الخميس، يوليو 05، 2018
القنوات الدينية الشيرازية.. اختطاف الفضاء الشيعي!
الخميس, يوليو 05, 2018
اضف تعليق
تعتقد
المرجعية الشيرازية أن "الوسائل الإعلامية اليوم هي آلة في يد أعداء القيم
والأخلاق والإنسانية. وبسبب عدم وجود دور مهم ومؤثر لأصحاب الفضائل
والعقيدة الحق والمتدينين في وسائل الإعلام، باتت هذه الوسائل تستغل في
تحقيق المقاصد الشيطانية والسيئة"، بحسب ما هو منشور في الموقع الإلكتروني
الرسمي لآية الله السيد صادق الشيرازي.
هذا التصور ليس وليد اليوم، بل يعود لسنوات طويلة خلت، قبيل رحيل المرجع
السيد محمد الشيرازي، والذي كان يشجع أتباعه على الدخول في الحقل
الإعلامي، وعدم تركه حكرا على الآخرين. الأمر الذي جعل تياره لاحقا يعمل
على تأسيس أكثر من عشرين فضائية بلغات مختلفة، في إحصاء حصلت عليه
"العربية.نت"، من مصدر داخل البيت المرجعي.
الباحث في "مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث"، باسم الزيدي، يعتقد
أن "الفضائيات من أهم وسائل التواصل الإعلامي الحديث، والأكثر ظهورا"،
ولذا "كان التركيز عليها أكثر، من جهة المساهمين في تأسيسها والمتلقين
لها".
في العام 1979 أطاحت "الثورة الإسلامية" في إيران بنظام الشاه الراحل
محمد رضا بهلوي، وعاد آية الله السيد محمد الشيرازي من الكويت ليستقر في
مدينة "قم"، حيث الحوزة العلمية. إلا أن الشيرازي رغم تأييده للثورة –
حينها - نصح أتباعه بعدم كشف جميع أوراقهم، كي لا يكونوا مجرد أدوات في يد
النظام الجديد.
الاستقلالية التي أرادها الشيرازي لمرجعيته وأتباعه، تحولت إلى خلاف في
وجهات النظر، وصِدام مع الأجهزة الأمنية ورجال الدين المؤيدين لآية الله
الخميني. وهو ما يفسر التنافر السياسي الذي حصل تاليا بين الرفاق القدامى!
يعي الشيرازيون أن إيران دولة بإمكانات مادية كبيرة، ونفوذ سياسي يتجاوز
حدودها، وأنهم لا يستطيعون منافستها في هذا المجال، ولذا ذهبوا إلى حقل
آخر، وهو حيازة عاطفة ووجدان الجمهور العام الشيعي، ومخاطبته، والتأثير
عليه، خصوصا في خضم وجود التجاذب المذهبي في منطقة الشرق الأوسط، وتنامي
الصراع السني – الشيعي.
في ظل هكذا مناخ استقطابيٍ طائفي، انطلقت قناة "الأنوار" 2004، كأول
فضائية تابعة للتيار الشيرازي، بخطاب ديني شعائري، يبثُ محاضرات فقهية
وعقدية، وأدعية وزيارات، وصور الزوار للمراقد المقدسة لأئمة المسلمين
الشيعة.
هذه التوليفة من المواد الدينية، لامست الوجدان الشيعي القلق والجريح،
في وقت كانت تحصد فيه التفجيرات المتنقلة بين المدن العراقية، أرواح عشرات
الأبرياء، على يد تنظيم "القاعدة"، وبروز نجم أبو مصعب الزرقاوي، بما مثله
من عنفٍ وبطش!
الخطاب "الحسيني" لقناة "الأنوار" خلق معادلا موضوعيا معنويا للجمهور
العام في الخليج والعراق تحديدا، الذي وجد متنفسا يعلن من خلاله عن هويته
الخاصة، مقابل محاولات طمسها واستئصالها، بحسب ما يعتقد.
"القبض على الفضاء الوجداني الشيعي"، كان المهمة التي يرى التيار
الشيرازي أنه قادر على منافسة النظام الإيراني والتفوق عليه فيها. خصوصا أن
طهران تتبنى خطابا مختلفا، تسعى لتقدم نفسها من خلالها بوصفها دولة ضد
التطرف والمذهبية، وتتبنى مقولات "الوحدة الإسلامية".
في هذا الصدد، يقول لـ"العربية.نت" أحد العارفين بملف العلاقة بين إيران
والمرجعية الشيرازية: "الإيرانيون يريدون السيطرة على القرار الشيعي، وهم
فعلا تمكنوا من السيطرة على أغلبه. حيث لديهم آليات عمل ناعمة لتذويب كل
الوجودات الشيعية. في حين أن جماعة السيد الشيرازي يرفضون الخضوع للإرادة
الإيرانية، ولكنهم لا يستطيعون أن يُنافسوا إيران في مشروعها الجهادي
والسياسي، وإنما يستطيعون أن ينافسوها في السيطرة على العاطفة الشيعية، من
خلال مشروع الشعائر والفضائيات". وهذا برأيه "ما يفسر توجه مكتب الشيرازي
إلى إنشاء العديد من الفضائيات العقائدية". معتبرا أنهم "نجحوا في ذلك.
فقنواتهم تجدها حاضرة في كثير من بيوت المؤمنين الشيعة، لأنها توفر مادة
تتوافق والثقافة الشعبية لدى الآباء والأمهات والجدات".
هذا التنافس على الفضاء الشيعي، جعل الإيرانيين يوجهون نقدهم لهذه
القنوات التي يرون أنها "تعمل بشكل يومي لترويج العقائد المتطرفة، والتهجم
على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وإشعال نار الحرب بين السنة والشيعة،
أي تقديم خدمات غير مباشرة للتيارات التكفيرية التي تعيث فسادا في الأمة
الإسلامية"، بحسب تقرير نشرته في مارس الماضي، وكالة "تسنيم" المقربة من
الأجهزة الأمنية الإيرانية.
هنالك قناة واحدة فقط، ناطقة باللغات: العربية، الفارسية، الإنجليزية،
تمثل الرأي الرسمي للمرجعية الشيرازية، وهي "قناة المرجعية"، التي تبث
أخبار ونشاطات ودروس السيد صادق الشيرازي ومؤسساته والحوزات العلمية
التابعة له. إلا أن هنالك أيضا أكثر من عشرين فضائية تم إنشاؤها بـ"تشجيع
من المرجعية الشيرازية"، وهي كالتالي:
القنوات الناطقة بالعربية: المرجعية، الأنوار، الأنوار 2، الإمام
الحسين، المهدي، الحوزة العلمية، الشعائر، العباس، فورتين، العقيلة، الإمام
الحسن. القنوات الناطقة بالفارسية: المرجعية، الإمام الحسين، إمام العصر،
الحوزة العلمية، بيت العباس، أبو الفضل العباس، القائم، الإمام الصادق،
السلام، الغدير.القنوات الناطقة بالإنجليزية: المرجعية، الإمام الحسين.
القنوات الناطقة بالأوردية: الإمام الحسين، حسين جنل، الخديجة. القنوات
الناطقة بالتركية: الزهراء.
يهدف هذا التنوع في الفضائيات واللغات إلى مخاطبة جمهور متعدد، من
إثنيات مختلفة، ومتوزع جغرافيا في دول إسلامية وأوربية متفرقة. إلا أن
الملاحظ في هذه القنوات أن البرامج والموضوعات تتشابه، وأن مستوى الإنتاج
متواضع، وجودة المحتوى أقل من المتوسط.
الباحث باسم الزيدي وفي تصرح خاص عن تعدد هذه القنوات، يقول إنه "مع
وجود أكثر من 20 ألف قناة حول العالم، تابعة لديانات وثقافات وقوميات
مختلفة، نعتقد أن العالم الإسلامي عموماً، ومذهب أهل البيت خصوصاً، تكاد
تكون قنواته الفضائية قليلة جدا"، معتبرا أن "لكل قناة رسالتها وبرامجها
الخاصة، وإن تشابه الهدف". معللا غياب الجودة في الإنتاج إلى كون "العمل
النوعي يحتاج إلى إمكانات مادية كبيرة. في حين أن هذه الفضائيات تعمل
بإمكاناتها البسيطة المتاحة".
الرأي السابق يختلف معه فيه الباحث الشيخ أحمد الكاتب، وهو أحد الذين
عاصروا السيد محمد الشيرازي منذ بداياته الحركية الأولى في مدينة كربلاء
العراقية، مرجعا هذا الضعف في المحتوى إلى كون "التيار الشيرازي ليس لديه
خبراء في الإعلام، أو شخصيات بارزة درست الإعلام وتخصصت فيه، وإن ما يقومون
به هو مجرد محاولة دعائية، تفتقد لوجود رؤية جوهرية لدى المشرفين على هذه
القنوات".
وهذا ما يؤيده فيه رئيس تحرير مجلة "الساحل" الشيخ حبيب آل جميع، الذي
يرى أن "هذه القنوات تحولت إلى مجرد حسينيات على الهواء، تبث مراسم الندب
والعزاء والبكاء، حيث لا توجد خطة عمل، ولا رؤية منهجية لدى القائمين
عليها، وهو الأمر الذي جعل سلبياتها أكبر من إيجابياتها المحدودة جدا".
تشكل قناة "فدك" التي تبث من المملكة المتحدة، ويشرف عليها رجل الدين
الكويتي ياسر الحبيب، إحدى أهم الفضائيات التي تتبنى خطابا متطرفا مذهبيا،
قائم على إقصاء المختلف معهم سنة كانوا أو شيعة. حيث شمل الحبيب بشتائميتة
رموزا دينية إسلامية محترمة لدى الفريقين!
الحبيب ينتمي تاريخيا إلى مدرسة السيد محمد الشيرازي، الذي نشط فيه منذ
شبابه. إلا أن خطابه القدحي جعل كثيرين من تيار المرجعية يبتعدون عنه،
ويتبرؤون منه، وفي أحسن الأحوال لا يعلنون تأييدهم له. في فبراير 2014،
أصدر مكتب المرجع السيد صادق الشيرازي في مدينة "قم" الإيرانية، بيانا جاء
فيه "فإنه لا يمثل السيد المرجع دام ظله في الآراء والمواقف إلا مكاتب
المرجعية المعروفة في مختلف أقطار العالم وهكذا قناة المرجعية الفضائية
العالمية". هذا البيان اعتبره كثير من المراقبين بمثابة فك ارتباط بين
مرجعية الشيرازي وياسر الحبيب، وإن لم يعلن عن ذلك صراحة.
"هل تؤيدون خطاب قنوات مثل فدك وياسر الحبيب؟"، وجهنا السؤال إلى "مركز
الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث"، ليأتي الجواب منهم "كلا، جملة
وتفصيلا". مشيرين إلى أن "الخطاب المعتمد الذي يصدر من مكتب السيد المرجع
الشيرازي، يؤكد دائما على الاعتدال والوسطية والتعايش، واستخدام الأساليب
السلمية والأخلاقية، بالحكمة والموعظة الحسنة".
ربما تكون هي المرة الأولى التي تتبرأ فيها مؤسسة تابعة لمرجعية السيد
صادق الشيرازي من خطاب ياسر الحبيب بشكل واضح وعلني. حيث بقيت المرجعية
صامتة لسنوات عن نشاطات الحبيب، رغم ما تحدثه من مشكلات عميقة وشروخ طائفية
بين المسلمين، مفضلة عدم الخوض في ذلك. إلا أن هذا الصمت سبب ريبة لدى
الكثيرين، وكأن هنالك نوعا من "الرضى الضمني"، أو عدم الرغبة في المواجهة
مع المتشددين داخل التيار الشيرازي.
الباحث أحمد الكاتب، له وجهة نظر خاصة، حيث يعتبر أن "قناة فدك وسواها
من القنوات المشابهة الأخرى، تعبر عن رأي المرجعية الشيرازية الحالية، وإن
اختلفت الألفاظ ونوعية الخطاب"، معتقدا أن الجميع "ينهل من ذات الفكر
القشري والسطحي!".
إحدى الشخصيات السعودية، التي كانت تنتمي إلى التيار الشيرازي سابقا،
والتي فضلت عدم ذكر اسمها، تخالف الشيخ الكاتب في رأيه، وترى أن "هنالك
تبايناتٍ حقيقية في الأفكار بين مكتب السيد صادق الشيرازي وجماعة ياسر
الحبيب"، معتبرا أن "الحبيب تجاوز الخط المرجعي، ولم يلتزم به
وبأخلاقياته".
من جهته يقول الشيخ حبيب آل جميع إن "تيار ياسر الحبيب أضر كثيرا بصورة
المسلمين الشيعة، وأظهرهم وكأنهم لا شيء لديهم سوى مناكفة الآخرين. وهذا
أمر يتنافى والثقافة التي ورثناها عن أئمة آل البيت، الذين نهوا عن السباب
واللعن". مضيفا "سكوت البيت المرجعي عن مثل هذا السلوكيات المتخلفة، قد
يفهمه البعض تأييدا لها. وهو ما يروجه أتباع الحبيب". مطالبا المرجعية
الشيرازية بـ"إعلان موقف صريح ضد بذاءات الحبيب، لأن حفظ السلم الأهلي
ومصالح الناس ووحدة المجتمع أهم من أي اعتبار آخر".
مصادر تمويل هذه الفضائيات، ونوعية الخطاب الذي تبثه، وترويجها لـ"آل الشيرازي" العائلة والمرجعية، هو ما ستستعرضه الحلقة القادمة.
0 comments:
إرسال تعليق