الأربعاء، يونيو 19، 2019

السجون في دمشق لا تكفي


علي الظفيري

لا شيء يحدث في سوريا، ليس سوى قرابة مائة شهيد سوري حتى الآن!، ويد النظام طويلة هناك وتصل للجميع، الخبرات التي تراكمت لدى الأجهزة الأمنية الكثيرة والمتشابكة وجدت مسرحا مفتوحا هذه المرة وبدأ العرض الكبير، سيارات الدولة وأخرى تابعة لها في الخفاء تمشط الشوارع وتشيع القتل، ثمة من يقول في دمشق: سياطي أقسى وأشرس من السابقين، وستخرس الألسنة وتوقف زحف الأجساد كما لم يفعل أحد من قبل، وهذا غير صحيح على الإطلاق!.
لا يختلف اثنان على شراسة النظام الأمني في دمشق، التاريخ الطويل والعريق لأجهزة المخابرات السورية في إدارة الشأن الداخلي معروف لدى الجميع، كل شيء في هذه البلاد منذ أربعين عاما يمر عبر بوابة الأمن، السياسة والاقتصاد والفن والثقافة وحياة الناس العادية مكتوبة في لوح الأمن المحفوظ، يمكن لضابط مخابرات صغير أن يعمل في كل مهنة في هذه الدنيا، كل مهنة بلا استثناء، فالخبرات التي يكتسبها في عمله لا تتوفر لأحد غيره، يعرف الضابط هيثم المالح وبرهان غليون وبسام كوسا وعارف دليلة وهيثم مناع وميشال كيلو ورياض سيف وعبدالمجيد منجونة وفايز سارة وأكرم البني، كما يعرف الصحفيين مثل عامر مطر وأصحابه، ويمكنه أن يدلك على كل رجال الأعمال في البلد ودخلهم اليومي، إضافة للملاهي الليلية والراقصات اللاتي يعملن فيها وأوقات العمل، تقتات المخابرات على حياة الناس وخوفهم ورزقهم، وتشاركهم حتى أنفاسهم، ومن هنا كانت صدمتها الكبيرة فيما رأت، وأيضا قسوتها المتوحشة في مواجهته.
هل ما سبق هو فقط ما يمكن اعتماده في توصيف النظام السوري؟ قطعاً لا، فهناك وجه آخر لا يمكن تجاهله أبدا، واجهت سوريا أكبر تحدٍ يمكن لنظام عربي أن يواجهه في الأعوام الماضية، هجمة المحافظين الجدد على المنطقة كانت غير مسبوقة، وتمت محاصرة النظام السوري في أعز ما يملك، العمق العربي ولبنان، وقفت دول الاعتدال العربية في وجه السوريين إضافة للضغط الأميركي الكبير والتلويح الدائم بإسقاط النظام أسوة بما حدث للبعث في العراق، استخدمت كل الأوراق المشروعة وغير المشروعة في ضرب الخاصرة اللبنانية لسوريا، كانت المنطقة برمتها أمام مشروع تفتيت وإعادة تمزيق آخر، وحدها سوريا راهنت على الخيار الصعب، أمعنت في تحالفها الإيراني حتى النهاية، واحتمت بالمقاومتين الفلسطينية واللبنانية كخيار دفاعي لا هجومي، وقدمت ما يجب أن تقدم للأميركيين في ملف مكافحة الإرهاب، خاضت الأمة حربين كبيرتين في هذه الفترة وكانت سوريا في الموقع الصحيح، بغض النظر عن البراغماتية التي استدعت تلك المواقف وواكبتها، وعن حروب الوكالة التي عززت من أوراق النظام، فمن خاض الحرب كان قد فعلها لأسبابه الخاصة، وكانت سوريا في موقف الداعم والمؤيد، وهو موقف لن ينساه المرء أبدا.
السياسة الخارجية السورية هي الرابح الوحيد في المنطقة قياسا على كل ما جرى، لبنان والعراق والتحالف مع إيران وتركيا، كان كل شيء يصب في صالح النظام السوري حتى قبل وفاة محمد البوعزيزي وانطلاقة ربيع الثورات العربية، أول الخاسرين أولئك الذين رهنوا أوطانهم للمشاريع الأجنبية في تونس ومصر، بعدهم جاء دور القذافي وعلي صالح، الثنائي الذي استوعب درس الرئيس الراحل صدام حسين جيدا، وقدما كل ما يلزم وما لا يلزم أيضا للبقاء في منصبيهما، بعدها جاء دور دمشق، والنجاحات السورية على صعيد الإدارة الخارجية للبلد لم تشفع له، فأنت تدافع عن المقاومة وترفع شعاراتها على حساب مواطنيك، تقف ضد الاحتلال وتحتل بلدك بشكل سافر، تحرم الناس من حريتهم وتسلب قوتهم وتخيفهم وتستولي على ثرواتهم وتدير حياتهم بشكل صعب وفظ جدا يجعل الشعب في حالة أكثر مأساوية من تلك التي ترزح تحت نير الاحتلال، وذلك كله بحجة الحفاظ على وحدة البلد ومواجهة المشاريع الخارجية!.
قبل عقد من الزمان تجاوز السوريون –برضاهم وبغير رضاهم– مشهد التوريث الأول والاستثنائي في العالم العربي، وانطلقت وعود الإصلاح والانفتاح والتغيير، مضت السنوات العشر ولم يتغير شيء، بل زاد الفساد والتحالفات المشبوهة بين الأمن ورجال الأعمال والسياسيين المقربين للرئيس وأصبحت تلك سمة رئيسية للنظام الجديد، ثم يأتي الرئيس السوري ليسخر من رياح التغيير ويقلل من قدرات الشباب السوري ويمد يده في الصندوق ليخرج بالاتهامات ذاتها كما فعل مبارك وزين العابدين يوما: الأيادي الخارجية والفتنة والمندسين!. ثم يتحدث عن جدول الإصلاح غير المتسرع والسنوات العشر القادمة!، من أخبره أنه يملك هذا الوقت، لا يعلم الرئيس أن الفرصة لا تسنح إلا مرة واحدة!.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية