السبت، مايو 05، 2012

عبد الناصر و السادات قيصر و بروتس


بقلم : عمرو صابح


( حتى أنت يا بروتس ....إذاً فليمت قيصر )

مقولة ذائعة الصيت تضرب للتدليل علي الخيانة بين الأصدقاء
فإذا جاءتك الطعنة والخيانة من صديق مقرب يكون ألمها أقوى من طعنة العدو
ويكون وقع الصدمة عليك شديداً ومدوياً...ولاأجدأصدق من تلك المقولة لتفسير العلاقة بين جمال عبد الناصر وأنور السادات

فالعلاقة بين جمال عبد الناصر ( قيصر ) و أنور السادات ( بروتس ) تظل حتى الآن غير مفهومة على الإطلاق .

ما الذى جعل الرئيس عبد الناصر يعين السادات نائبا له فى ديسمبر 1969 وعقب زيارة الملك السعودى فيصل بن عبد العزيز لمصر، وبعد 3 شهور من إصابته بالنوبة القلبية الأولى فى سبتمبر 1969.

ولماذا تركه فى هذا المنصب لمدة 9 شهور كاملة حتى وفاته المفاجئة فى 28 سبتمبر 1970؟
تبدو كل النظريات ، والآراء التى تبرر هذا الاختيار غير منطقية على الإطلاق .

الأستاذ محمد حسنين هيكل وهو صديق الرئيس عبد الناصر وشريكه الفكرى يقول إن الرئيس عبد الناصر قام بتعيين السادات نائبا له قبل سفره إلى المغرب لحضور اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي ، وكانت تقارير المخابرات المصرية من المغرب قد أكدت وجود مؤامرة لاغتيال الرئيس عبد الناصر يدبرها الموساد بالتعاون مع وزير الداخلية ووزير الدفاع المغربى ( الجنرال محمد أوفقير ) وجهات عربية أخرى معادية لسياسات عبد الناصر ، وبناء على هذه التقارير قام الرئيس عبد الناصر بتعيين السادات نائبا له تحسبا لأى احتمالات نجاح لمؤامرة اغتياله ، وكانت وجهة نظر الرئيس عبد الناصر فى ذلك التعيين ان السادات يصلح رئيسا مؤقتا لفترة انتقالية ، حتى يتم تنظيم أمور الدولة ، ويقول الأستاذ هيكل أنه بعد عودة الرئيس عبد الناصر من المغرب سالما وفى غمرة مشاغل الرئيس طوال التسعة شهور الأخيرة من حياته نسى السادات فى هذا المنصب حتى وافته المنية فى 28/9/1970 .

بينما يرى الوزير سامى شرف وهو أحد أقرب الشخصيات إلى عقل و قلب الرئيس عبد الناصر ومن أشد معاونى الرئيس عبد الناصر إخلاصا له وفهما لطريقة تفكيره ، أن الرئيس عبد الناصر عين السادات نائبا له حتى يتسنى له الحصول على معاش نائب رئيس جمهورية لأنه كان الوحيد من أعضاء مجلس قيادة الثورة الذى لم يتم تعيينه كنائب لرئيس الجمهورية ، وان الرئيس عبد الناصر نسى السادات فى هذا المنصب حتى وفاته المفاجئة .

تبدو رؤية الأستاذ هيكل و الوزير سامى شرف وهما من أقرب الناس للرئيس عبد الناصر لأسباب تعيين السادات نائبا للرئيس عصية على الفهم .

فى قصة الأستاذ هيكل عند عودة الرئيس عبد الناصر بسلام من المغرب .

لماذا لم يعزل السادات من منصبه ؟

وكيف ينسى أمر خطير كهذا لمدة تسعة شهور كاملة وهو المعروف بدقته الشديدة ؟

بينما قصة الوزير سامى شرف يمكن الرد عليها ببساطة فقد كان بوسع الرئيس عبد الناصر إمضاء قرار بمنح السادات معاش نائب للرئيس بدون تعيينه فعليا فى المنصب لمدة طويلة .

بينما تبدو وجهة نظر الأديب الكبير يوسف إدريس فى كتابه ( البحث عن السادات ) لونا من ألوان الكوميديا السوداء فهو يرى أن عبد الناصر أختار السادات نائبا له لأنه أكثر رفاقه جهلا وغباء وسطحية ونفاقا ، وان غرض عبد الناصر الأساسى من اختياره للسادات نائبا له ، هو انه عند عقد أى مقارنة بين عبد الناصر و السادات سيترحم الناس على عبد الناصر وعهده وسيلعنوا السادات وعهده ، وهى وجهة نظر تصلح فى رواية أو مسرحية أكثر مما تصلح فى تفسير التاريخ .

الدكتور مراد غالب سفير مصر فى الإتحاد السوفيتى إبان وفاة الرئيس عبد الناصر يقدم لنا فى مذكراته رواية أخرى .

وهى إن الرئيس عبد الناصر فى أغسطس 1970 كان يعد عبد اللطيف البغدادى أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة لخلافته ، وان الرئيس عبد الناصر قال له ذلك ضمنيا وطلب منه تقديم البغدادى للقادة السوفيت .

كما أن البغدادى نفسه صارح مراد غالب بذلك ولكن وفاة عبد الناصر المفاجئة حالت دوت تعيين البغدادى نائبا للرئيس .

فى يوم 28 /9/ 1970 تصعد روح الرئيس عبد الناصر إلى بارئها ، ويصبح أنور السادات رئيسا لمصر ويجلس على كرسى عبد الناصر ، وبصرف النظر عن حقيقة نوايا الرئيس عبد الناصر من تعيين للسادات نائبا له إلا انه فى النهاية وبسبب قرار عبد الناصر أصبح السادات رئيسا لمصر .

فى يوم 13 مايو 1971 يقوم السادات بانقلابه على عبد الناصر و ثورته ويلقى القبض على شركاؤه فى الحكم من الناصريين ، ويلفق لهم تهم باطلة ويحبسهم فى غياهب السجون ويخلو له حكم البلاد ، ورغم الانقلاب يصر السادات فى كل أحاديثه وخطبه على إخلاصه لخط عبد الناصر السياسي وحفاظه على تراثه وفكره ونهجه فى الحكم .

فى يوم 6 أكتوبر 1973 يتخذ السادات أخيرا وبعد طول تأجيل قرار الحرب تسفر الحرب فى أيامها الأولى عن انتصارات ساحقة للقوات المسلحة المصرية و السورية على جبهتى سيناء والجولان ، ورغم تبدل سير المعركة فيما بعد إلى الحد الذى جعل القوات الإسرائيلية تمتد على خط طوله 1500 كيلومتر ، من مشارف دمشق وحتى الكيلو 101 على طريق السويس -القاهرة ، إلا أن السادات خرج من الحرب بشرعية جديدة لحكمه أرادها أن تكون غير مستمدة من شرعية سلفه الرئيس عبد الناصر .

وفى يوم 7 نوفمبر 1973 يقابل الرئيس السادات وزير الخارجية الأمريكى هنرىكيسنجر فى اجتماع منفرد .

و فى هذا الاجتماع الخطير مع كيسنجر والذى روى كيسنجر تفاصيله فى مذكراته ، يصارح السادات كيسنجر انه أختار الطريق الأمريكى لحل قضية الصراع العربى الاسرائيلى ، وأنه ينوى التخلص من القومية العربية ، كما انه يكره السوفيت ويعاديهم وانه عازم على نبذ الحل الاشتراكى وعلى التخلى عن تجربة التنمية المستقلة التى أنتهجها عبد الناصر وانه سيهدم أسطورة جمال عبد الناصر فى مصر والعالم العربى .

وبالفعل بدء من عام 1974 تقود الصحف المصرية حملة تشويه رهيبة ضد جمال عبد الناصر وعهده ، بتخطيط أمريكى وتمويل سعودى وبأقلام مصرية و بتشجيع واضح من السادات لإلصاق شتى التهم والجرائم والخطايا بعبد الناصر وعهده ورجاله ، وهذه الحملة الظالمة مازالت مستمرة حتى الآن وبمنتهى القوة ، لأن شبح عبد الناصر وشموخ مواقفه الوطنية مازالا يقضان مضاجع الحكام الخونة حتى اليوم.

حتى الآن قد يبدو هذا منطقيا لقد عقد السادات صفقة مع الشيطان الأمريكى وتشويه عبد الناصر وعهده جزء من هذه الصفقة ، لأن نجاح الاحتلال الأمريكى للإرادة الوطنية المصرية لن يتم إلا بهدم نموذج استقلال الإرادة الوطنية الذى جسده عبد الناصر بأفكاره وبمشروعه القومى و بانجازاته الهائلة .

ولكن ما يثير الحيرة هو تصرف السادات نفسه الذى بدا دائما ، وكأن هناك ثأر شخصى يحكم علاقته بعبد الناصر فهو دائما متشوق للمقارنة بينه وبين سلفه ليثبت انه أفضل منه وفى كتابه الذى لم يصدق فى حرف واحد فيه ( البحث عن الذات ) ، كال السادات للرئيس عبد الناصر وعهده ورجاله سيل من الشتائم والاتهامات بدون دليل واحد على ما يدعيه مما أظهر حقده وكرهه الشديد لعبد الناصر.

و بعد 3 سنوات من حملة التشهير بعبد الناصر المتواكبة مع الدخول الأمريكى لمصر وقبول السادات بالحل الجزئى للصراع العربى الإسرائيلى والتفاوض المباشر مع إسرائيل وبدء عملية تفكيك المشروع الناصرى فى السياسة والاقتصاد والعلاقات الخارجية .

اندلعت الانتفاضة الشعبية فى (18و 19 يناير عام 1977 ) والتى هددت عرش السادات وكادت تزيح حكمه لدرجة أن السادات جهز طائرته الرئاسية للهروب إلى إيران عند صديقه ومثله الأعلى فى خدمة المصالح الامبريالية الأمريكية شاه إيران محمد رضا بهلوى .

وعندما فشلت أجهزة الأمن المصرية فى إيقاف المظاهرات أمر السادات الجيش المصرى بالنزول للشوارع لاستعادة السيطرة على البلاد وينجح الجيش فى مهمته ويستعيد السادات عرشه .

وفى أول خطبة للسادات بعد المظاهرات لم يتمالك نفسه وهو يخطب أن يوجه السؤال للشعب المصرى

رافعين صور عبد الناصر ليه ؟! ده أنا عملت اللى هو ماعملوش .

فوجئ السادات وكل أنصاره وأصدقائه داخل مصر وخارجها بصور عبد الناصر و أن ملايين المصريين والذين يتم تعريضهم لعملية غسيل مخ بشعة ممنهجة و منظمة لتشويه شخصية وسياسات وعهد عبد الناصر خرجوا فى هذه المظاهرات رافعين ألاف الصور لجمال عبد الناصر الراقد فى قبره منذ 7 سنوات .

حاول السادات جاهدا محو أسم عبد الناصر من التاريخ ومن الوجود لو كان بمقدوره .

فإستاد ناصر يصبح إستاد القاهرة وبحيرة ناصر المسماة بهذا الاسم فى كل الخرائط العالمية يصدر قرار جمهورى بتسميتها بحيرة السد ، وصورة عبد الناصر التى حفرها السوفيت على جسم السد يحفر صورته فوقها ، وخطب عبد الناصر ممنوع أن تذاع وصوره محظور وجودها ، والمشاكل كلها يتم لصقها بعهد عبد الناصر .

بدا الأمر وكأن السادات مصاب بعقدة نفسية أسمها عقدة جمال عبد الناصر .

أتخذ السادات الخط السياسى المناقض لعبد الناصر فى كل شئ ولكن حتى هذا لم يكن يبرر كل هذا العداء الشخصى الواضح للرجل الراقد فى قبره منذ 28 سبتمبر 1970 .

خاصة أن عبد الناصر هو الذى ضمه لتنظيم الضباط الأحرار عام 1951 رغم معارضة كل الأعضاء لضمه.

وعبد الناصر هو الذى تغاضى عن هروبه ليلة الثورة ودخوله السينما مع أسرته وعدم اشتراكه فى الثورة رغم علمه بموعد قيامها ، وعبد الناصر هو الذى رفض طرده من مجلس قيادة الثورة عام 1953 بعد قضية انقلاب سلاح المدفعية التى كان من أسبابها وجود شخصية مشبوهة الانتماءات كأنور السادات فى مجلس قيادة الثورة .

وعبد الناصر هو الذى عفا عنه بعد العديد من الفضائح فى الخمسينيات والستينيات كان أخرها فضيحة الاستيلاء على قصر اللواء الموجى بوضعه تحت الحراسة عام 1970 أثناء زيارة عبد الناصر للاتحاد السوفيتى .

إن ما حدث فى مصر لعبد الناصر برعاية السادات لم يحدث من قبل لزعيم أو قائد فى التاريخ ، فالنظام الذى كان السادات على رأسه كان من صنع عبد الناصر نفسه ، والسادات جاء للحكم على أساس أنه سيكمل مسيرة عبد الناصر ولكنه فضلا عن الانقضاض على كل سياسات سلفه قاد حملة صليبية ضارية ضد عبد الناصر محاولا اغتياله معنويا بشتى الطرق وهو أمر شديد الغرابة ، فعبد الناصر نفسه الذى أنهى النظام الملكى وطرد أسرة محمد على وأسس النظام الجمهورى لم يفعل بالملك فاروق ما فعله السادات به .

بعد مرور كل تلك السنين تظل علاقة عبد الناصر بالسادات ملتبسة وغامضة وغير مفهومة بالمرة .

لماذا ظل السادات للنهاية بقرب عبد الناصر ؟

ولماذا عينه عبد الناصر نائبا له رغم معرفته الوثيقة بمثالبه العديدة ؟

وكيف لم يكتشف عبد الناصر كل هذا الكم من الكراهية داخل السادات تجاهه ؟

و لماذا كان السادات بصرف النظر عن تناقض سياساته مع سياسات سلفه يكن كل هذا الحقد والكره لعبد الناصر الرجل الذى وضعه دون استحقاق ودون مبرر على عرش مصر والذى لولاه ما دخل السادات التاريخ ؟؟

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية