الثلاثاء، يناير 29، 2013
المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية يكفّر ... والمجتمع المدني الدرزي يرد ويرفض تكفير الدروز والشيعة والمسيحيين
تتناقل بعض المواقع والصحف اللبنانية والعربية، خبر يقول أن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، التابع للأزهر الشريف في مصر، يدعي أن عقيدة الدروز هي «الكفر بالله وألوهية الحاكم بأمره». وقد ورد في جريدة الرأي الكويتية بتاريخ 25 كانون الثاني 2013، أن "المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية(...)، قال إن الدروز يؤمنون بأنه لا إله ولا معبود في السماء ولا في الأرض، ولا يؤمنون إلا بالحاكم بأمره..."، وأتى هذا بعد جملة من الفتاوى التكفيرية التي طالت أيضاً الشيعة والمسيحيين في مصر. وانطلاقاً من هذه المقولات التي تفتري على الموحدين الدروز وغيرهم سنرد باليقين العقلاني والتأريخي لنؤكد أن ما قاله هذا المجلس يناقض الحقيقة. وسنعرض أهمية وحدة الموحدين المسلمين وغير المسلمين، في سبيل صون سنّة الكون. ولهذا الغرض سنستشهد بفتوى الأزهر الشريف سنة 1983، وموقف القاضي الشرعي الأسبق لمحافظة البقاع و بيروت، والمستشار الاسبق لدى المحكمة الشرعية السنية العليا الدكتور مصطفى الرفاعي، وسماحة العلامة السيد محمد حسين فضل الله.
الموقف الاسلامي الرسمي
على الصعيد الاسلامي الرسمي، نقلت صحيفة القبس الكويتية, بعددها الصادر بتاريخ 2/10/1983 فتوى عن الازهر الشريف بتوقيع رئيس لجنة الفتوى الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي ترفض تكفير الدروز، وهذه الفتوى معتمد على قاعدة ثابتة وتؤكد إنتمائهم إلى الإسلام، لاسيما وأنهم يقرّون بالشهادتين وبالفرائض. وبهذا نجد بأن المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية –الحالي- إما غير مطّلع على فتوى الأزهر، وإما مطّلع ولكنه غيّر ما هو ثابت. ولكن، أليس تكفير الدروز اليوم هو تكفير أو تكذيب لمن رفض سابقاً تكفيرهم؟
الموقف السني الشرعي
وعلى الصعيد السني الشرعي، وفي كتاب بعنوان "الموحدون الدروز في الإسلام" الصادر عن الدار الاسلامية في بيروت سنة 1997من تأليف سماحة الشيخ مرسل نصر رئيس محكمة الاستئناف الدرزية العليا سابقاً، نجد موقف القاضي الشرعي الأسبق لمحافظة البقاع و بيروت، والمستشار الاسبق لدى المحكمة الشرعية السنية العليا الدكتور مصطفى الرفاعي، الذي قال: "إن الدروز (والأصح تسميتهم الموحدون) مسلمون عرب". وقال حرفياً أنهم "لم يجانبوا الصواب ولم يخرجوا على حكم قطعي ثابت من الدين بالضرورة بل بنوا أحكامهم على اجتهاد مقبول وفقه جيّد"، وقال أن "الفوارق بين مذهب التوحيد ــ الدرزي ــ وبقية المذاهب الإسلامية والتي بنيت على وجهات نظر إجتهادية لا تعدو أن تكون من قبيل الإجتهاد المباح الذي لا يكفر صاحبه".
الموقف الشيعي الشرعي
وعلى الصعيد الشيعي الشرعي، سماحة العلامة السيد محمد حسين فضل الله، في مقدمة الكتاب نفسه (الموحدون الدروز في الاسلام) يؤكد حرفياً ما يلي: "العقيدة الدرزية في تصوراتها الاسلامية في الخطوط العقيدية العامة لا تختلف عن أي أساس عقائدي للمسلمين جميعاً،.. مع بعض الإختلافات الإجتهادية في هذا الحكم أو ذاك". وأشار سماحته أن إفتراء البعض على الدروز وتكفيرهم ظلماً هو ليس لسبب عقائدي، وإنما بسبب "الضبابية الذهنية المسيطرة" المُنتجة لفقدان الوضوح في الحوار والعلاقة مع الآخر المُختلف، وهذا أدى الى "الكثير من الجدل العقيم من خلال الإتهامات القاسية البعيدة عن التركيز في وعي العمق الفكري للدين أو للمذهب إنطلاقاً من الخلفيات التاريخية السلبية (...)، فإن هذا الواقع، يحوّل القضية الى اعتبار المفردات الفكرية للمذهب وسيلة من وسائل التكفير". مشيراً أن هذا الغبن ولاسيما النظرة العامة للشيعة الإمامية الإثني عشرية في الحكم الظالم عليهم.
موقف المجتمع المدني الدرزي
يعتقد الموحدون الدروز إن الله واحد أحد، لا إله إلا هو، ولا معبود سواه، الواحد الأحد الفرد الصمد، وهو الحاكم الفعلي والأزلي للكون وممثوله في القرآن الكريم (على العرش استوى)و(أحكم الحاكمين) وهو المنزه عن عباده ومخلوقاته. ولا مجال لتشبيه لاهوته أو حلوله في أحد من البشر. ويعتقد الموحدون الدروز أن الإيمان بالله - تعالى - هو الأصل الأول من أصول الإيمان، وان العلم بالله - سبحانه - والإقرار بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته هو من اسس الإيمان بالله. وقد أفصح القرآن الكريم عن هذا النوع من التوحيد ولا تكاد سورة من سوره تخلو من ذكره أو الإشارة إليه، لاسيما قد ذكر هذا النوع من التوحيد في مقام الحمد لله، وعبادته والانقياد له، والاستسلام، وفي مقام بيان صفاته الجليلة وأسمائه الحسنى.
ولو أن الامام الفاطمي فعلاً ألّه نفسه، لكان لقّب نفسه "الله الحاكم" ولكنه ولآخر يوم من حياته السياسية والدينية لقب نفسه "الحاكم بأمر الله"، "عبدالله ووليه أمير المؤمنين"، أي أنه يحكم بما يرضي الله، وكدليل تاريخي، نقرأ على النقود الفاطمية الذهبية التي صكت في عهده العبارة التالية: (عبدالله ووليه الإمام الحاكم بأمر الله). ولكن ولأسباب سياسية، وبعد انحسار نفوذ الدولة العباسية، توسعت الاتهامات المغرضة بتحريض من العباسيين بهدف تكفير الحاكم واسقاط الدولة بإضعافه. وما يظهر هو أن البعض مازال يستثمر هذه الاتهامات التي ابطلها اليقين بثوابت المنطق وأثار التاريخ. وأي عقل يقبل أن يُكفّر الفاطمي ــ الموحد الدرزي ــ الذي في 14 رمضان/ 970م. وضع حجر الاساس و بنى الأزهر الشريف الذي هو جامع وجامعة وضمير المسلمين ؟! إفتحوا كتب التاريخ، ميّزوا بين الحقائق والاتهامات قبل أن تطويكم الأنماط الحاضرة.
وإنطلاقاً من هذه الثوابت، وعلى صعيد المجتمع المدني الدرزي، وبعد صدور فتوى التكفيرية للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية التابع للأزهر الشريف في مصر، استنكر المجتمع المدني بجميع فئاته هذه الفتوى، متعجّباً لصدورها، سائلاً عن الوثائق والمصادر المعتمدة لذلك، مستهجناً الفرق والتعارض بين هذه الفتوى الارتجالية الانفعالية، وفتوى الازهر عام 1983. سائلاً، أين ورد عند المحدون الدروز أنهم لا يؤمنون بالله، ولا يؤمنون إلا بالحاكم بأمره ؟!! وهذا الكلام لم يرد لا في مرجع مدني ولا شرعي ولا رسمي. طالبين القيام بدراسات تفصيلية منفتحة على البحث العلمي والفقهي بشكل مفصّل وعلى الوثائق والمصادر الصحيحة قبل اصدار الفتاوى، وذلك في سبيل الاخلاص للحقيقة الاسلامية، والعدل. وطالبين الاعتذار وتصحيح الخطأ. ومازالت مواقع التواصل الإلكتروني تشجب هذا الحكم المُسبق والظالم، وأتى هذا المقال من وحي الشجب والاستنكار، ومن ثقافة المجتمع المدني الدرزي العامة.
الحاجة إلى وقف أحكام التكفير الطائشة وتواجد الضمير
انه عصر التكفير الارتجالي، وتجارة العمائم. وإن توهّم احتكار الحقيقة يخصخص مقاصد الله، يشوّه دين الانسان، ويلغي إنسانية التديّن. تارة يكفّرون الموحد الدرزي، وتارة الشيعي الاثني عشري، ومن ثم يأتي ويؤكد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب رفضه تكفير الشيعة، والموحد المختلف، مؤكداً أن الاختلاف من سنن الكون. ولكن هل هذه النظريّة يوافق عليها كل علماء الازهر وتُطبّق في الممارسة؟ زمن ثم يكفّرون المسيحي، ولا يميّزون بين المسيحية والنصرانية، و يفتون بأنه لا يجوز تهنئة النصارى أو غيرهم من الكفار بأعيادهم!! ألم يسمع هؤلاء بعهد الرسول (ص) لنصارى نجران الملزم في كل زمان ومكان، والذي أتى فيه " وأن أحرس دينهم وملتهم أينما كانوا، بما أحفظ به نفسي وخاصتي وأهل الإسلام من ملتي "؟! والذي يحفظ النصارى يحفظ أبناء جلدته من الطوائف الاسلامية، لذلك أتى عهد الرسول (ص) لأهل بيت سلمان الفارسي عليه السلام الذين يُعرفون اليوم بالموحدين الدروز، ومما أتى فيه " ...من أكرمهم قد أكرمني، ومن آذاهم قد آذاني. وأنا خصمه يوم القيامة..." نحن بحاجة الى صحوة شاملة ووقف أحكام التكفير الطائشة غير المبنية على أساس علمي وفقهي رصين وعلى محاكمات فكرية عادلة تعبّر عن تواجد الضمير. وعلينا أن نسعى الى وحدة الموحدين المسلمين وغير المسلمين، في سبيل صون سنّة الكون.
السني بوجهة نظره يمارس سنّة الله، وكذلك الموحد الدرزي والشيعي، وكل المذاهب الاسلامية الاخرى، وكذلك المسيحي، كلٌ بوجهة نظره واجتهاده يمارس سنّة الله، ويعيش شهادة التوحيد. ونحن كمؤمنين علينا أن نميّز بين الحقيقة وطريقة ادراكنا لها وبين ادراكنا بحد ذاته. وبما أن الانسان غير كامل والكمال لله وحده، فإن ادراكنا لسنة الله وممارستنا لهذا الادراك لابد أن تتعدد بإختلافنا وتعدد أنفسنا. وعن النبي (ص): (إنّ الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق)، وهذا القول لا يشترط إدراك وطريق واحد للحقيقة، وانما يشترط حقيقة واحدة وهي الله. ومَن يعيش محبة الله الذي أوجد الكون بإختلافاته، كيف يظلم، وكيف لا يقبل الاختلاف، وكيف يكفّر الآخر فقط لأن إجتهاده وإدراكه للحقيقة الواحدة الثابتة مُختلف؟!!
" سلطان خير "
1 comments:
تتناقل بعض المواقع والصحف اللبنانية والعربية، خبر يقول أن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، التابع للأزهر الشريف في مصر، يدعي أن عقيدة الدروز هي «الكفر بالله وألوهية الحاكم بأمره»
إرسال تعليق