في التصريح الأول نسف للسياسة الخارجية العراقية، إن كانت لدينا سياسة خارجية، فنحن وأميركا تحت سقف اتفاقيتين، أمنية وأخرى تسمى الإطار العام ولدينا باعتراف العبادي وقبله المالكي ومعهم كل القيادات العراقية بوجود خبراء أميركان يدعمون الجهد العسكري العراقي في مقاتلة داعش، كما أن الطيران الأميركي شغّال على مدار الساعة في مواجهة الإرهاب بالتعاون والتنسيق مع القيادات العسكرية العراقية، فكيف يصنّفهم المسؤول الإيراني كأعداء مشتركين لنا ولهم وسط صمت الحكومة المريب؟! وفي التصريح السابق تحولنا إلى مقاتلين بالنيابة عن إيران، فالدولة الجارة العزيزة جداً تقاتل أعداءها في العراق وسوريا ولبنان، ما يعني بأننا أدوات منفذة للسياسات الإيرانية في المنطقة.
قبل هذا وذاك قال مسؤول إيراني رفيع جداً، بأن إيران لن تسمح للعلمانيين والليبراليين بالحكم في العراق، ولو قالت أميركا بأنها لن تسمح للإسلاميين بمواصلة حكم العراق، لخرجت لنا ألسن السيادة والإستقلال ورفض التدخلات الأجنبية بأطول ما يمكنها من الامتداد.
قال مسؤول إيراني رفيع آخر، إن إستراتيجية إيران هي تحويل بغداد إلى عاصمة للامبراطورية الفارسية! وما بين كل هذه التصريحات "الأخوية"، قال مسؤول أكثر "رفاعة" بأن إيران هي من أعدمت صدام حسين، وكأنها رب البيت الذي يأمر وينهي خارج إطار كل البروتوكولات المتعارف عليها في العلاقات الدولية بما يخص عدم التدخل بشؤون الدول الأخرى. وحول كل هذه التوجهات قال مسؤول إيراني أن طهران تسيطر على خمس دول في المنطقة من بينها العراق.
في آخر لقاء بين رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني ومستشار الأمن القومي العراقي في طهران (26 / 6 / 2018 ) طالب الجانب الإيراني من العراق تنفيذ اتفاقية الجزائر التي وقّعها صدام حسين مع شاه إيران، دون أن يرد عليه مسؤولنا الرفيع جداً أيضاً !ومعلومة هي ظروف توقيع الاتفاقية والتخلي عنها عشية الحرب العراقية الإيرانية ثم الرضوخ لها قبل حرب إسقاط نظام صدام عام 2003.
من تسلسل التصريحات ومنهجيتها ووحدة فكرتها، فإنها إستراتيجية الرؤية للعلاقة مع العراق بإعتباره تابعاً في المفهوم الجيو سياسي، فالقيادة الإيرانية تحدد من هم أعداؤنا ومن يتوجب أن يحكم البلاد ومن هو الممنوع منها، وأنتزاع بغداد لتكون عاصمة الحلم الفارسي في الإمبراطورية "القادمة" القائمة على أحلام التأريخ التي لن تعود إلا كمسخرة، وهي التي تحدد لنا في أي من الخنادق نحن لنقاتل أعداءها وليس أعداءنا، كما إنها تحدد بكوننا جزءً من محيط أمنها القومي كدولة مسيطر عليها من قبل إيران.
قالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في تقرير لها في السابع عشر من تموز عام 2017 " إيران هيمنت على العراق بعد أن غادرته القوات الأميركية"، وأوضحت بالتفصيل في تقرير طويل "أن هذه الهيمنة تتجسد في كل شيء إبتداء من البضائع الإستهلاكية على أرفف المتاجر وشركات الأعمال وتكوين المليشيات الموالية لها وحتى تعيين رئيس الحكومة ووزرائها"! لو تركنا كلام الصحافة وتقاريرها، يكون حق المواطن العراقي أن يسأل، إن كان لدينا وزارة للخارجية ترد بحزم على كل التخرصات الإيرانية بشأن العراق وانتهاك سيادته وشخصيته السياسية، إن وجدت؟!
إن كان لدينا حكومة قوّية وفعّاله تحترم نفسها ومواطنيها فتقول لإيران مايجب أن تقوله وتتخذ موقفاً هو رسالة للعراقيين والرأي العام بأن ماتقوله إيران غير صحيح؟!
إن كان لدينا برلمان وكّله الدستور مهمة الحفاظ على كرامة العراق بلداً وشعباً؟ إن كان لنا وزير للخارجية يتخلى مؤقتاً عن تهويماته اللغوية الفارغة، ليستدعي السفير الإيراني، ويقول له إما أن تحترمونا أو تلملموا أوراقكم وتغادروا في أقرب طائرة مغادرة الى طهران !!ولكن من يفعل ذلك؟!
0 comments:
إرسال تعليق