الخميس، أغسطس 02، 2018

الحرب الأهلية السعودية... قصة صعود وانهيار الدولة السعودية الثانية

تمرّ الأقلام مرور الكرام على تاريخ الدولة السعودية الثانية، ربما لأنها كانت أكثر فترات الأسرة السعودية اضطراباً، ولم تقدّم جديداً، بعكس الدولة الأولى المؤسسة للأسرة السعودية والحركة الوهابية الدينية.
ومصطلحا الدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية هما مصطلحان حديثان لم يُسنّا إلا بعد إعلان قيام المملكة العربية السعودية عام 1932.
وكان المسمى الذي عُرفت به الدولة السعودية الأولى هو إمارة الدرعية، وكان حاكمها يُلقّب بالإمام. أما الدولة السعودية الثانية فقد بدأت بإمارة الدرعية ثم إمارة الرياض، ورغم توسّعها إلا أن كافة حكامها لقبوا بالإمام وليس بالشيخ أو الأمير أو الملك، فلم تتحول أيضاً إلى كيان ملكي.
وحتى الدولة السعودية الثالثة بدأت بإمارة الرياض، ثم تحوّل لقب حاكمها إلى سلطان نجد، ثم ملك الحجاز ونجد وملحقاتها، قبل إلغاء تلك المسميات واستبدالها بملك السعودية عام 1932.
سقطت الدولة السعودية الأولى يوم التاسع من مارس 1818، حينما دخل الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا عاصمتهم، مدينة الدرعية، وقبض على حاكمها الأمير عبد الله بن سعود، وأرسله إلى القاهرة للقاء محمد علي باشا في 16 نوفمبر 1818. وقد حرص باشا مصر وابنه على التعامل مع آخر أمراء الدرعية بحفاوة، بعكس ما فعله السلطان العثماني محمود الثاني بن عبد الحميد الأول الذي عامل ابن سعود بشكل سيئ بعد وصوله إلى الآستانة، وتم إعدامه في ديسمبر 1818.
أسر إبراهيم باشا العشرات من مشايخ آل سعود وآل الشيخ، وامتلأت السجون المصرية بهم بعد عودته إلى القاهرة. ولم ينتشر الجيش المصري في نجد أو شرق الجزيرة العربية، ولكنه تمركز في الحجاز، غرب الجزيرة، ونصب ست حاميات مصرية عثمانية في شرق الجزيرة، في الرياض والخرج والدلم وعنيزة والزلفي ومنفوحة.
ومع الفراغ السياسي في نجد، سارع الشيخ محمد بن مشاري بن معمر، ابن اخت الإمام عبد العزيز بن محمد آل سعود، الحاكم الثاني للدولة الأولى، إلى السيطرة على الدرعية عام 1818، وأعلن نفسه حاكماً لها، على ضوء امتلاكه المال والسلاح والنفوذ حيال عشائر الدرعية.

ثلاثة انقلابات عام 1820

شهد عام 1820 ثلاثة انقلابات عائلية داخل آل سعود. بدأت القصة مع فرار مشاري بن سعود، شقيق آخر حكام الدولة الأولى، من أسره لدى الجيش المصري، وعودته إلى الدرعية. ونظراً لأن الشرعية القبائلية تقف في صفه تمت مبايعته.
تظاهر محمد بن مشاري بالموافقة على الأمر، ولكنه تحالف مع آبوش آغا، قائد الحامية العثمانية، وطلب منه العون مقابل تبعيته للدولة العثمانية وطاعته لأوامرها.
وبالفعل، تلقى الدعم العسكري ودخل الدرعية وسيطر على الحكم مجدداً بخلع مشاري بن سعود وتسليمه للحامية حيث مات في سجونها بعد عدة أيام.
ولكن تركي بن عبد الله آل سعود دخل الدرعية قادماً من الرياض على رأس جيش من العشائر الموالية له، وخلع محمد بن مشاري وقتله.
ولم تنته أحداث عام 1820 إلا بخلع تركي بن عبد الله، إذ حاصرت الحامية المصرية العثمانية الدرعية، وفرّ منها تركي ورجاله، ولم يعد إليها إلا عام 1824 حينما انسحب الجيش المصري من شرق الجزيرة العربية بسبب انشغاله في بسط السيطرة العثمانية على اليونان الثائرة.

تأسيس الدولة السعودية الثانية

يعتبر بعض المؤرخين أن عودة الإمام تركي بن عبد الله إلى الدرعية عام 1824 هو التاريخ الحقيقي لتأسيس الإمارة الثانية، وساعده في تثبيت حكمه وصول الإمام عبد الرحمن بن حسن، حفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب هارباً من سجنه في مصر، وعززت مبايعة الأخير له سلطته في نجد.
ولم يفكر تركي في مد سيطرته إلى غرب الجزيرة العربية إذ كانت الحجاز حينذاك تحت سيطرة مصرية مباشرة، وظلت عصية على الإمارة السعودية الثانية فلم تحكمها قط.
وأمر بنقل العاصمة إلى الرياض، بعد أن أمر إبراهيم باشا، قبل مغادرة العاصمة القديمة الدرعية، الجيش المصري بتسويتها بالأرض فلم تعد إلا مخيمات وأطلالاً.
ولكن ساعة الانقلاب الرابع دقت في مضارب آل سعود. ففي مايو 1834، قُتل تركي على يد خاله مشاري بن عبد الرحمن آل سعود الذي سيطر على الحكم. ولكن فيصل، ابن الامام المقتول، جمع أنصاره داخل البيت السعودي والعشائر النجدية وحاصر الرياض قبل أن يدخلها في خامس انقلابات الإمارة الثانية ويقتل خال والده ويعتلي الحكم في العام ذاته.

الدولة السعودية الثانية تحت الاحتلال المصري (1837 – 1841)

كان محمد علي يراقب محاولات الوهابيين لإعادة دولتهم النجدية، وأقنع شقيق آخر حكام الإمارة السعودية الأولى بقيادة حملة مصرية على الدولة الوهابية الوليدة. وبالفعل قاد خالد بن سعود بن عبد العزيز الحملة المصرية، وانسحب فيصل بن تركي آل سعود من الرياض وتحصن في الإحساء، ودخلت القوات المصرية الرياض عاصمة الإمارة السعودية الثانية في مايو 1837.
وفي نوفمبر 1838، اعتقلت القوات المصرية فيصل بن تركي وأبناءه محمد وعبد الله وتم نفيهم إلى السجون المصرية.
وكما جرى عامي 1818 و1824، ما أن انسحبت القوات المصرية، عام 1841، بعد أن رتبت الحكم في الرياض لصالح الإمام خالد بن سعود حتى ظهر من البيت السعودي عبد الله (الأول) بن ثنيان آل سعود وسيطر على الحكم.

السعودية مسرحاً للصراع الإقليمي

عام 1840، كانت بريطانيا قد رست على السواحل الشرقية للجزيرة العربية وعقدت سلسلة اتفاقات ثنائية مع مشايخ الخليج العربي، وتحوّل صراع المشايخ إلى صراع نفوذ دولي، إذ خاطب عبد الله الأول البريطانيين لمساعدته بحال عودة الجيش المصري.
هنا، رأى ابن محمد علي، عباس الأول، والي مصر في ما بعد، أن الحل الأمثل هو إخراج الأمير القوي فيصل بن تركي من السجن، وتركه يحشد جيشاً نجدياً دون معاونة مصرية حتى يصبح الحل من داخل البيت السعودي، دون تدخل مصري.
وبالفعل، وصل الإمام المخلوع إلى حائل وعقد تحالفاً مع عبد الله الأول بن علي آل رشيد حاكم حائل الشمري، ولم ينتهِ عام 1843 إلا وكان الانقلاب العائلي السابع قد نجح بعودة فيصل بن تركي إلى الحكم وخلع عبد الله الأول بن ثنيان الذي توفي في المعتقل بعد فترة وجيزة.
حكم فيصل 22 عاماً، تُعتبر فترة الاستقرار الحقيقي في الإمارة الثانية، وانتفضت القبائل مراراً ضد التمدد الوهابي، وسارع فيصل إلى شن حملة لتأديب قبائل العجمان والقصيم، إضافة إلى حربه مع والي الحجاز الشريف محمد بن عون، ونجح في التصالح مع الهاشميين عام 1847.
وكان فيصل يرسل الضرائب سنوياً إلى الدولة العثمانية، فقد كانت الدولة السعودية الثانية بشكل صوري تحت الحكم العثماني.
ولكن عقب وفاة فيصل، اشتعل الخلاف بين أبنائه سعود وعبد الله ومحمد وعبد الرحمن على خلافته واندلعت الحرب الأهلية السعودية عام 1865، رغم أن عبد الله (الثاني) حكم بالفعل عقب وفاة والده.

الحرب الأهلية السعودية (1865 – 1876)

لم يرضَ سعود بن فيصل أن يتولى أخوه عبد الثاني الإمارة، فلجأ إلى أمير نجران السيد الكرمسي، ما جعل حكماء ذاك العصر يتخوفون من حرب مذهبية بين السعودية السنية الوهابية ونجران ذات المذهب الشيعي الإسماعيلي، ولكن نجران لم تقف مع سعود بن فيصل طويلاً.
وأطلق الأمير عبد الله الثاني بن فيصل حملة قوية ضد القبائل التي تتعاطف مع أخيه سعود، ما أفقده شعبيته في القبائل النجدية، وأثار بريطانيا ضده، فأيدت سعود في مطالبته بالحكم، وسمحت له بالإقامة في البحرين حيث أكرمه آل خليفة، حلفاء بريطانيا.
هكذا، قرر عبد الله الثاني طلب الدعم من الدولة العثمانية، فتحولت الحرب الأهلية السعودية إلى حرب بالوكالة بين تركيا وبريطانيا، واشتعلت المعارك في جميع أرجاء الإمارة الثانية.
ونجح الانقلاب الثامن عام 1871، وخلع سعود أخاه عبد الله الثاني، ولكن عمهما عبد الله الثالث بن تركي نفّذ الانقلاب التاسع في العام ذاته، ثم نفّذ سعود الانقلاب العاشر عام 1873 وقتل عمه. وعندما توفي عام 1875، كان يفترض أن يذهب الحكم إلى أخيه المخلوع عبد الله الثاني، ولكن بريطانيا جهزت أخاه عبد الرحمن فتولى العرش.
بعد ذلك، قام آل الشيخ بالتنسيق مع بريطانيا لإقناع عبد الرحمن بالتنازل لعبد الله الثاني. وهكذا انتهت الحرب الأهلية السعودية عام 1876.

آل رشيد في حائل يُسقطون الدولة السعودية الثانية

عام 1886، ثار أبناء الإمام الراحل سعود بن فيصل آل سعود وسيطروا على الرياض، فجرى الانقلاب الثاني عشر وخلع عبد الله الثاني للمرة الثالثة وتولى الإمامة محمد الأول بن سعود بن فيصل، فقام العم المخلوع من معتقله بمراسلة قبائل شمر حكام حائل طلباً للنجدة. وبالفعل دخل أمير حائل الأمير محمد الأول بن عبد الله الأول آل رشيد العاصمة الرياض في العام نفسه.
عامل الأمير الشمري الأسرة السعودية بكرم وحفاوة بالغين، باستثناء ثلاثة من أبناء سعود بن فيصل هم محمد الأول وسعد وعبد الله، الذين جرى إعدامهم.
هكذا، حكم آل رشيد كامل نجد ما بين عامي 1886 و1890، قبل أن يثور عبد الرحمن على رأس جيش عشائري ويسيطر على الرياض ليتولى الإمامة للمرة الثانية، ثم أرسل ابنه عبد العزيز، مؤسس الدولة السعودية الثالثة لاحقاً، إلى حائل على رأس وفد من آل سعود لطلب إبقاء الرياض تحت حكم الأسرة ووافق الأمير الشمري.
ولكن عبد الرحمن سارع إلى حشد الجيش وبدأ هجوماً على إمارة آل رشيد، فقام هؤلاء بغزو أراضي الإمارة السعودية الثانية وإسقاطها مجدداً عام 1891، وعيّنوا محمد الثاني بن فيصل والياً على الرياض إكراماً لمكانته حتى وفاته عام 1893، في الانقلاب العائلي الرابع عشر في عمر إمارة لم تكمل 73 عاماً.
وعقب انهيار الدولة السعودية الثانية، لملم الإمام المخلوع عبد الرحمن آل سعود وولي عهده عبد العزيز بقايا الأسرة وأقام لفترة في قطر ثم استقر في الكويت.



0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية