الجمعة، يوليو 27، 2018

بشّار... وتطويع الدروز

في السياسة، لا وجود لهدايا من اجل الهدايا. اذا كان بشّار الأسد يريد البقاء في دمشق، عليه ان يدفع الثمن. لا بدّ من دفع الثمن بعيدا عن أي نوع من التذاكي مثل دفع "داعش"، الذي يتبيّن كلّ يوم اكثر انّه أداة لدى النظام السوري وايران، الى ارتكاب مجازر في حق دروز سوريا.
الامل كبير في الّا يقع دروز سوريا، والدروز عموما، في الفخّ الذي ينصبه لهم الايرانيون والنظام السوري، عبر "داعش" وان يتذكروا ان الهدف من مجزرة السويداء الأخيرة هو دفعهم الى الانضمام الى القوات التابعة لبشّار والتي تعاني حاليا من نقص كبير في العديد والقوى البشرية. تكمن قوّة الدروز في انهم يعرفون دائما الدفاع عن ارضهم بصلابة وليس في المشاركة في غزوات في مناطق بعيدة مثل ادلب إرضاء لرئيس النظام والإيرانيين والروس. من المفارقات العجيبة الغريبة ان الوفد الروسي الذي تفاوض مع وجهاء السويداء أخيرا، وبين هؤلاء "رجال الكرامة"، حذّر من عواقب عدم انضمام الشباب الدرزي الى الالوية التي لا تزال موالية للنظام!
يُفترض الّا تغيب الصورة الكبرى لما يدور في سوريا عن احد، خصوصا بعد الذي حصل في السويداء وذلك الظهور المفاجئ لـ"داعش" كي يستخدم في اخضاع دروز سوريا الذين اتخذوا مواقف في غاية الحكمة منذ اندلاع الثورة في العام 2011. تتلخص هذه المواقف في رفض أكثرية الدروز الخدمة العسكرية خارج المناطق الدرزية. معروف تماما لدى الدروز ماذا يعني الاعتداء على الآخر في بلد الأكثرية الساحقة من مواطنيه من السنّة.
تقول الصورة الكبرى انهّ بات واضحا ان الثمن المطلوب من بشّار، كي يبقى في دمشق، صار إسرائيليا. هناك استعداد لدى حكومة بنيامين نتانياهو لتفهّم العجز الروسي عن اخراج ايران من كلّ سوريا. لذلك هناك قبول بان يتمركز الايرانيون وتوابعهم من الميليشيات المذهبية على بعد مئة كيلومتر من خط وقف النار بين سوريا وإسرائيل في الجولان. مسافة المئة كيلومتر هذه التي تجعل الايرانيين خارج دمشق، وهذا ما يرضي الروس، ليست كافية لاسرائيل. اذا كان الايرانيون يريدون البقاء مع ميليشياتهم في الأراضي السورية، عليهم التخلي عن الصواريخ البعيدة المدى وعن مصانع هذه الصواريخ، كما عليهم التخلي عن المعابر التي اقاموها بين سوريا والعراق وسوريا ولبنان.
هناك ترسيم جديد لاطار اللعبة الدائرة في سوريا. وراء ترسيم الاطار، تقف إسرائيل بالتفاهم مع روسيا. ما يظهر بوضوح انّ الحلف الأقوى والأكثر عمقا في المنطقة هو الحلف الروسي – الإسرائيلي الذي انضمّ اليه الأميركي. ليس سرّا ان إدارة دونالد ترامب غير مستعدة لرفض ايّ طلب إسرائيلي. ما يدلّ على ذلك موقفها من الفلسطينيين ومشروعهم الوطني واصرارها على نقل السفارة الاميركية الى القدس ضاربة بالحائط كلّ قرارات الشرعية الدولية.
هل يمكن الرهان على قبول بشّار الأسد بالشروط الإسرائيلية التي تعني في نهاية المطاف اقدامه على خيار واضح هو بين ان يكون إسرائيليا او إيرانيا؟
يكتشف من يتابع مسيرة الأسد الابن منذ ما قبل خلافته لوالده في مثل هذه الايّام من العام 2000، ان الرجل وضع نفسه في المركب الايراني. كانت كلّ الرهانات العربية على انتزاع بشّار من ايران رهانات فاشلة. ترافقت الرهانات العربية مع رهانات فرنسية قام بها الرئيس جاك شيراك الذي استقبل "وليّ العهد" السوري، كرئيس دولة، في الاليزيه قبل ان يصبح بشّار رئيسا. لم تنفع كلّ المحاولات الفرنسية، لا في تحويل بشّار الى رجل دولة عصري، ولا في تقديم كلّ الخدمات المطلوبة من اجل تحسين وضع الإدارة السورية وتحديثها.
ليس سرّا انّ المملكة العربية السعودية لعبت دورا محوريا في إبقاء الاقتصاد السوري على رجليه لدى وفاة حافظ الأسد. دعمت المملكة الليرة السورية ومنعتها من الانهيار. لم تنجح أي محاولة عربية او أوروبية من اجل جعل بشّار الأسد رئيسا عربيا طبيعيا يهتمّ ببلده ويعوّض عن الفرص الضائعة التي لم يعرف والده استغلالها، بما في ذلك فرصة استعادة الجولان المحتلّ.
كانت نقطة التحوّل لدى من كان لا يزال لديه أي وهم بالنسبة الى اخراج بشّار من الاسر الايراني، الموقف الذي اتخذه الرجل من القرار 1559 الصادر عن مجلس الامن خريف العام 2004 والذي يدعو الى الامتناع عن تمديد ولاية الرئيس اللبناني اميل لحود. تحدّى رئيس النظام السوري المجتمع الدولي واصرّ على التمديد بعد توجيه تهديد مباشر الى رفيق الحريري الذي قبل بالتمديد مرغما وما لبث رفيق الحريري ان دفع ثمن حقد بشّار والإيرانيين عليه.
حتّى بعد اغتيال رفيق الحريري، حصلت محاولات عدة لاعادة تعويم بشّار. كانت هناك محاولة بذلها الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي اتى بسعد الحريري الى دمشق ثم اصطحب رئيس النظام السوري الى بيروت وذلك في اطار مصالحة شاملة على خلفية فكّ الارتباط بين بشّار وايران. لم ينفع ذلك كلّه. كلّ ما في الامر ان قطر دخلت في الوقت ذاته على خط دعم رئيس النظام السوري، نكاية بالسعودية ليس الّا، وفتحت له أبواب باريس عن طريق الرئيس نيكولا ساركوزي الذي كان مساعده كلود غيان على علاقة وثيقة بالدوحة.
ما حدث في السويداء مهمّ جدا. هناك عملية مكشوفة تستهدف تطويع دروز سوريا. تشارك في هذه العملية روسيا وايران والنظام السوري. أداة عملية التطويع هذه "داعش". لكن يبقى الاهمّ من ذلك كلّه، هل في الإمكان الرهان على خروج بشّار الأسد من تحت الوصاية الإيرانية؟ الأكيد ان المعنى الحقيقي لإبعاد الايرانيين مئة كيلومتر عن خط وقف النار في الجولان يتمثل في جعل دمشق خالية من النفوذ الايراني. عندئذ يصبح قرار بشّار روسيا صرفا. هذا هو البعد الاساسي للشروط الإسرائيلية التي يستحيل على رئيس النظام السوري تنفيذها. ستظهر الايّام المقبلة ذلك. سيتبيّن ان كلّ الكلام عن احياء اتفاق فك الاشتباك للعام 1974 في الجولان سيستخدم في سياق عملية تغطية للوجود الايراني في سوريا. سيتبيّن ايضا مع مرور الوقت ان الثابت الآخر في الشرق الاوسط هو الحلف الإسرائيلي - الروسي والحلف بين النظام السوري وايران. ما يمكن ان يتغير مرتبط الى حدّ كبير بجدّية المواجهة بين إدارة دونالد ترامب وطهران. الى أي حد سيذهب الرئيس الاميركي في مشروعه الهادف الى تغيير النظام في طهران؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يطرح نفسه. في انتظار الجواب الذي قد يطول الحصول عليه، سيظل بشّار الأسد يناور ويناور متجاهلا انّه ليس اسير ايران فقط، بل هو اسير دمشق أيضا. لا يمكن له ان يخرجه من اسره هذا اللجوء الى "داعش" وانتحارييها من اجل اجبار الشباب الدروز على الانضمام الى المشاركة في حروب خارج ارضهم.
 خيرالله خيرالله

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية