الأربعاء، يناير 02، 2013
العراق جحيم الطوائف ونعيم اللصوص
سينجح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في اضفاء صفة الطائفية على الاعتصامات التي بدأت في محافظة الانبار التي تقع غرب العراق وتقطنها غالبية سنية. مسعاه الى ذلك لن يكون عسيرا. ففي العراق الجديد الذي تركه الاميركيون بلدا منهكا، ضعيفا ومحطما لن يكون صعبا على أي حزبي أو مسؤول حكومي او نائب اتهام الآخرين المناوئين له بالطائفية، ما داموا ينتسبون الى طائفة غير طائفته. لم تعد هناك قواسم مشتركة يجتمع العراقيون عند خطوطها الوطنية العامة. وإذا ما كانت اليات الحكم في العراق قائمة على المحاصصة الطائفية فان أي حديث عن فشل أو فساد أو سوء تصرف أو كسل أو تقاعس في اداء الواجب لابد أن يحال الى مرجعية طائفية، لا تكون في اغلب الاحيان مؤكدة. غير أن العراقيين وبسبب عمليات غسل الدماغ التي تعرضوا لها طوال السنوات العشر الماضية صاروا يصدقون ذلك. لنقل أن معظمهم صار يصدق ذلك. لقد اكتسب الغطاء الطائفي صفة الذريعة التي صار الفاسدون من خلالها يمارسون مغامراتهم الدنيئة تحت شمس النهار من غير أن يشعروا بالخوف.
وهم الطائفية بعد أن تحول الى واقع مرير من خلال الاقتتال الاهلي صار ميزانا للحكم على الآخر، وليس لنقد الذات. فالشارع الشيعي كما صار يسمى لا يرى ما يرتكبه المسؤولون الشيعة من أخطاء وتجاوزات تصل الى درجة الجريمة بل يصب كل قدرته على المراقبة والفحص على ما يقوم به المسؤولون السنة والاكراد الذين لا يقلون عن المسؤولين الشيعة فسادا. العكس صحيح أيضا. في هذه المتاهة تضيع الحقائق ويتم تبادل الاتهامات، لا على اساس شعور المواطنة المشترك الذي ينطوي على الرغبة في الارتقاء بمستوى الاداء والنزاهة بل انسجاما مع نزعة الاقتصاص من الاخر، باعتباره خصما تسلل من غير حق الى مكان لا يستحقه.
لقد شهدت السنوات العشر الاخيرة في العراق فضائح كبيرة، تكفي واحدة منها لإسقاط أقوى الحكومات في العالم، غير أنها مرت بخفة، كما لو أنها لم تقع، وسط ضجيج اعلامي وتراشق اتهامات لا تخفي طابعها الطائفي. لقد تقاسم اللصوص من مختلف الطوائف الكعكة. كلما انفجرت فضيحة هرب اللص المعني بتلك الفضيحة من غير أن تجرؤ جهة عراقية على مطالبة الشرطة الدولية بالقبض عليه، لئلا تقع تلك الجهة في الخندق الطائفي المحفور لها سلفا. هرب السني ايهم السامرائي بالاموال المخصصة للكهرباء ولحقه الشيعي فلاح السوداني بالأموال المخصصة للتجارة وقبلهما هرب الشيعي وزير الدفاع الشعلان بميزانية وزارته. حتى صرنا على يقين ان مبدأ المحاصصة الذي اقيمت على اساسه دولة العراق الجديد بأوامر اميركية انما يعني تقاسم الغنيمة بين اللصوص. اما الشعب المسيس بطريقة طائفية فقد صار يجد تسليته في الاطلاع على تفاصيل تلك الفضائح بطريقة تكشف عن موقف سلبي من العدالة. فاذا كان اللص سنيا سيقابل الشيعة جريمته بشماتة تجعلهم يتذكرون سنوات النظام السابق اما إذا كان ذلك اللص شيعيا فان ابناء السنة سيتذكرون مقولاتهم التاريخية التي تنص على ان الشيعة لا يصلحون للحكم. في ظل هذا المنطق يحتمي اللصوص وتبدو جرائمهم كما لو انها جزء من الصراع الطائفي الذي لم يحسم بعد.
رئيس الوزراء الشيعي في دورة حكمه الثانية لم يقدم أي دليل على قدرته على اعادة تأهيل البنية التحتية لبلد درمته الحروب. لا تزال صراعاته مع خصومه السياسيين تتصدر جدول عمله اليومي. لقد انتقل بسرعة من صراعه مع نائب رئيس الجمهورية الهاشمي، سني المذهب الى صراع مع مسعود البرزاني، كردي القومية. وليس في جعبة الرجل اي مشروع لانقاذ التعليم او الارتقاء بالجانب الصحي أو مد شبكة للكهرباء أو اعادة تأهيل شبكة الصرف الصحي أو تعبيد الشوارع أو البحث عن حلول كفيلة بانهاء ومكافحة الفقر والبطالة. ومع ذلك فان المالكي مطمئن الى ان موقف الاغلبية من الشعب العراقي سيكون الى جانبه، لا لشيء إلا لكونه شيعيا. أي اتهام له بالتقصير سيكون مجرد فرية سنية أو كردية، يراد من خلالها اعادة النظام السابق الى الحكم.
العراق وفق هذه المعادلة انما يعيش وضعا يائسا. هو في حقيقته فضاء تتلاقى فيه الرؤى الطائفية المختلفة لتصنع جحيما للناس.
فاروق يوسف
1 comments:
يبدو المالكي مطمئنا الى ان موقف الاغلبية من الشعب العراقي سيكون الى جانبه، لا لشيء إلا لكونه شيعيا. أي اتهام له بالتقصير سيكون مجرد فرية سنية أو كردية، يراد من خلالها اعادة النظام السابق الى الحكم.
إرسال تعليق