يروي الأستاذ عمر فاخوري ( أديب الإبداع و الجماهير – بلغة المرحومة وداد سكاكيني ) قصة حياة الشاعر فيقول :
كنا في المدرسة و بعدها ثلاثة أو أربعة لا نفترق. و كانت رحلتنا إلى " المستقبل " سهلة في طريق لا ينقصه الخيال. و كان في زوادتنا كثير من الأماني و الأحلام. و لد عمر حمد في بيروت حوالي سنة 1311 هـ . و جده السيد حمد مصري الأصل هاجر إلى لبنان في زمن الأمير بشير الشهابي. و كان في الثامنة من عمره و ختم القرآن الكريم على يد الشيخ شاتيلا المعروف. توفي والده مصطفى حمد قبل أن يصل التاسعة من عمره ، فترك المدرسة و اشتغل في السوق لأربع سنوات. ثم دخل الكلية الإسلامية ، و في سنة 1912 أتم دروسه و نال " البكالوريا ". و عمل في نفس المكان معلما للعربية و تاريخ الإسلام في القسم الاستعدادي. و كان أيضا يحرر في بعض الصحف المحلية. ثم نشبت الحرب العامة ، فذهب إلى دمشق بصفة ضابط احتياط. و مكث فيها ثلاثة أشهر. و كان الطاغية جمال باشا قد بدأ بمشروعه الدموي. و كان من بين الملاحقين عبدالغني العريسي و الأمير عارف الشهابي و عمر حمد. و هرب الثلاثة في بدء سنة 1915 بثياب البدو نحو البادية العربية. و بعد ثمانية أشهر قبض عليهم الأتراك في مداين صالح قبل أن يصلوا إلى أم القرى " مهد الثورة ".
أودع الشاعر نحو أربعة أشهر في سجن عاليه . و في السادس من أيار سنة 1916 قادهم الجلاد مع رفاقه إلى ساحة الشهداء في بيروت. و هناك لقي مصيره المحتوم على أعواد المشانق.
المختارات :
1 - الطائر فتحي بك – في سماء البلاد العربية –
يا طير هجت الطائرينا و فتنت لب العالمينا
لله درك ساحرا أبطلت كيد الساحرينا
أظهرت معجزة العلوم لنا و كنا كافرينا
إنا لقوم يعشقون النابغين الباسلينا
يتسابقون حفاوة بالأقربين الأكرمينا
**
قل للذي ظن الونى أو خال بعض الوهن فينا
أقصر لأمك ثكلها و تنح للمتيقظينا
إن الأولى ظنوا الظنون بنا أولئك آثمونا
قسما لنعلو حيث كنا السابقين الأولينا
الناهضين إلى المعالي و الغزاة القاهرينا
و الصبح يظهر بعض حين أبلجا للناظرينا
دعهم و ما قالوا و ما زعموا و ما رجموا الظنونا
سيرى الورى تاريخنا إن كان غثا أو سمينا
**
يا أيها النسر الذي بهر النسور الطائرينا
و بمثل معجزة أتاها أصبحوا يتنافسونا
قل للخليفة أننا نرعى المواثق و اليمينا
قاطعتمونا حبكم فإلى مَ أنتم هاجرونا ؟
إنا بسطنا للولاء يدا فهلا تبسطونا ؟
إنا نصافحكم على أمل الوفاء فصافحونا
**
يا عرب قام القائمون و ما برحتم نائمينا
يا أيها العرب انتباها حسبكم تتغافلونا
طاروا كما طار الحمام إلى السماء محلقينا
و لبثتم في ربعكم سبل التأخر سالكينا
أشبهتم شعرائكم في كل واد هائمينا
**
لهفي على أبناء من كانوا هداة العارفينا
لهفي على شعب له خضع الأكاسر صاغرينا
لهفي على أبناء من ساقوا الملوك مصفدينا
إني لأبكيهم و استبكي لحالهم العيونا
حتى أراهم في ( الجزيرة ) سادة متملكينا
2 – وداع و تذكير : أنشدها في الكلية العثمانية الإسلامية
ذكا بقلبي وجد دونه الضرم يوم النوى و هوت من مقلتي الديم
جدت ظعوني لا حبا بفرقتهم و لا أهاب بها عن ربعهم سأم
كان البكاء نشيدي عند مشيتها عن الربوع و آلامي هي النغم
ذكرت بيتا لمن يعنو البيان له ( و الخيل تعرفه و السيف و القلم )
( يا من يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيء بعدكم عدم )
و يا مواطننا حيتك غادية بها النهى و الحجا و العز و الشمم
إن فرق الدهر شملا كان منتظما لنا بمغناك فالأرواح تنتظم
ما أنس لا أنس ذكره جذل ما أنس لا أنس عيشا كله نِعَمُ
إني لأحمل هما في فراقك لا تقوى على حمله الأطواد و الأكم
دعني أنهنه هذا اليوم من شجني فالدمع منسجم و القلب مضطرم
يا موطنا قد أقمنا في معاهده و عنده قد أقام المجد و الكرم
لا نستطيع وداعا بعده كمد لا نستطيع فراقا بعده ألم
في ذمة الله دار العلم نبرحها إلى سبيل به الآمال تزدحم
إنا نحج إلى مغناك نلمسه كأنما قام في أركانك الحرم
**
في ذمة الله إخوان نفارقهم في ذمة الله عهد طاب بينهم
لسنا نودعكم لكن سنودعكم وديعة هي للأوطان مغتنم
تذكروا أنكم أبناء من خضعت لسيفهم دول الرومان و العجم
و الشرق دان لهم و الغرب دان لهم و تحت أخمصهم كم طأطأت قمم
سل أرض " أندلس " إن كنت تجهلنا و أهل أندلس عنا بما علموا
آثارنا باقيات في مرابعهم و علمنا ناطق و الفضل و الشيم
أن يزعموا أننا لسنا نماثلهم في كل مكرمة – يا كذب ما زعموا
**
تنبهوا و انهضوا فالحق مهتضم من نام عن حقه أودى به العدمُ
3 - الطلل البالي
سهرت سواد الليل مضطرب البال أقلب طرفي في ذرى الأفق العالي
أناجي الدراري الغر و هي سواهر و للبدر أشكو مزعجاتي و أوجالي
له الله من بدر منير إذا بدا كسا عالم الغبراء أجمل سربال
نظرت إليه و هو يسبح في الدجى و قلت له حييت من مؤنس غال
أطل فالفاني حليف تنهد أتابع من طرفي عوارض تهطال
و أبكي و ما غير السحائب أدمعي و تذكو بقلبي لهبة ذات إشعال
و أبعث أناتي و ما لي من أخ يؤاسي أخا هم يبيت بأعوال
4 – إلى أحمد بيهم
يا فتى العرب و يا ليث العرين و نصير الحق بين العالمين
دمت للعرب عميدا مصلحا دمت ركنا في مبانيهم ركين
لك في الإصلاح يا ( مختاره ) راية كانت منار المهتدين
في سبيل الله ما كابدته لا يضيع الله أجر المصلحين
5 – أين أنتم
إلى كم أنادي القوم و القوم نوم إلى المجد و العليا عفا الله عنهم
و لي كل يوم صرخة في ربوعهم أقول لهم يا قومنا أين أنتم ؟
أما آن أن تستبسلوا في جهادكم و أنتم بنو القوم الذين هم هم
عفا عليكم أن غفلتم و نمتم عفاءً على قوم عن المجد أحجموا
و ما مات من قد سل للمجد عزمه و لا ضل قوم أقدموا و تعلموا
6 – بشائر النصر : قالها بمناسبة انتصار العرب على الطليان في طرابلس الغرب
بحد العوالي و السيوف القواضب نوال المعالي و اكتساب المطالب
و ما الفخر إلا في خميس عرمرم و ما العز إلا في قراع الكتائب
إذا ما شهرنا السيف في حومة الوغى يُرى البرقُ في شرق الدنا و المغارب
سلوا صحف التاريخ عنا فإننا علونا بحد الاسيف أعلى المراتب
فلا غرو أن ندعو الأعاريب للعلى و نطلب أن نرقى ظهور الكواكب
غررت أيا روما و خلت بنا الونى و جئت اغترارا بالأمور الغرائب
جنحت إلى نقض العهود و دأبكم بني الغرب نقض العهد عند المآرب
و جردت جيشا كالجراد معززا بكوكبة تأتي وراء كواكب
و سيرت أسطولا على اليم سابحا و أطلقته ما بين سار و سارب
غدرتم بنا يا أهل روما دناءة و ما الغدر غلا شيمة للثعالب
و مثلتم شر الفظاعة بيننا و هل يفعل القرصان غير المعايب
فلما التقى الجمعان في ساحة الوغى و قام خطيبا كل أبيض قاضب
سجدتم له و الرأس طاطأ هيبة كذا قد نحرنا غاربا بعد غارب
و نُكّست الأعلام بعد ارتفاعها و ذا شأن من لم ينظروا في العواقب
سلام على الأعراب في كل منبت نما منهم فرع الكرام الأطايب
لقد خلدوا في الدهر ذكرا مؤبدا و قد سطروه بالقنا و القواضب
* المصدر :
- العنوان الكامل : ديوان الشهيد عمر حمد ، يتضمن مختارات مما نظمه الشاعر الشهيد عمر حمد و بعض ما قيل فيه من قصائد الرثاء .
- معلومات الطبعة الأولى : مطبعة زنكوغراف طبارة . بيروت . 1929 . 96 ص .
×××××××
0 comments:
إرسال تعليق