الناهب لا يستعيد منهوبًالننسَ الأموال المنهوبة. الناهب لا يستعيد منهوبًا. ولو استُعيد، يكون الوطن قد استعاد دولته من ناهبي سلطته السياسية وحيازاتها وكياناتها المالية وأصولها معًا. أي من الأوليغارشيا. لذلك فشلنا في استثمار حيازاتنا ومؤسساتنا المالية. فباتت موجودات بخسة. لا هي قابلة للاستثمار والإيرادات لريّ الخزانة ببعض ماء، ولا هي قابلة للتسييل إلًا بالسعر المبخوس إيّاه، بعد أن باتت خردة تحتاج إلى دعم بذاتها. وعار الكهرباء نموذجًا لـ"للشعب العظيم" ولـ"جمهورية لبنان القوي". وما انفكّ رافعو هذه الشعارت الكذوب يحفرون في الوطن الجريح، على طريقة "نعيب زماننا والعيب فينا .. وما لزماننا عيبٌ سوانا"! تفضلوا الآن. الخيارات تُطبق أُنشوطةً على الخناق. دعوة الدائنين إلى التفاوض على هيكلة الدين. أو طلب برنامج صندوق النقد الدولي. طالما عدم السداد في المطلق ليس واردًا. الدائنون بدأوا التفاوض مع مديري محافظ اليوروبوندز اللبنانية في نيويورك على أساس أن لبنان دولة متوقفة عن الدفع. ووكالات التصنيف تتسقط ساعة بساعة موقف الحكومة كي تدلي بنا إلى القعر. وقد فهمنا أن خيار الإصدار المستقلّ من خارج عمليات المقايضة التقليدية الممجوجة للوفاء باستحقاق آذار المقبل 1,2 مليار دولار أميركي قد استُبعد.
بعثة صندوق النقد الدولي المتوقعة في بيروت خلال ساعات، سبقها تصريح للمديرة الإدارية للصندوق كريستالينا جورجيفا، لو قرأناه بإمعان لاستنتجنا إنه حمّال أوجه. تقول جورجيفا، "من المهم جداً للبنان الحصول على دعم منظمات دولية كصندوق النقد الدولي. ليس فقط لأنه في النهاية سيحتاج إلى الدعم المالي، بل لأنه يحتاج إلى إظهار القدرة على تغيير مصيره". "الدعم المالي" مفهوم ولو بالرمادي. لكون الحقيقة المسكوت عنها أمام الشعب اللبناني، تكمن في حاجة لبنان إلى سد فجوة من نحو 45 مليار دولار أميركي، تمثل خسائر ميزانية مصرف لبنان وعلى علاقة بتوظيفات المصارف لديه. وهذا المبلغ لا يمكن لأي قرض من أي نوع كان أن يؤمنه الصندوق. وجورجينا تدرك بالقلم والورقة و"الدوت كوم"، حقيقة الوضع. لكن الوجه الآخر للتصريح "قدرة لبنان على تغيير مصيره". ونشتمّ تلميحات سياسية من التصريح، موحى بها من مجلس الصندوق التنفيذي. أي من عتاولة ممثلي الدول المسهمة في رأسمال صندوق النقد الدولي وموارده المالية. المجلس المذكور هو موقع القرار في الصندوق. ويعبّر عن موقف حكومات الدول الصناعية وفي مقدمها الولايات المتحدة والدول الأوروبية. يعتمد صندوق النقد الدولي في قروضه الميسّرة لبرامجه، حجم القرض وقيمته على السجلّ الدولة الإئتماني. وعلى حصتها (كوتا) في الصندوق. السجلّ جيد، ولم يتخلّف لبنان يومًا عن سداد التزاماته في موعدها. ولم يسبق أن استخدم حقه في الاقتراض من الصندوق. لكن حاجة لبنان للدعم المالي كبيرة جدًا. وتقرب ممّا حصلت عليه الأرجنتين فوق 50 مليار دولار أميركي. وهي الثالثة اقتصادًا في أميركا اللاتينية. مصر لم تتمكّن من اقتراض أكثر من 12 مليارًا بعد مفاوضات عسيرة استغرقت سنوات.
سوء العلاقات الدوليةسواءٌ طلبنا الهيكلة في معزل عن صندوق النقد، أم ذهبنا إلى برنامج الصندوق لا فرق. العمق الدولي لأزمتنا بصرف النظر عمّا بلغته حصة الأجانب وغير المقيمين من سندات اليوروبوندز، تحتاج إلى علاقات دولية سويّة حدًا أدنى. الدول الصناعية المقررة في الصندوق تنظر إلى الحكومة الحالية موالية طهران. الجانب العربي الذي كان يمكن أن يمدّ يد العون فرادى أو بالتنسيق مع واشنطن وأوروبا في حالة عداء مع طهران أيضًا. الدائنون الدوليون لن يقدموا تنازلًا للبنان، ويرتبطون بدورهم من خلال مديري المحافظ وصناديق الاستثمار بواشنطن. يعني كل ذلك، أن عمق أزمتنا الدولية مصحوب بعلاقات مناوئة للمجتمع الدولي، خلافًا لما هي الحال عليه مع مصر والأردن والمغرب التي حصلت أخيرًا على برامج قروض من الصندوق بدعم أميركي وأوروبي. برنامج تسهيل الصندوق المدد Extended Fund Facility (EFF) سيكون موضع مناقشة مع بعثة الصندوق في بيروت لمعرفة ما اذا كان البرنامج خيارًا إلزاميًا في نهاية الأمر. وهو البرنامج نفسه لمصر، ويتيح قروضًا للبلدان التي تعاني عجوزًا في موازين المدفوعات والحسابات الجارية، تشرع الحكومات بعده للتو في إقرار اصلاحات هيكلية وقطاعية، وتحفيز الاقتصاد والنمو. وبحسب مصادر حكومية، يمكن لبنان أن يسددّ استحقاق آذار 2020 وينسّق مع الدائنين باستشارة الصندوق طريقة سداد الاستحقاقات الأخرى في نيسان وحزيران.
بيد أن مصر والأردن والمغرب حصلت على قروض الصندوق لتسريع النمو، ولم تبلغ مرحلة التوقف عن الدفع، ولا تصنيفها في مندرجات C كما لبنان. ولم تكن الأزمة فيها مثلثة الأضلع مالية ومصرفية وخسائر في ميزانية المصرف المركزي وتراجع مدوّي في سعر الصرف. وهي اختلالات مصحوبة في وقت واحد مع نمو سالب سترتدّ مفاعيله على أي خيار مستطاع قد يرسو القرار عليه وتستأخره.
حاكم لبنان كما هو!ما من لبناني لا يريد لهذه الحكومة أن تنجح في خياراتها من الأزمة، رغم العلم اليقين بأنها مكبّلة بقرارات سياسية لصانعيها توصد أبواب الإنقاذ. ويبدو أن الأمر لا يقف عند هذا الحدّ. فالعمل المنسّق في المجالات المالية والنقدية والمصرفية ما زال على حاله. ماذا يعني قرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اعتماد الدولار الأميركي لشراء تذاكر السفر عبر "ميدل إيست"؟ القرار واضح ضد الليرة والاقتصاد والقانون. هل يُعقل هذا الأمر. ثم من أين يأتي الدولار الأميركي؟ هل ما زال سلامة حاكم لبنان الفعلي! إشارات سلبية ترسلها هذه الحكومة في بواكيرها. رئيس الحكومة حسّان دياب مُطالب بالجواب.
0 comments:
إرسال تعليق