السبت، أكتوبر 20، 2012

ما لم تلتقطه الكاميرات في استشهاد وسام الحسن

نتالي اقليموس:: "الجمهورية" قبل أقلّ من مرور عام على انهيار مبنى الأشرفية على من فيه، يتّشح أهالي المنطقة وجميع اللبنانيّين مرّة جديدة بالسواد، وكأنّ أسبوع الآلام يعيد نفسه من دون أيّ قيامة تلوح في الأفق. في الأمس كانت الأشرفية «البداية»، وخبّأت في شوارعها «الحكاية»، حكاية بطل عبَر وكحُلم سُرق... لن تُتمتم شفتاها كلمة ماما بعد اليوم، ولن تجد صدراً دافئاً تتكئ عليه قبل أن تنام. أمس خسرت تيريز سركسيان، إبنة الـ21 عاماً والدتها جورجيت. التقيتُها وهي عائدة أدراجها إلى المنزل لتلتقط أنفاسها، بعدما اطمأنّت إلى أنّ والدتها بين أيادٍ أمينة في الطوارئ. ومن قلب محروق قالت لي وهي تشير إلى ملابسها المغتسلة بالدماء: "نزفت ماما كثيراً ريثما وصلنا إلى المستشفى، وكلّ ما أخشاه أن لا يبقى أيّ ذكرى منها، إلّا بقع الدماء هذه". لم تكن المرّة الأولى التي تقصد تيريز اصطحاب أمّها الموظفة في مصرف "بيمو"، إلّا أنّها كانت الأخيرة، فبينما كانت تنتظرها ريثما تنهي ترتيب أغراضها للخروج معاً، وقع الانفجار، فأصيبت تيريز بشظايا من الزجاج المتناثر أمّا الأم فدخلت في غيبوبة. تعالت الشابة على جراحها ولم تدَع الارتباك يتمالكها، على رغم فظاعة الحادث. حملت تيريز والدتها بين يديها ونقلتها بسيارتها إلى مستشفى رزق. لكن لم يكد ينشر الليل نجومه حتى فارقت الوالدة الحياة، تاركةً بقع الدماء تخبر عن قصّة أمّ ماتت لتبقى لابنتها الحياة. ...حيّاً يُرزق "شِفت الموت بعينيّي"، ثلاث كلمات توجز حال العمّ جورج معيقل، الذي يملك دكّان بقالة مقابل مكان وقوع الانفجار. يُخبر محاولاً حبس دموعه، بعدما غلبته الرجفة، وقطّعت أنفاسه: "منذ 50 عاماً وأنا في الدكّان هذه، ذقت الحلو والمُر، ولكنّنا لم نعش مثل هذه اللحظات العصيبة قَطعا". يتابع جورج والذهول يسكن مقلتيه: "دخلت أرتّب الأغراض في الداخل، ولم أشعر إلّا بقوّة خارقة ترميني خارجاً، غبار أسود عانق السماء، وزجاج تطاير، لوهلة تظنّ أنّها تمطر فتات زجاج مطحوناً". بعدما داوى له الصليب الأحمر جروحه، أبى جورج إلّا أن يعود ليتفقّد رفاق الحيّ وأصحاب المحالّ المجاورة، قائلا: "الله ترأّفَ بي، و"مِضيِت ع سلامة"، حبّذا لو يترأّف بجميع الأهالي". عن مين منِسأل؟ "عالم عم بتروح، ومنِسأل بعد عن الإزاز!"، بغصّة يقولها قيصر صايغ، الذي يقطن منذ أكثر من 40 عاماً في أوّل شارع إبراهيم المنذر، "عدت على غفلة من أمري، بعدما سمعت في الانفجار، وجدت أنّ والدتي وزوجتي وولديَّ قد أصيبوا، تعاونت والصليب الأحمر لتوزيعهم على المستشفيات". يصعب على قيصر وصف اللحظات الأولى لدى وصوله، فقال والغصّة تعصر قلبه: "وصلتُ بصعوبة نظراً إلى أنّ الغبار يملأ المكان، بعدما لم يبقَ حجر على آخر، الأبواب تخلّعت، النوافذ تشلّعت، تخطيت كلّ تلك الحواجز لأصل وأرى الدماء تغطّي مُحيّا أفراد عائلتي، وكأنّ الحرب عادت". "قلبي مقطّع"، يقولها ويحتار عمّن يسأل بعدما توزّعت عائلته على المستشفيات، فيقول: "أمّي في العقد الثامن، صحّتها "ع قدّها"، زوجتي منهارة، مريان تبلغ فقط الـ11 من عمرها وحنّا 13، يصعب عليهما تحمّل مثل هذه الأوجاع، لم يكادا يصلان من المدرسة ويرتاحان حتى كانت لهم هذه المفاجأة المؤسفة". يقف قيصر وحيداً على الرصيف متأمّلاً ما بقي من منزله، ريثما تسمح له القوى الأمنية بالدخول وترتيب الأمور، خصوصاً أنّه تردّد في صفوف الأهالي "أنّ مجموعةً من العمّال الأجانب وجدت الفرصة مؤاتية للدخول إلى المنازل وسرِقة ما توافر لهم، ممّا خفّ وزنه وغلا ثمنه". ... بأعجوبة "إنّه ملاكنا الحارس"، عبارة ردّدتها أسرة نوّار، بعدما نجت بأعجوبة من الانفجار، فتخبر الجدّة وهي ممسكة بحفيدها: "جرت العادة أن يذهب أحد منّا يوميّا لاصطحاب حفيدي إيوان (سنتين) نحو الساعة الثالثة من دار الحاضنة. وشخصيّاً كنت أسلك الطريق عينها التي شهدت على وقوع الانفجار، بيدَ أنّ إيوان للمفارقة استيقظ مريضاً، وحرارته مرتفعة، لا رغبة له بالحراك، فقرّرنا إبقاءَه في المنزل للمرّة الأولى". وتضيف، والرجاء ينضح من عينيها: "بأعجوبة نجونا، والفضل لحفيدي، فلولاه لكُنّا ذهبنا ضحيّة الانفجار". عملية الاغتيال هذه لا تخرج عن سياق نظيراتها، بدءاً من محاولة اغتيال مروان حمادة وصولاً إلى الشهيد وسام الحسن. تندرج هذه الجرائم تحت عنوان واحد، منعُ لبنان من استعادة سيادته واستقلاله وإبقاء الدولة مفكّكة الأوصال والساحة مستباحة لقوى إقليمية تستخدم لبنان لغايات خاصة على حساب دماء اللبنانيّين الأبرياء التي روت ساحات الشرف في لبنان، وآخرها الأشرفية.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية