخفائه ونسبة تهيئة البناء إلى عمال سليمان أو حيرام أو آخرين لم يحددوا هُويتهم ، مع أنه لم يُعرف عن سليمان أو حيرام إقامة أى بناء من قبل ولا من بعد ، وفن البناء بالحجارة وبناء المعابد عمل مصرى صميم ، وفن مصرى ضارب فى القدم ومولع فى الخبرة . وجاء فى التوراة عن هذا المعبد (وهيأ محرابا أى قدس أقداس ليضع تابوت عهد الرب .. وغشاه بذهب خالص .. وغشى سليمان البيت من داخل بذهب خالص .. وسد بسلاسل ذهب قُدام المحراب وغشاه بذهب وجميع البيت غشاه بذهب إلى تمام كل بيت وكل المذبح الذى للمحراب غشاه بذهب وعمل فى المحراب كروبين (أى ملاكين ، من لفظ كروب (cherube) بمعنى مَلك أو ملاك) من خشب الزيتون علو الواحد عشرة أذرع وخمسة أذرع جناح الكروب (المَلَك) الواحد ، وخمسة أذرع جناح الكروب (المَلَك) الآخر ، عشرة أذرع من طرف جناحه إلى طرف جناحه ، وعشرة أذرع للكروب (المَلَك) الآخر قياس واحد وشكل واحد للكروبين (الملكين) وغشّى الكروبين (الملكين) بذهب ، وجميع حيطان البيت ... رسمها نقشا بنقر (حفر بارز) كروبيم (ملائكة) ونخيل وبراعم زهور من داخل ومن خارج . وغشى أرض البيت بذهب من داخل ومن خارج ، وعمل لباب المحراب مصراعين ورسم بينهما نقشاً (حفر بارز) كروبيم (ملائكة) ونخيل ووضع الكروبيم (الملائكة) والخيل بذهب .) سفر الملوك أول 6 : 19 – 22 .

هذا معبد مصرى مؤكد شيده وزخرفه ووشاه بالذهب وزينه بالنقش البارز ، بناؤون مصريون ، لم يلتفوا إلى حظر الأوثان (التماثيل) فى التوراة ، فنحتوا من خشب الزيتون أربعة ملائكة ، ونقشوا على الجدران ملائكة ، ووشوا تابوت الرب بالذهب ووضعوه فى قدس الأقداس ، كما تبين ويتبين من معابد المصريين القدماء .وكان إيمان هؤلاء المصريين – رهبانا أو بنائين – يخلص فى صيغة كونية كلية ترى أن الكون كُلّ واحد ، وأن كل شىء على الأرض هو رمز لشىء فى السماء . فالإنسان رمز للكون وقلبه معبد لله ، وهو المعنى الذى سرى فى التاريخ حتى عبّر عنه الشاعر (أبو العلاء المعرى) فقال يخاطب الإنسان ، كل إنسان :
وتحسب أنك جِرم صغير .. وفيك إنطوى العالم الأكبر

وبالتوغل فى فهم الصيغة المصرية للدين يتبين أنها تُعادل الإنسان بالكون ، وتُداخل الظاهر بالباطن ، وتواصل الحياة بالموت ، وتجادل (من الجديلة) الفرد بالغير ، وتعامل الشىء بالرمز ، وتبادل الحقيقة بالمجاز ... وهكذا .

لكن المصريين – رهبانا وبنائين – وجدوا أن اليهودية واليهود على وضع آخر ، بُدائى ومتحلل من الخلق . فبينما كانوا هم يرون فى كل ما يفعلون عبادة ، أشارت إليه التوراة فقالت (والبيت فى بنائه مبنى بحجارة صحيحة . ولم يُسمع فى البيت عند بنائه نحت ولا معول ولا أداة من حديد) سفر الملوك أول 6 ، كان اليهود فى ضياع شديد وتيه بالغ ، (فقد كان طعام سليمان لليوم الواحد ثلاثين كرّسميد وستين كر دقيق وعشرة ثيران مُسمنه وعشرين ثوراً من المراعى ومائة خروف ، ماعدا الأيائل والظباء واليحامير والأرز المسمن .. واعتقد سليمان أن الرب - كما قال - يسكن فى القباب (قباب المعبد) وكانت عبادة سليمان ابتداء وعبادة الشعب لإله اسرائيل . ثم ذهب الناس وتمسكوا بآلهة أخرى وسجدوا لها وعبدوها ، واستعبد سليمان من بقى من الأموريين والحيثيين والفرزيين والحوريين واليبوسين . وفرض ضرائب باهظة على الشعب اليهودى . وأحب نساء غريبة كثيرة مع بنت فرعون مؤابيات وعمونيات وأدونيات وصيدونيات وحيثيات من الأمم الذين قال عنهم الرب لبنى إسرائيل لا تدخلون إليهم وهم لا يدخلون اليكم لأنهم يُميلون قلوبكم وراء آلهتهم . وكانت له سبع مائة من النساء السيدات وثلاث مائة من السرارى فأمالت نساؤه قلبه ، وكان فى زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى ولم يكن قلبه كاملا مع الرب . وعمل سليمان الشر فى عين الرب) . سفر الملوك أول 9 : 20 – 21 .

وكان من نتيجة ذلك ، ولأن الناس على دين ملوكهم ، أن انهارت القيم والأخلاق . وفى عهد رحبعام ابن سليمان ما تقول التوراة عنه (وعمل يهوذا – أى الشعب اليهودى - الشر فى عينى الرب ، وكان أيضا مأبونون فى الأرض فعلوا حسب كل أرجاس الأمم الذين طردهم الرب من أمام بنى إسرائيل) ملوك أول 14 : 22 – 24 .وبعد رحبعام ابن سليمان مَلَك أسا على يهوذا فحاول الإصلاح (وأزال المأبونين من الأرض ونزع جميع الأصنام التى عملها آباؤه وكانت أمه قد عملت تمثالا – أى صنما – لسارية) سفر الملوك أول 15 : 11 – 13 .

فى هذا الجو القبلى الوخيم والمضطرب فى الفهم والعمل ، فى التعبير والتصرف ، أسس البناؤون المصريون ، ومعهم الرهبان المصريون ، لأنفسهم جماعة خاصة بهم ، كانت فى مفاهيمها وفى تنظيمها على غرار مفاهيم وترتيب جماعة الإخوان الفيثاغوريين التى ظهرت فيما بعد فى اليونان ، نسبة إلى فيثاغورس (حوالى 582 – 507ق.م) والذى درس فى مصر وتأثر بها .

وكان هؤلاء البناؤون يتحدثون فيما بينهم باللغة المصرية القديمة ، وبالرمز أو السيم أى العلامة ، ويتكلمون فى سرية كما يتعاملون فى خفاء ، وأُطلق عليهم تعبير الماسونيين وهو ما يعنى البنائين . وقد انتقل لفظ ماسون إلى اللغات العبرية ، والإنجليزية Mason والفرنسية Macon بمعنى بنّاء كذلك . وورد فى المعاجم الموسوعية للّغات الإنجليزية والفرنسية واللاتينية أن اللفظ مجهول الأصل ، مما يُرجح أنه كان رمزا أو سيما ، أو أنه كان تجميع حروف تشير إلى معنى معين ، على النظام الذى كان يسود بين المصريين (ويسود حالا بين الأمريكيين) .

ولبيان حقيقة وأعمال وأهداف الإخوان الفيثاغوريين – حتى يمكن المقارنة بين ما عملوه وبين ما قد كانت تعمله الماسونية - بعد أن أُشرب فيثاغورس روح مصر وتعاليمها وعقيدتها ، أن عاد إلى بلاد الإغريق وأسس جمعية سماها (الإخوان الفيثاغوريون) وهى جماعة ذات صبغة دينية صوفية ، وتعاليمها سرية لا يعرفها إلا أعضاؤها ، على درجات فى العضوية ومراتب فى السرية . وكانت الجماعة تقوم بدراسة الهندسة والرياضيات ، وترى أن الأعداد أصل الكون (وقد ثبت فيما بعد أن أعداد النيوترونات فى كل ذرة هى التى تحدد نوعيتها) . وكانت الجماعة تدرس الموسيقى على إعتبار أنها العلم والفن الذى يتضمن أساليب الحياة فى الإيقاع (Rhythm) والإرسال (prosaism) والتركيب (synthesis) والتكوين أو البناء (construction) . وكانت تعاليم الجماعة وممارساتها تستهدف فى الأساس قيام انسجام (Harmony) بين الجسد والروح الإنسانى وبين الفرد والكون الكلى ، وهو صميم المعتقد المصرى والفهم المصرى القديم .

هذا الأمر الموثّق من التوراة ذاتها ، والمحقق من شواهد التاريخ ، والمُتفق عليه من كتب العلماء وصحائف التدوين ، قال غيره ، بل على الضد منه والعكس من حقيقته ؛ ظنا بغير علم ، وسياسة دون دراسة ، وحماسة بغير كياسة ، ورواية بغير دراية ، الشيخ حسن البنا المرشد الأول لجماعة الإخوان المسلمين (ولفظ البنا فى اسمه يعنى حرفيا : ماسون ، باللغات الإنجليزية والفرنسية واللاتينية وغيرها) . فقد وقف مساء ثلاثاء عام 1940 يخطب فى مُريديه فقال دون مناسبة وبغير ضرورة أو سبب (لعل قائلا يقول لماذا كانت أكثر القصص التى عُنى بها القرآن هى قصة بنى إسرائيل ؟ ولماذا أحدث الجزء الأوفى من قسم القصص فى القرآن الكريم ؟ الواقع يا أخى أن لهذا عدة أسباب :

السبب الأول : هو كريم عنصر هذا الجنس ، وفيض الروحانية القوية التى تركزت فى نفسه ، لأن هذا الجنس قد انحدر من أصول كريمة ، لهذا ورث حيوية عجيبة ، وإن كان قد أساء إلى نفسه وإلى الناس بتوجيه هذه الحيوية فيما بعد إلى مالا ينفع . انحدر هذا العنصر من يعقوب ابن اسحاق ابن ابراهيم ، فورث الروحانية كابرا عن كابر . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف ابن يعقوب ابن اسحق ابن ابراهيم ، أربعة جدود كل جد منهم رسول) . وقال تعالى (إِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ) (المائدة 5 : 20) وقال تعالى فى شأن تفضيلهم على أهل زمانهم : َأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (البقرة 2: 122) . الأمر الثانى : أن هذا الجنس يمثل حيوية لم يظفر بها جنس كما ظفروا بها ، وكما أن هذه الحيوية كانت مصدر تزكيتهم كانت أيضا من مصدر غرورهم ونسيانهم المعنى الإنسانى العام الوارد فى قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات : 13) .

أما السبب الثانى : فهو أنهم ورثة أقدم كتاب سماوى عرف الناس عنه شيئاً ، وهو التوراة ، وكانوا ألصق الناس بالأمة العربية فى ذلك الوقت . أما السبب الأخير فهو أنهم نُشؤوا من البدو ثم تكوّنوا ، ثم أضطهدهم البدو ، ثم تحرروا ثم سادوا ، ثم تحولوا ، فكانوا مثلا طيباً لتجلية هذه الأدوار . وأنت حين تقرأ يا أخى القرآن تجد هذا المعنى واضحاً فى كتاب الله تبارك وتعالى .

ثم يقول المرشد العام (رسالة موسى عليه السلام كانت فى مصر ، ونريد أن نتناول صلة رسالته بهذه الأمة . لقد وُجد الإسرائيليون فى مصر ، وإن كان وطنهم الأصلى فلسطين (ولم يقل أرض كنعان) وكان أول من أقرهم يوسف عليه السلام ، إذهبوا بقميصى هذا فالقوه على وجه أبى يأت بصيراً ، وائتونى بأهلكم أجمعين .. إلى قوله تعالى : وقال ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ .. ثم أقطعهم سيدنا يوسف عليه السلام الجهات الشرقية من أرض مصر وكانت لا تزال أرضا صحراوية ، وإنما أقطعهم إياها لأنهم آتون من البدو ، ولأنه أراد ألا يمزج بينهم وبين المصريين الذين كانوا فى ذلك الوقت على ديانة وثنية . ويعقوب والأسباط من أبناء يعقوب على التوحيد الخالص ، فلم يشأ أن يكون هناك مثارا لجدل دينى بينهم وبين المصريين .

من أين جاء الشيخ البنا بهذا الكلام ؟ وهل هو نتاج ثقافة كتابية أم عبارة عن ثقافة شفهية ، سمعها الشيخ عن غيره ، وسمعها غيره عن غيره ، مع التغيير والتبديل حتى عدّوا الوهم حقيقة ؟.

إن يوسف (الكريم ابن الكريم ابن الكريم) طلب من أبيه وإخوته أن يقولوا للملك حين يسألهم عن حرفتهم أنهم رعاة ، ولأن كل راع هو نجس عند المصريين ، فإن الملك سوف يبعدهم عن هؤلاء ، ومن ثم فقد أسكنهم (الملك لا يوسف) فى أرض جاسان . وقد استطاعوا العيش فيها ونعموا وترهلوا حتى إذا ما أراد موسى إخراجهم إلى أرض كنعان خاصموه وكلموه قائلين : (ليتنا فنينا فناء . لماذا أتيتما (موسى وهارون) بجماعة الرب إلى هذه البرية لكى نموت فيها نحن ومواشينا . ولماذا أصعدتمانا من مصر لتأتيا بنا إلى هذا المكان الردىء ليس هو مكان زرع وتين وكرم ورمان ولا فيه ماء للشرب وقالوا له : لماذا أتى بنا الرب إلى هذه الأرض لنسقط بالسيف . تصير نساؤنا وأطفالنا غنيمة . أليس خير لنا أن نرجع إلى مصر) ، (فعاد بنوا إسرائيل .. وقالوا من يطعمنا لحما . وقد تذكرنا السمك الذى كنا نأكله فى مصر مجانا والقثاء والبطيخ والكرات والبصل والثوم . إنه كان لنا خير فى مصر) (يراجع ذلك وغيره فى كتابنا الأصول المصرية اليهودية – الطبعة الأولى – 204) .

لقد قال الشيخ البنا كلامه الحار المادح فى اليهود عام 1940 ، وكان الصراع بينهم وبين العرب على أرض فلسطين قائما منذ أوائل القرن ، ولم يعدِل عنه قط أو يضيف إليه استثناء رغم أن اليهود لم يعودوا عنصرا واحداً . لكنه هيج الشعب المصرى فدعا عام 1948 إلى الجهاد (القتال) ودخول الجيش المصرى أرض فلسطين . فهل كان الشيخ مخلصا فى ذلك لمصر – التى غالبا ما يكون قد جاءها من المغرب ، وقد دفّت على مصر هجرات كثيرة من المغرب أيام السلطنة العثمانية كان منها يهود تخفّوا تحت الإسلام الذى إنتحلوه رياءا ورءاءا لكى يسيؤا إليه من داخله ، وهم يسمون بالإنجليزية (Crypto Jews) – هل كان الشيخ مخلصاً فى كلامه ذاك أم أنه كان يبغى من دخول الجيش المصرى أرض فلسطين مصلحة محققة لليهود ؟ وكان الجهر بالجهاد (القتال) خدعة كبيرة للعوام والجهلاء ؟ لأن الجهاد (القتال) بغير استعداد ينتهى لصالح الخصم ، وهذا ما حدث . إن هذا وغيره لأبد أن يكون محل دراسة محايدة فى المستقبل تتعرف على الوجه الحقيقى للشيخ البنا ، ولغيره من الأسر والدعاة فى العالم العربى .

ملحوظة :- أقوال الشيخ البنا مأخوذة نصا من كتاب (مذكرات الدعوة والداعية) دار الشهاب ، القاهرة 1966 ص 74 ومن مقال نشر فى جريدة الوطن الكويتية ومن موقع شفاف بتاريخ 17 فبراير 2009

المستشار محمد سعيد العشماوي
الجزء الثالث
الجزء الثاني

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية