الاثنين، مايو 28، 2018
احتدام الصراع في الشرق الأوسط إلى أين؟
الشروط الأميركية على إيران تعتبر الحد الأدنى المطلوب من إيران تنفيذه بعد أن أصبحت بشهادة العالم أكبر راعياً للإرهاب مصحوباً بتسلح غير مسبوق. فإيران تبذل ما في وسعها لنشر الفوضى وقلب موازين القوى في المنطقة من خلال تقويض الأمن والاستقرار ومحاولة التسلح النووي، كما فعلوا في العراق وسورية ولبنان واليمن والتدخل في دول الخليج، معتمدين في ذلك على الفرز الطائفي، وقد صاحب ذلك غض الغرب وإسرائيل الطرف عن ذلك التسلح والنشاط التخريبي حتى وصل سباق التسلح في المنطقة إلى ذروته، ووصلت الأمور إلى حافة الهاوية.
الآن بدأ التحرك الإسرائيلي غير المسبوق في التصادم مع إيران في محاولة لجر أطراف أخرى إلى حلبة الدمار، وعلى دول الخليج أن تعي الملعوب وأن لا تكون طرفاً فيه؛ لأنه إن حدث فسوف تدخل المنطقة في حرب إيرانية خليجية جديدة تشبه الحرب الإيرانية العراقية، ولكنها سوف تختلف عنها من حيث القدرات التدميرية للأطراف المتحاربة، ناهيك عن أن الأطراف التي تدفع باتجاه المواجهة سوف تكتفي ببيع السلاح لطرفي الصراع.
إن تركيع إيران يأتي من خلال الاستنزاف والمقاطعة، وليس من خلال الحرب المباشرة، ذلك أن الحرب سوف توحد الشعب الإيراني قسراً خلف قيادته، أما الاستنزاف والمقاطعة فإن الشعب الإيراني سوف يلوم حكومته على ما يعانيه بسبب الاستنزاف والمقاطعة، وبالتالي سوف يثور ويطيح بها خصوصاً إذا رافق ذلك توعيته وتحريضه من خلال الإعلام الموجه، وباستخدام الوسائل المتاحة كافة ضد من يبدد ثروته على مغامرات بعيدة عن مصالحه وطموحاته، ليس هذا وحسب بل إن الشباب الإيراني يزج به في حروب ليس له فيها ناقة ولا جمل، بينما البدائل المتاحة أمام إيران التي تتمثل في التنمية الداخلية، وعدم التدخل في شؤون الغير، وإلغاء مبدأ تصدير الثورة، وولاية الفقيه هي مفتاح الرخاء والأمن والاستقرار للشعب الإيراني المغلوب على أمره، إن مصلحة الشعب الإيراني وشعوب الدول المجاورة تكمن في أن تعي إيران الفرق الشاسع بين الخير والشر.
نعم الشروط والعقوبات التي أعلن عنها بومبيو وزير الخارجية الأميركية قد تشكل حافزاً أمام إيران للدخول في حوار بناء مع دول الجوار تنهي الصراعات التي تخوضها إيران في المنطقة، والجنوح إلى السلم هو وسيلة الحل في الصراعات المحتدمة كافة، وخير مثال على ذلك ما حدث بين الكوريتين واللقاء الرئاسي الأميركي الكوري المرتقب، والذي كان الحافز الرئيس له هو تلافي حرباً مدمرة، فالحرب أوسع أبواب الدمار والتخلف على الأطراف المتحاربة.
وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ
وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً
وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ
فَتَعرُكُّمُ عَركَ الرَحى بِثِفالِها
وَتَلقَح كِشافاً ثُمَّ تَحمِل فَتُتئِمِ
... والله المستعان
الرئيس التركي يكشف عن خطته في سوريا حال فوزه بالانتخابات المقبلة
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخميس، ملامح خطته في سوريا في حال
فوزه بانتخابات الرئاسة المقرر عقدها في يونيو/ حزيران القادم.
وأكد أردوغان، خلال إعلان البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية
الحاكم، أهداف الحكومة المقبلة في حال فوز حزبه على أن الجيش سيكثف من
عملياته العسكرية داخل الأراضي السورية.
وتعهد الرئيس التركي بمواصلة الحرب ضد التنظيمات “الإرهابية” دون انقطاع عبر مطاردتهم في جحورهم، بحسب وكالة الأناضول.
وقال “سنواصل فعالياتنا بوتيرة متصاعدة في سوريا لغاية تطهير الأراضي السورية من جميع الإرهابيين”.
وفي سياق آخر، أعرب أردوغان عن ثقته بفوز حزبه في الانتخابات الرئاسية البرلمانية المزمع إجراؤها في 24 يونيو / حزيران المقبل.
وأضاف “بإذن الله، سنخرج منتصرين في كلا الاستحقاقين الانتخابيين الرئاسي والبرلماني”.
وأوضح الرئيس التركي “نهدف إلى الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة بالحصول على أكثر بكثير من نسبة 50 بالمائة من الأصوات”.
يذكر أن القوات التركية والجيش الحر تمكنوا في مارس، آذار الماضي من
السيطرة على منطقة عفرين في شمال سوريا، في إطار عملية “غصن الزيتون” بعد
معارك عنيفة مع الميليشيات الكردية الانفصالية.
بعد تصريحات الخارجية الأمريكية بشأن الجنوب السوري.. نظام الأسد يقدم عرضا جديداً
بعد تصفية محيط دمشق وشمال حمص وسيطرة نظام الأسد على مناطق واسعة شرقي
ادلب، بات موضوع جنوب سوريا في هذه الأيام هو ما تشير إليه بوصلة الحرب
القادمة، مع تقاطع المصالح الأمريكية الأردنية الاسرائيلية من جهة والمصالح
الروسية والايرانية من جهة أخرى، طروحات عدة وضعت على الطاولة للنقاش
بينها طرح قدمه نظام الأسد للدول الإقليمية.
تلويح الخارجية الأمريكية يوم أمس بإتحاذ إجراءات صارمة ومناسبة في حال
قام نظام الأسد بخرق إتفاق خفض التصعيد في الجنوب السوري، جاء بعد تعزيزات
عسكرية بإتجاه درعا، وتوجه إعلامي من قبل النظام السوري والإيراني بإتجاه
التهديد بمواجهة عسكرية في الجنوب، وتشجيع طهران لدمشق للذهاب إلى الحل
العسكري والتلويح بأسلوب «الأرض المحروقة»، حيث تقوم المروحيات بشكل متواصل
برمي منشورات على قرى درعا تهددهم بالنهاية الحتمية لكل من يصر على حمل
السلاح.
ويبدو أن النظامين الإيراني والسوري قد حسما الخيار العسكري ربما بتغاضي
روسي أو عدم قدرتها على الضغط لمنع هذا التوجه، حيث وصلت إلى درعا تعزيزات
عسكرية، رآها ناشطون أنها عبارة عن قوات عسكرية انتهت مهمتها بعد السيطرة
على الغوطة وجنوب دمشق وعادت إلى ثكناتها، بينما رآها آخرون أنها تعزيزات
عسكرية للبدء بمعركة السيطرة على درعا والقنيطرة.
وكانت وُقعت في عمان، في 8 نوفمبر من العام الماضي، مذكرة تفاهم لتنفيذ
اتفاق خفض التصعيد جنوب سوريا، وتضمنت تأسيس مركز رقابة في عمان لتنفيذ
الاتفاق الثلاثي لاحتفاظ المعارضة بسلاحها الثقيل والخفيف، وتحديد خطوط
القتال، وبدء تبادل تجاري مع مناطق النظام، وتشكيل مجلس محلي معارض،
واحتمال عودة اللاجئين من الأردن أو نازحين قرب الحدود.
بالنسبة إلى موسكو، فالخطة التي ضمنت تعاوناً روسيّاً – أميركيّاً، تعني
القضاء نهائيّاً على «جبهة النصرة» و«جيش خالد» التابع لتنظيم الدولة.
وقدمت وقتذاك إدارة ترمب تنازلاً بأنها جمدت البرنامج السري لدعم فصائل
المعارضة ما رعف بـ”الموك”.
ومنذ توقيع الإتفاق جرى تبادل الاتهامات، حيث ترى أمريكا أن روسيا لم
تلتزم بإبعاد القوات غير السورية بين 5-15 كم من الحدود، بينما رأت روسيا
أن أمريكا لم تلتزم بمحاربة تنظيم الدولة وهيئة تحرير الشام “النصرة”.
وبحسب جريدة الشرق الأوسط فإن أمريكا قدمت مقترح استمزجه مع دول
إقليمية. وتضمن العرض الذي كان مقررا بحثه مع الجانب الروسي: انسحاب جميع
الميليشيات السورية وغير السورية إلى عمق 20 – 25 كيلومتراً من الحدود
الأردنية، للاعتقاد أن إيران جنّدت ميليشيات سورية، ومن ثم نقل مقاتلي
المعارضة وأسرهم إلى إدلب، وعودة الجيش النظامي إلى الحدود وعودة مؤسسات
الدولة إلى درعا، إعادة فتح معبر نصيب بين سوريا والأردن، إضافة إلى تشكيل
آلية أمريكية – روسية للرقابة على تنفيذ هذه البنود.
وأضافت الجريدة أن نظام الأسد بعث مقترحاً يتضمن انسحاب «حزب الله»
وميلشيات إيران 25 كيلومتراً بعيدا من خط فك الاشتباك من هضبة الجولان
المحتلة، وفق ترتيبات تسمح بوجود مجالس محلية في بيت جن وقرى في الجولان،
والبحث عن إمكانية إحياء اتفاق فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل لعام 1974
الذي يتضمن منطقة محايدة ومنطقة منزوعة السلاح وأخرى محدودة السلاح يراقبها
نحو 1200 عنصر من «قوات الأمم المتحدة لفك الاشتباك» (اندوف).
وكانت مدينة درعا قبل عدة أيام شهدت تحرك عسكري لمليشيات إيرانية
وشيعية، حيث شوهدت عدة عربات تخرج من منطقة سجنة والمنطقة الصناعية في
مدينة درعا نحو الشمال على الاتستراد الدولي دمشق درعا دون معرفة الوجه
الحقيقية، كما انتقل عناصر من حزب الله من مدينة البعث إلى بلدتي حمريت
ونبع الفوار
استراتيجية الحرب الباردة
قول أندرو مارشال: كانت سياستنا الدفاعية مقيدة بنهاية السنة المالية التي تحدد بناءً على الميزانية المقدرة للسنة القادمة، كان مارشال يشغل رئيس مكتب مستشار وزير الدفاع للتخطيط الاستراتيجي بوزارة الدفاع الأميركية في أوائل السبعينات الميلادية. بحسب مارشال، عند اقتراب موعد تقديم ميزانية السنة القادمة كانت قيادة الأركان تجتمع لمراجعة الميزان العسكري مع الاتحاد السوفيتي، كانت القيادة تدرس قدرات الاتحاد السوفيتي العسكرية من أسلحة وقوات، وتواجه ذلك بقائمة من المتطلبات العسكرية التي على وزارة الدفاع الأميركية تلبيتها للحفاظ على الميزان العسكري. كانت قائمة المتطلبات تمر بمجلس الشيوخ لإقرارها، فإما أن تقر جميع المتطلبات أو بعضها، وفي السنة التي تليها تعود قيادة الأركان لبدء العملية من جديد، وهكذا كل سنة.
كانت ملاحظة مارشال أن سياسة الدفاع الأميركية بهذه المنهجية خاضعة لقرارات العدو، حيث إنها منهجية قائمة على رد الفعل، ولا تتضمن رؤية طويلة المدى. وبمعنى آخر، كانت القيادة الأميركية تحاول منافسة الاتحاد السوفيتي في نقاط قوته، مهملة بذلك نقاط ضعفه أو قيوده. نتيجة لهذه الملاحظة قدم مارشال وثيقة استراتيجية لمواجهة الصراع العسكري تقوم على مرتكزات القوة التي تمتلكها القوات الأميركية، واستغلال نقاط ضعف الاتحاد السوفيتي، كان تقديم هذه الوثيقة في نهاية السبعينات نهاية فترة الرئيس فورد.
ركزت الوثيقة على اعتماد التقنية باعتبارها قوة وميزة تنافسية تمتلكها الولايات المتحدة، وبناءً على هذه القوة رأت الوثيقة أن الاستثمار في التقنية وتعزيز قدرات القوات الأميركية بأحدث التقنيات كفيل بدفع الاتحاد السوفيتي إلى محاولة تعويض النقص باستثمار مماثل. ولأن أميركا تمتلك قدرات وموارد أكبر في مجال التقنية فإن المنافسة في هذا المجال ستكبد الاتحاد السوفيتي تكاليف باهظة.
ما قدمه مارشال في الوثيقة هو استراتيجية لمواجهة الاتحاد السوفيتي، كانت نتيجة هذه الاستراتيجية عدة تحركات أدت إلى إجبار الاتحاد السوفيتي إلى زيادة الإنفاق في مجال التقنية مما أرهقه اقتصادياً على مدى عقدين حتى سقوطه وتفككه في نهاية الأمر. الاستراتيجية التي قدمها مارشال لم تتطلب مئات الصفحات لعرضها، رغم خطورة موضوعها، ولم تكن الاستراتيجية مدعمة برسوم بيانية أو معادلات رياضية معقدة، إنما فكرة أساسية يمكن تلخيصها في عبارات قصيرة. وحقيقة الأمر أن معظم الاستراتيجيات التي تطيل في عرض محتواها إنما تخفي حيرة حقيقية في التعبير عن الخيارات الاستراتيجية. ومن جهة أخرى، تعبر الإطالة عن وجود حلول توافقية تتحاشى فيها قيادة المؤسسة الدخول في مواجهات داخلية يكون لها آثار سلبية. الاستراتيجية التي قدمها مارشال (37 صفحة) عرضت للتحديات، ثم قدمت الخيار الاستراتيجي، ثم عرضت لمآلات هذا الخيار. مهما كان حجم الموضوع أو خطورته لا يمكن للوصف الاستراتيجي أن يطبق بفاعلية ما لم يكن مختصراً وواضحاً.
د.زياد آل الشيخلعبة الجولان انتهت سوريا وبدأت إيرانيا
طرح وزير الاستخبارات الإسرائيلي إسرائيل كاتس قبل أيام فكرة الضغط على الإدارة الأميركية من أجل ضم الجولان نهائيا إلى الدولة العبرية. تقوم إسرائيل حاليا بعملية جس نبض لمعرفة إلى أي حدّ يمكن أن تذهب في استغلال الوضع الإقليمي من جهة ووجود دونالد ترامب في البيت الأبيض من جهة أخرى.
ما يمكن أن يشجّع إسرائيل على التفاؤل في هذا المجال أمران. أولّهما أن إدارة ترامب أقدمت على خطوة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل من دون الإشارة إلى ضرورة أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية الموعودة.
تلت خطوة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى المدينة المقدسّة. حصل ذلك من دون ضجّة تذكر، لا إقليميا ولا دوليا. أطلقت إيران تهديدات لتأكيد أنّها المتاجر الأوّل بالقضية الفلسطينية والفلسطينيين في حين قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ببعض الحركات ذات الطابع الفولكلوري بهدف المزايدة لا أكثر. عادت الأمور بعد ذلك إلى نصابها وعاد كلّ طرف إلى مواقعه وهمومه…
أمّا الأمر الآخر الذي يشجّع على طرح موضوع الجولان المحتل منذ 51 عاما بالتمام والكمال، فهو عدم الاهتمام السوري يوما باستعادة الهضبة المحتلة ذات الأهمّية الاستراتيجية. احتلت إسرائيل الجولان في ظروف أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها غامضة. حدث ذلك في حزيران – يونيو من العام 1967. وقتذاك، كان حافظ الأسد لا يزال وزيرا للدفاع وكان يهيّئ نفسه لحكم سوريا ابتداء من تشرين الثاني – نوفمبر 1970 حين أعلن عن قيام “الحركة التصحيحية”.
ماذا كانت “الحركة التصحيحة” عمليا؟ كانت خطوة على طريق طمأنة إسرائيل إلى أن الجولان سيظلّ محتلا. لم تكن لدى النظام السوري أيّ نيّة جدية في استعادة الجولان حتّى بعد حرب تشرين الأوّل – أكتوبر 1973.
لم تكن تلك الحرب حرب تحريك للمفاوضات مع إسرائيل بمقدار ما أنّها كانت حربا لتجميد لجبهة الجولان وصولا إلى يوم يعقد فيه بنيامين نتانياهو جلسة لمجلس الوزراء في الهضبة المحتلة.
أراد رئيس الوزراء الإسرائيلي بذلك تكريس أمر واقع استطاعت إسرائيل فرضه في وقت لم يكن الجولان يوما سوى أداة يؤكد من خلالها حافظ الأسد ثم نجله بشّار أن سوريا ليست مستعدة لأيّ مواجهة مع إسرائيل، بل هي في صدد المشاركة في كلّ الألعاب التي تهواها، بما في ذلك إبقاء جبهة جنوب لبنان مفتوحة.
بقيت الجبهة اللبنانية مفتوحة، بموافقة سورية، عندما كان السلاح في الجنوب فلسطينيا حتّى العام 1982. وبقيت على الوضع نفسه بعدما حلّ السلاح الإيراني، أي سلاح “حزب الله” مكان السلاح الفلسطيني.
كان كافيا أن يخلّ النظام السوري بالشروط المتفق عليها لاستمرار اللعبة في خلال حرب صيف العام 2006 حتّى يصبح مسموحا للجيش اللبناني بدخول الجنوب بعد صدور القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
كان من شروط تلك اللعبة السورية – الإسرائيلية أن تتصرّف إسرائيل بالطريقة التي تراها مناسبة وفق قواعد اشتباك معيّنة وضعت في أواخر العام 1975 وأوائل العام 1976 عندما توصل هنري كيسينجر إلى تفاهم مع إسحاق رابين يسمح للجيش السوري بدخول الأراضي اللبنانية ووضع يده على المواقع التي يوجد فيها “مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية”.
تغيّر الوضع في جنوب لبنان بعد حرب العام 2006، لكنّ الوضع في الجولان بقي على حاله. كانت هناك مفاوضات سورية – إسرائيلية محورها الجولان. لكن الجانب السوري، الذي يهوى استمرار حال اللاحرب واللاسلم في المنطقة إلى ما لا نهاية، كان يهوى أيضا التفاوض من أجل التفاوض.
الدليل على ذلك أنّ مصر استعادت كلّ أراضيها المحتلة منذ العام 1967 عن طريق المفاوضات، فيما لم يتغيّر شيء في الجولان منذ اتفاق فك الارتباط الذي تم التوصل إليه في العام 1974 برعاية هنري كيسينجر أيضا.
ما الذي تغيّر حاليا كي تسعى إسرائيل إلى الحصول على اعتراف أميركي بأنّ الجولان جزء من أراضيها؟ ما تغيّر أن الجولان لم يعد يوفّر ضمانة إسرائيلية للنظام السوري ولا ضمانة من النظام السوري لإسرائيل.
هناك واقع جديد قائم في دمشق وفي الجنوب السوري. يتمثّل هذا الواقع في الوجود الإيراني الذي لم يعد يقتصر فقط على مناطق معيّنة في محيط دمشق. صار على إسرائيل التفاوض مع إيران الموجودة على حدود الجولان مباشرة وغير مباشرة.
هناك غير مصدر أوروبي وأميركي موثوق به يقول إن إسرائيل ليست في وارد التوصل إلى تفاهمات مع إيران لا في شأن وجودها العسكري في لبنان ولا في شأن وجودها العسكري في سوريا، خصوصا في محاذاة الجولان.
استطاع حافظ الأسد، منذ كان وزيرا للدفاع في 1967 استخدام الجولان للتفرد بالسلطة في خريف العام 1970. لعب الدور المطلوب منه أن يلعبه على الصعيد الإقليمي، بما في ذلك إيجاد توازن مع العراق الذي كان يحكمه البعث الآخر منذ 1968، خصوصا منذ تفرّد صدّام حسين بالسلطة صيف العام 1979. تغيّر كلّ شيء في عهد بشّار الأسد الذي لم يعد يفرّق بين مصلحة النظام السوري ومصلحة “حزب الله” ومن خلفه إيران.
بكلام أوضح، لم يعد كافيا بالنسبة إلى إسرائيل الحصول على ضمانات بالنسبة إلى الجولان من بشّار الأسد. إسرائيل تعرف قبل غيرها أن بشّار الأسد لم يعد سوى صورة وأنّه لا يستطيع الاستجابة كلّيا لما يطلبه منه الجانب الروسي، بل عليه أن يراعي الإيراني أيضا.
ما الذي ستفعله الإدارة الأميركية؟ هل تستجيب للضغط الذي تحدّث عنه الوزير الإسرائيلي؟ من الصعب التكهنّ بالموقف الأميركي من ضمّ إسرائيل الجولان نهائيا. لكن الثابت أنّ أمورا كثيرة ستتوقّف على التصرّفات الإيرانية. هل ستأخذ إيران المنطقة إلى انفجار جديد في ضوء إصرارها على البقاء، مباشرة أو عبر أدواتها، في الجنوب السوري والمناطق المحيطة بدمشق؟
في كلّ الأحوال، لن تجد إسرائيل صعوبة في إعداد نفسها لتشريع احتلال جديد لأرض عربية، على غرار ما تفعله في القدس والضفّة الغربية حيث تتابع سياسة الاستيطان. ما العمل عندما تكون الظروف الإقليمية والدولية مواتية لها وعندما يتبيّن أن النظام السوري فعل كلّ شيء منذ العام 1967 كي يبقى الجولان محتلا.
كان احتلال الجولان يخدم، بالنسبة إلى النظام السوري، أهدافا عدّة في الوقت ذاته. كان يغطي حملته المستمرّة على الشعب الفلسطيني. لعلّ ما حلّ بمخيم اليرموك في دمشق أخيرا أفضل دليل على نظرة هذا النظام للشعب الفلسطيني. كذلك كان الجولان يغطي طموحه الدائم لفرض سيطرته على لبنان.
الواضح الآن أن لعبة الجولان انتهت سوريا. ستستمر إيرانيا. معروف أن البداية الإيرانية لهذه اللعبة كانت مع اندلاع الثورة السورية في آذار – مارس 2011. كيف ستنتهي هذه اللعبة الإيرانية – الإسرائيلية من دون حرب إقليمية باتت في هذه الأيّام حاجة إيرانية أكثر من أيّ شيء آخر؟
ما يمكن أن يشجّع إسرائيل على التفاؤل في هذا المجال أمران. أولّهما أن إدارة ترامب أقدمت على خطوة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل من دون الإشارة إلى ضرورة أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية الموعودة.
تلت خطوة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى المدينة المقدسّة. حصل ذلك من دون ضجّة تذكر، لا إقليميا ولا دوليا. أطلقت إيران تهديدات لتأكيد أنّها المتاجر الأوّل بالقضية الفلسطينية والفلسطينيين في حين قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ببعض الحركات ذات الطابع الفولكلوري بهدف المزايدة لا أكثر. عادت الأمور بعد ذلك إلى نصابها وعاد كلّ طرف إلى مواقعه وهمومه…
أمّا الأمر الآخر الذي يشجّع على طرح موضوع الجولان المحتل منذ 51 عاما بالتمام والكمال، فهو عدم الاهتمام السوري يوما باستعادة الهضبة المحتلة ذات الأهمّية الاستراتيجية. احتلت إسرائيل الجولان في ظروف أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها غامضة. حدث ذلك في حزيران – يونيو من العام 1967. وقتذاك، كان حافظ الأسد لا يزال وزيرا للدفاع وكان يهيّئ نفسه لحكم سوريا ابتداء من تشرين الثاني – نوفمبر 1970 حين أعلن عن قيام “الحركة التصحيحية”.
ماذا كانت “الحركة التصحيحة” عمليا؟ كانت خطوة على طريق طمأنة إسرائيل إلى أن الجولان سيظلّ محتلا. لم تكن لدى النظام السوري أيّ نيّة جدية في استعادة الجولان حتّى بعد حرب تشرين الأوّل – أكتوبر 1973.
لم تكن تلك الحرب حرب تحريك للمفاوضات مع إسرائيل بمقدار ما أنّها كانت حربا لتجميد لجبهة الجولان وصولا إلى يوم يعقد فيه بنيامين نتانياهو جلسة لمجلس الوزراء في الهضبة المحتلة.
أراد رئيس الوزراء الإسرائيلي بذلك تكريس أمر واقع استطاعت إسرائيل فرضه في وقت لم يكن الجولان يوما سوى أداة يؤكد من خلالها حافظ الأسد ثم نجله بشّار أن سوريا ليست مستعدة لأيّ مواجهة مع إسرائيل، بل هي في صدد المشاركة في كلّ الألعاب التي تهواها، بما في ذلك إبقاء جبهة جنوب لبنان مفتوحة.
بقيت الجبهة اللبنانية مفتوحة، بموافقة سورية، عندما كان السلاح في الجنوب فلسطينيا حتّى العام 1982. وبقيت على الوضع نفسه بعدما حلّ السلاح الإيراني، أي سلاح “حزب الله” مكان السلاح الفلسطيني.
كان كافيا أن يخلّ النظام السوري بالشروط المتفق عليها لاستمرار اللعبة في خلال حرب صيف العام 2006 حتّى يصبح مسموحا للجيش اللبناني بدخول الجنوب بعد صدور القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
كان من شروط تلك اللعبة السورية – الإسرائيلية أن تتصرّف إسرائيل بالطريقة التي تراها مناسبة وفق قواعد اشتباك معيّنة وضعت في أواخر العام 1975 وأوائل العام 1976 عندما توصل هنري كيسينجر إلى تفاهم مع إسحاق رابين يسمح للجيش السوري بدخول الأراضي اللبنانية ووضع يده على المواقع التي يوجد فيها “مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية”.
تغيّر الوضع في جنوب لبنان بعد حرب العام 2006، لكنّ الوضع في الجولان بقي على حاله. كانت هناك مفاوضات سورية – إسرائيلية محورها الجولان. لكن الجانب السوري، الذي يهوى استمرار حال اللاحرب واللاسلم في المنطقة إلى ما لا نهاية، كان يهوى أيضا التفاوض من أجل التفاوض.
الدليل على ذلك أنّ مصر استعادت كلّ أراضيها المحتلة منذ العام 1967 عن طريق المفاوضات، فيما لم يتغيّر شيء في الجولان منذ اتفاق فك الارتباط الذي تم التوصل إليه في العام 1974 برعاية هنري كيسينجر أيضا.
ما الذي تغيّر حاليا كي تسعى إسرائيل إلى الحصول على اعتراف أميركي بأنّ الجولان جزء من أراضيها؟ ما تغيّر أن الجولان لم يعد يوفّر ضمانة إسرائيلية للنظام السوري ولا ضمانة من النظام السوري لإسرائيل.
هناك واقع جديد قائم في دمشق وفي الجنوب السوري. يتمثّل هذا الواقع في الوجود الإيراني الذي لم يعد يقتصر فقط على مناطق معيّنة في محيط دمشق. صار على إسرائيل التفاوض مع إيران الموجودة على حدود الجولان مباشرة وغير مباشرة.
هناك غير مصدر أوروبي وأميركي موثوق به يقول إن إسرائيل ليست في وارد التوصل إلى تفاهمات مع إيران لا في شأن وجودها العسكري في لبنان ولا في شأن وجودها العسكري في سوريا، خصوصا في محاذاة الجولان.
استطاع حافظ الأسد، منذ كان وزيرا للدفاع في 1967 استخدام الجولان للتفرد بالسلطة في خريف العام 1970. لعب الدور المطلوب منه أن يلعبه على الصعيد الإقليمي، بما في ذلك إيجاد توازن مع العراق الذي كان يحكمه البعث الآخر منذ 1968، خصوصا منذ تفرّد صدّام حسين بالسلطة صيف العام 1979. تغيّر كلّ شيء في عهد بشّار الأسد الذي لم يعد يفرّق بين مصلحة النظام السوري ومصلحة “حزب الله” ومن خلفه إيران.
بكلام أوضح، لم يعد كافيا بالنسبة إلى إسرائيل الحصول على ضمانات بالنسبة إلى الجولان من بشّار الأسد. إسرائيل تعرف قبل غيرها أن بشّار الأسد لم يعد سوى صورة وأنّه لا يستطيع الاستجابة كلّيا لما يطلبه منه الجانب الروسي، بل عليه أن يراعي الإيراني أيضا.
ما الذي ستفعله الإدارة الأميركية؟ هل تستجيب للضغط الذي تحدّث عنه الوزير الإسرائيلي؟ من الصعب التكهنّ بالموقف الأميركي من ضمّ إسرائيل الجولان نهائيا. لكن الثابت أنّ أمورا كثيرة ستتوقّف على التصرّفات الإيرانية. هل ستأخذ إيران المنطقة إلى انفجار جديد في ضوء إصرارها على البقاء، مباشرة أو عبر أدواتها، في الجنوب السوري والمناطق المحيطة بدمشق؟
في كلّ الأحوال، لن تجد إسرائيل صعوبة في إعداد نفسها لتشريع احتلال جديد لأرض عربية، على غرار ما تفعله في القدس والضفّة الغربية حيث تتابع سياسة الاستيطان. ما العمل عندما تكون الظروف الإقليمية والدولية مواتية لها وعندما يتبيّن أن النظام السوري فعل كلّ شيء منذ العام 1967 كي يبقى الجولان محتلا.
كان احتلال الجولان يخدم، بالنسبة إلى النظام السوري، أهدافا عدّة في الوقت ذاته. كان يغطي حملته المستمرّة على الشعب الفلسطيني. لعلّ ما حلّ بمخيم اليرموك في دمشق أخيرا أفضل دليل على نظرة هذا النظام للشعب الفلسطيني. كذلك كان الجولان يغطي طموحه الدائم لفرض سيطرته على لبنان.
الواضح الآن أن لعبة الجولان انتهت سوريا. ستستمر إيرانيا. معروف أن البداية الإيرانية لهذه اللعبة كانت مع اندلاع الثورة السورية في آذار – مارس 2011. كيف ستنتهي هذه اللعبة الإيرانية – الإسرائيلية من دون حرب إقليمية باتت في هذه الأيّام حاجة إيرانية أكثر من أيّ شيء آخر؟
- خيرالله خيرالله
الأحد، مايو 27، 2018
الجزائر.. حملات لمقاطعة “الوثائق البيومترية” بسبب رسوم جديدة
رغم دفاع الحكومة الجزائرية
عن قرارها بفرض رسوم على استصدار وثائق “الهوية الوطنية” وجواز السفر، إلا
أن ذلك لم يُوقف حملة الانتقادات اللاذعة لمواد مشروع قانون الموازنة
التكميلي لسنة 2018.
وتذرّعت حكومة رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى بأن قيمة “الوثائق
البيومترية” تكلف الخزينة العمومية مبالغ طائلة، وأن الجزائر ليست البلد
الوحيد الذي يفرضها.
وقال وزير الداخلية الجزائري، نور الدين بدوي، في خطوة لامتصاص غضب
الشارع الجزائري، إن التسعيرات الجديدة “لا تزال قيد الدراسة والنقاش، ولم
يتم تفعيلها بعد”.
ومن بين الأسباب التي ساقها، بدوي، للجوء الحكومة إلى فرض ضرائب على
استخراج الوثائق البيومترية، أنها “مكلفة، وسعرها في الجزائر أقل مقارنة
بالدول الأخرى”.
وأضاف الوزير خلال ندوة صحفية عقدها اليوم في الجزائر العاصمة:”بطاقة
الهوية الوطنية، وجواز السفر، البيومتريين، سيكونان بمقابل مالي”، مشيرًا
الى أن بلاده “ليست الوحيدة التي فرضت تكلفة لاستخراج الوثائق الإلكترونية،
حيث تفرض فرنسا على الراغبين في استخراج بطاقة الهوية دفع 33 يورو”.
وخلفت الضرائب الجديدة المفروضة على الجزائريين، في حال استخراج وثائق
الهّوية الوطنية، برسم مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2018، موجة غضب
على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين دعوا لحملة مقاطعة استخراج الوثائق
البيومترية تحت شعار “خليها عندك” بمعنى “اترك الوثائق لديك”.
وحدّدت الحكومة الجزائرية، تكلفة استخراج بطاقة التعريف البيومترية
الإلكترونية بـ18 دولارًا، فيما حددت قيمة استخراج جواز السفر البيومتري
الإلكتروني بمبلغ 70 دولارًا بالنسبة للجواز المكون من 28 صفحة، و350
دولارًا بالنسبة للجواز الذي يتكون من 48 صفحة، وتمتد صلاحيته إلى عشر
سنوات.
وقدَّرت رسوم رخصة السياقة البيومترية الإلكترونية بمبلغ 70 دولارًا، وكلفة بطاقة ترقيم السيارات بمبلغ 140 دولارًا.
وفي السياق، دعا الخبير الاقتصادي والمالي كمال رزيق، الرئيس الجزائري
عبد العزيز بوتفليقة للتدخل لإلغاء أحكام مشروع قانون المالية التكميلي،
كونها “لا تخدم المواطن، الذي لن يستطع استخراج الوثائق بسبب كلفتها
الباهظة”.
وقال رزيق، خلال تصريحات لـ” إرم نيوز” إن تبريرات الحكومة لفرض ضرائب
جديدة على مجموعة من الوثائق غير منطقية، مؤكدًا بلغة ساخرة:”نطالب الحكومة
بحصولها على سجل تجاري، لأنها تقوم ببيع الأوراق الإدارية للمواطن بهامش
ربح”.
علماء يبتكرون هجينًا غريبًا نصفه إنسان والآخر دجاجة
نجح علماء أمريكيون في مزج خلايا بشرية اصطناعية مع أجنة دجاجة، في تجربة علمية غريبة لإنماء بنية عظمية وأعصاب جديدة.
أُجريت الدراسة من قِبل فريق بحث في جامعة “روكفلر” في نيويورك، بهدف استغلال أجنة الطيور والخلايا الاصطناعية المصممة لاستبدال الأنسجة البشرية.
ووفقًا لصحيفة “ذا صن” البريطانية، من خلال جمع الخلايا البشرية المصممة
في المعمل بجنين الدجاج، سيتمكن العلماء من مراقبة كيفية تنظيم الخلايا
لنفسها.
وكشف الباحثون النقاب عن الأعمال الداخلية لما يسمى بـ”الخلايا
المُنظّمة”، والتي تجسد كيفية تشكل جسم الإنسان، إذ قال الدكتور “علي
بريفانلو”: “لا أحد يعرف ما الذي يحدث بعد التصاق كرة الخلايا بالرحم”.
ورغم غرابة الابتكار، إلا أن هذه التجربة يمكن أن تساعد في حل المعضلات
الأخلاقية طويلة الأمد، المتعلقة باستخدام الأجنة البشرية في التجارب
المعملية، حيث تحظر دول مثل الولايات المتحدة، استخدام الأجنة التي بلغ
عمرها أكثر من 14 يومًا، وهو الوقت نفسه تقريبًا الذي تبدأ الخلايا المنظمة
التكوّن فيه.
وفي الدراسة الجديدة، تخطى الباحثون هذه القاعدة من خلال إنماء خلايا
تشبه الأجنة، مشتقة من الخلايا الجنينية البشرية، حيث قاموا بزراعة الخلايا
في أجنة دجاج عمرها 12 ساعة، والتي تعادل جنينًا بشريًا عمره 14 يومًا.
بعد الاختبار، ذُهل الباحثون عندما نما جنين الدجاج، حيث عملت الخلايا المنظمة على تشكيل نظام عصبي ثانٍ للدجاج.
وكشف مارتن بيرا، وهو باحث في الخلايا الجذعية، أن هذه النتائج فتحت
آفاقًا جديدة، لدراسة كيفية حدوث العيوب الخلقية في المراحل المبكرة من
تطور الجنين.
إيران المنبوذة وخيار الصفر
حصر نظام الملالي إيران بسياساته المتخلفة التي استحق بسببها النبذ والإقصاء إقليميا وعالميا.
وإذا ما كان من البديهي أن يتبنى نظام شمولي مثل النظام الإيراني سياسات لا تعترف بالقانون الدولي الذي ينظم العلاقات بين الدول، فإن الشعوب الإيرانية ظُلمت مرتين. مرة حين تسلط عليها نظام قمعي لا يعترف بحقوق الإنسان ولا بقداسة الحياة ولا بمبادئ السلام والإخاء والحرية. ومرة أخرى حين تعرضت للعزل والإقصاء بسبب موقف العالم المشمئز من تصرفات النظام الإيراني.
لم تلعب إيران دورا إيجابيا في المنطقة ومن ورائها العالم منذ حوالي أربعين سنة حين وضعها الملالي في موقع الوصيّ على شعوب الدول المجاورة لها والتي تربطها بالشعوب الإيرانية علاقات تاريخية، ثقافية واجتماعية واقتصادية وطيدة والتي كانت تتمنى أن ترى في إيران دولة جارة تتحرر من عقدة شرطي الخليج.
غير أن إيران التي يُفترض أنها غادرت عصر التغطرس الشاهنشاهي لم تثبت أنها قد تحررت من عقدتها القومية. العكس هو ما حدث. لقد ابتكر الخميني، وهو مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، مبدأ “تصدير الثورة” وربط مصيرها به. وهو ما لم تتمكن من الخلاص منه حتى بعد حوالي ثلاثين سنة من غياب الخميني. كان مبدأ تصدير الثورة الذي تبنته إيران الخمينية أكثر شراسة وفتكا بأصول وقوانين العلاقات بين الدول والشعوب من دور شرطي الخليج الذي كانت تلعبه إيران محمد رضا بهلوي.
فإضافة إلى ما ينطوي عليه ذلك المبدأ من عدوانية وتدخل سافر في شؤون الدول والشعوب، فإنه يهدد بعسكرة المنطقة ونشوء علاقة بين دولها قائمة على سباق تسلح، ينذر بقيام الحرب في أي لحظة. وهو ما صار اليوم واقع حال تعيشه دول وشعوب المنطقة بذعر.
لقد تحولت دول المنطقة إلى ما يشبه مخازن للسلاح ضاقت الأرض والفضاء بمحتوياتها. فمَن يضمن عدم وقوع صدام عن طريق الخطأ سيكون بمثابة شرارة لنار قد لا تنطفئ؟
ما صارت الدول المجاورة لإيران، وبالأخص الدول العربية، مضطرة للقيام به دفاعا عن النفس لم يكن ليقع لولا برامج التسلح التي أهدر النظام الإيراني في الإنفاق عليها ثروات كان في إمكانها أن ترتقي بالشعـوب الإيرانية إلى مستوى الترف والرفاهية لو أنها أنفقت في مجال تطوير الحياة وتطوير أساليب العيش.
غير أن نظاما شموليا يستند إلى التفويض الإلهي مثل النظام الإيراني لا يمكنه الالتفات إلى الإنسان إلا باعتباره مادة لحروب دائمة.
لقد أفضت لغة القوة التي أشاعها النظام الإيراني بين صبيانه المحليين في الدول التي نجح في التغلغل فيها إلى الإيمان بحق استعمال السلاح لحل المشكلات السياسية، صغيرها وكبيرها. وهو ما يجسده تعامل حزب الله مع شركائه المفترضين في العملية السياسية بلبنان.
حزب الله باعتباره صنيعة إيرانية يؤمن هو الآخر بحقه في تصدير مشروعه القاضي بإعادة صياغة المجتمع وفق مقاييس تقدم الموت على الحياة خدمة للعقيدة، وهو ما يجعله وفيا لخط الإمام الخميني الذي تشكل الجنائز واحدة من أهم علامات الإشهار عنه.
يمكن رؤية النموذج الذي تسعى إيران إلى تصديره إلى البلدان التي نُكبت بقيام الميليشيات الطائفية صريحا وواضحا في الضاحية الجنوبية، وهي حقل ألغام بشرية أنشأه حزب الله في بيروت.
يتساءل المرء حين تستفزه المشاهد الرثة المدعومة برياء إعلامي مضلل يتخذ من القتلى المجانيين ستارا له بطريقة تهريجية “أهذا مستقبل المنطقة الذي تبشر به إيران؟”. منذ أربعين سنة تعيش إيران حالة طوارئ.
من الطبيعي ألا يتمنى المرء للشعوب الإيرانية أن تقضي حياتها في ظل وضع لا تُصان فيه حريات الأفراد، ولكن الأمر سيهون لو كان حصرا بالداخل الإيراني. لقد أدى جنون النظام الإيراني إلى انتشار الذعر، فصار على المنطقة كلها أن تعيش حالة طوارئ.
إيران التي اعتقدت أنها نجحت في أن تأسر المنطقة كلها بإيقاعها الجنائزي تعيش اليوم لحظة عودتها إلى خيار الصفر. ذلك الخيار سيعيد إيران إلى حجمها الطبيعي، وهو ما سيسمح للشعوب الإيرانية بأن تطالب بالعيش خارج منطقة حالة الطوارئ التي فرضت عليها بموجب مبدأ تصدير الثورة الـذي سيصبح جزءا من الماضي إذا ما وافق النظام على تنفيذ الشروط الأميركية.
أما إذا لم يوافق وهو أمر مستبعد، فإن ذلك النظام سيكون أمام استحقاق تاريخي تأخر كثيرا. صحيح أن ذلك الاستحقاق سيجلب معه حلقة جديدة من حلقات المعاناة التي ستضرب الشعب الإيراني، غير أنها ستكون باب الفرج الذي ينفتح على الحرية من خلال التخلص من سماسرة المسيرات الجنائزية.
وإذا ما كان من البديهي أن يتبنى نظام شمولي مثل النظام الإيراني سياسات لا تعترف بالقانون الدولي الذي ينظم العلاقات بين الدول، فإن الشعوب الإيرانية ظُلمت مرتين. مرة حين تسلط عليها نظام قمعي لا يعترف بحقوق الإنسان ولا بقداسة الحياة ولا بمبادئ السلام والإخاء والحرية. ومرة أخرى حين تعرضت للعزل والإقصاء بسبب موقف العالم المشمئز من تصرفات النظام الإيراني.
لم تلعب إيران دورا إيجابيا في المنطقة ومن ورائها العالم منذ حوالي أربعين سنة حين وضعها الملالي في موقع الوصيّ على شعوب الدول المجاورة لها والتي تربطها بالشعوب الإيرانية علاقات تاريخية، ثقافية واجتماعية واقتصادية وطيدة والتي كانت تتمنى أن ترى في إيران دولة جارة تتحرر من عقدة شرطي الخليج.
غير أن إيران التي يُفترض أنها غادرت عصر التغطرس الشاهنشاهي لم تثبت أنها قد تحررت من عقدتها القومية. العكس هو ما حدث. لقد ابتكر الخميني، وهو مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، مبدأ “تصدير الثورة” وربط مصيرها به. وهو ما لم تتمكن من الخلاص منه حتى بعد حوالي ثلاثين سنة من غياب الخميني. كان مبدأ تصدير الثورة الذي تبنته إيران الخمينية أكثر شراسة وفتكا بأصول وقوانين العلاقات بين الدول والشعوب من دور شرطي الخليج الذي كانت تلعبه إيران محمد رضا بهلوي.
فإضافة إلى ما ينطوي عليه ذلك المبدأ من عدوانية وتدخل سافر في شؤون الدول والشعوب، فإنه يهدد بعسكرة المنطقة ونشوء علاقة بين دولها قائمة على سباق تسلح، ينذر بقيام الحرب في أي لحظة. وهو ما صار اليوم واقع حال تعيشه دول وشعوب المنطقة بذعر.
لقد تحولت دول المنطقة إلى ما يشبه مخازن للسلاح ضاقت الأرض والفضاء بمحتوياتها. فمَن يضمن عدم وقوع صدام عن طريق الخطأ سيكون بمثابة شرارة لنار قد لا تنطفئ؟
ما صارت الدول المجاورة لإيران، وبالأخص الدول العربية، مضطرة للقيام به دفاعا عن النفس لم يكن ليقع لولا برامج التسلح التي أهدر النظام الإيراني في الإنفاق عليها ثروات كان في إمكانها أن ترتقي بالشعـوب الإيرانية إلى مستوى الترف والرفاهية لو أنها أنفقت في مجال تطوير الحياة وتطوير أساليب العيش.
غير أن نظاما شموليا يستند إلى التفويض الإلهي مثل النظام الإيراني لا يمكنه الالتفات إلى الإنسان إلا باعتباره مادة لحروب دائمة.
لقد أفضت لغة القوة التي أشاعها النظام الإيراني بين صبيانه المحليين في الدول التي نجح في التغلغل فيها إلى الإيمان بحق استعمال السلاح لحل المشكلات السياسية، صغيرها وكبيرها. وهو ما يجسده تعامل حزب الله مع شركائه المفترضين في العملية السياسية بلبنان.
حزب الله باعتباره صنيعة إيرانية يؤمن هو الآخر بحقه في تصدير مشروعه القاضي بإعادة صياغة المجتمع وفق مقاييس تقدم الموت على الحياة خدمة للعقيدة، وهو ما يجعله وفيا لخط الإمام الخميني الذي تشكل الجنائز واحدة من أهم علامات الإشهار عنه.
يمكن رؤية النموذج الذي تسعى إيران إلى تصديره إلى البلدان التي نُكبت بقيام الميليشيات الطائفية صريحا وواضحا في الضاحية الجنوبية، وهي حقل ألغام بشرية أنشأه حزب الله في بيروت.
يتساءل المرء حين تستفزه المشاهد الرثة المدعومة برياء إعلامي مضلل يتخذ من القتلى المجانيين ستارا له بطريقة تهريجية “أهذا مستقبل المنطقة الذي تبشر به إيران؟”. منذ أربعين سنة تعيش إيران حالة طوارئ.
من الطبيعي ألا يتمنى المرء للشعوب الإيرانية أن تقضي حياتها في ظل وضع لا تُصان فيه حريات الأفراد، ولكن الأمر سيهون لو كان حصرا بالداخل الإيراني. لقد أدى جنون النظام الإيراني إلى انتشار الذعر، فصار على المنطقة كلها أن تعيش حالة طوارئ.
إيران التي اعتقدت أنها نجحت في أن تأسر المنطقة كلها بإيقاعها الجنائزي تعيش اليوم لحظة عودتها إلى خيار الصفر. ذلك الخيار سيعيد إيران إلى حجمها الطبيعي، وهو ما سيسمح للشعوب الإيرانية بأن تطالب بالعيش خارج منطقة حالة الطوارئ التي فرضت عليها بموجب مبدأ تصدير الثورة الـذي سيصبح جزءا من الماضي إذا ما وافق النظام على تنفيذ الشروط الأميركية.
أما إذا لم يوافق وهو أمر مستبعد، فإن ذلك النظام سيكون أمام استحقاق تاريخي تأخر كثيرا. صحيح أن ذلك الاستحقاق سيجلب معه حلقة جديدة من حلقات المعاناة التي ستضرب الشعب الإيراني، غير أنها ستكون باب الفرج الذي ينفتح على الحرية من خلال التخلص من سماسرة المسيرات الجنائزية.
إمّا أن تنسحب إيران من سورية وإما أن تصطدم بروسيا
هناك جديد في الأزمة السورية يؤكّد أن تفاهمات
الولايات المتحدة وروسيا لم تسقط، وأهمها العمل على حلّ سياسي يتأسس على
دستور جديد وانتخابات في السنة 2021. وما الغياب الأميركي عن اجتماع
«آستانة 9» سوى مؤشّر آخر الى أن واشنطن موافقة على النهج الروسي في إنهاء
الحرب، ولم تعد معنيّة بما يجري طالما أن موسكو تراعي الشروط التي حدّدتها
سابقاً، ومنها أن لا تكون إيران جزءاً من الحل وأن يقلّص الدستور المقبل
صلاحيات الرئيس وأن تُجرى الانتخابات بإشراف دولي صارم وفي ظروف مواتية.
هذا لا يستبعد الصعوبات في المرحلة «الانتقالية»، إذ سيبقى بشار الأسد
خلالها ممارساً صلاحياته المطلقة، وسيواصل حليفه الإيراني تحريضه على عدم
المضيّ الى حلٍّ سياسي حتى في صيغته الروسية.
بدأ موفدون أميركيون الى شمال سورية الدراسات الميدانية تحضيراً لانسحاب يقولون إنه يجب أن يتم بحلول تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وهو موعد يكسب في واشنطن وموسكو أهمية خاصة، إذ يفترض فريق دونالد ترامب أن الشهور الستة المقبلة ستكون حاسمة في تحرير الرئيس نهائياً من الاشتباه بتعاونه مع التدخّل الروسي في الانتخابات الرئاسية، وبالتالي فإن هذا المُعطى سينعكس إيجاباً على مرشحي الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي لأعضاء الكونغرس. بموازاة ذلك، ستتضح أكثر نتائج القمة الأميركية - الكورية الشمالية وما إذا كانت توصّلت الى إزالة أي تهديدات نووية مستقبلية، وستكون العقوبات المجدَّدة على إيران بلغت ذروتها في التشدّد إذا لم تقدّم طهران تنازلات قبل ذلك. في المقابل، يأمل الروس أن يكون مناخ «ما بعد نوفمبر» مناسباً لمعاودة الحوار والتعاون ولإنهاء شبه القطيعة الحالية بين الدولتَين. وبالتزامن مع هذا الموعد، يُفترض أن تكون مفاعيل الانتخابات الأخيرة في العراق اتّضحت في تشكيل حكومة جديدة غير خاضعة لطهران، وأن يكون الضغط الميداني على الحوثيين قد أنضج وضعاً مناسباً لطرح تسوية سياسية في اليمن، وأن تكون الضربات الإسرائيلية المتلاحقة (بموافقة روسية) قد فرضت على الإيرانيين وأتباعهم خيارات أخرى في سورية.
في هذا السياق، جرى لقاء فلاديمير بوتين مع الأسد لوضع خريطة الطريق الجديدة أمام رأس النظام، وإبلاغه أن الأمر من الآن فصاعداً سيكون لموسكو. فلا الأميركيون ولا الأوروبيون، ولا العرب أو الأتراك، يعترضون على ذلك، لكنهم يدعمون الدور الروسي في سورية بشروط حان الوقت لإيفائها «بعد الانتصارات المهمة التي تمّ تحقيقها». وأبرز تلك الشروط أن الدور الروسي لن يكون مقبولاً في حالات ثلاث: 1) إذا ساهم في تثبيت الوجود الإيراني في سورية، و 2) إذا لم يدفع النظام الى تفاوضٍ جدّي على الحلّ، و3) إذا لم يكن هناك حلّ سياسي حقيقي فلن تكون هناك أي مساهمة دولية في عملية إعادة الإعمار... عاد الأسد من سوتشي مكبّلاً بخيار صعب كان يعرف أنه سيواجهه يوماً لكنه لم يظنّه وشيكاً: التحالف مع إيران لم يعد متاحاً. وبسرعة البرق انعكس هذا التوجّه على أوساط النظام بمقدار ما كان ظهور الشرطة الروسية ازداد كثافةً في شوارع دمشق، وحتى في أوساط الإيرانيين وأتباعهم الذين تابعوا سلسلة إعادات الانتشار التي باشروا بها لقواتهم بل نُقل عن مصادر أنهم أقفلوا «حوزات» عدة في ريفَي اللاذقية وطرطوس. ولم يعد صعباً استشعار انتعاش الأجنحة العسكرية العاملة مع الروس في مقابل إحباط انتاب الأجنحة المتعاونة مع الإيرانيين ولا سيما الاستخبارات الجوية، فضلاً عن الميليشيات التي أنشأوها ولا تزال مرتبطة بهم.
لكن روسيا استخدمت كل إمكاناتها وابتزازاتها للدول المعنيّة وكل وحشيتها العسكرية ضد المعارضة وفصائلها المقاتلة لتعدّل أحد تلك الشروط، وأهمّها بالمنظور المستقبلي، وهو الحلّ السياسي شكلاً ومضموناً. لذلك، لم يعد مستغرباً أن يُسمع في اللقاءات الدولية من يقول لوفود «الهيئة العليا للمفاوضات» و «الائتلاف» إن على المعارضة أن تنسى «بيان جنيف» و «مفاوضات جنيف» وأخيراً بات يقال أيضاً للمعارضة «انسوا القرار 2254» فهو مجرد ورقة يمكن الاسترشاد بها عند الاقتضاء. وليس في ذلك جديد مفاجئ، فهذا كان فحوى اجتماع بين الوزير الأميركي السابق جون كيري مع المنسق السابق لهيئة المفاوضات رياض حجاب في العام 2016. وهذا أيضاً ما أبلغه المبعوث الأميركي الخاص مايكل راتني لاحقاً الى المعارضة عندما قال بوضوح إن «هيئة الحكم الانتقالي» (كما وردت في «بيان جنيف» وفي القرارين 2118 و2254) «ليست عملية ولا قابلة للاستمرار». وإذا كان مفهوماً أن تتمسك المعارضة بالقرارات الدولية، كونها ترجمت الاعتراف الدولي بها وبشرعية طموحاتها، إلا أن هذا الاعتراف ظلّ شكلياً ولم يمنع الدول المصنِّفة نفسَها «أصدقاء سورية» من أن تتخفّف من الشروط بغية تسهيل الآليات التي تطرحها روسيا وتصرّ عليها بكثير من الصلف والعناد.
الواضح في كلام بوتين للأسد أمران. الأول، أن ما تحقق عسكرياً كافٍ للبدء بـ «محادثات السلام سواء في آستانة أو في سوتشي». والآخر، أنه «مع بدء المرحلة النشطة من العملية السياسية ستنسحب القوات الأجنبية من الأراضي السورية». لم يشر الى جنيف، أما بالنسبة الى القوات الأجنبية المعنية فتولّى المبعوث الخاص ألكسندر لافرنتييف التوضيح أنها «الأميركية والتركية والإيرانية وميليشيا حزب الله». كان بوتين نفسه مَن دافع في مؤتمر صحافي عن وجود الإيرانيين بأنه مماثل للوجود الروسي بكونه تمّ بدعوة من نظام الأسد. لكن تشديده على الانسحابات ربما يشير الى «حماية» العملية السياسية من جهة، فيما يؤكّد من جهة أخرى ضرورة «إنعاش الاقتصاد» و «تقديم المساعدات الإنسانية»، أي أنه يقدّم روسيا كضامنة ومسؤولة عن «الاستقرار» في سورية.
ثمة طموح متضخّم في كلام الرئيس الروسي، وملمح «مسؤولية» لم يتبلور في السلوك الروسي طوال الأعوام الثمانية للأزمة. لذا فمن الطبيعي أن تدفع الشكوك المتراكمة الى طرح تساؤلات أولها وأهمها: هل بات بوتين مهتمّاً فعلاً بإنجاز حلٍّ في سورية، وهل تخلّى عن رهن هذا الحل بمساومات مع الأميركيين والأوروبيين على مصالح روسية خارج سورية، وهل نسيت الخارجية الروسية تصريحات للناطقة باسمها (خلال أزمة إيصال مساعدات إنسانية الى حلب) حين استبعدت أي تنسيق مع أميركا ما لم تُرفع العقوبات عن روسيا بسبب أزمة اوكرانيا؟ على رغم كل المآخذ، كان السؤال دائماً هل ستتصرّف روسيا بحسّ المسؤولية المفترض في دولة كبرى، ومتى ستفعل؟ لا شك في أن انسحاب القوات الأجنبية يضاعف مسؤوليتها ويستدعي ما لم يظهر أبداً منذ تدخلها المباشر، وهو الحكمة والعقلانية.
كان هناك دائماً مقدار كبير من الخفّة في التجاهل الروسي للمعارضة، فهذه ليست مثالية ولا كاملة الأوصاف لكن تجاهلها كان ولا يزال يُبطن تجاهلاً للشعب السوري، ومن شأنه إذا استمر خلال العمل على الحل السياسي أن يفجّر الوضع بين أيدي الروس، خصوصاً أن العودة الى الانتفاضة السلمية غير المعسكرة خيار موجود لدى المجتمع المدني السوري، تحديداً خلال ما يسمّيه بوتين «المرحلة النشطة» من العملية السياسية التي بات يقال الآن إنها «تبدأ مع الأسد ولا تنتهي به أو معه». الأسوأ في السلوك الروسي، وليس واضحاً أن موسكو تدركه وتريد تصحيحه، أنه لم يعترف يوماً بطموحات الشعب السوري وحقوقه، ولم يعترف استطراداً بأي معارضة، وهذا مطابق تماماً لتعامل بوتين مع معارضيه. لم يكن التوجّه الروسي مركّزاً فقط على أولوية هزم الفصائل المعارضة المقاتلة (قبل هزم «داعش») عسكرياً وتهجير سكان المناطق التي تسيطر عليها، بل اهتمّت أيضاً بكسر المعارضة السياسية وعاملتها باعتبارها عنصراً لم يكن له أن يوجد، حتى أن الوزير سيرغي لافروف انبرى أكثر من مرّة الى مهاجمة المعارضة السورية بلهجة غير مبررة ولا متناسبة مع مواقفها وضبطها للنفس إزاء كل الفظائع التي ارتكبتها روسيا. فهل تبقى هذه العقلية العدائية متحكمّة بالروس في إدارتهم الحل، وكيف ستتصرّف المعارضة بعدما أبلغها «الأصدقاء» أن مع «العملية السياسية الروسية» غدت اللعبة الوحيدة في المدينة.
بدأ موفدون أميركيون الى شمال سورية الدراسات الميدانية تحضيراً لانسحاب يقولون إنه يجب أن يتم بحلول تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وهو موعد يكسب في واشنطن وموسكو أهمية خاصة، إذ يفترض فريق دونالد ترامب أن الشهور الستة المقبلة ستكون حاسمة في تحرير الرئيس نهائياً من الاشتباه بتعاونه مع التدخّل الروسي في الانتخابات الرئاسية، وبالتالي فإن هذا المُعطى سينعكس إيجاباً على مرشحي الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي لأعضاء الكونغرس. بموازاة ذلك، ستتضح أكثر نتائج القمة الأميركية - الكورية الشمالية وما إذا كانت توصّلت الى إزالة أي تهديدات نووية مستقبلية، وستكون العقوبات المجدَّدة على إيران بلغت ذروتها في التشدّد إذا لم تقدّم طهران تنازلات قبل ذلك. في المقابل، يأمل الروس أن يكون مناخ «ما بعد نوفمبر» مناسباً لمعاودة الحوار والتعاون ولإنهاء شبه القطيعة الحالية بين الدولتَين. وبالتزامن مع هذا الموعد، يُفترض أن تكون مفاعيل الانتخابات الأخيرة في العراق اتّضحت في تشكيل حكومة جديدة غير خاضعة لطهران، وأن يكون الضغط الميداني على الحوثيين قد أنضج وضعاً مناسباً لطرح تسوية سياسية في اليمن، وأن تكون الضربات الإسرائيلية المتلاحقة (بموافقة روسية) قد فرضت على الإيرانيين وأتباعهم خيارات أخرى في سورية.
في هذا السياق، جرى لقاء فلاديمير بوتين مع الأسد لوضع خريطة الطريق الجديدة أمام رأس النظام، وإبلاغه أن الأمر من الآن فصاعداً سيكون لموسكو. فلا الأميركيون ولا الأوروبيون، ولا العرب أو الأتراك، يعترضون على ذلك، لكنهم يدعمون الدور الروسي في سورية بشروط حان الوقت لإيفائها «بعد الانتصارات المهمة التي تمّ تحقيقها». وأبرز تلك الشروط أن الدور الروسي لن يكون مقبولاً في حالات ثلاث: 1) إذا ساهم في تثبيت الوجود الإيراني في سورية، و 2) إذا لم يدفع النظام الى تفاوضٍ جدّي على الحلّ، و3) إذا لم يكن هناك حلّ سياسي حقيقي فلن تكون هناك أي مساهمة دولية في عملية إعادة الإعمار... عاد الأسد من سوتشي مكبّلاً بخيار صعب كان يعرف أنه سيواجهه يوماً لكنه لم يظنّه وشيكاً: التحالف مع إيران لم يعد متاحاً. وبسرعة البرق انعكس هذا التوجّه على أوساط النظام بمقدار ما كان ظهور الشرطة الروسية ازداد كثافةً في شوارع دمشق، وحتى في أوساط الإيرانيين وأتباعهم الذين تابعوا سلسلة إعادات الانتشار التي باشروا بها لقواتهم بل نُقل عن مصادر أنهم أقفلوا «حوزات» عدة في ريفَي اللاذقية وطرطوس. ولم يعد صعباً استشعار انتعاش الأجنحة العسكرية العاملة مع الروس في مقابل إحباط انتاب الأجنحة المتعاونة مع الإيرانيين ولا سيما الاستخبارات الجوية، فضلاً عن الميليشيات التي أنشأوها ولا تزال مرتبطة بهم.
لكن روسيا استخدمت كل إمكاناتها وابتزازاتها للدول المعنيّة وكل وحشيتها العسكرية ضد المعارضة وفصائلها المقاتلة لتعدّل أحد تلك الشروط، وأهمّها بالمنظور المستقبلي، وهو الحلّ السياسي شكلاً ومضموناً. لذلك، لم يعد مستغرباً أن يُسمع في اللقاءات الدولية من يقول لوفود «الهيئة العليا للمفاوضات» و «الائتلاف» إن على المعارضة أن تنسى «بيان جنيف» و «مفاوضات جنيف» وأخيراً بات يقال أيضاً للمعارضة «انسوا القرار 2254» فهو مجرد ورقة يمكن الاسترشاد بها عند الاقتضاء. وليس في ذلك جديد مفاجئ، فهذا كان فحوى اجتماع بين الوزير الأميركي السابق جون كيري مع المنسق السابق لهيئة المفاوضات رياض حجاب في العام 2016. وهذا أيضاً ما أبلغه المبعوث الأميركي الخاص مايكل راتني لاحقاً الى المعارضة عندما قال بوضوح إن «هيئة الحكم الانتقالي» (كما وردت في «بيان جنيف» وفي القرارين 2118 و2254) «ليست عملية ولا قابلة للاستمرار». وإذا كان مفهوماً أن تتمسك المعارضة بالقرارات الدولية، كونها ترجمت الاعتراف الدولي بها وبشرعية طموحاتها، إلا أن هذا الاعتراف ظلّ شكلياً ولم يمنع الدول المصنِّفة نفسَها «أصدقاء سورية» من أن تتخفّف من الشروط بغية تسهيل الآليات التي تطرحها روسيا وتصرّ عليها بكثير من الصلف والعناد.
الواضح في كلام بوتين للأسد أمران. الأول، أن ما تحقق عسكرياً كافٍ للبدء بـ «محادثات السلام سواء في آستانة أو في سوتشي». والآخر، أنه «مع بدء المرحلة النشطة من العملية السياسية ستنسحب القوات الأجنبية من الأراضي السورية». لم يشر الى جنيف، أما بالنسبة الى القوات الأجنبية المعنية فتولّى المبعوث الخاص ألكسندر لافرنتييف التوضيح أنها «الأميركية والتركية والإيرانية وميليشيا حزب الله». كان بوتين نفسه مَن دافع في مؤتمر صحافي عن وجود الإيرانيين بأنه مماثل للوجود الروسي بكونه تمّ بدعوة من نظام الأسد. لكن تشديده على الانسحابات ربما يشير الى «حماية» العملية السياسية من جهة، فيما يؤكّد من جهة أخرى ضرورة «إنعاش الاقتصاد» و «تقديم المساعدات الإنسانية»، أي أنه يقدّم روسيا كضامنة ومسؤولة عن «الاستقرار» في سورية.
ثمة طموح متضخّم في كلام الرئيس الروسي، وملمح «مسؤولية» لم يتبلور في السلوك الروسي طوال الأعوام الثمانية للأزمة. لذا فمن الطبيعي أن تدفع الشكوك المتراكمة الى طرح تساؤلات أولها وأهمها: هل بات بوتين مهتمّاً فعلاً بإنجاز حلٍّ في سورية، وهل تخلّى عن رهن هذا الحل بمساومات مع الأميركيين والأوروبيين على مصالح روسية خارج سورية، وهل نسيت الخارجية الروسية تصريحات للناطقة باسمها (خلال أزمة إيصال مساعدات إنسانية الى حلب) حين استبعدت أي تنسيق مع أميركا ما لم تُرفع العقوبات عن روسيا بسبب أزمة اوكرانيا؟ على رغم كل المآخذ، كان السؤال دائماً هل ستتصرّف روسيا بحسّ المسؤولية المفترض في دولة كبرى، ومتى ستفعل؟ لا شك في أن انسحاب القوات الأجنبية يضاعف مسؤوليتها ويستدعي ما لم يظهر أبداً منذ تدخلها المباشر، وهو الحكمة والعقلانية.
كان هناك دائماً مقدار كبير من الخفّة في التجاهل الروسي للمعارضة، فهذه ليست مثالية ولا كاملة الأوصاف لكن تجاهلها كان ولا يزال يُبطن تجاهلاً للشعب السوري، ومن شأنه إذا استمر خلال العمل على الحل السياسي أن يفجّر الوضع بين أيدي الروس، خصوصاً أن العودة الى الانتفاضة السلمية غير المعسكرة خيار موجود لدى المجتمع المدني السوري، تحديداً خلال ما يسمّيه بوتين «المرحلة النشطة» من العملية السياسية التي بات يقال الآن إنها «تبدأ مع الأسد ولا تنتهي به أو معه». الأسوأ في السلوك الروسي، وليس واضحاً أن موسكو تدركه وتريد تصحيحه، أنه لم يعترف يوماً بطموحات الشعب السوري وحقوقه، ولم يعترف استطراداً بأي معارضة، وهذا مطابق تماماً لتعامل بوتين مع معارضيه. لم يكن التوجّه الروسي مركّزاً فقط على أولوية هزم الفصائل المعارضة المقاتلة (قبل هزم «داعش») عسكرياً وتهجير سكان المناطق التي تسيطر عليها، بل اهتمّت أيضاً بكسر المعارضة السياسية وعاملتها باعتبارها عنصراً لم يكن له أن يوجد، حتى أن الوزير سيرغي لافروف انبرى أكثر من مرّة الى مهاجمة المعارضة السورية بلهجة غير مبررة ولا متناسبة مع مواقفها وضبطها للنفس إزاء كل الفظائع التي ارتكبتها روسيا. فهل تبقى هذه العقلية العدائية متحكمّة بالروس في إدارتهم الحل، وكيف ستتصرّف المعارضة بعدما أبلغها «الأصدقاء» أن مع «العملية السياسية الروسية» غدت اللعبة الوحيدة في المدينة.
الحياة - عبدالوهاب بدرخان
هل هو الشرق الأوسط الجديد؟
بين من يدّعي أن مشروع الشرق الأوسط الجديد جرى إحباطه
وكسره، عبر كسر حلقة تغيير الأوضاع في سورية، وبين من يعتقد أن الشرق
الأوسط غادر مواقعه القديمة من دون تحديد اتجاهاته المقبلة، جرت متغيرات
كثيرة، جعلت من الرؤى والتصورات الخاصة بالمتنازعين الشرق أوسطيين، مجرد
أفكار رغبوية، أو منحازة لأوضاع بعينها أكثر من قدرتها على قراءة الواقع
واستشراف مآلاته.
ينطلق أصحاب نظرية هزيمة مشروع الشرق الأوسط من اعتقادهم أنهم هندسوا المنطقة بما يتناسب مع مصالحهم، وأنهم قاموا بترتيب تفاصيلها باحترافية دقيقة لتصل إلى هذا المكان، بعد أن هندسوا الجغرافيا والديموغرافيا، وصنعوا التحالفات السياسية اللازمة «التحالف الإيراني –الروسي - الصيني»، والأدوات التشغيلية، «الميليشيات الطائفية»، وقاموا بإعادة صياغة القيم السياسية، «المقاومة والممانعة»، وعلى رغم أن كل ذلك يعني أننا أمام مشهد شرق أوسطي جديد في النهاية، إلا أنه وفق تفسيرهم فإنهم كرسوا واقع الشرق الأوسط ولم يتغير وفق ما بشَرت به، يوماً ما، أميركا، الشرق الأوسط الديموقراطي والحداثي، ويمكن وصف هذا الاتجاه بالاتجاه المحافظ، الذي يبتغي أصحابه من وراءه الحفاظ على الأوضاع القائمة بوصفهم أصحاب السلطة والنفوذ.
أما أصحاب نظرية حلول الشرق الأوسط الجديد، فهم يعتقدون أن المشهد بعد عام 2011 تغيّر كلية ولا يصح معه التوصيف القديم لعدم قدرته على تفسير المشهد الحالي، وبالإضافة إلى استحالة عودة عجلة الأمور إلى سابق عهدها، فإن الواقع الجديد سيلد وقائع أخرى تهيّء صورة المشهد، في مقبل الأيام، لصورة الشرق الأوسط الجديد الذي ولد من رحم تلك التحولات الهائلة التي تعمّدت بدماء مئات الآلاف، الذين لن يقبل أحد أن تذهب دماؤهم هدراً، ووفق تصور هؤلاء أنهم صنعوا دينامية التغيير والتي لن تتوقف قبل أن توصلهم إلى المكان الذي تصوروه، وأصحاب هذه النظرة ثوريون لأنهم يريدون تغيير الأوضاع القديمة بأوضاع جديدة تتناسب مع مصالحهم.
تؤشر هذه التصوّرات إلى طبيعة الصراع الحاصل في المنطقة والقوى التي تقف وراءه، والأهداف التي يبتغي كل هدف تحقيقها، وإن كان كلا الطرفين يميل إلى المبالغة لدرجة يذهب معها إلى رسم مسار افتراضي تنضبط التطورات بداخله بعيداً من السياقات الحقيقية التي تجري بها الأحداث وتشكّل الوقائع بطريقة مغايرة، وبناء على ديناميات أكثر تنوعاً وثراء من تلك التي يرتكز عليها أصحاب الرؤى السابقة. والسبب في ذلك أن المتغيرات الحاصلة، ليست من صناعة أيدي أصحاب الرؤى السابقة، بقدر ما هي نتاج ظروف عديدة، ومساهمة أطراف أخرى، ولكونهم لا يستطيعون التحكم بالظروف لجعل هذه المتغيرات تشتغل في مصلحتهم، كما أن تأثيرهم في الأطراف، وبخاصة الخارجية، متدن وضعيف، فإن تحكّمهم بالمآلات النهائية للتطورات غير مضمون وادعاءهم بالتالي بأن اتجاهات الأحداث تسير وفق ما هو مرسوم لها من قبلهم غير دقيق.
لكن ذلك كله لا ينفي حقيقة أن الأمور في الشرق الأوسط لم ولن تبقى كما كانت، وبعيداً ممّن يستطيع جني ثمار التغيرات وتجيير السياقات لمصلحته، فإن الأمور تغيرت، أو على الأقل تحركت من الحالة السابقة إلى حالة مختلفة، وثمة مؤشرات عدة تؤشر إلى هذا التغير، وتدعم الرأي القائل إن الشرق الأوسط على طريق التغيير، وإن لم تتضح صورة هذا التغيير بعد، أو تستقر على مشهد معين:
- عدم القدرة على التنبؤ: لزمن طويل كان يمكن توقّع الأحداث في المنطقة، وكانت الأمور قد وصلت إلى حالة من السكون والرتابة، أنظمة مستبدة وشعوب خاضعة ونخب مهمشة، وفي ظل هذا الوضع لم يكن يصدر عن هذا الشرق سوى مسيرات تأييد أو بيعات جديدة للحكام، وكانت هذه الفعاليات تأتي لتكريس حالة السكون والتأكيد عليها بين الفترة والأخرى، وهو ما خلق صورة نمطية عن السياسة والاجتماع في المنطقة، جعلت المهتمين بشؤونها، وبخاصة علماء السياسة والاجتماع الغربيين، يقدّرون استحالة حصول تحولات عميقة وفارقة، على الأقل في المديين القريب والمتوسط.
تغير الوضع تماماً بعد 2011، ولم تعد ممكنة المغامرة بإصدار توقعات نمطية، ذلك أن الأحداث والتطورات سائلة وجارية لدرجة أن التحليل الذي تتم كتابته في الصباح قد تناقضه التغيرات في المساء، سواء على مستوى الأحداث أو الفاعلين.
- انهيار المؤسسات العسكرية والأمنية المركزية، في أكثر من بلد، وبروز تشكيلات مليشياوية، بديلة، وأحياناً رديفة، في سياق الصراع السياسي، ولا يبدو أن هذه البدائل موقتة، بل يجري مأسستها وإدماجها في الحياة العامة، بعد تبييضها وإعطائها طابعاً سياسياً، كما حصل مع الحشد الشعبي العراقي، وقبله حزب الله، ومن المنتظر تكرار التجربة في سورية.
- تشكيل الهويات القبلية والطائفية والإثنية في سياقات إقليمية متجانسة، بعيداً من قدرة الدولة الوطنية ومصالحها، ويبدو هذا المثال واضح في علاقة إيران بأتباع المذهب الشيعي في العراق ولبنان وسورية، كما يتجلى على الصعيد العرقي بمحاولات الأكراد إعادة تشكيل هويتهم في شكل مستقل عن البلدان التي انتموا إليها منذ تشكّل الدولة في منطقة الشرق الأوسط. لم يعد الشرق الأوسط كما كان، الصورة القديمة تمزقت بدرجة كبيرة، ولكن الصورة الجديدة لم تتضح بعد، وهذا مبعث التضليل الحاصل لدى الكثيرين في منطقتنا، وحتى لو لم يكتمل التغيير حتى اللحظة، فالمؤكد أن ركائز الشرق الأوسط القديم تخلخلت ولم تعد صالحة، وتأسست ركائز جديدة تناسب الهيكيلية المفترضة للشرق الأوسط الجديد.
وليس بالضرورة أن تتمظهر التغيرات الجديدة على شكل جغرافيا جديدة، ظهور دول جديدة وزوال أخرى قديمة، ذلك أن الجغرافيا إحدى صور التغيير وليست كلها، على رغم أن المنطقة باتت مهيئة لحصول مثل هذه الاحتمالات، وبخاصة في سورية والعراق.
ولعلّ اتضاح صورة الشرق الأوسط الجديد يتوقف، اليوم وبدرجة كبيرة، على تفاعلات اللاعبين الدوليين، توافقهم أو صراعاتهم، الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الروسي، والاتحاد الأوروبي الذي بدأ ينشط على خطوط التفاوض وبعض الجبهات السورية، فالغالب أن أدوار اللاعبين المحليين في هذا الإطار انتهت ولم تعد ذات تأثير مهم.
ينطلق أصحاب نظرية هزيمة مشروع الشرق الأوسط من اعتقادهم أنهم هندسوا المنطقة بما يتناسب مع مصالحهم، وأنهم قاموا بترتيب تفاصيلها باحترافية دقيقة لتصل إلى هذا المكان، بعد أن هندسوا الجغرافيا والديموغرافيا، وصنعوا التحالفات السياسية اللازمة «التحالف الإيراني –الروسي - الصيني»، والأدوات التشغيلية، «الميليشيات الطائفية»، وقاموا بإعادة صياغة القيم السياسية، «المقاومة والممانعة»، وعلى رغم أن كل ذلك يعني أننا أمام مشهد شرق أوسطي جديد في النهاية، إلا أنه وفق تفسيرهم فإنهم كرسوا واقع الشرق الأوسط ولم يتغير وفق ما بشَرت به، يوماً ما، أميركا، الشرق الأوسط الديموقراطي والحداثي، ويمكن وصف هذا الاتجاه بالاتجاه المحافظ، الذي يبتغي أصحابه من وراءه الحفاظ على الأوضاع القائمة بوصفهم أصحاب السلطة والنفوذ.
أما أصحاب نظرية حلول الشرق الأوسط الجديد، فهم يعتقدون أن المشهد بعد عام 2011 تغيّر كلية ولا يصح معه التوصيف القديم لعدم قدرته على تفسير المشهد الحالي، وبالإضافة إلى استحالة عودة عجلة الأمور إلى سابق عهدها، فإن الواقع الجديد سيلد وقائع أخرى تهيّء صورة المشهد، في مقبل الأيام، لصورة الشرق الأوسط الجديد الذي ولد من رحم تلك التحولات الهائلة التي تعمّدت بدماء مئات الآلاف، الذين لن يقبل أحد أن تذهب دماؤهم هدراً، ووفق تصور هؤلاء أنهم صنعوا دينامية التغيير والتي لن تتوقف قبل أن توصلهم إلى المكان الذي تصوروه، وأصحاب هذه النظرة ثوريون لأنهم يريدون تغيير الأوضاع القديمة بأوضاع جديدة تتناسب مع مصالحهم.
تؤشر هذه التصوّرات إلى طبيعة الصراع الحاصل في المنطقة والقوى التي تقف وراءه، والأهداف التي يبتغي كل هدف تحقيقها، وإن كان كلا الطرفين يميل إلى المبالغة لدرجة يذهب معها إلى رسم مسار افتراضي تنضبط التطورات بداخله بعيداً من السياقات الحقيقية التي تجري بها الأحداث وتشكّل الوقائع بطريقة مغايرة، وبناء على ديناميات أكثر تنوعاً وثراء من تلك التي يرتكز عليها أصحاب الرؤى السابقة. والسبب في ذلك أن المتغيرات الحاصلة، ليست من صناعة أيدي أصحاب الرؤى السابقة، بقدر ما هي نتاج ظروف عديدة، ومساهمة أطراف أخرى، ولكونهم لا يستطيعون التحكم بالظروف لجعل هذه المتغيرات تشتغل في مصلحتهم، كما أن تأثيرهم في الأطراف، وبخاصة الخارجية، متدن وضعيف، فإن تحكّمهم بالمآلات النهائية للتطورات غير مضمون وادعاءهم بالتالي بأن اتجاهات الأحداث تسير وفق ما هو مرسوم لها من قبلهم غير دقيق.
لكن ذلك كله لا ينفي حقيقة أن الأمور في الشرق الأوسط لم ولن تبقى كما كانت، وبعيداً ممّن يستطيع جني ثمار التغيرات وتجيير السياقات لمصلحته، فإن الأمور تغيرت، أو على الأقل تحركت من الحالة السابقة إلى حالة مختلفة، وثمة مؤشرات عدة تؤشر إلى هذا التغير، وتدعم الرأي القائل إن الشرق الأوسط على طريق التغيير، وإن لم تتضح صورة هذا التغيير بعد، أو تستقر على مشهد معين:
- عدم القدرة على التنبؤ: لزمن طويل كان يمكن توقّع الأحداث في المنطقة، وكانت الأمور قد وصلت إلى حالة من السكون والرتابة، أنظمة مستبدة وشعوب خاضعة ونخب مهمشة، وفي ظل هذا الوضع لم يكن يصدر عن هذا الشرق سوى مسيرات تأييد أو بيعات جديدة للحكام، وكانت هذه الفعاليات تأتي لتكريس حالة السكون والتأكيد عليها بين الفترة والأخرى، وهو ما خلق صورة نمطية عن السياسة والاجتماع في المنطقة، جعلت المهتمين بشؤونها، وبخاصة علماء السياسة والاجتماع الغربيين، يقدّرون استحالة حصول تحولات عميقة وفارقة، على الأقل في المديين القريب والمتوسط.
تغير الوضع تماماً بعد 2011، ولم تعد ممكنة المغامرة بإصدار توقعات نمطية، ذلك أن الأحداث والتطورات سائلة وجارية لدرجة أن التحليل الذي تتم كتابته في الصباح قد تناقضه التغيرات في المساء، سواء على مستوى الأحداث أو الفاعلين.
- انهيار المؤسسات العسكرية والأمنية المركزية، في أكثر من بلد، وبروز تشكيلات مليشياوية، بديلة، وأحياناً رديفة، في سياق الصراع السياسي، ولا يبدو أن هذه البدائل موقتة، بل يجري مأسستها وإدماجها في الحياة العامة، بعد تبييضها وإعطائها طابعاً سياسياً، كما حصل مع الحشد الشعبي العراقي، وقبله حزب الله، ومن المنتظر تكرار التجربة في سورية.
- تشكيل الهويات القبلية والطائفية والإثنية في سياقات إقليمية متجانسة، بعيداً من قدرة الدولة الوطنية ومصالحها، ويبدو هذا المثال واضح في علاقة إيران بأتباع المذهب الشيعي في العراق ولبنان وسورية، كما يتجلى على الصعيد العرقي بمحاولات الأكراد إعادة تشكيل هويتهم في شكل مستقل عن البلدان التي انتموا إليها منذ تشكّل الدولة في منطقة الشرق الأوسط. لم يعد الشرق الأوسط كما كان، الصورة القديمة تمزقت بدرجة كبيرة، ولكن الصورة الجديدة لم تتضح بعد، وهذا مبعث التضليل الحاصل لدى الكثيرين في منطقتنا، وحتى لو لم يكتمل التغيير حتى اللحظة، فالمؤكد أن ركائز الشرق الأوسط القديم تخلخلت ولم تعد صالحة، وتأسست ركائز جديدة تناسب الهيكيلية المفترضة للشرق الأوسط الجديد.
وليس بالضرورة أن تتمظهر التغيرات الجديدة على شكل جغرافيا جديدة، ظهور دول جديدة وزوال أخرى قديمة، ذلك أن الجغرافيا إحدى صور التغيير وليست كلها، على رغم أن المنطقة باتت مهيئة لحصول مثل هذه الاحتمالات، وبخاصة في سورية والعراق.
ولعلّ اتضاح صورة الشرق الأوسط الجديد يتوقف، اليوم وبدرجة كبيرة، على تفاعلات اللاعبين الدوليين، توافقهم أو صراعاتهم، الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الروسي، والاتحاد الأوروبي الذي بدأ ينشط على خطوط التفاوض وبعض الجبهات السورية، فالغالب أن أدوار اللاعبين المحليين في هذا الإطار انتهت ولم تعد ذات تأثير مهم.
الحياة - غازي دحمان
بري وانسحاب إيران من سورية
تتجاوز إعادة انتخاب رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري
لدورة سادسة ستستمر حتى عام 2022 الأبعاد المحلية التي حتمت هذه الخطوة
وتأييدها من القوى السياسية الرئيسة.
فعلى صحة خلفيات الخطوة من الزاوية المحلية، بدءاً بغياب مرشح شيعي آخر للمنصب الذي تتبوأه الطائفة، وأهمية حصول «الثنائي الشيعي» الذي يتشكل من بري و «حزب الله»، على 26 نائباً من أصل الـ27 نائباً شيعياً في الانتخابات الأخيرة، وعلى صحة الحجة القائلة إن بري يشكل صمام الأمان للاستقرار الداخلي لأنه سعى خلال سنوات انتقال الصراع الشيعي السني إلى لبنان إلى الحوار والتهدئة وتنفيس الاحتقان، ولأن زعامات لبنانية عدة تجاوبت معه أبرزها زعيم السنة و «تيار المستقبل» سعد الحريري في مسعاه هذا، فإنه يصعب الاكتفاء بتظهير دور رئيس حركة «أمل» انطلاقاً من هذه الخلفيات وحدها، في بلد تتشابك فيه العوامل المحلية العميقة الجذور والتأثير في التركيبة اللبنانية المعقدة.
بقدر الحاجة إلى حنكة بري في التوفيق بين صعود تأثير الطائفة الشيعية في لبنان استناداً إلى الدور المتعاظم الذي لعبه «حزب الله» في قتال إسرائيل، وتحرير جنوب لبنان عام 2000 من الاحتلال الإسرائيلي ثم في إفشال عدوانها عام 2006، وبين قياس هذا الدور استناداً إلى كونه مدعوماً بأهداف إقليمية سورية وإيرانية، فإن رئيس البرلمان سعى على الدوام إلى الإفادة من الحالتين في تعزيز موقع طائفته، لكنه في الوقت نفسه عرف الحدود التي يمكن أن يذهب إليها في قياس هذا الدور استناداً إلى أسبابه الإقليمية. وهو لذلك لعب دوراً ضمنياً في تنعيم مواقف الحزب. فبري نفسه يدرك، خلافاً لقيادات في «حزب الله» تنسب إلى الحزب وإيران أنهما «أخرجا الشيعة من القمقم ولن نعود إليه»، أن الموقع الشيعي المؤثر في السلطة السياسية استند إلى قاعدة سابقة على ظهور الحزب وعلى توسع الدور الإيراني. فالتسليم بموقع الطائفة الجديد في السلطة أرساه اتفاق الطائف عام 1989، بعد مسار أطلقه الإمام موسى الصدر حين أسس «حركة المحرومين» أواخر ستينات القرن الماضي ورفدته أحزاب يسارية واشتراكية وشخصيات ليبيرالية من طوائف أخرى وعززته شعارات «المشاركة» و «إصلاح النظام» من قبل زعامات من المذاهب الإسلامية كافة، مقابل رجحان كفة ما سمي في السبعينات «المارونية السياسية» في مؤسسات السلطة. والأساس الاجتماعي لذاك الحراك الذي قاد إلى اتفاق الطائف كان ارتقاء أبناء المناطق المحرومة نتيجة توسع التعليم الرسمي، والاغتراب والاقتصاد نحو هذه المناطق، بحيث باتت هناك حاجة إلى تغيير في البنى السياسية الطائفية في لبنان وتقاسم السلطة. بري رئيس اتحاد الطلاب في لبنان في الستينات، واحد من عشرات الآلاف الذين عايشوا صيرورة التغيير ثم حتمية حصوله. وهو لذلك يدرك سواء أقر بذلك أم لم يفعل، الفرق بين الأساس «اللبناني» للموقع الجديد لطائفته وبين الأساس «الإيراني» لتعاظم دورها، القابل للانحسار إذ جرى تعظيمه بالمنشطات الإيرانية. وهذا يعني أن موقع الطائفة اللبناني سابق على نشوء الحزب. وليس عبثاً أنه من أكثر المتمسكين باتفاق الطائف، حيال الطامحين إلى نسفه أو تعديله، وليس سراً أنه لعب دوراً في حمل «حزب الله» على مغادرة أي مناورة أو أوهام بتعديله، وإن كان بعض العوامل الخارجية حال دون تطبيقه.
ليس صدفة أن بري، على صداقته مع قيادة النظام السوري، لم يرسل أياً من عناصر حركة «أمل» للقتال في سورية، ضد معارضيه ولو جرى وصمهم جميعا بـ «الإرهاب». وليس صدفة أنه على رغم انسجامه مع مقاومة الحزب لقيام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمحاكمة المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تجنب الحملات العنيفة على المحكمة، وترك الأمر للحزب.
في الزمن الحالي من الحملات الأميركية والعربية على إيران و «حزب الله»، بالعقوبات وبالمواجهة العسكرية في سورية واليمن وبالحرب الاستخبارية في غيرها، من الطبيعي أن يشكل بري الاحتياط اللبناني لعودة الحزب من مغامراته في الإقليم، إلى لبنان، إذا فرضت الظروف وموازين القوى الانكفاء وتحقيق هذه العودة، لا سيما من سورية. وهو مثل كثيرين يراقب تصاعد الحملة المضادة للتوسع الإيراني، ويتلمس الإصرار الذي بلغه الموقف العربي والغربي في مواجهة النفوذ المتضخم للدولة الفارسية في الدول العربية. ويمكن تصور مدى حرصه على ألا يصاب موقع الطائفة اللبناني بأي تأويل لتراجع إيراني محتمل، على رغم المكابرة من قبل طهران واضطرار «حزب الله» لمواكبتها في ذلك.
فعلى صحة خلفيات الخطوة من الزاوية المحلية، بدءاً بغياب مرشح شيعي آخر للمنصب الذي تتبوأه الطائفة، وأهمية حصول «الثنائي الشيعي» الذي يتشكل من بري و «حزب الله»، على 26 نائباً من أصل الـ27 نائباً شيعياً في الانتخابات الأخيرة، وعلى صحة الحجة القائلة إن بري يشكل صمام الأمان للاستقرار الداخلي لأنه سعى خلال سنوات انتقال الصراع الشيعي السني إلى لبنان إلى الحوار والتهدئة وتنفيس الاحتقان، ولأن زعامات لبنانية عدة تجاوبت معه أبرزها زعيم السنة و «تيار المستقبل» سعد الحريري في مسعاه هذا، فإنه يصعب الاكتفاء بتظهير دور رئيس حركة «أمل» انطلاقاً من هذه الخلفيات وحدها، في بلد تتشابك فيه العوامل المحلية العميقة الجذور والتأثير في التركيبة اللبنانية المعقدة.
بقدر الحاجة إلى حنكة بري في التوفيق بين صعود تأثير الطائفة الشيعية في لبنان استناداً إلى الدور المتعاظم الذي لعبه «حزب الله» في قتال إسرائيل، وتحرير جنوب لبنان عام 2000 من الاحتلال الإسرائيلي ثم في إفشال عدوانها عام 2006، وبين قياس هذا الدور استناداً إلى كونه مدعوماً بأهداف إقليمية سورية وإيرانية، فإن رئيس البرلمان سعى على الدوام إلى الإفادة من الحالتين في تعزيز موقع طائفته، لكنه في الوقت نفسه عرف الحدود التي يمكن أن يذهب إليها في قياس هذا الدور استناداً إلى أسبابه الإقليمية. وهو لذلك لعب دوراً ضمنياً في تنعيم مواقف الحزب. فبري نفسه يدرك، خلافاً لقيادات في «حزب الله» تنسب إلى الحزب وإيران أنهما «أخرجا الشيعة من القمقم ولن نعود إليه»، أن الموقع الشيعي المؤثر في السلطة السياسية استند إلى قاعدة سابقة على ظهور الحزب وعلى توسع الدور الإيراني. فالتسليم بموقع الطائفة الجديد في السلطة أرساه اتفاق الطائف عام 1989، بعد مسار أطلقه الإمام موسى الصدر حين أسس «حركة المحرومين» أواخر ستينات القرن الماضي ورفدته أحزاب يسارية واشتراكية وشخصيات ليبيرالية من طوائف أخرى وعززته شعارات «المشاركة» و «إصلاح النظام» من قبل زعامات من المذاهب الإسلامية كافة، مقابل رجحان كفة ما سمي في السبعينات «المارونية السياسية» في مؤسسات السلطة. والأساس الاجتماعي لذاك الحراك الذي قاد إلى اتفاق الطائف كان ارتقاء أبناء المناطق المحرومة نتيجة توسع التعليم الرسمي، والاغتراب والاقتصاد نحو هذه المناطق، بحيث باتت هناك حاجة إلى تغيير في البنى السياسية الطائفية في لبنان وتقاسم السلطة. بري رئيس اتحاد الطلاب في لبنان في الستينات، واحد من عشرات الآلاف الذين عايشوا صيرورة التغيير ثم حتمية حصوله. وهو لذلك يدرك سواء أقر بذلك أم لم يفعل، الفرق بين الأساس «اللبناني» للموقع الجديد لطائفته وبين الأساس «الإيراني» لتعاظم دورها، القابل للانحسار إذ جرى تعظيمه بالمنشطات الإيرانية. وهذا يعني أن موقع الطائفة اللبناني سابق على نشوء الحزب. وليس عبثاً أنه من أكثر المتمسكين باتفاق الطائف، حيال الطامحين إلى نسفه أو تعديله، وليس سراً أنه لعب دوراً في حمل «حزب الله» على مغادرة أي مناورة أو أوهام بتعديله، وإن كان بعض العوامل الخارجية حال دون تطبيقه.
ليس صدفة أن بري، على صداقته مع قيادة النظام السوري، لم يرسل أياً من عناصر حركة «أمل» للقتال في سورية، ضد معارضيه ولو جرى وصمهم جميعا بـ «الإرهاب». وليس صدفة أنه على رغم انسجامه مع مقاومة الحزب لقيام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمحاكمة المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تجنب الحملات العنيفة على المحكمة، وترك الأمر للحزب.
في الزمن الحالي من الحملات الأميركية والعربية على إيران و «حزب الله»، بالعقوبات وبالمواجهة العسكرية في سورية واليمن وبالحرب الاستخبارية في غيرها، من الطبيعي أن يشكل بري الاحتياط اللبناني لعودة الحزب من مغامراته في الإقليم، إلى لبنان، إذا فرضت الظروف وموازين القوى الانكفاء وتحقيق هذه العودة، لا سيما من سورية. وهو مثل كثيرين يراقب تصاعد الحملة المضادة للتوسع الإيراني، ويتلمس الإصرار الذي بلغه الموقف العربي والغربي في مواجهة النفوذ المتضخم للدولة الفارسية في الدول العربية. ويمكن تصور مدى حرصه على ألا يصاب موقع الطائفة اللبناني بأي تأويل لتراجع إيراني محتمل، على رغم المكابرة من قبل طهران واضطرار «حزب الله» لمواكبتها في ذلك.
هوية بري اللبنانية والعربية تشكل احتياطاً للحزب، في السنوات المقبلة التي
قد تحتضن تحولات، لا يرى مصلحة للطائفة في أن ترتبط خلالها بالهوية
الإيرانية.
ما حقيقة انسحاب الميليشيات الإيرانية من الجنوب السوري؟
كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن خروج المليشيات الإيرانية وانسحابِها من
درعا باتجاه دمشق، وفي حقيقة ما جرى ويجري على الأرض لا يتجاوز كونه
تغييراً لمواقعها احترازاً من ضربات جديدة قد تتلقاها هذه المليشيات من
"إسرائيل" التي تراقب عن كثب هذه التحركات.
وتسعى الميليشيات الإيرانية لخلط الأوراق سياسياً وعسكرياً مستغلة أكبر قدر ممكن من الوقت لتراوغ به، وبث الشائعات التي تتحدث عن انسحابها من مناطق عدة في الجنوب السوري، وابتعادها عن الحدود الأردنية في حين تقتصر تحركاتها من ثكنةٍ لأخرى أكثرَ أمناً، لتعمدَ جاهدة على إخفاء السلاح الثقيل وتمويهه، في مناطق خالية و بعيدة كالنقاط المهجورة سابقاً من قبل مليشيا النظام، وفيما يلي سنقف عند أهم الأماكن التي تتواجد فيها هذه الميليشيات وتوزعها:
قطاع البادية
وتستغلّ الميليشيات الإيرانية قطاع البادية لما له من أهمية كبيرة، محاولة بذلك سبرَ المنطقة عسكرياً وتأمين الطريق من بغداد فتدمر إلى دمشق، إلا أنَّ التواجد العسكري الأمريكي في منطقة " التنف" حال دون تحقيق الرغبة الإيرانية بالسيطرة الكاملة على البادية، لكنها مازالت تحتفظ بمواقع إستراتيجية أهمها:
طريق تل دكوة إلى محطة تشرين الحرارية بحوالي 22كم، تتموضع عليه قوات إيرانية وعناصر مدربين تابعين لحزب الله اللبناني.
منطقة المداجن: يتوزع فيها عناصر من الفرقة الرابعة السورية، وكتيبة الإشارة الإيرانية بقوام 400 عنصر، منتشرين في هنكارات قريبة إلى الطريق الواصلة لتل دكوة.
حاجز السكة: يوجد به أكثر من خمسين عنصرا ايرانياً يتخذون من المدرسة القريبة مقراً لهم، مزودين بسلاح ثقيل ودبابات ومضادات طيران.
"قاعدة أرينبة" الصاروخية تابعة للفوج 16 التي تحوي منظومة صورايخ " اس200" تعتبر من القواعد العسكرية المهمة، تتولى ميليشيا النظام حراسة الموقع في حين تضم مرتزقة روس وكوريين، وميليشيات عراقية، بالإضافة إلى كتيبة من جيش التحرير الفلسطيني.
"بئر القصب" تتواجد فيه ميليشيات إيرانية مدربة، تتموضع في مقرات خاصة في منطقة " الصريخي" تساندها عناصر من الفيلق الخامس.
قطاع البادية أطراف الحماد الغربي
ويعتبر هذا القطاع استراتيجياً ويضم أماكن ونقاط تمركز كـ " تل مكحول" والذي يضم عناصر ايرانيين وسوريين، و" سد الريشة" الذي يعتبر من أكبر المواقع التي تضم مليشيا إيرانية، ويعتبر مركز انطلاق إلى الحماد والوعر الجنوبي ومنطقة التلول، يضم هذا الموقع معتقلا كبيراً ، تصل الأعداد فيه لما يقارب 1000 عنصر بما يسمى قوات المؤازرة.
"تجمع كازية ظاظا" على طريق بغداد، وتضم قوات إيرانية وسورية، بقوام يفوق 300 عنصر مدربين كعناصر اقتحام.
مطار دمشق الدولي
أو مطار "اليوشن" كما أطلق عليه ساكنو البلدات القريبة، فهو شريان رأس النظام العسكري، تهبط به عشرات الطائرات العسكرية، وطائرات الشحن، المحملة بمئات الأطنان من الذخائر والأسلحة التي يستخدمها النظام للفتك بالشعب السوري والبقاء في سدة الحكم.
أُوكلت حماية المطار المطلقة لمجموعات إيرانية مدربة، وعناصر لحزب الله اللبناني، مزودين بكافة صنوف الأسلحة الثقيلة والخفيفة وأجهزة المراقبة والسطع، ولهم خارج محيط المطار مقرات وتجمعات.
ضاحية رامي مخلوف، وتقع غربي المطار وتضم، مليشيات إيرانية ولبنانية، بالإضافة إلى عناصر من جميعة البستان.
"قاعدة صواريخ بريدين" والتي تقع غربي شمال المطار، جنوب شرق قرية المنصورة، تتواجد فيها خبراء كوريين و روس، وضباط دفاع جوي سوري ايراني مشترك. مزودين كميات كبيرة من صواريخ نوع "فولغا". بقوام عسكري يفوق 600 عنصر.
" كتبية الهيجانة" جنوب مطار دمشق الدولي، ب 6كم، تضم عناصر إيرانيين وسوريين وحزب الله تقدر بأكثر من 400 عنصر، بالإضافة لخبراء كوريين غير مقيمين يشرفون على منظومة الدفاع الجوي.
جاجز البواري" شمالي الغسولة بالقرب من تقاطع المنصورة، شرقي قرية سكا" ما يقارب 1كم ، فيه ما يقارب 100 عنصر أغلبهم عراقي الجنسية، وبالقرب من الحاجز تجمع كبير لحزب الله ويعتبر من أهم مراكز التدريب.
قطاع درعا
مني التواجدُ الإيراني في درعا العديد من الضربات الإسرائيلية مطلع الشهر الحالي، إلا أن هذه الضربات لم تنهِ التواجدَ الإيراني بعكس ما صرحت به صحف ومواقع إسرائيلية، فقد عمدت هذه المجموعات على تغيير أماكنها في بعض النقاط الأمر الذي ساهم بخروجها بأقل الخسائر بشرياً على الأقل، ومن هذه المناطق التي ما زالت تتواجد فيها مليشيات إيرانية:
" مطار الثعلة العسكري" تتواجد فيه مجموعات إيرانية مدربة، تجاوزت أعدادها 700 مقاتل، مزودين بكافة صنوف الأسلحة، وفيه منصات صورايخ وعتاد ثقيل للمشاة.
"مطار بلّي" أحد النقاط التي تعرضت للضربات الإسرائيلية في الشهر المنصرم، ويعتبر قاعدة إيرانية للدفاع الجوي فيه عشرات المستودعات من البراميل المتفجرة.
"تل الخضر" مركز قيادة إيرانية ، لبنانية، وفيه مجموعات قتالية مدربة للإنزال المظلي.
"منطقة جباب" بالقرب من الجامعات على طريق درعا دمشق عند جسر جباب غربي حقل كريم، والمطار الزراعي شرقي بلدة "نامر" الذي يتواجد فيه عناصر من لواء القدس.
بالإضافة إلى نقاط كانت سابقاً مقار لمليشيا النظام، كقاعدة الكوخ شمال مطار خلخلة العسكري، وعدد من البلدات التي سعت إيران لنشر التشيع فيها، كبلدة : نامر" وإزرع، والعديد من القرى والبلدات.
وتسعى الميليشيات الإيرانية لخلط الأوراق سياسياً وعسكرياً مستغلة أكبر قدر ممكن من الوقت لتراوغ به، وبث الشائعات التي تتحدث عن انسحابها من مناطق عدة في الجنوب السوري، وابتعادها عن الحدود الأردنية في حين تقتصر تحركاتها من ثكنةٍ لأخرى أكثرَ أمناً، لتعمدَ جاهدة على إخفاء السلاح الثقيل وتمويهه، في مناطق خالية و بعيدة كالنقاط المهجورة سابقاً من قبل مليشيا النظام، وفيما يلي سنقف عند أهم الأماكن التي تتواجد فيها هذه الميليشيات وتوزعها:
قطاع البادية
وتستغلّ الميليشيات الإيرانية قطاع البادية لما له من أهمية كبيرة، محاولة بذلك سبرَ المنطقة عسكرياً وتأمين الطريق من بغداد فتدمر إلى دمشق، إلا أنَّ التواجد العسكري الأمريكي في منطقة " التنف" حال دون تحقيق الرغبة الإيرانية بالسيطرة الكاملة على البادية، لكنها مازالت تحتفظ بمواقع إستراتيجية أهمها:
طريق تل دكوة إلى محطة تشرين الحرارية بحوالي 22كم، تتموضع عليه قوات إيرانية وعناصر مدربين تابعين لحزب الله اللبناني.
منطقة المداجن: يتوزع فيها عناصر من الفرقة الرابعة السورية، وكتيبة الإشارة الإيرانية بقوام 400 عنصر، منتشرين في هنكارات قريبة إلى الطريق الواصلة لتل دكوة.
حاجز السكة: يوجد به أكثر من خمسين عنصرا ايرانياً يتخذون من المدرسة القريبة مقراً لهم، مزودين بسلاح ثقيل ودبابات ومضادات طيران.
"قاعدة أرينبة" الصاروخية تابعة للفوج 16 التي تحوي منظومة صورايخ " اس200" تعتبر من القواعد العسكرية المهمة، تتولى ميليشيا النظام حراسة الموقع في حين تضم مرتزقة روس وكوريين، وميليشيات عراقية، بالإضافة إلى كتيبة من جيش التحرير الفلسطيني.
"بئر القصب" تتواجد فيه ميليشيات إيرانية مدربة، تتموضع في مقرات خاصة في منطقة " الصريخي" تساندها عناصر من الفيلق الخامس.
قطاع البادية أطراف الحماد الغربي
ويعتبر هذا القطاع استراتيجياً ويضم أماكن ونقاط تمركز كـ " تل مكحول" والذي يضم عناصر ايرانيين وسوريين، و" سد الريشة" الذي يعتبر من أكبر المواقع التي تضم مليشيا إيرانية، ويعتبر مركز انطلاق إلى الحماد والوعر الجنوبي ومنطقة التلول، يضم هذا الموقع معتقلا كبيراً ، تصل الأعداد فيه لما يقارب 1000 عنصر بما يسمى قوات المؤازرة.
"تجمع كازية ظاظا" على طريق بغداد، وتضم قوات إيرانية وسورية، بقوام يفوق 300 عنصر مدربين كعناصر اقتحام.
مطار دمشق الدولي
أو مطار "اليوشن" كما أطلق عليه ساكنو البلدات القريبة، فهو شريان رأس النظام العسكري، تهبط به عشرات الطائرات العسكرية، وطائرات الشحن، المحملة بمئات الأطنان من الذخائر والأسلحة التي يستخدمها النظام للفتك بالشعب السوري والبقاء في سدة الحكم.
أُوكلت حماية المطار المطلقة لمجموعات إيرانية مدربة، وعناصر لحزب الله اللبناني، مزودين بكافة صنوف الأسلحة الثقيلة والخفيفة وأجهزة المراقبة والسطع، ولهم خارج محيط المطار مقرات وتجمعات.
ضاحية رامي مخلوف، وتقع غربي المطار وتضم، مليشيات إيرانية ولبنانية، بالإضافة إلى عناصر من جميعة البستان.
"قاعدة صواريخ بريدين" والتي تقع غربي شمال المطار، جنوب شرق قرية المنصورة، تتواجد فيها خبراء كوريين و روس، وضباط دفاع جوي سوري ايراني مشترك. مزودين كميات كبيرة من صواريخ نوع "فولغا". بقوام عسكري يفوق 600 عنصر.
" كتبية الهيجانة" جنوب مطار دمشق الدولي، ب 6كم، تضم عناصر إيرانيين وسوريين وحزب الله تقدر بأكثر من 400 عنصر، بالإضافة لخبراء كوريين غير مقيمين يشرفون على منظومة الدفاع الجوي.
جاجز البواري" شمالي الغسولة بالقرب من تقاطع المنصورة، شرقي قرية سكا" ما يقارب 1كم ، فيه ما يقارب 100 عنصر أغلبهم عراقي الجنسية، وبالقرب من الحاجز تجمع كبير لحزب الله ويعتبر من أهم مراكز التدريب.
قطاع درعا
مني التواجدُ الإيراني في درعا العديد من الضربات الإسرائيلية مطلع الشهر الحالي، إلا أن هذه الضربات لم تنهِ التواجدَ الإيراني بعكس ما صرحت به صحف ومواقع إسرائيلية، فقد عمدت هذه المجموعات على تغيير أماكنها في بعض النقاط الأمر الذي ساهم بخروجها بأقل الخسائر بشرياً على الأقل، ومن هذه المناطق التي ما زالت تتواجد فيها مليشيات إيرانية:
" مطار الثعلة العسكري" تتواجد فيه مجموعات إيرانية مدربة، تجاوزت أعدادها 700 مقاتل، مزودين بكافة صنوف الأسلحة، وفيه منصات صورايخ وعتاد ثقيل للمشاة.
"مطار بلّي" أحد النقاط التي تعرضت للضربات الإسرائيلية في الشهر المنصرم، ويعتبر قاعدة إيرانية للدفاع الجوي فيه عشرات المستودعات من البراميل المتفجرة.
"تل الخضر" مركز قيادة إيرانية ، لبنانية، وفيه مجموعات قتالية مدربة للإنزال المظلي.
"منطقة جباب" بالقرب من الجامعات على طريق درعا دمشق عند جسر جباب غربي حقل كريم، والمطار الزراعي شرقي بلدة "نامر" الذي يتواجد فيه عناصر من لواء القدس.
بالإضافة إلى نقاط كانت سابقاً مقار لمليشيا النظام، كقاعدة الكوخ شمال مطار خلخلة العسكري، وعدد من البلدات التي سعت إيران لنشر التشيع فيها، كبلدة : نامر" وإزرع، والعديد من القرى والبلدات.
الاثنين، مايو 21، 2018
طهران تتمسك بالبقاء في سوريا
أكدت وزارة الخارجية الإيراني، الاثنين، أن التواجد الإيراني في سوريا جاء بناء على طلب من الحكومة السورية بهدف "مكافحة الإرهاب" وأن إيران ستستمر في المساعدة في سوريا مادام الأمر يتطلب ذلك، وطالما أرادت الحكومة السورية ذلك".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي إنه "لا يمكن لأحد أن يجبر إيران على القيام بذلك، لأن لدينا سياسات مستقلة خاصة بنا".
وأضاف "من عليهم مغادرة سوريا هم الذين دخلوا إلى هذا البلد دون إذن من حكومتها"، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا".
وطهران هي أحد أبرز حلفاء الرئيس السوري بشار الأسد في النزاع الدائر في سوريا، واضطلعت بدور مهم في الانتصارات الأخيرة التي حققتها القوات السورية.
وتقاتل مليشيات إيرانية فضلا عن حزب الله المدعوم من إيران إلى جانب قوات النظام في سوريا بشكل علني منذ أبريل/نيسان 2013.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد شدد عقب لقائه مع الرئيس السوري بشار الأسد، الخميس في سوتشي، على ضرورة انسحاب القوات الأجنبية من سوريا بعد تفعيل العملية السياسية
كما فسر مبعوث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى سورية، ألكسندر لافرنتيف تصريحا لبوتين بشأن الحاجة إلى انسحاب القوات الأجنبية من سورية بأنه يعني "كل المجموعات العسكرية الأجنبية، التي توجد على أراضي سورية، بما فيهم الأمريكيون والأتراك وحزب الله والإيرانيون".
وتسعى روسيا منذ تدخلها في الأزمة السورية في سبتمبر/أيلول 2015 لفك عزلة الأسد ووفرت إلى جانب الغطاء العسكري الذي قلب موازين القوى لصالح القوات السورية، غطاء سياسيا مهما للنظام السوري.
سلسلة "مراصد" ترصد الأساطير الأُخرَوِية العربية
صدر عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية العدد الخامس والأربعون من سلسلة "مراصد" بعنوان "الأساطير الأُخرَوِيَّةُ العربية: من الإهمال والإخمال الديني، إلى سُؤال الشرعية الأدبية الأسطورية"، للدكتور جعفر ابن الحاجّ السلمي؛ الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانيَّة بجامعة عبدالمالك السعدي، تطوان، المغرب.
تحاول الدراسة إلقاء الضوء على الأسطورة العربية من حيث كونها نوعا أدبيا بالغ الغنى لم يتطرق إليه العديدون بالدراسة والبحث. ويركز الكاتب في دراسته على الأساطير الأخروية، تحديدًا لكونها من أبرز أنواع الأساطير المهملة.
يعرف الكاتب الأساطير الأخروية على أنها تلك التي تتنبأ بما سيقع في آخر الزمان أو الدار الآخرة بتعبير المسلمين. وهي كل حَكيٍ أَو سَردٍ مُقَدَّسٍ تَضَمَّنَ أَحداثًا خارَقَةً لِلعادَة ووضعت في شكل أحاديث منسوبة للرسول عليه الصلاة والسلام.
ويرجع الكاتب سبب الإهمال الذي لحق بالأسطورة الأخروية نظرًا لعدم اعتراف غالبية علماء السنة الحاليين بصحتها دينيًا، كما أنها غير معترف لها بصفة الأدبية عند ناقدي ومنظري الأدب نظرًا لوضع الأسطورة اليونانية موضع النموذج والذي أدى لعدم تقبل بعض الباحثين خصوصية الأسطورة العربية.
ويحاول الكاتب في هذه الدراسة اثبات أدبية الأساطير الأخروية، وأنها تستحق البحث والتحليل من منظور علم الأدب عامة ونظرية السرد خصيصًا. ويعتمد الكاتب في دراسته على مدونات الأحاديث الموضوعة في القرون الهجرية الأولي والتي جمعها المحدثون السنيون معتمدًا بشكل كبير على كتاب "الفتن" لنعيم بن حماد كمرجع أساسي، والذي يحتوي على 2004 نص مروي عن رسول الله مسند بأسانيد ضعيفة أو موضوعة، مما أدى لإعراض علماء الدين عنه نظرًا لعدم قدسيته الدينية.
ويشير الكاتب إلى الارتباط الوثيق بين بداية تشكل الأساطير العربية وطبيعة الثقافة الشفوية القائمة آنذاك والمعتمدة على الرواية الفردية للنصوص المقدسة مما يتيح المجال للبس والافتعال والذي تصدي له على مدار التاريخ الإسلامي علماء جهابذة حالوا دون تزييف النصوص الدينية.
ويري الكاتب أن سبب انتشار هذه النصوص الدينية الأدبية وجود فئة مثقفة عالمة رفضت الثقافة الإسلامية وأرادت تمييع جوهرها بخلطها بأحاديث مشتبهه وعرفوا بـ "الزنادقة"، إلى جانب فئة الوعاظ التي ساعدت على نشر هذه النصوص الأدبية، لا لأسباب ايديولوجية معادية ولكن لتسهيل تواصلهم مع العامة لكسب العيش.
وينتقل الكاتب لبحث الموقف السني من مدونات الأساطير الأخروية ككتاب الفتن لنعيم بن حماد، والذي لم يعتبره مؤرخو عصره من الزنادقة بل التمسوا له المعاذير رغم ضعف رواياته. ولكنهم أنكروا على هذه الأساطير عدم وجود إسناد أو أصل لها واعتبروا شأنها من شان المراسيل.
ثم يحاول الكاتب إثبات أدبية الأساطير الأخروية وإمكانية دراستها من خلال نظرية السرد، مستندا إلى ثلاث خصائص رئيسية للأساطير. الخصيصة الأولى: التزييف؛ حيث إن الأساطير معترف بأنها مفتعلة. الخصيصة الثانية هي المحال؛ والتي جعلها ابن الجوزي مقياس لفرز سنة الرسول، مستندًا في ذلك إلى حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) "عليكم بسنتي" والمحال ليس من سنته. والخصيصة الثالثة هي التأريخ، وهو ما لم يأت به معظم الأساطير بل قامت على التبشير بأحاديث مستقبلية.
ويشير الكاتب إلى أن فكرة فساد الزمان تمثل فكرة مركزية في الثقافة الإسلامية تقتضي أن زمن النبوة والسلف الصالح هو أفضل الأزمنة ثم تكثر بعد ذلك الفتن. ويرى الكاتب أن الأساطير الأخروية الأدبية جاءت لتفند هذه الفتن والبلايا التي ستقع على الأمة حتى قيام الساعة.
وفي نهاية الدراسة يؤكد الكاتب على أن مجهودات العلماء الأوائل في تصنيف الأحاديث النبوية إلى قوية وضعيفة وموضوعة أدى إلى توقف انتاج الأساطير الأخروية ابتداء من القرن الثالث الهجري. إلا أن بوار هذا الجنس الأسطوري أدى إلى ظهور أساطير أخري سميت الجَفرِيَّةِ الحِدثانِيَّة وهو جنس متفرع من الأساطير الأخروية ولكنه متطور عنه.
تحاول الدراسة إلقاء الضوء على الأسطورة العربية من حيث كونها نوعا أدبيا بالغ الغنى لم يتطرق إليه العديدون بالدراسة والبحث. ويركز الكاتب في دراسته على الأساطير الأخروية، تحديدًا لكونها من أبرز أنواع الأساطير المهملة.
يعرف الكاتب الأساطير الأخروية على أنها تلك التي تتنبأ بما سيقع في آخر الزمان أو الدار الآخرة بتعبير المسلمين. وهي كل حَكيٍ أَو سَردٍ مُقَدَّسٍ تَضَمَّنَ أَحداثًا خارَقَةً لِلعادَة ووضعت في شكل أحاديث منسوبة للرسول عليه الصلاة والسلام.
ويرجع الكاتب سبب الإهمال الذي لحق بالأسطورة الأخروية نظرًا لعدم اعتراف غالبية علماء السنة الحاليين بصحتها دينيًا، كما أنها غير معترف لها بصفة الأدبية عند ناقدي ومنظري الأدب نظرًا لوضع الأسطورة اليونانية موضع النموذج والذي أدى لعدم تقبل بعض الباحثين خصوصية الأسطورة العربية.
ويحاول الكاتب في هذه الدراسة اثبات أدبية الأساطير الأخروية، وأنها تستحق البحث والتحليل من منظور علم الأدب عامة ونظرية السرد خصيصًا. ويعتمد الكاتب في دراسته على مدونات الأحاديث الموضوعة في القرون الهجرية الأولي والتي جمعها المحدثون السنيون معتمدًا بشكل كبير على كتاب "الفتن" لنعيم بن حماد كمرجع أساسي، والذي يحتوي على 2004 نص مروي عن رسول الله مسند بأسانيد ضعيفة أو موضوعة، مما أدى لإعراض علماء الدين عنه نظرًا لعدم قدسيته الدينية.
ويشير الكاتب إلى الارتباط الوثيق بين بداية تشكل الأساطير العربية وطبيعة الثقافة الشفوية القائمة آنذاك والمعتمدة على الرواية الفردية للنصوص المقدسة مما يتيح المجال للبس والافتعال والذي تصدي له على مدار التاريخ الإسلامي علماء جهابذة حالوا دون تزييف النصوص الدينية.
ويري الكاتب أن سبب انتشار هذه النصوص الدينية الأدبية وجود فئة مثقفة عالمة رفضت الثقافة الإسلامية وأرادت تمييع جوهرها بخلطها بأحاديث مشتبهه وعرفوا بـ "الزنادقة"، إلى جانب فئة الوعاظ التي ساعدت على نشر هذه النصوص الأدبية، لا لأسباب ايديولوجية معادية ولكن لتسهيل تواصلهم مع العامة لكسب العيش.
وينتقل الكاتب لبحث الموقف السني من مدونات الأساطير الأخروية ككتاب الفتن لنعيم بن حماد، والذي لم يعتبره مؤرخو عصره من الزنادقة بل التمسوا له المعاذير رغم ضعف رواياته. ولكنهم أنكروا على هذه الأساطير عدم وجود إسناد أو أصل لها واعتبروا شأنها من شان المراسيل.
ثم يحاول الكاتب إثبات أدبية الأساطير الأخروية وإمكانية دراستها من خلال نظرية السرد، مستندا إلى ثلاث خصائص رئيسية للأساطير. الخصيصة الأولى: التزييف؛ حيث إن الأساطير معترف بأنها مفتعلة. الخصيصة الثانية هي المحال؛ والتي جعلها ابن الجوزي مقياس لفرز سنة الرسول، مستندًا في ذلك إلى حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) "عليكم بسنتي" والمحال ليس من سنته. والخصيصة الثالثة هي التأريخ، وهو ما لم يأت به معظم الأساطير بل قامت على التبشير بأحاديث مستقبلية.
ويشير الكاتب إلى أن فكرة فساد الزمان تمثل فكرة مركزية في الثقافة الإسلامية تقتضي أن زمن النبوة والسلف الصالح هو أفضل الأزمنة ثم تكثر بعد ذلك الفتن. ويرى الكاتب أن الأساطير الأخروية الأدبية جاءت لتفند هذه الفتن والبلايا التي ستقع على الأمة حتى قيام الساعة.
وفي نهاية الدراسة يؤكد الكاتب على أن مجهودات العلماء الأوائل في تصنيف الأحاديث النبوية إلى قوية وضعيفة وموضوعة أدى إلى توقف انتاج الأساطير الأخروية ابتداء من القرن الثالث الهجري. إلا أن بوار هذا الجنس الأسطوري أدى إلى ظهور أساطير أخري سميت الجَفرِيَّةِ الحِدثانِيَّة وهو جنس متفرع من الأساطير الأخروية ولكنه متطور عنه.
قصة مريَمين
هذه قصّة حقيقية بدأت عندما كانت فلسطين كياناً خاضعاً للانتداب البريطاني، وتتشاطر حدوداً ليّنة مع لبنان وسوريا وشرق الأردن ومصر. كانت الحياة بسيطة آنذاك، وكانت القرارات تكتسب طابعاً قصير الأمد، مع أنها كانت تحمل تداعيات تستمرّ مدى الحياة. فمعظم الروايات التي تتناقلها الأجيال تتحدّث عن خطط أساسية تمتدّ لأسابيع أو أشهر، وليس لسنوات أو عقود، فما بالكم بحياة كاملة أو وصولاً إلى المتحدّرين. لم يكن أحد في ذلك الماضي البعيد ليتخيّل، حتى في أغرب أحلامه، ما تخبّئه الحياة من تقلّبات وانعطافات.
وقعت شابّة تدعى مريم من قرية رميش في جنوب لبنان في غرام شاب صالح ومجتهد في العمل من قرية كفر برعم المجاورة في شمال فلسطين. تزوّجا، وأنجبا توأمين عام 1946. وقد وضعتهما الحياة أمام التحدّي الأول عام 1948، بعد إعلان دولة إسرائيل رسمياً واقفال كل الحدود. كانت مريم تزور مع التوأمين عائلتها في لبنان، وواجهت خطر الانفصال عن زوجها "لفترة الله أعلم كم ستدوم". لذلك ركب حموها حماراً، وعبَر البراري في اتّجاه لبنان لاصطحاب مريم والطفلَين والعودة بهما إلى فلسطين. وقد طلبت والدة مريم التي تملّكها القلق من إرسال ابنتها وحيدة إلى المجهول، من ابنتها العزباء
نظيرة مرافقة شقيقتها لمساعدتها والبقاء معها في انتظار أن يجتمع شمل العائلة الأوسع من جديد.
هكذا، في لحظة، دخلت امرأتان لبنانيتان إسرائيل، ولم تريا عائلتهما من جديد أو تطأ أقدامهما أرض لبنان ثانيةً. علاوةً على ذلك، دُمِّرت كفر برعم دماراً كاملاً على يد الجيش الإسرائيلي الذي طرد منها جميع سكّانها المسيحيين. لا يزال أبناء كفربرعم يناضلون بعد أربعة أجيال، من أجل حقّهم في العودة إلى قريتهم وإعادة بنائها. ولا تزال إسرائيل الآمرة الناهية من خلال منحها الأذون لتشييع الموتى أو زيارة معالم القرية. الكنيسة هي المعلم الوحيد المتبقّي، إذ تقف شاهدةً على حياة كانت موجودة قبل وقت طويل، وقد لا تعود أبداً شأنها في ذلك شأن الأشخاص الذين عاشوها.
تستمرّ الحكاية، وتصبح مريم ونظيرة مواطنتَين إسرائيليين تماماً مثل زوجَيهما الفلسطينيَّين اللذين اختارا البقاء في وطنهما الأم. كبرت عائلتا مريم ونظيرة، وأصبحتا جزءاً من حياة جديدة لم يخطر قط في بالهما أنهما ستعيشانها، أو لم تتخيّلاها أو ترغبا فيها أو تريداها. لكنهما تقبّلتا الوضع الجديد. فقد أصبحتا من عرب إسرائيل، إلا أنهما لم تنسيا أو تسمحا لأحد بأن ينسى من أين جاءتا وما هو البلد الذي تحملانه في قلبيهما. وبما أن مريم وشقيقتها باتتا تحملان الجنسية الإسرائيلية، لم تتمكّنا قط من العودة إلى لبنان لزيارة عائلتهما. ذات مرة لوّحتا بأيديهما وتواصلتا مع عائلتهما في لبنان بواسطة مكبّرات للصوت عبر الحدود الأردنية عقب حرب الايام الستّة. لكن التجربة لم تتكرّر لأنها كانت قاسية ومؤلمة جداً وتركت أثراً عميقاً في النفوس.
هكذا عاشت مريم ونظيرة من أجل أولادهما ومن خلالهم، يوماً تلو الآخر، وسنة تلو الأخرى؛ عاشتا حياة كاملة بعيداً من المنزل والأسرة. هل هما فلسطينيتان؟ كلا. عربيتان؟ كلا. إسرائيليتان؟ كلا. إنهما شقيقتان لبنانيتان من رميش، اقتُلِعتا من جذورهما وقُذِفتا في أعاصير الحياة، لكنهما صمدتا وأوجدتا جذوراً جديدة وأسّستا عائلتَين قويّتَين. قبِلتا بمصيرهما، إلا أنهما حاولتا توجيهه بأفضل الطرق. لبنانيتان فخورتان كانتا تواكبان الأخبار الآتية من الوطن الأم عبر وسائل الإعلام، لكنهما ظلّتا متعطّشتَين دائماً وأبداً الى الأخبار عن أحبابهما. وكانتا تتوقان دوماً الى اليوم الذي ستتمكّنان فيه من العودة إلى لبنان، ولو للزيارة. توفّي والداهما وكبر أشقّاؤهما وشقيقاتهما، لكن حلمهما برؤية لبنان من جديد لم يتحقّق قط.
توفّيت مريم عام 1996، ثم نظيرة بعد بضع سنوات. لم تُروَ قصّة حياتهما بعد، كما أن الناس غافلون عنها، لكنها محفورة في أذهان محبّيهما وأقاربهما وجيرانهما وأصدقائهما وأولادهما وأحفادهما الذين تأثّروا بمحبّتهما وتفانيهما الكبيريَن على جانبي الحدود.
قد تكون حكاية مريم عبرةً لجميع اللبنانيين، ولا سيما منهم أولئك الذين يعتبرون بلدهم من المسلّمات ويعتقدون أنه سيبقى موجوداً دائماً من أجلهم. إنهم الأشخاص الذين انتقلت إليهم المواطنية بالإرث أو حصلوا عليها مكافأة من غير أن يقوموا بأي إنجاز على الإطلاق. فلتكن قصة مريم نداء صحوة لمن لا يعلمون ما هو معنى أن تُسرَق مواطنيتهم منهم، ومن لم يُحرَموا يوماً وطنهم الأم، ومن لم يتذوّقوا قط مرارة الخلود yGN النوم كل ليلة وهم يحلمون بعائلة على مرمى حجر لكنهم غير قادرين على الاجتماع بها من جديد. أما بالنسبة إلى الباقين، فيجب أن تكون هذه القصّة بمثابة تذكير بكل الرهانات التي تقف على المحك وبما هو مهم فعلاً، من خلال هذه التحيّة لسيّدة لبنانية عظيمة تدعى مريم!
الأحد، مايو 20، 2018
الجزائر تتجاهل القانون الدولي بترحيل قسري للمهاجرين الأفارقة

وكشف الموقعون على النداء، أنه جرى ترحيل 1500 مهاجر غير شرعي في الأسابيع الأخيرة، إثر "عمليات ملطخة بالإساءة وتناقضات صارخة مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، بعكس الخطاب الرسمي الذي ينظر إلى هذه العمليات على أنها عمليات العودة إلى الوطن لأغراض إنسانية".
كما دعوا الحكومة الجزائرية إلى "احترام التزاماتها الواردة في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق العمال المهاجرين وحقوق اللاجئين.. ووضعها على وجه السرعة في إطار قانوني وطني فيما يتعلق بحقوق العمال المهاجرين، وقانون لجوء قادر على منحهم حق اللجوء، وحمايتهم من جميع أشكال الإساءة أو الاستغلال".

وقال قاسيمي إن "ما يقارب 90 ألف مهاجر غير شرعي يصلون سنويا إلى الجزائر، وهو تدفق تعتبره السلطات الأمنية والسياسية مصدر انشغال حقيقي". وأضاف "الجزائر شهدت خلال السنوات الخميس الأخيرة تدفق 400 ألف مهاجر، وهذا ليس فقط تدفق مهاجرين وإنما نزوح كثيف للسكان".
وتابع متسائلا "كان هناك بلد يقبل مثل هذا التدفق للمهاجرين غير الشرعيين على ترابه". وجاء رد المسؤول على انتقادات وجهت لبلاده من عدة منظمات حقوقية حول عمليات ترحيل للمهاجرين الأفارقة.
ونهاية مارس/آذار الماضي أعلن وزير الداخلية، نورالدين بدوي، أن بلاده رحلت، منذ 2014، نحو 27 ألف مهاجر إفريقي إلى بلدانهم، على مراحل.
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن عدد المهاجرين في البلاد يبلغ 25 ألفا، وينحدرون من 10 جنسيات أفريقية.