الأحد، أكتوبر 21، 2012

التوترات داخل الطائفة العلوية تزيد من التحديات التي يواجهها الأسد... لم يكن دعمها الراسخ للنظام موضع شك على الإطلاق

تمثل الإشارات الدالة على وجود حالة من الاستياء في أوساط الأقلية العلوية في سوريا تحديا جديدا للجهود التي يبذلها الرئيس السوري بشار الأسد للاحتفاظ بالسلطة في مواجهة الثورة المسلحة الآخذة في الاتساع، الأمر الذي يلقي بظلال من الشك حول ولاء الطائفة التي ينتمي إليها الأسد في الصراع الذي يجتاح البلاد حاليا. لطالما اعتمد الأسد بشكل متزايد على الطائفة العلوية القوية، التي يبلغ تعدادها 2.5 مليون نسمة، لدعمه في مواجهة الأغلبية السنية التي انضمت إلى الثورة، مما أدى إلى إضافة بعض الأبعاد الطائفية إلى الثورة السورية التي انطلقت في مسعى عفوي للبحث عن المزيد من الحريات، مستوحى من الثورات التي اجتاحت العالم العربي. وبدورها، احتشدت الطائفة العلوية خلف قيادة الأسد، مدفوعة ببعض المخاوف بشأن سوريا المستقبل التي لن يحكموها والتي سيلعب فيها المسلمون السنة الدور الرئيسي حال انتصار الثوار. أما الآن، فهناك بعض الإشارات القادمة من معقل الطائفة العلوية في المنطقة الساحلية شمال سوريا، والتي تؤكد على وجود مؤامرات وتوترات في داخل عائلة الأسد نفسها، حيث جرى تبادل لإطلاق النار بين بعض أفراد أسرة الأسد الكبيرة في بلدة القرداحة، التي ينتمي إليها أسلاف الرئيس، في أواخر الشهر الماضي، بينما يعد قيام قوات النظام باعتقال أحد الناشطين العلويين البارزين بمثابة الإشارة إلى وجود حالة من عدم الارتياح داخل إحدى الشرائح السكانية التي لم يكن دعمها الراسخ للأسد موضع شك على الإطلاق. لا توجد أي مؤشرات تدل على أن العلويين على وشك التحول للانضمام إلى المعارضة المفتتة، والتي لم تقم ببذل الكثير من الجهود لحثهم على تبني مثل هذه الخطوة. وفي الحقيقة، التزم الكثير من العلويين، الذين رحبوا في البداية بمطالب الإصلاح السياسي في البلاد، بالصمت لفترة طويلة، أو حتى احتشدوا خلف نظام الأسد بمجرد أن قام الثوار بحمل السلاح، وبدأ المتطرفون السنة في لعب دور أكثر بروزا، وذلك وفقا لبعض الناشطين العلويين وسكان منطقة اللاذقية، حيث تتركز الأقلية العلوية. وباعتبارهم أعضاء في طائفة غامضة منبثقة عن المذهب الشيعي، تحمل العلويون قرونا من الاضطهاد تحت الحكم السني، قبل أن يتمكن حافظ الأسد، والد بشار الأسد، من الاستيلاء على الحكم في عام 1970 والدفع بهم بين صفوف النخبة في البلاد. ويخشى الكثير من العلويين من أن يتم تصنيفهم كمواطنين من الدرجة الثانية مرة أخرى، أو حتى مواجهة الأسوأ، وهو القتل على أيدي السنة انتقاما من قيام قوات الشرطة التي يهيمن عليها العلويون بإراقة دمائهم على مدار أشهر طويلة. توحي علامات التوتر الموجودة داخل الأقلية العلوية، على الأقل، بأن الضغوط التي استمرت خلال الثورة السورية، التي دخلت شهرها الـ19، قد تركت بصمات واضحة على تماسك العلويين. يقول هلال خشان، وهو أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت «يعد العلويون أمرا حاسما في مسألة بقاء الأسد، حيث إنه لن يتمكن من البقاء ليوم واحد من دون دعمهم الكامل، وبالتالي فإن وجود مثل هذه التوترات داخل الطائفة العلوية لهو أمر شديد الأهمية في الحقيقة»، مضيفا «معظم العلويين مستاءون من النظام، ويشعرون بأن الأسد يجر طائفتهم نحو صراع لن يتمكنوا من الانتصار فيه في نهاية المطاف». لم تتضح بعد كل الملابسات الخاصة بما حدث في القرداحة خلال عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة من شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، حيث تختلف الروايات حول ما إن كان هذا الصراع قد نشب بسبب خصومات سياسية أو شخصية، لكن الجميع يتفقون على وجود تبادل لإطلاق النار بين اثنين من أفراد عائلة الأسد في أحد المقاهي في بلدة القرداحة الجبلية، التي ولد فيها حافظ الأسد ودفن فيها جثمانه في مقبرة رخامية عظيمة. تشير الروايات إلى قيام محمد الأسد، الرجل القوي في هذه المنطقة، بسحب مسدسه بعدما تعرض للإهانة من قبل أحد أقرباء الأسد الآخرين، وهو صخر عثمان، مما نتج عنه إصابة الرجلين في تبادل لإطلاق النار، فضلا عن إصابة ستة أشخاص آخرين. يقول الباحث السوري جوشوا لانديس، الذي يحتفظ بعلاقات وثيقة مع الطائفة العلوية من خلال زوجته التي تنتمي إلى الطائفة نفسها، إن معركة الأسلحة النارية حدثت بسبب إهانة عثمان لمحمد الأسد، المعروف محليا باسم «شيخ الجبل»، نظرا للدور الذي يلعبه باعتباره كبير عائلة الأسد في المدينة. ووصفت رسالة بريد إلكتروني من أحد أقرباء الأسد كيفية تدخل الرئيس بشار الأسد في هذا النزاع لتهدئة الأمور واستعادة النظام، حسبما يؤكد لانديس، وهو أستاذ العلوم السياسية بجامعة أوكلاهوما الأميركية. يقول محمد الصالح، وهو ناشط علوي في سوريا، إن تبادل إطلاق النيران كان بسبب تجارة التهريب المربحة في مجال السجائر والأسلحة وغيرها من الأشياء المحظورة التي ازدهرت بين العشائر العلوية التي تقطن المناطق الساحلية تحت حكم عائلة الأسد، مضيفا أن محاولات تحميل هذا الحادث معاني إضافية هي «محض هراء». تأججت الشكوك حول ما إن كان هذا الصراع يعكس وجود خلافات سياسية أعمق داخل الطائفة العلوية نظرا لحقيقة أن تبادل إطلاق النار قد وقع داخل مقهى مملوك لأحد أفراد عائلة الخيّر الشهيرة، التي لطالما كانت منافسا لعائلة الأسد، فضلا عن أن أحد المصابين ينتمي أيضا لعائلة الخيّر، ومجيء هذه المعركة بعد بضعة أيام من إلقاء القبض على عبد العزيز الخيّر، وهو عضو بارز في العائلة وأحد المنشقين عن النظام. وتم اعتقال عبد العزيز الخيّر في دمشق لدى عودته من رحلة إلى روسيا ثم الصين باعتباره ممثلا لـ«هيئة التنسيق الوطنية» المعارضة، وهي الهيئة التي تتخذ من دمشق مقرا لها والتي يبدي النظام تسامحا كبيرا معها نظرا للموقف المعتدل نسبيا الذي تتبناه. وجاء هذا الاعتقال وسط تكهنات واسعة انتشرت في العاصمة السورية دمشق بأن عبد العزيز الخيّر يجري إعداده من جانب موسكو للقيام بدور محتمل في الحكومة المستقبلية، وذلك وفقا لأحد المحللين الذي تحدث من دمشق شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه يخشى على سلامته. يقول النشطاء، الذين يعتقدون أن تبادل إطلاق النار يعد مؤشرا على ظهور انقسامات سياسية داخل الأسرة العلوية الحاكمة، إن عثمان كان في اجتماع مع ممثلين من عائلة الخيّر للبحث في الرد الأنسب على اعتقال عبد العزيز الخيّر عندما دخل محمد الأسد إلى المقهى لتفريقهم. ويقول لانديس إن شبح نشوب عداء دموي بين أفراد الطائفة العلوية يبدو مستبعدا تماما، وهو ما يعود في الأساس إلى التحديات الوجودية الهائلة التي تواجهها الطائفة بحيث تدرك معظم الأسر العلوية جيدا أنه يتعين عليهم البقاء مع بعضهم بعضا، مؤكدا أن حدوث انقسام داخل العائلة الحاكمة سوف يمثل «تحولا جذريا وجديدا من نوعه» في الثورة السورية. ويضيف لانديس «لا أعتقد بحدوث مثل هذا الأمر، ولكن من الواضح وجود تحركات ما في القرداحة ليست في صالح الأسد، فهناك الكثير من التوترات». وفي الواقع، فإن افتراضات ولاء العلويين للنظام السوري تخفي حقيقة أكثر تعقيدا، حيث إن المنافسات العائلية التقليدية باتت متشابكة إلى حد بعيد مع حالة من الإحباط العميقة المنتشرة بين الكثير من أفراد الطائفة الذين لديهم بعض الشكوك بشأن الطريق الذي يقودهم إليه بشار الأسد، وذلك وفقا لبعض العلويين الذين يقطنون المنطقة الساحلية والنشطاء المنفيين. وفي القرى العلوية الموالية للنظام، يستمر تدفق الكثير من التوابيت بصورة يومية، والتي تحتوي على جثث الرجال العلويين الذين يلقون حتفهم في الصراع مع الثوار. ويعد منظر النساء المتشحات بالسواد مشهدا مألوفا في الشوارع المزينة بصور الأسد. ولم تقم الحكومة بإصدار إحصائيات بأعداد الضحايا بين صفوف قوات الأمن، ولكن في حال صدق الأرقام المتداولة حاليا على نطاق واسع، والتي تؤكد وفاة 10.000 علوي، فسوف يعني هذا أن المواطنين العلويين الموالين للنظام يلقون حتفهم بمعدل أكبر من السنة. تقول إحدى القصص، التي ربما تكون ملفقة ولكن يتم سردها كثيرا بصورة كافية لتجد بعض الآذان المصغية، إنه عندما شاهدت إحدى الأمهات جثة ابنها الثالث والأخير الذي يلقى حتفه أثناء محاربة الثوار، قالت للضابط «هل تريدون قتلنا جميعا حتى يبقى رجل واحد؟». تتزايد الشكاوى الخاصة باستغلال النظام الحاكم في سوريا لمخاوف الطائفة العلوية في حماية الأسد وعائلته بصورة مستمرة في الوقت الذي يشهد ارتفاع أعداد القتلى، وذلك وفقا لأحد الأطباء العلويين من اللاذقية، والذي تحدث أثناء وجوده في بيروت شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه يخشى على سلامته. ويضيف هذا الطبيب «الأسد لا يمثل العلويين، إنه يستغلهم في الحقيقة. وإذا كان العلويون مستعدين للموت من أجل الأسد، فهذا يرجع إلى شعورهم بالخوف على أنفسهم، وليس بسبب حبهم له». لم تستفد الكثير من المجتمعات العلوية الفقيرة من صعود عائلة الأسد، فضلا عن أنهم كانوا يشكلون تاريخيا أحد العناصر المهمة في صفوف المعارضة لحكم الأسد، وفقا لما صرح به أحد النشطاء من اللاذقية، والذي قضى عقدا كاملا في السجن في فترة التسعينات من القرن الماضي ولم يرغب في الكشف عن هويته. ولكن جرى تجنيد هؤلاء الأشخاص بصورة كبيرة في الأجهزة الأمنية بعد اندلاع الثورة، وتم دفعهم إلى الخطوط الأمامية عقب حدوث الكثير من الانشقاقات في صفوف الجنود السنة، مما يلقي بظلال من الشك حول مصداقية الوحدات السنية، حسبما يؤكد بعض الخبراء العسكريين. وفضلا عن ذلك، يتزايد اعتماد الجيش على الشبيحة، وهم مجموعة من الجنود غير النظاميين الذي ينتمي معظمهم للطائفة العلوية، حيث قام الجيش بتنظيمهم في صورة ميليشيات محلية. يتم تجنيد السنة أيضا في مجموعات الشبيحة في المناطق ذات الأغلبية السنية، مثل حلب ودرعا ودير الزور، مما يتسبب في حدوث التباس في التفسيرات البسيطة التي تصف الصراع بالطائفي الذي يدور بين العلويين والسنة، حسبما يؤكد الناشطون. ويتم إلقاء اللائمة في العديد من المجازر واسعة النطاق التي يتم ارتكابها ضد المدنيين، مثل تلك المجازر التي جرت في قريتي الحولة والقبير خلال الصيف الحالي، على قوات الشبيحة العلوية. وعلى الرغم من أنه لا توجد هناك أي سجلات تفيد بقيام الثوار بارتكاب مجازر انتقامية ضد المدنيين العلويين، تقول «مجموعة الأزمات الدولية»، في تقرير حديث لها «إن خطر حدوث أعمال انتقامية على نطاق واسع.. هو أمر مخيف حقا». ويؤكد خشان أنه من المرجح أن تتسبب هذه المخاوف في استمرار ارتباط العلويين بالأسد، حيث ينظرون إلى هذا الصراع على أنه صراع من أجل وجودهم. ويضيف خشان «لقد تركهم من دون أي خيارات أخرى سوى البقاء إلى جانبه، لقد نجح في ربط مصير العلويين بمصير نظامه».

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية