الضربة القاضية
رسائل فريق الرئيس عون المحذّرة من المسّ بالقاضية غادة عون والداعية إلى تثبيتها في موقع النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، لم تلق آذاناً صاغية خلال مداولات مجلس القضاء الأعلى، لا بل سقط بالضربة القاضية، وبالقرار الحاسم المتوافق عليه مسبقاً "لا غطاء لأي قاضٍ محال على التفتيش القضائي والمجلس التأديبي". واللافت، أن أغلب قضاة العهد تحوم حولهم الشبهات، لكون تجربتهم في السنوات الثلاث الماضية، شكّلت ضربة قوية لما يسمّى "مشروع الإصلاح والتغيير"، وإشارة مخيبة جداً لشعارات "وضع الرجل المناسب في المكان المناسب"، و"مبدأ الثواب والعقاب" و"محاربة الفساد"، باعتبار أن الفساد المتجذر في بنية الدولة لا يحارب بأشخاص مشوّهة مسيرتهم.
غادة عون خرجت
لا شكّ أن القاضية غادة عون لا تزال تحت مظلّة العهد، لكنّ هذه المظلة تقيها السهام، ولم تحجب الشوائب التي انتابت عملها. وبالتالي، لم تؤثر في قناعات مجلس القضاء. إذ تفيد مصادر مواكبة لمداولات التشكيلات أن القاضية عون "نقلت من منصبها إلى موقع مستشارة لدى محكمة التمييز الجزائية، على أن تنتدب بعد سنة ونصف تقريباً كرئيسة لمحكمة التمييز العسكرية، مكان القاضي طاني لطوف بعد إحالته على التقاعد، فيما بقي القاضي غسان خوري محامياً عاماً لدى محكمة التمييز العسكرية". وتؤكد المصادر لـ"المدن" أن هذا القرار "أثار غضب فريق الرئيس عون، الذي يرفض التضحية بهذه القاضية. ويعتبر أن إطاحتها يأتي انتقاماً على جرأتها بفتح العديد من ملفات الفساد، وانتقاماً على مواجهتها للنائب هادي حبيش بعد توقيف قريبته هدى سلّوم (رئيسة مصلحة تسجيل السيارات والآليات بتهمة قبض رشوة والإثراء غير المشروع). وحسب المصادر نفسها، فإن فريق عون "قدّم مقايضة واضحة، تقول "عندما يتم توقيف هادي حبيش، تُقال غادة عون من منصبها".
قضاة العهد
مواجهة رئيس الجمهورية وفريقه، لا تقتصر على إطاحة غادة عون، بل تطال أغلب القضاة المحسوبين على الرئيس وتيّاره السياسي، المعروفين بقربهم من الوزير السابق سليم جريصاتي. وهم داني شلبي الذي ينقل من منصبه كرئيس لمحكمة الجنايات في شمال لبنان، ورولان شرتوني مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية، وطانيوس صغبيني المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان، إلى مراكز هامشية، وتعيينهم مستشارين في محاكم الاستئناف. أما الرسالة البالغة السلبية تجاه العهد أيضاً، فتكمن في نقل القاضية سمرندا نصار من مركزها كقاضي تحقيق أول في الشمال، وتعيينها مستشارة لدى محكمة التمييز المدنية، على أن يعين مكانها في الشمال القاضي جوني قزّي، فيما يعيّن القاضي سامر ليشع نائباً عاماً استئنافياً في جبل لبنان مكان غادة عون.
جنبلاط راضٍ
وتأثرت المحكمة العسكرية بهذه التشكيلات إلى حدّ كبير. إذ يعيّن القاضي كلود غانم مفوّض حكومة لدى المحكمة العسكرية، مكان القاضي بيتر جرمانوس الذي ألحق بوزارة العدل، إلى أن يبت بطلب انهاء خدماته في السلك القضائي. كما تعيّن القاضية غادة أبو علوان بمركز قاضي التحقيق العسكري الأول، خلفاً للقاضي رياض أبو غيدا. وتنقل القاضية نجاة أبو شقرا من قاضي تحقيق عسكري لتعيّن نائباً عاماً استئنافياً في النبطية، فيما يعيّن القاضي عماد سعيد قاضي تحقيق عسكري مكان أبو شقرا. بمعنى أن المراكز الدرزية شغلها قضاة أكفّاء، وهي سترضي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى حدّ كبير.
رهيف مقابل غادة
وتشير المعلومات التي حصلت عليها "المدن" من أوساط قضائية متابعة للملف، إلى أن المقايضة التي أرسيت قبل أسابيع ترجمت على أرض الواقع. إذ أن التشكيلات "أطاحت بالنائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان، لتُعيّن مكانه القاضية رانيا يحفوفي التي تشغل الآن قاضي التحقيق في جبل لبنان. وعلم أن رئيس مجلس النواب نبيه برّي ألغى "الفيتو" عن نقل رهيف رمضان، بعد التثبّت من حتمية نقل غادة عون من منصبها. وهذا يعني أن المراكز الشيعية لا تزال محسوبة على ثنائي "أمل" و"حزب الله"، خصوصاً في النيابات العامة، التي تعني الكثير لهذا الفريق، خصوصاً وأن المدعين العامين يمثلون موقع القرار في السلطة القضائية، من خلال ترؤسهم للضابطة العدلية، وإعطاء إشارات التوقيف.
أبرز المناقلات
وتجمع المصادر المواكبة، على أن التشكيلات الأولى في عهد القاضي سهيل عبود، المتناغم إلى أقصى الحدود مع النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، هي الأكثر شمولية، وتشكل بالنسبة لهذا الثنائي حجر الزاوية في أداء السلطة القضائية للمرحلة المقبلة، والركن الأساس لاستعادة ثقة الناس بالقضاء، أما أبرز القضاة المشمولين بالتشكيلات، فهم:
ــ القاضي محمد مرتضى: ينقل من موقعه في رئاسة جنايات جبل لبنان، إلى رئيس لإحدى محاكم الاستئناف في بيروت.
ــ القاضي زياد أبو حيدر، ينقل مركز من النائب العام الإستئنافي في بيروت، إلى قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان، خلفاً للقاضي نقولا منصور (المحسوب على فريق العهد أيضاً).
ــ القاضي شربل أبو سمرا: ينقل من قاضي تحقيق في بيروت، إلى قاضي تحقيق لدى المحكمة العسكرية.
ــ القاضية ميرنا كلاس: ينقل من مركز محامي عام لدى محكمة التمييز إلى قاضي تحقيق في بيروت.
ــ القاضي أيمن عويدات، يعيّن رئيساً أول لمحاكم الاستئناف في الجنوب، مكان القاضية رولا جدايل التي عينت مديراً عاماً لوزارة العدل.
ــ القاضي بسام مولوي: ينقل من رئاسة محكمة الجنايات في الشمال، إلى رئيس لمحكمة جنايات جبل لبنان.
القاضي ربيع الحسامي: ينقل من رئيس للهيئة الاتهامية في جبل لبنان، إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت خلفاً للقاضي غسان عويدات.
ــ القاضية هيام خليل: تعيّن رئيسة لإحدى محاكم الاستئناف في بيروت.
ــ القاضي إيلي الحلو يبقى في مركزه كرئيس لمحكمة جنايات جبل لبنان، بعدما كان اقترح اسمه خلفاً للقاضية غادة عون.
يوقعّ أو لا يوقّع؟
واللافت أن التغيير شمل مراكز المدعين العامين في محافظات بيروت وجبل لبنان والجنوب والنبطية، فيما أبقي على المدعين العامين في الشمال والبقاع. لكن كلّ هذه الجهود التي بذلها مجلس القضاء، تبقى رهن توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون. فهل يوقعها ويضحي بقضاته، وكأنه في الأيام الأخيرة من عهده؟ أم أنه ينسجم مع نفسه وتعهداته بتحرير القضاء من الضغوط السياسية؟
الساعات المقبلة تحسم واحد من هذين الخيارين، هو الأقرب إلى الواقع.
0 comments:
إرسال تعليق