السبت، مايو 11، 2013

سوريا وسنة ثالثة من الاستنزاف: حرب عالمية مصغرة في بلاد الشام

يوم الأحد 5 مايو 2013 أكد مسؤول إسرائيلي كبير لوكالة فرانس برس ان إسرائيل شنت غارتين جويتين في ظرف 48 على سوريا قال انهما استهدفتا أسلحة كانت موجهة لحزب الله اللبناني.

وبذلك ترتفع الى ثلاث الغارات الجوية التي شنتها اسرائيل على سوريا منذ نهاية يناير 2013. 

وبحسب المسؤول الإسرائيلي الذي طلب عدم كشف هويته استهدفت غارة قبل فجر يوم الجمعة 3 مايو اسلحة مخصصة لحزب الله قرب مطار دمشق جنوب شرق العاصمة السورية. 

واضاف ان الغارة الثانية تمت ليلة السبت الاحد و"استهدفت صواريخ ايرانية مخصصة لحزب الله شمال دمشق". 

وقد شن الطيران الاسرائيلي غارة على الموقع نفسه في يناير استهدف مركز ابحاث علمية. 

وأكد المسؤول أنه "كلما وصلت إلى إسرائيل معلومات حول نقل صواريخ أو أسلحة من سوريا إلى لبنان، سنهاجمها". 

واضاف ان "سلاح الجو في حالة تأهب مرتفعة جدا كما هو الحال منذ سنوات من أجل الرد على أي طارئ" في حين تدور رحى حرب في سوريا منذ سنتين. 

مصادر رصد مختلفة أشارت أن هناك مغالطات كثيرة في التصريحات الإسرائيلية حيث أنه لا حاجة ملحة لدمشق لنقل أسلحة مهمة إلى حزب الله في قوافل حيث يمكن نقل المعدات على دفعات صغيرة دون لفت الانظار خاصة وان المسافات بين مناطق الارسال والوصول قصيرة ولا تتعدى 60 كيلومترا وغالبيتها في الجنوب السوري واللبناني في مناطق سيطرة حزب الله، كما أنه وباعتراف مصادر عديدة بما فيها الصهيونية فإن في حوزة حزب الله آلاف الصواريخ التي يمكن أن تطال أي مكان في فلسطين المحتلة وهذا ما يدعو إلى التساؤل عن المستهدف الحقيقي من الغارات. 

في دمشق افادت وكالة سانا الرسمية عن هجوم اسرائيلي الأحد استهدف مركزا للبحث العلمي في منطقة جمرايا شمال غرب دمشق. وتحدثت الوكالة عن "اعتداء اسرائيلي بالصواريخ" دون توفير أي حصيلة مع الاشارة إلى خسائر بشرية ومادية. ولم تؤكد السلطات السورية الهجوم الاسرائيلي السابق الجمعة. بينما تحدثت عنه وسائل اعلام اميركية ولبنانية. وقال مصدر دبلوماسي لوكالة فرانس برس ان هذا الهجوم دمر صواريخ ارض جو سلمتها روسيا في الاونة الاخيرة وكانت مخزنة في مطار دمشق. 

ورفض الجيش الاسرائيلي ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو تاكيد أي معلومة تخص هجمات اسرائيلية على سوريا. 

وصرح النائب في الليكود تساحي هانغبي المقرب من نتنياهو من دون تأكيد الغارة ان "ما نريده هو التأكد من ان حزب الله لا يستفيد من الوضع لتعزيز قدراته". 

وحذرت الحكومة السورية أثر اجتماع استثنائي عقدته الاحد 5 مايو من ان "على المجتمع الدولي ان يدرك ان تعقيدات ما يجري في المنطقة باتت أكثر خطورة، وان على الدول الداعمة لإسرائيل ان تعي ان شعبنا ودولتنا لا يقبلان الهوان"، وذلك في بيان تلاه وزير الاعلام عمران الزعبي. 

كما اكدت الحكومة السورية ان "هذا العدوان يفتح الباب واسعا امام جميع الاحتمالات"، وانه يكشف "بما لا يدع مجالا للشك حجم الارتباط بين مكونات الحرب على سوريا"، في اشارة الى النزاع المستمر منذ منتصف مارس 2011. 

ومساء الاحد اعلن التلفزيون السوري الرسمي ان "الصواريخ السورية جاهزة لضرب اهداف محددة في حال حدوث اي اختراق"، من دون اعطاء مزيد من التفاصيل. 

اوباما يساند هجوم إسرائيل

يوم السبت 4 مايو أكد الرئيس الأميركي باراك اوباما انه من حق اسرائيل ان تعمل على حماية نفسها من نقل اسلحة سورية الى حزب الله، قبل ساعات من اعلان وكالة الانباء السورية الرسمية (سانا) عن الهجوم الذي شنته الدولة العبرية على مركز للبحوث العلمية. 

وقال أوباما لقناة تيليموندو الناطقة بالاسبانية خلال جولة في اميركا الوسطى "كما قلت في الماضي وما زلت اعتقد انه على الاسرائيليين، وهو أمر مبرر، حماية أنفسهم من نقل اسلحة متطورة الى منظمات إرهابية مثل حزب الله". 

وأضاف "نحن ننسق عن كثب مع الإسرائيليين ونعرف أنهم قريبون جدا من سوريا وقريبون جدا من لبنان". 

بريطانيا انضمت إلى جوقة المؤيدين للكيان الصهيوني واعتبرت لندن على لسان وزير الخارجية وليام هيغ ان "هذه الغارات وغيرها من الاحداث التي وقعت في الايام الماضية تظهر ازدياد الخطر على السلام في المنطقة"، معتبرا انه "كلما طالت الازمة كلما ازدادت ضرورة رفع حظر وصول الاسلحة" الى مقاتلي المعارضة السورية. والمعروف أن هذا الموقف لا يحظى بموافقة المانيا أو النمسا التي أعلن المتحدث بإسم خارجيتها الكسندر شالنبرغ معارضة بلاده الاقتراح المقدم خصوصا من بريطانيا، برفع الاتحاد الأوروبي للحظر على شحنات الأسلحة. 

وفي واشنطن دعا عدد من النواب الاميركيين الرئيس باراك اوباما إلى توفير المعلومات الاستخباراتية والتدريب للمعارضين السوريين المسلحين من خلال الدول العربية للتسريع في سقوط نظام الرئيس بشار الأسد. 

وشن رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الأحد أعنف هجوم له حتى الآن على الرئيس السوري بشار الاسد، الهجوم تزامن مع تسريع تطبيع العلاقات بين أنقرة وتل أبيب وزيارة وفد إسرائيلي لتركيا لبحث التعويضات المادية لقتلى سفينة مرمرة. 

رسالة لموسكو قبل غيرها

على غير ما تصوره وسائل الاعلام لم تدخل الطائرات الإسرائيلية المجال الجوي السوري خلال هجمات يومي الجمعة والأحد من مايو 2013. 

يوم الجمعة 3 مايو 2013 نقلت وكالة أنباء رويترز عن عدد من المسؤولين الإسرائيليين تحدثوا لها شريطة عدم نشر اسمائهم قولهم ان اسرائيل شنت ضربة دون أن تدخل الطائرات الحربية الاسرائيلية المجال الجوي السوري حيث أستخدمت صواريخ جو أرض أميركية الصنع مداها يفوق 76 كيلومتر ولا يمكن لشبكة الدفاع السورية أو غيرها حاليا في العالم التصدي لها ما دامت تطلق من مسافة غير بعيدة عن هدفها ومن داخل منطقة جغرافية موالية لها. المشكلة هي نفسها التي تواجهها منظومة القبة الحديدية الاسرائيلية الأميركية التي لم تنجح في صد الجزء الأكبر من هجمات صواريخ أرض أرض الفلسطينية التي تطلق من غزة، رغم بساطتها. 

مصدر إسرائيلي قال لرويترز ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عقد اجتماعا في غاية الأهمية لمجلس الوزراء المصغر في القدس قبل ساعات من الهجوم، وكذلك قبل وصوله إلى الصين في زيارة رسمية يوم الاثنين 6 مايو 2013. 

تقرير لمحطة "سي. ان. ان" الأميركية ذكر انه خلال الاطار الزمني للهجوم جمعت الولايات المتحدة معلومات اظهرت تحليق طائرات حربية اسرائيلية فوق لبنان. مصادر أخرى في لبنان أفادت أن طائرات أميركية متخصصة في التشويش الالكتروني عملت خلال الهجوم الإسرائيلي على التشويش على شبكة الدفاع الجوية في سوريا. 

في نفس الوقت الذي وردت فيه هذه التقارير قال الخبير الاستراتيجي بوزارة الدفاع الاسرائيلية عاموس جلعاد يوم السبت 4 مايو لوكالة رويترز ان الرئيس السوري بشار الاسد يحتفظ بالسيطرة على الاسلحة الكيماوية ولا يسعى اليها حلفاؤه في حزب الله اللبناني. وأضاف جلعاد بنوع من المرارة "سوريا لديها كميات كبيرة من الاسلحة الكيماوية والصواريخ. وكل شيء هناك تحت السيطرة "سيطرة حكومة الاسد". 

وأضاف "لا يمتلك حزب الله أسلحة كيماوية. لدينا سبل لمعرفة المعلومات. فهم الجماعة اللبنانية لا يتطلعون الى امتلاك مثل هذه الاسلحة بل يفضلون المنظومات القادرة على تغطية جميع أنحاء اسرائيل". 

ويبدو أن جلعاد كان يشير الى الصواريخ أرض أرض التقليدية التي يمتلكها حزب الله والتي يقول الاسرائيليون ان عددها يقارب 60 ألف صاروخ. وأضاف جلعاد "الاسلحة الكيماوية تقتل من يستخدمها". 

الجملة الأخيرة لجلعاد ترسخ ما ذكره خبراء عسكريون عن أنه لا يمكن استخدام أسلحة كيمياوية في مواجهات على الطراز الجاري في سوريا حيث تتداخل خطوط المواجهة. 

إضعاف القوات النظامية

ذكرت مصادر رصد في غرب أوروبا، أن الهجوم الصاروخي الجوي الإسرائيلي الأخير وما قد يتبعه، يستهدف إضعاف القوات السورية في وقت ظهر فيه تحول في مسار الحرب الدائرة على أرض الشام حيث أخذت القوى التي تتواجه مع الجيش النظامي السوري تتكبد خسائر متتالية يخشى خاصة في تل ابيب وواشنطن وباريس ولندن أن تنتهي بنهايتها في وقت ليس ببعيد. 

الهجوم الإسرائيلي يستهدف كذلك حسب بعض مخططيه البحث عن إمكانية جر سوريا إلى مواجهة عسكرية واسعة مع تل أبيب والقتال على جبهتين في وقت لا تزال فيه كفة التوازنات العسكرية تسمح للكيان الصهيوني بكسب الجولة، وفي وقت تدور وراء الستار مساومات بين طهران وواشنطن حول معادلات تقاسم النفوذ في منطقة الشرق الأوسط وما يتطلبه ذلك من تعديل التحالفات وتقديم قرابين في كل من سوريا ولبنان. 

المصادر الأوروبية ذكرت كذلك أن الغارات الإسرائيلية تحمل رسالة ليس أساسا إلى طهران وحزب الله كما تروج لذلك العديد من وسائل الاعلام بل لروسيا، حيث يريد المتنافسون معها إشعارها إنه يمكن تخطي وسائل دفاعها وضرب حليفتها. 

القوات المسلحة الروسية أقامت في سوريا وفي العديد من المناطق الإستراتيجية الهامة شبكة دفاع جوي تضم المئات من جنودها وخبرائها كوسيلة إنذار للولايات المتحدة وحلفائها بإن الحرب على أرض الشام وبعد أن تحولت من مواجهات محلية إلى حرب شبه دولية مثلما كان الأمر بالنسبة للحرب الأهلية في إسبانيا خلال أعوام 1936-1939 بين الجمهوريين والقوميين، يمكن أن تتحول إلى حرب عالمية ثالثة. 

الفريق الصدامي

في عددها الصادر في يناير 2009 نشرت صحيفة لوموند دبلوماتيك في قسم "جغرافيا استراتيجيّة" مقالا تحت عنوان "الفريق الصدامي في وكالة المخابرات المركزية الأميركية"، "أكثر من خمسين عاماً من "الضربات الملتوية" بقلم الخبير والمحلل هيرناندو كالفو أوسبينا قال فيه: إذا كان الحضور القويّ للكوبيين المغترِبين في محاولة غزو خليج الخنازير في 1961 معروفاً للجميع، فإنّ قليلاً ما يعرف دورهم في العمليات التي تلت لوكالة المخابرات الأميركية. فمن التشيلي إلى نيكاراغوا، مروراً بفيتنام، وعبر الانقلابات واغتيال الزعماء ونقل الأسلحة والمخدرات، كانوا أحد الأدوات الأكثر سريّةً والأكثر إجراماً في السياسة الخارجية الأميركية. 

وبعد أن يتحدث الكاتب بتفصيل عن عمليات المخابرات الأميركية في الشيلي وبوليفيا والفيتنام وغيرها وكيفية استغلال أموال تهريب المخدرات لتمويل العمليات السرية، يخصص جزء هاما عن الحرب في نيكاراغوا حيث خلقت واشنطن معارضة من أقلية وسلحتها ومولتها لشن حرب بالنيابة، يقول الكاتب في مقاله بصحيفة لوموند. 

كانت الحرب على نارٍ خفيفة بين واشنطن ونيكاراغوا التي يحكمها اليساريون قد جمعت معظم عملاء المخابرات المركزية. وقد أشرف النائب المقبل للرئيس بوش على هذه العمليات فيما أدار غريغ ونورث، المسؤول السابق في فييتنام، المؤامرة. وكان سفير الولايات المتحدة في هندوراس، نيغروبونتي، حيث سمِّي "الوالي"، قد حوّل هذا البلد إلى قاعدة عسكرية خلفية للعدوان، فيما قامت كتائب الموت في الجيش الهندوراسي، الكتيبة 3-16، بقمع المعارضة. وإذ انتقل رودريغيز منديغوتيا من بوليفيا حيث صفت المخابرات تشي غيفارا الجريح إلى حقول الأرز الآسيوية ثم إلى السلفادور، فقد راح يموّن مناهضي الثوريين النيكاراغويين (الكونترا contra)، بمساعدة بوسادا كاريليس (وباسولتو في الأراضي النيكاراغوية). ولتمكينه من القيام بهذه المهمة، نظّمت ال"سي. آي. إيه". والأوساط المعادية لكاسترو في ميامي (في أغسطس عام 1985) عملية فرار بوسادا كاريليس من السجن الفنزويلي حيث كان قد اعتقل بعد الاعتداء على طائرة شركة "كوبانا دي أفياسوين". 

تشويه صورة الخصوم

تطورت أساليب الحروب السرية الأميركية خاصة على ضوء الأخطاء والنكسات التي كانت تتعرض لها المخططات الأميركية من حين لآخر، ومن أهم تلك الدروس ما يتعلق بالدعاية وتوجيه وسائل الاعلام والسيطرة عليها لتنقل الصورة التي تريدها إدارة البيت الأبيض. 

لمدة امتدت لأكثر 12 سنة مارست واشنطن عملية تشويه وكذب ضد عراق صدام حسين لإعداد الأرضية للغزو والاحتلال سنة 2003. 

وفي إطار عملية التلاعب الضخمة هذه كانت إحدى الدوائر السرية في البنتاغون، أي "مكتب المخططات الخاصة"، تلعب دوراً رئيسياً. وبحسب ما كشفه سايمور أم. هيرش في مقالة له نشرتها صحيفة "نيويوركر "في 6 مايو عام 2003، فإن "مكتب المخططات الخاصة" قد أنشئ بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001 على يد بول وولفوويتز الرجل الثاني في وزارة الدفاع. وكانت مهمة هذا المكتب الذي تولى إدارته احد "الصقور" المتشددين، أبرام شالسكي، أن يحلل المعطيات التي تجمعها مختلف وكالات الاستخبارات الأميركية (وكالة المخابرات المركزية ووكالة استخبارات الدفاع ووكالة الأمن القومي)، وذلك بغية جمع الخلاصات ونقلها الى الحكومة ثم استخدامها لتحقيق الأهداف المحددة. 

كتب الوزير اللبناني السابق خليل قانصو في مقال له بتاريخ 18 أغسطس 2012: 

"تذكرك الحرب التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية على سوريا منذ مارس 2011، بما لها من سابقات في مجال التدخل في شؤون دول العالم الثالث لقلب نظم حكم تعاندها أو أستهلكت أو أفتضحت فلم تعد قادرة على أداء ما يطلب منها من أجل بسط وتقوية نفوذ المستعمرين الجدد. غني عن البيان أن تبعة ذلك على الشعوب المعنية كانت دائما كارثية. تجسدت بالتقهقر ثقافيا وإنمائيا و سياسيا. 

بحث عن الحسم

إلى متى تستمر الحرب على أرض سوريا وفي أي إتجاه تسير؟ سؤال مركب يطرحه الكثيرون بإلحاح أكبر مع إقتراب منتصف سنة 2013 التي سجلت دخول الأزمة السورية سنتها الثالثة. 

خلال سنة 2011 وبعد أشهر من إندلاع الصراع في سوريا منتصف شهر مارس 2011، صبت التصريحات العلنية لقادة الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وللكثير من المحسوبين ضمن معسكرهم على نقطة محورية وهي أن أيام النظام السوري أصبحت معدودة وأن على الرئيس السوري بشار الأسد أن يختار خلال أسابيع بين الفرار خارج البلاد أو التعرض للقتل. سياسيون وعسكريون غربيون توقعوا تفكك القوات المسلحة السورية وإنضمام معظمها إلى المعارضة المسلحة خاصة وأن الغالبية العظمى من جنود وضباط الجيش السوري بمختلف أفرعه من خارج الطائفة العلوية أي من المسلمين السنة، البعض من هؤلاء توقعوا حدوث إنقلاب عسكري لنصرة المعارضة. 

في نطاق هذه التوقعات والتكهنات تحدث محللون سياسيون وعسكريون عن عملية عسكرية من جانب حلف شمال الاطلنطي أو بعض دوله لتكرار سيناريو التدخل في ليبيا لإسقاط النظام الحاكم في دمشق، وذلك لتسريع إنضمام بلاد الشام إلى مسيرة ما سمي الربيع العربي التي بدأت في تونس مرورا بمصر ثم بليبيا. 

مع إشراف الشهر الرابع من سنة 2013 بقيت تلك التوقعات على قائمة الانتظار مع تحولات في تحليلات نفس المراقبين والخبراء الغربيين. البعض من هؤلاء ذهب إلى القول أن الحرب في سوريا قد تمتد لسنوات مثل الحرب الأهلية في لبنان التي دارت بين سنة 1975 وسنة 1995 بدون منتصر واضح. 

يوم 25 أبريل 2013 أوردت وكالة رويترز تقريرا جاء فيه:

أقر نشطاء ومقاتلون معارضون إن القوات السورية الموالية للرئيس بشار الأسد سيطرت يوم الأربعاء 24 أبريل على بلدة استراتيجية شرقي دمشق لتقطع طريقا حيويا لنقل إمدادات السلاح للمعارضة. 

ويسيطر مقاتلو المعارضة على سلسلة من المواقع في أنحاء شتى في المناطق الجنوبية والشرقية لريف دمشق لكنهم يبذلون جهودا مضنية للحفاظ على مواقعهم في مواجهة قصف بالمدفعية وهجمات جوية تشنها القوات السورية طوال الأسابيع الماضية. 

وقال مقاتل من بلدة عتيبة عبر برنامج سكايب "وقعت الكارثة..الجيش دخل عتيبة. تمكن النظام من إغلاق صنبور السلاح". 

وتابع قائلا "ثمن الرصاصة سيرتفع من 50 ليرة سورية إلى ألف ليرة سورية (عشرة دولارات) الآن لكن يتعين علينا أن ندفع ونستعيدها. إنها الطريق الرئيسي إن لم تكن الطريق الوحيد". 

وقال مقاتلو المعارضة إنهم انسحبوا من عتيبة وهي مدخل إلى المناطق الريفية الواقعة شرقي دمشق والتي تعرف باسم الغوطة في الساعات الأولى من صباح يوم الاربعاء بعد قتال دام لأكثر من 37 يوما. 

وعلى مدى ثمانية أشهر استخدم مقاتلو المعارضة عتيبة طريقا رئيسيا لنقل إمدادات السلاح التي تأتي عبر الحدود الأردنية إلى دمشق والتي يعتقد أن قطر والسعودية ومانحين آخرين يرسلونها خاصة هؤلاء الذين تستخدمهم المخابرات المركزية الأميركية كوسطاء. واقتحمت القوات الحكومية عتيبة بالدبابات والجنود. 

وقال مقاتل آخر في المنطقة كان يتحدث أيضا من خلال برنامج سكايب "الآن ستبدأ كل القرى في السقوط واحدة تلو الأخرى. المعركة في الغوطة الشرقية ستكون حرب استنزاف". 

الوكالة الأميركية أضافت أن الجيش السوري أحرز تقدما في الأسابيع القليلة الماضية على عدة جبهات في أنحاء سوريا حتى في المحافظات الشمالية حيث سيطرت المعارضة على مساحات كبيرة من الأراضي. 

والأكثر أهمية أن الجيش حقق مكاسب في محيط دمشق وعند الحدود السورية اللبنانية وهي منطقة مهمة لربط العاصمة بالمحافظات الساحلية. 

تحول في التكتيك

في نفس التوقيت تقريبا ذكر خبراء غربيون لوكالات أنباء أجنبية من بينها فرانس برس: ان النظام السوري اقدم خلال الفترة الاخيرة على تغيير استراتيجيته العسكرية، عبر فتح "حرب الطرق السيارة" بهدف السيطرة على محاور المرور الرئيسية في البلاد ومحاولة عزل المقاتلين المعارضين في ريف دمشق، وذلك عوضا عن تشتيت قواه في كل مكان في مواجهة خصومه. 

ويعتمد النظام في هذه الاستراتيجيات الجديدة على مسلحين موالين له يعرفون الارض تماما وتدربوا على مدى اشهر. 

ويقول المصدر "هناك تغيير في الاستراتيجيا..لا حرب بعد الآن منتشرة على كل الارض السورية ومن شأنها انهاك الجيش من دون اعطاء نتائج مقنعة. اليوم، مسرح العمليات الاساسي هو الطرق السريعة، وذلك بهدف السماح للجيش بالتنقل بسهولة بين المدن التي يتواجد فيها". 

ويوضح المصدر "في محافظة حمص مثلا، الاستيلاء على مدينة القصير يسمح بربط حمص بالساحل، بينما السيطرة على الرستن تؤمن الطريق بين حمص وحماة (وسط)..اما استعادة معرة النعمان، المدينة الاستراتيجية في ادلب (شمال غرب)، فتربط حماة بحلب" في الشمال. 

ويضيف "هذه هي الاهداف الرئيسية اليوم..استعادة الرقة في الشمال لا يشكل اولوية". 

وكانت القوات السورية قد فقدت السيطرة على مدينة الرقة في مارس 2013، ومدينة معرة النعمان في اكتوبر 2012. 

وتدور منذ اسابيع معارك ضارية في ريف القصير في محافظة حمص بين القوات النظامية مدعومة من حزب الله اللبناني، حليف دمشق القوي، ومسلحي المعارضة الذين خسروا عددا من القرى في المنطقة. 

ويقول استاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية وضاح شرارة الخبير في شؤون حزب الله ان مقاتلي الحزب "المدربين منذ سنوات على حرب الشوارع يحاصرون اليوم مدينة القصير، بمساندة مدفعية ومن الطيران، ويأملون في الاستيلاء عليها قريبا". 

ويقدر مؤلف كتاب "دولة حزب الله" عدد مقاتلي الحزب في منطقة القصير بما بين 800 الى 1200. 

وتعتبر القصير مع مدينة الرستن من ابرز المواقع المتبقية لمسلحي المعارضة في ريف حمص. 

ويقاتل الى جانب النظام ايضا عناصر جيش الدفاع الوطني الذي انشأته الحكومة ويتشكل من متطوعين، يتم تدريبهم ليخوضوا خصوصا حرب الشوارع والمدن. 

ويقول مقرب من المعارضة المسلحة "في السابق، كان هناك تخبط كبير داخل الجيش. اليوم، يبدو النظام مدركا لصعوبة استعادة مدينة الرقة او محافظة دير الزور (شرق)، فلا يشتت قواه في كل مكان، بل يختار اهدافا محددة". 

ويضيف ان هدف النظام حاليا "الالتفاف او عزل او تجميع الثوار في نقاط معينة وتوجيه ضربات محددة لهم، بهدف احراز نقاط..حلت الخطط والعمليات المدروسة محل التدمير العشوائي". 

ويقدر ان اسباب هذا التغيير تكمن في انه "بات يستعين بعناصر مدربة على حرب الشوارع، ويرجح انه حصل على اسلحة جديدة لهذا النوع من المعارك". 

ويقول الباحث في مركز "كارنيغي" للشرق الاوسط في بيروت يزيد صايغ ان "الجيش يعاني من مشاكل عديدة، بسبب خسائره على الارض ورفض عدد كبير من الاحتياطيين والمجندين الالتحاق بالخدمة". لذلك، "جيش الدفاع الوطني عنصر مفيد للنظام..فمن الافضل سياسيا ايجاد عناصر يخدمون في قراهم وعلى ارضهم حيث يتمتعون بمساندة شعبية ويكونون اكثر فاعلية". 

وكان الرئيس السوري بشار الاسد قد كشف بنفسه خلال مقابلته اخيرا مع قناة "الاخبارية" السورية التلفزيونية وجود تغيير في الاداء العسكري. 

وقال ان قواته اليوم "تتعامل مع وضع مختلف"، مضيفا ان هذه القوات كانت تعمل في بداية الاحداث المستمرة منذ اكثر من سنتين، على "طرد الارهابيين وكان يستغرق ذلك بضع ساعات قبل ان تهرب هذه المجموعات". 

واضاف "نحن الآن لا نقوم بعمليات تحرير، بل بعمليات قضاء على الارهابيين"، مضيفا "التكتيك العسكري يفرض احيانا على الدولة ان تتدخل في مكان أكثر من مكان آخر". 

وردا على من يتهمه بمحاولة ربط مناطق النظام ببعضها عبر هذا التكتيك، اكد ان "هذا لا يرتبط ابدا بموضوع التقسيم"، وان "لا اسس للتقسيم في سوريا". 

تراكم معطيات

أقر ملاحظون خلال الثلث الأخير من شهر أبريل 2013، انه للمرة الاولى منذ بدء الازمة السورية تشهد الساحة تقدما معترفا به للجيش السوري من وسائل اعلامية كانت منذ بداية الازمة السورية رأس حربة في الدفاع عن تحرك المعارضة المسلحة والحديث عن انتصاراتها المدوية. 

وأضاف هؤلاء أنه مما لا شك فيه ان هذا التقدم او الانجازات العسكرية المتسارعة التي يحققها الجيش السوري في كافة المحافظات والمدن السورية حاليا هو الابرز. 

إن ما يجرى اليوم يؤكد ان الخطط العسكرية التي اتبعها الجيش السوري عبر تطويق المسلحين تدريجيا و استنزافهم ما ادى لاستعمال كامل اوراقهم واسفر عن النتيجة الحاسمة التي توصل اليها الجيش السوري في ايام قليلة. 

هناك ظروف وعوامل اساسية منها ما يتعلق بالمعارضة والخارج والداخل تراكمت منذ الازمة السورية لتنضج الان ادت الى هذا التغيير المفاجئ بالميدان و بتحرك الجيش السوري منها: 

اولا : تحقق التلاقي بين رؤية الاغلبية الشعبية السورية و بين الدولة من ناحية رؤية الطرفين للازمة او الحراك بمراحله منذ بداياته حتى اليوم أي أن الحراك منذ أيامه الأولى أدى إلى أزمة أيقن المواطن السوري العادي انها ليست ازمة اصلاح ولا هي سلمية، وان اسرائيل والغرب وبعض العرب وتركيا حاضرون في الأزمة وان القاعدة موجودة وتقود العمل المسلح بنفسها وعبر ما تم تشكيله من مجموعات متطرفة وما عرف منها بجبهة النصرة وكانت خطة الجيش إنتظار تحقق هذا التلاقي الشعبي والسياسي للبدء بخطته الشاملة مستندا إلى بيئة حاضنة مؤمنة أن لا خلاص لسوريا ولا فرص للحل السياسي دون الحسم العسكري. 

ثانيا : ترك الحلف الذي يقود الحرب خارجيا يكتشف أوهامه حول فرص إسقاط سوريا على طريقة ما سبقها من دول الربيع العربي وتم إستدراج أغلب قواه داخل الصراع لتكشف الاوراق المخفية التي كان يملكها و كان يلوح باستخدامها حتى استهلكت ولم يعد هناك باب للاستنزاف فكل مرة كانوا يكشفون ورقة كان افشالها الهدف والجيش السوري كان يصد ويحدد مهمته بالافشال، وليس الحسم الشامل، بدءا من الرهان على إسقاط سوريا إفتراضيا بالإعلام وإشغال الساحات إلى الرهان على سرقة منطقة كمنصة للتدخل تصبح بنغازي – سوريا وصولا إلى أوهام التدخل العسكري الخارجي والمناطق العازلة او المناطق الآمنة وسواها والرهانات على الإنشقاقات العسكرية والسياسية و إنتهاء بالرهان على الحرب الأهلية، وبعدما أستنفد المشروع الخارجي كل ما لديه من إمكانات وكل الخيارات والرهانات وبات مستنفد القدرات والبدائل ظهر الجيش السوري بقوته وخططه. 

ثالثا: ادركت الدول الداعمة للمعارضة انها تدعم مشروعا غير واعد وانها فشلت فيه و اصبح عبئا ماديا و معنويا عليها بعدما اقتنعت بعد مشاهدتها الواقع الميداني ان الجيش السوري المدرب وصاحب العقيدة القتالية الوطنية والمجهز والمؤلف من عديد واعتدة ضخمة لحروب اقليمية طويلة هو جيش صعب التفكك و الهزيمة وقد تتطلب هزيمته او استنزافه سنوات طوال او معجزة تقلب المعادلات فبات حرجا داخليا لكل دولة شاركت في الرهان على هزيمته بينما بدا واضحا أن الخصم الذي يستثمر على الحرب المفتوحة ضد سوريا هي القاعدة ومتفرعاتها. 

خامسا : ابتكر الجيش السوري و طور طرق عمل تتناسب مع القتال الداخلي واستخبارات تتناسب معها طوال فترة الازمة وهو الجيش الذي كان معدا ومدربا لحرب نظامية مع جيوش مقابلة خصوصا الجيش الإسرائيلي تمرس خلال سنتين بدراسة طبيعة الحرب التي يستخدمها ضده المسلحون المدعومون عبر الحدود والمستندون إلى أساليب القاعدة في القتال فكان لا بد من إعادة تنظيم خرائط الإنتشار العسكرية للقوات والأسلحة ولا بد من تدريب الوحدات المقاتلة على أنماط جديدة من الحرب في المدن والشوارع والقرى والإبتعاد عن تدفيع المدنيين كلفة الحرب وصولا إلى تنظيم أشكال من الإختراقات للمجموعات المسلحة وأنماط من العمل الإستخباري تتناسب مع طبيعة هذه الحرب. 

يتضح اليوم ان المسلحين و الدول الداعمة لهم قد وصلوا الى نهاية مناوراتهم ما سمح للجيش السوري بزج قوته الهادئة الى ارض الميدان لتكون الحاسمة اليوم و اتضح ايضا ان التمويل و التسليح قد اثبت انه استهلك لاقصى الحدود واصحابه اقتنعوا بذلك فاستخدام او استحضار مقاتل بالف دولار او المقاتل نفسه بعشرة الاف لا يغيير بالمعادلة شيء امام الجيش السوري الذي يبدو اليوم في اوج حيويته بينما جفت منابع الإمداد البشري للمزيد من المقاتلين على الضفة المقابلة فلا ما تبقى قادر على القتال و الدم الجديد توقف. 

وكما البشر السلاح فسلاح الجيش السوري لم يكن يستخدم لان ليس وقته و لا ظرفه حسب التكتيك العسكري والخطط الميدانية في مواجهة وها هو يجد الوقت المناسب ليظهر بفاعلية تؤكدها النتائج الحاسمة في أكثر من منطقة. 

روسيا والمواجهة الجديدة

خلال النصف الاول من شهر أبريل 2013 شن لافروف، في مؤتمر صحافي، هجوماً على بعض الدول العربية. وقال "الأقلية في المجتمع الدولي، الأقلية العدوانية، المتعطشة جداً للدماء، حاصرت جميع الجهود لعقد حوار، كما حدث حينما عطلت عمل بعثة مراقبي جامعة الدول العربية، وعمل بعثة المراقبين الأمميين، وتستمر اليوم في سعيها للحيلولة دون تنفيذ وثيقة جنيف، وكما حدث حينما عارضت فكرة إجراء الشيخ (أحمد) معاذ الخطيب المستقيل حديثاً من رئاسة الائتلاف الوطني محادثات مع السلطة..وقتها صححوا له قائلين بأنه لن تكون هناك أية محادثات، وكي يقطعوا الشك باليقين تعاملوا مع الائتلاف الوطني كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري ومنحوه مقعد سوريا في الجامعة العربية واتخذوا قراراً بشرعنة تسليح كتائب المعارضة المقاتلة". 

وأضاف لافروف "كما نرى اليوم ليس هناك قيادة موحدة للمعارضة السورية، بينما تقاتل في صفوف المعارضة مجموعات مختلفة بجانب ما يسمى بالجيش السوري الحر والمجموعات التي تتبع للمجلس العسكري الأعلى، من بينها جبهة النصرة التي أدرجتها الولايات المتحدة مؤخراً على قائمة المنظمات الإرهابية، وهذه المجموعات تعوّل على القتال حتى النهاية الحاسمة للصراع وتحقيق النصر". 

وأضاف "تشير المباحثات الاخيرة، بل المباحثات التي جرت على مدار الأسابيع والأشهر الأخيرة إلى زيادة الفهم، خاصة لدى الشركاء الغربيين، بشأن تنامي المخاطر بسبب ما يحدث في سوريا". وتابع "أنا أشعر بتفهم أكبر لأهمية الانتقال من القول إلى الفعل، وإلى تصرفات واقعية، كما آمل أننا سنرى قريبا تحركات إضافية من جانب أولئك الذين كانوا يشككون في ذلك سابقا". وقال "ينمو على وجه الخصوص الفهم باستمرار الرهان على الحرب حتى النصر بواسطة تشجيع أقلية من المجتمع الدولي، لكن الغلبة ستكون للمتطرفين". 

وأعلن لافروف أن تأخير إرسال بعثة الأمم المتحدة للتحقيق في مسألة استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا غير مقبول، مضيفا أن "بعض الأعضاء الغربيين في مجلس الأمن يحاولون تسييس المسألة، ووضع سوريا في نفس وضع العراق".

عمر نجيب

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية