الجمعة، يوليو 27، 2012

تعيين الأمير بندر في الاستخبارات مؤشر جديد على برغماتية الملك عبدالله المتصاعدة

لندن - يعطي تعيين العاهل السعودي الملك عبدالله بن العزيز للأمير بندر بن سلطان في منصب رئيس جهاز الاستخبارات، فكرة عن التحولات الجوهرية التي شهدتها اخيرا شخصية الملك نفسه.

الملك عبدالله ظل إلى وقت قصير يتصرف بمنطق قلة المرونة والتحفظ في التعامل مع الملفات السياسية الداخلية وخصوصا في ما يتعلق بالأسرة المالكة. ففكرة أنه ولد دون أخوة أشقاء ظلت جزءا من نظرته إلى علاقته ببقية أخوته غير الأشقاء وخصوصا منْ يسمون بالسديرية نسبة لوالدتهم الأميرة حصة السديري زوجة مؤسس الدولة السعودية الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود.

لكن سنوات الحكم الطويلة سواء كنائب للملك أثناء مرض الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز ولاحقا كملك للسعودية، جعلت الملك عبدالله أكثر برغماتية ومرونة.

كان الملمح الأول هو قبول الملك عبدالله تعيين الأمير الراحل نايف بن عبدالعزيز نائبا ثانيا لرئيس الوزراء مما جعله مؤهلا تلقائيا لمنصب ولاية العهد خصوصا وأن ولي العهد في حينه الأمير سلطان بن عبدالعزيز كان قد دخل مراحل متطورة من مرضه وكانت وفاته مسألة وقت فقط.

لم يكن الملك عبدالله من مؤيدي صعود الامير نايف إلى منصب ولاية العهد لما يمثله من قوة كبيرة ومتشددة في مرحلة كان العاهل السعودي يسعى فيها إلى تحقيق انفتاح نسبي في العديد من ملفات الحكم. لكن الضغوط التي تعرضت لها المملكة بعد حرب غزو العراق عام 2003 وصعود التطرف، جعلا من الضروري التأكيد على أن العرش السعودي مستقر وأن الحساسيات البينية داخل الأسرة المالكة تعد قضية ثانوية بالمقارنة مع التحديات الماثلة.

برغماتية العاهل السعودية خطت خطوة جديدة بقبوله صعود الأمير سلمان إلى منصب ولي العهد، وقبلها توليه منصب وزارة الدفاع خلفا لشقيقه الراحل الأمير سلطان. فمرة أخرى كان التحفظ على الأمير سلمان يرتبط بالنفوذ السديري في الحكم خصوصا وأنه من الشخصيات الشعبية في المملكة.

لكن تعيين الأمير بندر بن سلطان بمنصب رئيس الاستخبارات جاء بمثابة التتويج الحقيقي لبرغماتية الملك عبدالله الذي ظل متحفظا على تولي الأمير بندر لمناصب أساسية في مؤسسة الحكم وقد بدا هذا واضحا في استبعاده عمليا منذ ارتقائه العرش.

فرضت المتغيرات الإقليمية المتسارعة الحاجة إلى تولي شخصية واسعة الإطلاع والعلاقات الملفات الشائكة في السعودية. وبرزت قضيتا إيران ونفوذها في المنطقة، وسوريا وثورتها، كمهمتي الساعة العاجلتين.

إلا أن القرار له خلفيات عملية كثيرة لعل أهمها فشل الرئيس السابق للاستخبارات الأمير مقرن بن عبدالعزيز في التعامل بجدية مع العديد القضايا الإقليمية الحيوية بالنسبة الى السعودية.

كان الفشل الاكبر للامير مقرن في مجال التعاطي مع الاميركيين الذين اعتبروه صراحة "غير مجد" في موقع رئيس المخابرات نظرا الى ان همّه كان محصورا في البقاء الى جانب الملك والحصول على رضاه بدل الانصراف الى معالجة المسائل الامنية الحساسة ومتابعة نشاط الجهاز الذي يتولّى ادارته.

يلوح الملف العراقي كأولى القضايا التي لم يتمكن الأمير مقرن من تحقيق اختراق فيها. فلم تتمكن السعودية من إيصال مرشحها في العراق أياد علاوي للحكم فحسب، بل كان واضحا أنها لا تمتلك خطة لمواجهة توسع النفوذ الإيراني الكبير من خلال حكومة نوري المالكي التي تدعهما إيران بقوة.

الإخفاق الثاني كان في لبنان. ففي المرحلة التي سبقت اندلاع الثورة السورية، تمكنت إيران من خلال حزب الله الموالي لها من إزاحة حليف السعودية التقليدي سعد الحريري عن الحكم واستبداله بحكومة موالية لحزب الله وسوريا وإيران.

الإخفاق الثالث كان في اليمن وعلى مختلف الصعد السياسية والأمنية. فخلال أقل من سنتين، اكتشفت السعودية أن إيران صارت "جارة جنوبية" وذلك ليس من خلال تحالفها مع الحوثيين فحسب، بل بسبب تحقيق ايران لاختراقات في الجنوب اليمني ايضا، خصوصا بعد تحالفها المباشر مع علي سالم البيض نائب رئيس مجلس الرئاسة حتى العام 1994. في المقابل، لم يؤد الدعم الذي قدمته السعودية الى الرئيس علي عبدالله صالح الى النتائج المرجوة بسبب غياب عامل الثقة بين الرئيس اليمني السابق وكبار المسؤولين في المملكة، فضلا عن ان المسؤولين عن الملف اليمني في المملكة، الأمير خالد بن سلطان والأمير محمد بن نايف، "أصبحوا من الهواة" على حد تعبير مراقب عربي وذلك في غياب الامير سلطان بن عبدالعزيز الذي كان تاريخيا المسؤول الاوّل عن ملف اليمن.

نجاح إيران في تصعيد الموقف في البحرين، ونسبيا في المنطقة الشرقية، كان الإخفاق الرابع لأجهزة الاستخبارات السعودية وهو الأمر الذي دعا ملك السعودية إلى التحرك سريعا من خلال التدخل في البحرين لوقف التدهور الأمني ودعم نظام الحكم. السعودية كانت تسعى إلى تأمين نفسها أولا مما قد ينجر على المنطقة الشرقية فيها المحتقنة باحتجاجات شيعية تغذيها إيران.

يبدو تعيين الأمير بندر في الموقع الجديد ضرورة فرضتها الظروف من جهة ومنعا لمزيد من التدهور في الموقف الاستراتيجي للمملكة من جهة اخرى. كذلك، يبدو ان البند الأول في أجندة رئيس الاستخبارات الجديد هو العمل على استثمار الثورة السورية لتوجيه ضربة قاضية للنفوذ الإيراني في المنطقة من خلال إزاحة حليفها الرئيسي الأسد، وهز مكانة وسلطة حليف آخر هو حزب الله الذي يواجه امتحانا معنويا كبيرا بعد تأييد زعيمه حسن نصرالله لنظام الأسد في حملته الدموية ضد الشعب السوري.

الملك عبدالله اليوم، كما ينقل قريبون منه، يعيش حيوية ملحوظة في متابعة التطورات الإقليمية على الرغم من سنه ومرضه. وبسماحه للأمير بندر لكي يتولى الملف ألاستخباري، والملف الأمني بشكل عام من خلال رئاسته لمجلس الأمن القومي المشرف على كل الأجهزة الأمنية الأخرى، يكون العاهل السعودي قد صار أقرب إلى طريقة البرغماتي الراحل الملك فهد الذي كان يسخّر كل الإمكانيات للمقربين منه ليضمن نجاحهم في المهمات الموكلة إليهم. وكان على رأس هؤلاء المقربين الامير بندر نفسه الذي حظي لدى الملك فهد بموقع خاص. سمح له هذا الموقع بان يكون وزير الخارجية السعودي الحقيقي على حساب وزير الخارجية "الرسمي" الامير سعود الفيصل الذي عانى من شبه عزلة منذ اليوم الاوّل الذي اصبح فيه فهد وليا للعهد وحاكما فعليا للمملكة.

الأمير بندر، السياسي المخضرم في فهم العلاقة مع الحليف الأميركي، يمتلك الكثير لكي يقدمه في الأيام القادمة. فمهاراته تتجاوز قدرته على التعامل مع الرؤساء الأميركيين المتتالين لتمتد إلى قدرة على تحقيق اختراقات ملموسة في العلاقة مع الصين، كما أظهرت صفقات الصواريخ البالستية مع بكين، ومع روسيا من خلال علاقة متميزة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. الصين وروسيا هما من يقفان الآن إلى جانب الأسد.... وإيران.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية