الجمعة، يناير 04، 2013

"حزب الله" المكسيكي

قبل أكثر من عام، نجا لبنان من كارثة مالية نتيجة اتهام واشنطن "البنك اللبناني الكندي" بالارتباط بشبكة تبييض أموال لمصلحة "حزب الله". عندها، نجح مصرف لبنان بحل سريع للمسألة عبر بيع البنك لتفادي أي اجراءات أميركية. لكن، وخلال الشهور والأسابيع الماضية، عاودت وسائل اعلام ومواقع أميركية وتيرة الاتهامات باتجاه مختلف: تورط الحزب في تجارة المخدرات المكسيكية. 
 لكن السؤال البديهي والتلقائي هو ما علاقة "حزب الله" في لبنان بدولة المكسيك على بعد ١٢ ألف كيلومتر؟
  
 بحسب تصريحات مسؤولين أميركيين نشرتها صحف أميركية، فإن "حزب الله" بدأ قبل سنوات يبحث عن مصادر تمويل بديلة في ظل ترنح الاقتصاد إيران نتيجة عقوبات دولية قاسية، وانهيار عملتها وتراجع احتياطها بالعملات الأجنبية. التهمة المكسيكية طفت على السطح في نهاية عام ٢٠١١، أي بعد شهور من قضية "اللبناني الكندي"، عندما اتهمت محكمة أميركية اللبناني أيمن جمعة بالتورط في تهريب المخدرات وتبييض الأموال لمصلحة عصابات كولومبية وعصابة "لوس زيتاس" المكسيكية.
  
 العنصر المكسيكي لم يكن واضح المعالم. صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية رسمت في نهاية عام ٢٠١١ خريطة التهريب التي أفضت الى الادانة الأولى للحزب في أميركا.
  
 وفقاً للصحيفة، فإن شحنات الكوكايين تُرسل من كولومبيا عبر افريقيا إلى أوروبا حيث تُباع. عائدات المخدرات تُمزج بصادرات السيارات الأوروبية وتصب في المصرف اللبناني، ومن ثم تُحول الى الولايات المتحدة لشراء المزيد من السيارات المستعملة.
  
 ولـ"حزب الله"، وفقاً للرواية الأميركية ذاتها، حصة من هذه التجارة. وجمعة ليس سوى اسماً واحداً بين عدة أسماء لمعتقلين لبنانيين وعرب تداولها الاعلام الأميركي في القضية، مثل جمال نصار وشكري حرب.
  
 لكن في أيلول (سبتمبر) الماضي، ظهر خيط أكثر وضوحاً يربط بين عصابة "لوس زيتاس" المكسيكية و"حزب الله" اللبناني. اعتقلت السلطات المكسيكية أميركياً - لبنانياً اسمه رفيق لبون ويُعرف أيضاً باسم "لبون اللبون"، كان يحمل جواز سفر صادر من دولة "بيليز" وبإسم أجنبي. وبيليز دولة لاتينية في أميركا الوسطى يقوم اقتصادها على كونها ممراً للمخدرات، وتحديداً الكوكايين الكولومبي الباهظ الثمن، باتجاه الولايات المتحدة.
  
 المثير للاهتمام في قضية اللبون أنه، وبعكس المتهمين السابقين في القضية، صاحب تاريخ يشهد بارتباطه بالخط الفكري لـ"حزب الله". ألقى محاضرات دينية في المركز الشيعي في سان فرنسيسكو كان آخرها عام ٢٠٠٩، وفقاً لموقع المركز (تقارير أميركية وصفته بأنه إمام، لكن لم يتسن التأكد من ذلك). وبعيد اعتقاله، رفع ناشطون شيعة أغنية "راب" بالانكليزية على "يوتيوب" أشادت به وبـ"حزب الله" ومؤسس الجمهورية الاسلامية آية الله روح الله الخميني، ما يؤشر الى علاقة اللبون بجمهور من الشيعة الأميركيين في فلك "حزب الله" وإيران الخمينية.
  
 اعتقال اللبون أطلق العنان للتحذيرات الأخيرة من نشاط الحزب في المكسيك. نهاية الشهر الماضي، كتبت دورية "يوراسيا"، ومقرها مدريد، أن "وباء عدم الاستقرار في المكسيك جذب على ما يبدو منظمات ارهابية عابرة للحدود مثل حزب الله، وهو ما يجب أن يكون موضع قلق كبير للرئيس (المكسيكي الجديد إنريكي) بينا نييتو". كما أعاد الاعتقال أيضاً ايقاذ تحذيرات سابقة لعضو مجلس النواب الأميركي سو مايريك، وهي يمينية مناوئة للوجود المسلم في الولايات المتحدة، من انتشار "حزب الله" في المكسيك وتقديمه الدعم العسكري واللوجستي لعصابات المخدرات منذ عام ٢٠١٠.  
  
 والمفارقة في قضية اتهام "حزب الله" بالارتباط بعصابات المخدرات، ليست مخالفة الأحكام الدينية فحسب، بل حقيقة أن الحلفاء المزعومين تلقوا تدريباتهم العسكرية على أيدي القوات الاسرائيلية. كل الاتهامات والتقارير تُسمي عصابة "لوس زيتاس" المكسيكية، وهي عسكرية الطابع، إذ أسسها عناصر وضباط في القوات المكسيكية الخاصة، تركوها لجني ثروات طائلة من تجارة تدر ما بين ١٣ و٤٩ مليار دولار سنوياً في المكسيك وحده. واليوم، باتت "لوس زيتاس" العصابة الأقوى في المكسيك بعد حروب المخدرات (٢٠٠٦-٢٠١٢)، والتي أدت الى مقتل عدد يتراوح بين ٦٠ ومئة ألف شخص، واشتُهرت هذه العصابة خلالها بالاغتيالات والعمليات التكتيكية.
  
 فيما يترقب الاتحاد الأوروبي نتائج التحقيقات في هجوم بلغاريا العام الماضي لاتخاذ قرار جماعي في شأن إدراج "حزب الله" على قائمة الارهاب، تظهر أدلة أخرى تباعاً على توريط المغتربين اللبنانيين في صراعات لا مصلحة لهم فيها، وقد تُفضي في نهاية المطاف الى إغلاق أبواب هجرة أمام اللبنانيين بعدما شكلت لعقود منفذاً للهروب من جحيم الصراعات المحلية. 
  

1 comments:

غير معرف يقول...

السؤال البديهي والتلقائي هو ما علاقة "حزب الله" في لبنان بدولة المكسيك على بعد ١٢ ألف كيلومتر؟

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية