الاثنين، يوليو 02، 2018

خيار واحد وحيد للنظام الايراني

من اغرب ما نشهده في هذه الايام من خلال بعض الصحافة العربية وقسم من الاعلام ذلك التعامي المقصود على الذي يحصل في ايران. كلّ ما يحصل في ايران لا يعني شيئا بالنسبة الى صحف كثيرة ووسائل اعلام ذات توجهات معيّنة. تسعى هذه الصحف ووسائل الاعلام بكل الوسائل الى التغطية على الحدث الايراني الذي لا يوازيه في الاهميّة سوى ذلك التكالب على درعا وأهلها بتواطؤ أميركي – روسي – إسرائيلي.
ماذا يحدث في ايران؟ الجواب لدى الذين يسعون الى التعامي عن الحدث الايراني هو ان لا شيء يحدث هناك. يشبه جوابهم ذلك الذي كان يصدر عن شخصيات لبنانية كانت تعتقد في العامين 2011 و2012 ان لا شيء يحدث في سوريا وانّه لن تمرّ سوى ايّام قليلة ويغلق الملفّ السوري وتعود الامور الى طبيعتها ويعود بشّار الأسد يحكم سوريا وكأنّ شيئا لم يكن. مرّت خمس سنوات على الوعود بعودة الاوضاع في سوريا الى ما كانت عليه. لم يحدث شيء من هذا القبيل. كلّ ما حدث هو ان سوريا صارت تحت خمسة احتلالات، هي الايراني والاميركي والروسي والإسرائيلي والتركي.
نعم، لا يحدث شيء في سوريا، كما لا يحدث شيء في ايران باستثناء انّ ايران تحولت الى بلد مفلس وانّها لا تستطيع الخروج من سوريا كما هو مطلوب منها ان تفعل. يعود ذلك الى سبب في غاية البساطة. الخروج من سوريا هو خروج النظام من طهران أيضا.
في الواقع، لا يمكن الفصل بين الهجمة التي تستهدف درعا وتصوير هذه الهجمة بانها انتصار لـ"جبهة الممانعة" من جهة والوضع الداخلي الايراني الذي دخل مرحلة جديدة من جهة أخرى. يمكن الكلام عن مرحلة جديدة في ايران، خصوصا بعد انتقال الإضرابات والاحتجاجات الى بازار طهران. على الرغم من ان تركيبة البازار تغيّرت في السنوات التسع والثلاثين الأخيرة، هي عمر الثورة الي أطاحت نظام الشاه في العام 1979، لكنّ ما لا يمكن تجاهله ان اضراب البازار لعب دورا حاسما في حمل الشاه على الاستقالة.
يسمح هذا التكالب على درعا لميليشيات مذهبية تابعة لإيران بالتقدم في اتجاه المدينة التي ترمز الى الثورة السورية. يرتدي هؤلاء بزات الجيش السوري التابع للنظام. مسموح الاعتداء على درعا والانتقام منها بسبب دورها في تفجير الثورة السورية قبل سبع سنوات. مسموح لإيران الاقتراب من الحدود الأردنية عبر ادواتها المعروفة من ميليشيات شيعية. ما ليس مسموحا هو الاقتراب من خط وقف النار مع إسرائيل. استغلت إسرائيل الوضع في درعا والمنطقة المحيطة بها لتقدّم مساعدات الى السوريين الهاربين في اتجاهها. صارت إسرائيل دولة تتحلّى بالانسانية مقارنة مع ما تقوم به ايران وميليشياتها والطيران الروسي في سوريا.
لا مفرّ من رؤية الوضع كما هو. هناك حدثان كبيران يدوران حاليا في المنطقة، الى جانب حدث كبير آخر مرتبط بمستقبل العراق في ضوء الانتخابات الأخيرة التي كشفت كم من الصعب إعادة تركيب البلد. هذان الحدثان الكبيران هما سوريا، وما يدور في الجنوب السوري تحديدا، وايران.
ان دلّ الحدثان على شيء، فهما يدلان على ان لا مستقبل للنظام الايراني الحالي الذي عليه الخروج من سوريا عاجلا ام آجلا. سيترتب عليه لاحقا الخروج من طهران في غياب تسوية جديدة مع الولايات المتحدة تستند الى شروط معيّنة. لماذا سيخرج من سوريا؟ هذا عائد الى ان لا احد يريده هناك. في النهاية ما الهدف من الوجود الايراني في سوريا؟ ماذا يخدم هذا الوجود باستثناء ان سوريا جسر لتمرير السلاح الى "حزب الله" في لبنان.
ما هو مشروع ايران في لبنان عبر "حزب الله"؟ حسنا، باتت ايران تقول انّها تمتلك أكثرية في مجلس النوّاب اللبناني. يعتبر الجنرال قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" ان لإيران 74 نائبا من اصل 128 يتألّف منهم المجلس. ماذا ستفعل ايران بهذه الأكثرية؟ السؤال الصحيح ما الذي تستطيع عمله بهذه الأكثرية؟ ما هو النموذج الذي تستطيع ايران تقديمه للبنان كي يتمكن النواب الـ74 الذين تدعي انّهم لها تحقيق شيء على الأرض باستثناء نشر البؤس والفوضى والسلاح غير الشرعي والاستثمار في اثارة الغرائز المذهبية؟
في سوريا نفسها، لا احد يريد ايران. زادت ايران من وجودها في سوريا بعد اندلاع الثورة في 2011 وفشل النظام في قمعها. أبقت بشّار الأسد في دمشق. ساعدته في تدمير المدن السنّية الكبرى مثل حمص وحماة والتي كانت معقلا للثوار. عندما وجدت انّ بشار بات في حاجة الى دعم مباشر واكبر من "حزب الله" أرسلت له الآلاف من مقاتلي الحزب. وعندما تبيّن ان ذلك ليس كافيا، كان عليها الاستنجاد بروسيا وسلاحها الجوّي. في النهاية، روسيا ليست جمعية خيرية. وجودها في سوريا ليس متعلّقا بوجود بشّار الأسد بمقدار ما انّه متعلّق باتفاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل... وتركيا الى حدّ ما. ليس بعيدا اليوم الذي ستتحول فيه ايران عبئا على روسيا في سوريا، حتّى لو كان مطلوبا في الوقت الحاضر الاستعانة بميليشياتها في معركة درعا.
تقترب ايران من ساعة الحقيقة. يعود فشلها الاوّل في سوريا الى انّها ربطت نفسها بشخص بشّار الأسد. على الرغم من كلّ الاستثمارات التي قامت بها في سوريا وعلى الرغم من كلّ المحاولات التي بذلتها من اجل تغيير طبيعة المجتمع السوري، من منطلق مذهبي، كان الفشل حليفها في كلّ وقت.
من سوء حظ النظام الايراني انّ الولايات المتحدة قررت الانسحاب من الاتفاق في شأن الملفّ النووي. هناك حرب استنزاف لإيران في سوريا وداخل ايران نفسها حيث تحرّك تجار البازار. بدأ هذا التحرك في ظل انهيار للعملة الوطنية. سيأخذ هذا الانهيار مداه الحقيقي عند فرض العقوبات الاميركية الجديدة على ايران بعد اشهر قليلة. كلّ كلام مخالف لهذا الكلام من النوع المضحك الذي لا قيمة تذكر له. الأكيد ان التعامي عمّا يدور في سوريا او في الداخل الايراني لا ينقذ النظام الايراني الذي لم يعد امامه سوى خيار واحد وحيد. يتمثّل هذا الخيار في الانسحاب من سوريا ثم في الدخول في مفاوضات جدّية مع الولايات المتحدة في أساسها ان تكون ايران دولة طبيعية في المنطقة. هذا يعني في طبيعة الحال ان تهتمّ ايران بايران وليس بما يدور في هذه الدولة او تلك. هذا امر ممكن. فالرئيس دونالد ترامب تحدث عن اتفاق جديد مع ايران مكان الاتفاق "السيئ" الذي انسحبت منه اميركا. لا شيء يمنع الوصول الى مثل هذا الاتفاق في حال اكتشفت ايران انّ كلّ ما قامت به في المنطقة ارتدّ عليها وانّ لا قيمة لكلّ الشعارات التي رفعتها باستثناء انهّا كانت في خدمة إسرائيل التي تحوّلت بين ليلة وضحاها الى لاعب أساسي في سوريا. لم يعد هناك من يسأل ولو بالصدفة ما الذي حلّ بالقدس او هل هناك من يعترض على سياسة الاستيطان التي تنفّذها اسرائيل في الضفّة الغربية من اجل تكريس الاحتلال للجزء الأكبر منها؟

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية