الخميس، أغسطس 02، 2018
استقال من مجلس قيادة الثورة بسبب الديمقراطية.. خالد محيى الدين.. الصاغ الأحمر
الخميس, أغسطس 02, 2018
اضف تعليق
يمثل العام 1954 لحظة مفصلية فى مسيرة ثورة يوليو 1952، وفى حياة خالد
محيى الدين، الزعيم الذى فارق الحياة الأسبوع الفائت من العام 2018، حيث
كان مرشحا لأن يكون على رأس الحكومة المصرية فى ذلك العام الذى شهد ما عرف
بأزمة مارس، وداخل هذه اللحظة تفاصيل عديدة يسردها "محيى الدين" فى مذكراته
التى جاءت تحت عنوان "الآن أتكلم" وهو يعتبر من الستة الأوائل الذين شكلوا
تنظيم الضباط الأحرار، وكان الأقرب إلى جمال عبد الناصر، إضافة إلى أنه
كان صاحب موقف واضح فى قضية الديمقراطية، انتهى به إلى الاستقالة من مجلس
قيادة الثورة.
مبكرا بدأت علاقة خالد محيى الدين بالسياسة، ففى العام 1931، كان فى
التاسعة من عمره، عندما التقطت أذناه صخب المظاهرات والهتافات ضد إسماعيل
صدقى رئيس وزراء مصر آنذاك، وفى مدرسة فؤاد الأول الثانوية ينغمس فى المناخ
السياسى العام، ويشارك فى العديد من المظاهرات، وكانت هذه المدرسة من أكثر
المدارس إسهاما فى التحركات الطلابية والمظاهرات، ما أهله للاندماج فى
المناخ السياسى والمناقشات السياسية مع الطلبة. وبينما كان عمر خالد محيى
الدين يتجاوز السادسة عشرة بقليل، كان يقف فى أول طابور بالكلية الحربية،
مقاوما رغبات والده فى إرساله إلى أمريكا لدراسة الزراعة الحديثة.
تخرج خالد محيى الدين فى الكلية، وله من العمر ثمانية عشر عاما وفى ذلك
الوقت يعترف بأنه لم يكن يحب الملك فاروق، ولا يكرهه، كان يعتبره رمز الوطن
وقائد الجيش، إلى أن جرى حادث 4 فبراير 1942 الذى مثل إهانة لمصر وللملك
والجيش، فتحول الإحساس الوطنى لديه إلى غضب دافق وإلى إحساس بضرورة أن يفعل
شيئا.
هناك حادث آخر ترك أثرا خطيرا فى نفسه، عندما اعتقل السادات وحسن عزت، وتم
ترحيل الأول إلى ميس المدفعية، وبقى الثانى فى ميس الفرسان، وجلس محيى
الدين إليه طويلا، مستمعا فى إعجاب وهو يتحدث عن مصر، وإليه يعود الفضل فى
اشتغال خالد محيى الدين بالسياسة دفاعا عن مصالح الوطن، حتى إنه كان يعتبره
أستاذه فى الوطنية، الأمر الذى أغضب عبد الناصر منه فيما بعد.
وهناك ضابط فى سلاح الفرسان هو عثمان فوزى له تأثير عظيم على محيى الدين
إذ عوده على القراءة المنظمة للبحث عن إجابات محددة، وكان هؤلاء وغيرهم
يمثلون مجموعة مشحونة بالوطنية وبضرورة عمل أى شيء.
الاجتماع الأول
فى تلك الفترة المبكرة من حياته انشغل خالد بالزواج، والانخراط فى الدراسة
بكلية التجارة، إلى أن جاءه ثروت عكاشة طالبا منه أن يسرع بزيارة عبد
الناصر، وفى بيته عقد الاجتماع الأول للخلية الأولى لتنظيم الضباط الأحرار،
وكان أعضاؤها: جمال عبد الناصر وخالد محيى الدين وعبد المنعم عبد الرءوف
وكمال الدين حسين وحسن إبراهيم، كان ذلك فى النصف الثانى من عام 1949، وفى
الاجتماع أشار ناصر إلى أن عبد الحكيم عامر معهم، وقال "كل واحد منا يشتغل
ويحاول يكون مجموعة فى سلاحه، وهكذا يمكن أن نصبح قوة منظمة قادرة على فعل
شيء".
واحترقت القاهرة، وقرر الضباط الأحرار التحرك فى نوفمبر 1952، وبعد
اجتماعات تقرر أن تكون الحركة يوم 2 أو 3 أغسطس وكان الهدف فقط هو السيطرة
على الجيش، ومن خلاله يمكن إملاء شروط التنظيم ولم تكن فكرة الاستيلاء على
السلطة واردة فى ذهن أحد، لكن حدث أمران عجلا بقيام الثورة وتغيير الهدف من
الحركة إلى الاستيلاء على السلطة.
الحدث الأول حين استدعى محمد نجيب لسؤاله عن أسباب تذمر الضباط وموقفهم
العدائى من النظام، وسئل: "هل يكون تعيينك وزيرا للحربية كافيا لإزالة
أسباب التذمر وخلق حالة من الرضا لدى الضباط؟" لكنه رفض، فقيل له إن السراى
لديها قائمة بأسماء 12 ضابطا هم المسئولون عن تحريك وقيادة "الضباط
الأحرار".
وحكى نجيب ما حدث إلى جمال عبد الناصر، الذى تصادف أن أخبره ثروت عكاشة
بأن أحمد أبو الفتوح (صهر عكاشة) أفهمه بصورة ملتوية ضرورة عمل شيء قبل أن
يقبضوا عليهم، وهكذا تحددت ليلة 23 يوليو موعدا للثورة.
ومنذ الأيام الأولى للثورة بدأت حساسيات عديدة وسط الضباط الأحرار كتنظيم
وفكرة، وبين أعضاء مجلس القيادة خاصة مع جمال عبد الناصر، ومع تزايد نفوذ
مجلس قيادة الثورة الذى تحول إلى سلطة فعلية، تفاقمت الحساسية بين
الجانبين، ومع إعلان الجمهورية أعيد ترتيب مواقع القيادة، فتقرر أن يكون
نجيب رئيسا للجمهورية، ومنح مجلس قيادة الثورة سلطة السيادة، فلا يستطيع
نجيب أن يتخذ قرارا منفردا وكذلك المجلس.
شبح "فوزى سلو"
بدأ الصراع بين محمد نجيب وعبد الناصر فقد كان نجيب يستشعر أن جمال محصن
بنفوذه فى مجلس قيادة الثورة يريد أن ينتزع منه سلطته كرئيس للبلاد، وحسب
رواية محيى الدين فقط كان نجيب يقول غاضبا: "أنا لست فوزى سلو" وكان شبح
فوزى سلو يفزعه كثيرا فعندما قام أديب الشيشكلى بانقلابه الشهير فى سوريا
استمر فى قيادة الجيش وقام بتعيين رئيس صورى للبلاد مجرد من كل السلطات
والصلاحيات هو فوزى سلو.
واستطاع ناصر من موقعه كنائب لرئيس الوزراء أن يدير كل شيء، فالرئيس غائب
ومشغول وغاضب، لأن الإذاعة لا تبث سوى مقاطع من خطبه، ولا تنشر الصحافة
أخباره، كان نطاق الحصار يضيق حوله بالفعل، وكان رأى خالد محيى الدين أن
يقترح مجلس قيادة الثورة عودة الحياة النيابية، حتى يتحول الأمر من صراع
شخصى على السلطة إلى صراع سياسي.
وفى أحد الاجتماعات أرسل نجيب باستقالته من جميع الوظائف والمسئوليات
المنوطة به، وكان فى ذلك إيذان بتفجير الموقف، وبعد مداولات قبلت
الاستقالة، وذهب صلاح سالم إلى الإذاعة ليذيع خبر استقالة نجيب، مبررا
إياها بصورة أثارت سخرية الناس، فقد قال إن نجيب كان يلح على نشر صوره فى
الصحف وعلى إذاعة خطبه فى الإذاعة وأنه كان يوقظ "صلاح سالم" بصفته وزيرا
للإرشاد ليطلب إليه الأمر بإذاعة خطاب ألقاها، وقال صلاح سالم أيضا إنه
إزاء تفاقم الخلاف بينه وبين نجيب ذهب بنفسه إلى السجن الحربى ووضع نفسه
فيه.
وفى أحد اجتماعات مجلس قيادة الثورة اقترح عبد الناصر عودة محمد نجيب
واستقالة مجلس قيادة الثورة وتشكيل حكومة مدنية برئاسة خالد محيى الدين،
وعودة الحياة النيابية خلال فترة أقصاها ستة أشهر، ما عرف بـ "قرارات 26-27
فبراير" وفوجئ خالد بهذه القرارات، لكنه ذهب مع عبد الناصر إلى ضباط
المدرعات، الرافضين لإقالة نجيب، للتهدئة، ثم اتجه للقاء نجيب لعرض الأمر
عليه فوافق على العودة، لكن التذمر انتقل إلى سلاح الفرسان.
أثناء توجه خالد إلى غرفة القائد العام عائدا من لقاء نجيب كان الضباط
يواجهونه بالشتائم والاتهام بخيانة الثورة، بل حاول بعضهم الاعتداء عليه،
إلى أن تدخل عبد الحكيم عامر مهددا بإطلاق الرصاص على من يقترب من خالد
وطالب الجميع بالهدوء معلنا أنه ألغى القرارات، خاصة بعد طلب جمال سالم أن
يخرج سلاح الطيران بالصواريخ لضرب سلاح الفرسان.
فى إطار التهدئة اقترح خالد الذهاب إلى سلاح الفرسان لتصفية الأجواء، فى
حين أراد البعض إبعاده عن مجلس قيادة الثورة، وقال عامر: "خالد من زمان كان
يريد الاستقالة من المجلس، فلنقبل استقالته ونعطيه أى منصب فى الخارج"
وفجأة توقف الكلام عن خالد، للبحث فى مصير محمد نجيب، وأذاع الراديو نبأ
عودة نجيب بعد نقاشات حامية بين أعضاء مجلس قيادة الثورة.
رغم ما بذله خالد من جهة فى تهدئة الأوضاع وإقناع ضباط المدرعات بعدم
التحرك للقيام بانقلاب إلا أن عبد الناصر نصحه بأن يأخذ إجازة ثلاثة أو
أربعة أيام، وفوجئ أثناءها بإعلان قرارات 5 مارس الشهيرة، وجرى تجييش
الجماهير ضد القرارات، فوقّع الجميع على إلغاء القرارات الديمقراطية
والرجوع عنها إلا خالد محيى الدين، الذى كان مختفيا عن قصد حتى لا يوقع على
أشياء تخالف ضميره.
قدم خالد استقالته إلى عبد الناصر على ألا تعلن، ويسافر مع بعثة مجلس
تنمية الإنتاج القومى إلى الخارج وأن يبقى هناك حتى تهدأ الأوضاع واختار له
عبد الناصر سويسرا مستقرا، على أن يعين سفيرا فى الفاتيكان بعد ذلك،
وبينما كان خالد فى الخارج قرأ خبرا عن محاولة انقلاب فى سلاح الفرسان
بعدها اتصل بزكريا محيى الدين الذى قال له: "أولادك فى سلاح الفرسان حاولوا
يعملوا حركة ومسكناهم" ومضى يقول: "طبعا مش ممكن موضوع تعيينك سفير بعد
اللى حصل" واتفق معه على ألا يغادر سويسرا.
مكث خالد هناك دون أن يعرف موعدا للعودة إلى الوطن، وكان متابعا لما يحدث
فى مصر وفى هذه الفترة كتب السادات مقالا يهاجم فيه خالد محيى الدين ويصفه
بـ "الصاغ الأحمر" وذات يوم فوجئ خالد برسالة من هنرى كورييل يريد أن يراه،
والتقيا، وبعد نقاش تقرر – بناء على نصيحة كورييل – أن يرسل رسالة إلى عبد
الناصر يؤيده فيها على مواقفه، ليكون ذلك مقدمة لرسالة أخرى يطلب فيها
العودة إلى مصر، واقتنع خالد بالأمر، لكن رد فعل الرسالة الأولى أنهم
أحالوه إلى المعاش، تمهيدا لعودته وإبعاده عن الجيش.
وكانت نتيجة الرسالة الثانية أن استدعاه عبد الناصر ليسأله عما سيفعله حال
عودته إلى مصر نهائيا، طالبا منه أن يأتيه بـ "شوية كتب عن الاشتراكية
بمختلف مدارسها" واقترح عليه أن يعمل سفيرا لمصر فى تشيكوسلوفاكيا أو إصدار
جريدة مسائية يسارية، وعاد خالد ليصدر جريدة "المساء" بشروط عبد الناصر:
"بس ما تكونش يسارية زى خالد بكداش.. عايزين حاجة يسار معتدلة" وعلى أن
تكون مسائية أيضا لضمان محدودية التأثير والانتشار.
لكن "المساء" لم تكن معتدلة، فتم إبعاد خالد محيى الدين عنها، ولم يتوقف
عن خوض المعارك السياسية طوال حياته، خصوصا مع السادات، وأولها معركة
الدفاع عن استقلالية حزب التجمع إذ أن السادات كان يتصرف مع رؤساء أحزاب
بمنطق "رب العائلة" وكان على عداء مع السوفييت، وعندما ألغى معاهدة الصداقة
مع الاتحاد السوفيتى وطرد الخبراء السوفييت من مصر، أصدر بيانا ضدهم وطلب
من خالد محيى الدين إصدار بيان مماثل فرفض، وعلى إثر ذلك بدأ السادات
الحملة ضده ووصفه بأنه "عميل للسوفييت".
خالد محيى الدين كان يعتبر أن أبرز معاركه فترة حكم السادات هى معركة
مقاومة سياسة الانفتاح، ومعاهدة "كامب ديفيد" وحتى بعد رحيل السادات تواصلت
المعارك وربما كان أهمها معركة انتخابات عام 1984، فقد قام وقتها بزيارة
عدد من القرى والمدن المصرية ووجد الأحوال سيئة، فقال إن مصر تحتاج إلى
ثورة أخرى، وهو ما عرضه لحملة قاسية فى الصحافة المصرية.
0 comments:
إرسال تعليق