السبت، يوليو 07، 2018

الأسد أو لا أحد... إسرائيل أيضاً

لم يكن من المفاجىء للمتتبع حقيقة وجوهر السياسة الإسرائيلية من الثورة السورية أن تتبنى الدولة العبرية على طريقتها معادلة الأسد أو لا أحد الإجرامية الدموية الطائفية البغيضة.
وكما قال تسفي برئيل محلل الشؤون العربية في هآرتس: فإن الانطباع عن تبني إسرائيل لتلك المعادلة متأخراً، والآن فقط هو انطباع مضلل، وأن هذا هو في الحقيقة موقفها منذ اندلاع الثورة السورية، أو على الأقل منذ بداية العام 2012، عندما كان نظام الأسد في طريقه للسقوط والانهيار، قبل أن يهب الحشد الشعبي المركزي في طهران والإقليمي في بيروت لنجدته ثم يعجز هو الآخر، ويطلب النجدة نهاية العام 2015 من الاحتلال الروسي الذي يهيء له أنه حمى النظام من السقوط.
أمر مشابه كان قد أعلنه بن رودس مستشار الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في مذكراته منذ أسابيع قليلة فقط بإشارته إلى تأييد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لقرار أوباما بعدم توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد في العام 2013، والاكتفاء بالحفاظ عليه ضعيفاً بعد تجريده من الأسلحة الكيماوية، أو بالأحرى إبقاء أو غض النظر عن بقاء قدر ضئيل من السلاح الكيميائي بين يديه، يستخدمه ضد شعبه فقط، هذا إذا امتلك أصلاً الإرادة لاستخدامه ضد الدولة العبرية ذات يوم، علماً أن اتفاق السلاح الكيماوي استبطن موقف أمريكي واضح بالقبول ببقاء نظام الأسد، والآن يتضح أن هذا هو نفس الموقف الإسرائيلي.
معركة درعا كانت مناسبة أو فرصة فقط لإعلان إسرائيل عن موقفها الحقيقي الداعم لحكم وبقاء نظام الأسد، كما قال برئيل في هآرتس - الثلاثاء 3 تموز– وأن الحديث عن سياسة إسرائيلية جديدة من الأسد هو انطباع مضلل، لأن تل أبيب لا تقبل فقط حكم الأسد، إنما هي بحالة هلع من إمكانية نجاح الثوار في الإطاحة به واشتعال حرب أهلية بينهم، علماً أن هذا ليس السبب الحقيقي، وإنما المعلن فقط كون تل أبيب تخشى فقط من زوال حرس الحدود الأسدي والنظام الاستبدادي الذى صادر قدرات البلد،

واعتبر أمنه من أمن إسرائيل، كما قال ذات مرة عضو العائلة أو العصابة الحاكمة رامي مخلوف.
حسب هرئيل فقد وضع الجيش ووزارة الخارجية في إسرائيل أوراق موقف يظهر منها أن هاتين الجهتين تريان باستمرار حكم الأسد الخيار المفضل، بل إنه الخيار الحيوي من أجل أمن إسرائيل حسب تعبيره الحرفي.
هرئيل ختم تقريره بالقول: إنه وفقاً لمنظور وسياسة إسرائيل فهي تتمنى للأسد انتصاراً جارفاً وعمراً مديداً باعتباره الشريك الاستراتيجي لها.
إذن كانت معركة أو جريمة درعا الأخيرة مناسبة لإظهار حقيقة الموقف الإسرائيلي الذي كان بمثابة سرّ معلن، غير أن الإفصاح عنه الآن جاء في سياق تحقيق أهداف سياسية وأمنية، أو الحصول على ثمن بل أثمان باهظة من بقاء النظام الذي هو أصلاً مصلحة حيوية أمنية إسرائيلية.
سعت تل أبيب مع موسكو أساساً لمقايضة بقاء النظام بإخراج إيران من سوريا، ومنع انتشارها أو الميليشيات التابعة لها في المناطق المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة، وكعادتها حاولت الحصول على ثمن أكثر من مرة  لبضاعة كانت قد حصلت على ثمنها مسبقاً من النظام الذي تحوّل إلى حارس للحدود بشكل رسمي منذ اتفاقية فك الاشتباك المريبة في العام 1974 التي ما زال بعض بنودها سرياً حتى الآن، علماً أن بنودها العلنية تمنع إدخال النظام لأسلحة ثقيلة للمناطق المتاخمة للحدود، أو حتى قوات كبيرة حسب الاتفاقات التي تحولها لحرس للحدود مع التعهد بعدم تهديد أمن الدولة العبرية أو حتى إطلاق رصاصة واحدة، وهو ما حدث فعلاً خلال العقود الأربعة السابقة.
في السياق الإيراني نحن أيضاً أمام تضليل كبير في الدولة العبرية تستخدم أساساً الاحتلال الإيراني لسوريا، كما ممارسات طهران الطائفية البشعة والإجرامية للتغطية على احتلالها لفلسطين وممارساتها البشعة بحق الفلسطينيين، غير أنها في السياق السوري تحديداً لا تمانع وجود إيران وميليشياتها للدفاع عن النظام ضمن الوصاية أو الخطوط الحمر المرسومة. روسيا التي أخذت المصالح الإسرائيلية بعين الاعتبار لكنها أى تل أبيب تصر على منع إقامة إيران لقواعد جوية أو بحرية أو نشر منظومات من الصواريخ الطويلة المدى، أو المضادة للطيران، أو نقل أسلحة تعتبرها كاسرة للتوازن، أو تشكل خطراً عليها للنظام أو لذراعها الإقليمي المركزي حزب الله، وما عدا ذلك لا تمانع تل أبيب استمرار الدور الإيراني في الحفاظ على النظام، وتوفير الميليشات البرية المقاتلة، كما كان الوضع أصلاً في السنوات السبع السابقة، دون أي ردّ فعل أو حتى احتجاج إسرائيلي علني طالما أن الهدف كان واضح ومتفق عليه حتى لو بشكل غير مباشر.
في السياق الأمريكي كان لافتاً سفر رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال غادى أيزنكوت  بشكل عاجل ومفاجىء الأسبوع الماضي إلى واشنطن لفهم طبيعة التفاهم الأمريكي الروسي حول معركة درعا، كما تداعياتها المحتملة على المشهد الحدودي. وهنا يمكن توقع أن إسرائيل تسعى لفهم حقيقة موقف واشنطن والتأثير عليها لصالحها، كما فعلت وتفعل مع موسكو في الملف السوري بشكل عام، وملف درعا والمنطقة الجنوبية بشكل خاص.
حسبما تسرب من الإعلام الإسرائيلي عن فحوى محادثات رئيس الأركان فإن موقف جيش الاحتلال يتمحور حول معادلة الأسد أو لا أحد،

بمعنى أن لا مانع من عودته إلى المنطقة الحدودية بقوات مقلصة، والتزامه بأمن إسرائيل دون وجود أي عنصر لإيران أو ميليشياتها مع تهديد بعدم وجود حصانة لقواعد للنظام، أو حتى للأسد نفسه، إذ ما تم انتهاك تلك الشروط، علماً أن تسيفي برئيل اعتبر التهديد موجه أيضاً لروسيا ورغبة في الحفاظ على الشراكة الاستراتيجية الإسرائيلية مع بشار الأسد.
سياسياً؛ يمثل قول تل أبيب ببقاء نظام بشار الأسد ليس فقط نقطة تلاقي مع واشنطن وموسكو، علماً أن ثمة تكهنات تقول إن واشنطن وحتى موسكو تفهمان أن ثمة مشكلة في الحفاظ على النظام على المدى الطويل، وحتى المتوسط في أي تسوية سياسية جدية، وقابلة للحياة، ولكن من الناحية الإسرائيلية يمثل الموقف من النظام جزءا من الموقف الإسرائيلي تجاه الثورات العربية بشكل عام، حيث اعتبرتها تل أبيب خطرا استراتيجيا عليها، تحدث تغير جذري وعاصف للأمر الواقع، والتي فرضته أصلاً على أنظمة الاستبداد الفاسدة الفاشلة.
الموقف مع الأسد وضد إيران يعبر عن رغبة إسرائيلية في مزيد من التلاقي والتقارب مع أنظمة الفلول والثورات المضادة في العالم العربي، والزعم أن بقاء النظام يمثل نجاحا كبيرا في إحباط وهزيمة الثوار وإجهاض الثورات ومنع تمددها عربياً، خاصة أنه ضعيف محاصر خاضع تماماً للوصاية الروسية وعاجز عن  البقاء كورقة، أو إداة في يد إيران وميليشياتها مع تشديد الضغط عليهم سياسياً وأمنياً واقتصادياً.
عموماً فإن الموقف الإسرائيلي -كما التفاهمات الأمريكية الروسية السرية العلنية فى الجنوب وسوريا بشكل عام- يتجاهل الثورة السورية وأسبابها الجذرية والمستمرة، كما معاناة وعذابات الشعب السوري واستحالة قبوله بالواقع المفروض بالقوة القهرية والجبرية، وسعى القوى الخارجية الغازية للدفاع عن مصالحها على حساب مصالح السوريين وحقهم فى الحرية والكرامة وتقرير المصير.

ماجد عزام

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية