الاثنين، أكتوبر 29، 2012
تأملات في واقع السياسة العراقية
الاثنين, أكتوبر 29, 2012
اضف تعليق
في العراق، ومع استمرار تخبط السياسة العراقية، الحروف دائما تبقى بلا نقاط فلا احد، لا من المراقبين ولا من المتابعين ولا حتى من المحللين السياسيين بامكانه وضع نقطة واحدة.
لايمكن لاحد فهم مدخلات السياسة الحكومية ليعرف مخرجاتها. فلا برامج صريحة في الاداء الحكومي ولا آليات عمل واضحة ولا قواعد لما يقال عنه انه بناء مؤسساتي، ومحاولات الحل تصطدم دائما بالعقبات التي لا احد يعلم عنها شيئا سوى من خلال تلك الاتهامات المتبادلة ما بين الاطراف السياسية والتي غالبا ما تكون مجرد تصريحات من هذا الطرف او ذاك دونما توضيح عن ماهيتها والدوافع الحقيقية من ورائها ويراد منها الضغط من اجل التراجع واحيانا من اجل التسقيط الاعتباطي.
البلاد تسير نحو المجهول بسبب المواقف المتضاربة مما يجري في المنطقة وكأن كل طرف يجري في اتجاه، الغائب الوحيد فيه المصلحة الوطنية.
الامن غائب، التخطيط الاقتصادي غائب، السياسة الخارجية ملامحها غائبة، الوئام بين مكونات المجتمع يكاد يغيب هو الاخر ايضا.
الازمات تتلاحق، بعضها نتيجة عوامل موضوعية تفرضها طبيعة الصراع السياسي المتأثر دائما بما يجري في الاقليم، واكثرها القصد منه تأجيل نهايات للأزمات التي يُخشى ان تؤدي الى توازنات ليست في مصلحة مشاريع تصر بعض الأطراف على تمريرها، ومنها كسبا للوقت او تضييعا له، وتضيع الوقت هو الاحتمال الاقرب.
منذ اكثر من شهرين وبعد تصعيد الازمة السياسية، وصل الجميع الى الطريق المسدود، ففضّل البعض انتظار ما ستسفر عنه الازمة السورية والبعض الآخر نتائج انتخابات مجالس المحافظات التي ستكشف عن طبيعة موقف العراقيين، فيما هناك من فضّل عدم الاستعجال، فلم يبق من عمر الحكومة سوى عام تقريبا، وبعدها لكل حادث حديث. ولأن السياسة الاميركية بالنسبة للعراق ثابتة ولن تتأثر بما ستسفر عنه الانتخابات القادمة فلا احد من الاطراف راهن على فوز ميت رومني او بقاء باراك اوباما.
رئيس الحكومة وحده هو الخائف الاكبر من كل ما سبق ذكره، هو كراكب الاسد الناس تهابه وهو لمركبه اهيب، فهو يستحق الشفقة واللوم معا. يحاول ادارة عراق مضطرب يمور بكل الاتجاهات بواباته مشرعة لان سداده منهارة. عن يمينه الاميركان وَمَنْ وراءهم وعن شماله ايران وصنائعها في المنطقة وفي الداخل العراقي ايضا.
ومع خشيته هذه نراه يصر على اتباع اسلوب الهروب الى الامام في ادارة الازمات وفي العلاقات الخارجية ايضا.
ربما لانه يُغلِّب مصالح ضيقة على المصلحة الوطنية العليا..!
يأتي وفد اميركي ليحذره ان هو غَضَّ الطرف عن طائرات مدنية ايرانية تعبر الاجواء العراقية تنقل معدات عسكرية ومقاتلين الى النظام في سوريا ويطالبه بتفتيشها فيعتذر متذرعا بعدم القدرة على ذلك وانه سيقوم بتفتيشها عشوائيا ويغادر ليأتي وزير الدفاع الايراني يحذره ان هو نفذ الرغبة الاميركية ويطالبه تفعيل الاتفاقيات الدفاعية بين العراق وايران، فيرد الاميركان بضرورة تفتيش جميع الطائرات، ويحذروه من ابقاء العراق تحت مقصلة البند السابع ان هو فعَّل مع ايران تلك الاتفاقيات العسكرية.
لا يجد المالكي ما يقوله لمؤيديه ومعارضيه سوى انه طالب الوفد الاميركي بالدليل ربما وفق الآية القرآنية "قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين"...!
هل ظن ان ما يقوله لمعارضيه او للشعب العراقي حين توجه اليه او لمساعديه الاتهامات يصلح للتعامل في العلاقات الدولية ومع اميركا تحديدا؟
ام هل تُعْجِز الادارة الاميركية الأدلة والبراهين مع سيطرتها المطلقة على الارض وفي البحر والجو وحتى الفضاء الخارجي...!؟
خشي ان يقول لقد قلنا لهم "سمعنا واطعنا" فتنفجر في وجهه تصريحات اعضاء كتلة الاحرار عن السيادة واستقلالية القرار وتمد القائمة العراقية له لسانها هازئة ويضحك التحالف الكردستاني في سره.
يدعوه اردوغان لحضور احتفالية ذكرى تأسيس حزب العدالة والتنمية فيتجاهل الدعوة، ولو قبلها وذهب لكانت فرصة ذهبية لإعادة بعض الوهج للعلاقات الثنائية التي يحتاجها العراق اكثر من تركيا، ويدعوه بوتن لحضور احتفالية عيد ميلاده الستين فيلبي الدعوة حاملا معه هدية نقدية قيمتها 4.2 مليار دولار.
مراقبون قالوا ان هدية عيد الميلاد الباذخة التي حملها المالكي للقيصر الروسي، كانت مكافأة ايرانية على مواقف موسكو من الوضع في سوريا ولكن بأموال عراقية.
وفي موسكو يتماهى المالكي في موقفه مما يجري في سوريا وموقف القيصر، فيحسم الحيرة عن حقيقة العبارات التي يركبّها بصعوبة عن حياديته، فيعلن عن تطابق الموقف العراقي والموقف الروسي، ومعلوم وواضح للجميع ماهية الموقف الروسي. ويصف من هناك مواقف تركيا تجاه سوريا بـ "الوقاحة" ليقطع آخر شعرة بقيت بينه وبين السلطان التركي.
المالكي يؤكد دائما على استقلالية قراره وانه نابع من المصلحة الوطنية العراقية فيما تقتضي المصلحة الوطنية النأي عن الدخول في احلاف او محاور، لا تخدم سوى مصالح آنية لانظمة محكوم عليها بالفشل والانهيار في المستقبل القريب.
النظام الإيراني محاصر ومنهار اقتصاديا ويواجه متاعب في الداخل تنبىء عن ربيع ايراني قادم لا محالة، فيما النظام في سوريا فقد كل مشروعية له بالبقاء، مع فقدانه السيطرة على الارض. اما روسيا، فالمتابع لسياستها الخارجية، يعرف انها سرعان ما تُغيّر مواقفها بمجرد ان تحصل على الحد الادنى من الضمانات الاميركية - الاوروبية. حصل هذا في موقفها من غزو افغانستان ومن بعدها غزو العراق وقبل عام من ليبيا القذافي.
فلماذا الرهان على الفرس الخاسرة؟ لا احد يدري.. ربما، لتبقى الحروف بلا نقاط.
موفق الرفاعي
0 comments:
إرسال تعليق