حزب الله "البريء"
من يقرأ بيان حزب الله يظن أن أحداً في لبنان يستطيع الخضوع (إذا أراد فعلاً) للضغوط الأميركية من دون رضا الحزب عينه وأمره ذاك الأحد بالخضوع.
فقبل مضي ساعات على قرار المحكمة العسكرية الذي برّأ عملياً العميل الفاخوري، سارع حزب الله إلى إدانة هذا القرار معتبراً أن "الضغوط والتهديدات الأمريكية سرا وعلانية، لإجبار لبنان على إطلاقه رغم ثبوت كل الجرائم المنسوبة إليه، ومع كل ماضيه الأسود والدموي.. قد أثمرت اليوم".
وسال لعاب كتبة البيان بكلام دبق وأجوف، لا يشفي غليل الأسرى الذين اعتبروا أن حزب الله يرى "أن هذا اليوم يوم حزين للبنان وللعدالة، وهو قرار يدعو إلى الأسف والغضب والاستنكار، وكان من الأشرف والأجدى لرئيس المحكمة العسكرية وأعضائها أن يتقدموا باستقالاتهم بدلاً من الإذعان والخضوع للضغوط التي أملت عليهم اتخاذ هذا القرار المشؤوم".
دولة الحزب القائد
أما المواقف الممانعة فتوالت حتى "بلغ سيلها الزبى" شجباً وإدانات. وغمر رهط الممانعة، بأحزابه الكبيرة والمجهرية، الفضاء الافتراضي والوسائل الإعلامية، بسيل من الكلام الفارغ مستنكراً خضوع الدولة اللبنانية(؟!) لأميركا وهوانها حيالها. ومضى الممانعون بحفلة تبرئ حزبهم القائد من إطلاق سراح مجرم الخيام وقاتل السجناء.
وانبرى لقاء الأحزاب والقوى الوطنية والقومية وتجمع العلماء المسلمين وعلماء جبل عامل والروابط واللجان (الشعبية وغير الشعبية)، الممانعة بلعن هذا "التهريب المخزي لقرار تبرئة العميل عامر الفاخوري الذي لن تمحي جرائمه كل أحابيل وسمسرات السياسة اللبنانية المقيتة". كأنما هؤلاء يريدون إقناعنا أننا لا نزال في زمن ما قبل الحرب، وأن الدولة اللبنانية لا تزال في "أمرة المارونية السياسية العميلة"، وليست في إمرة حزبهم القائد.
وتأكد لهم بلا شك أن النظام اللبناني جائر ومستكبر وعميل، (على ما ترطن خطابات حزب الله). و"تم قطع الشك باليقين من أن لبنان أضحى مستعمرة أميركية خاضعة تابعة لسلطان البيت الأبيض وسياساته المسخرة بكليتها للمشروع الصهيوني في بلادنا"، على ما قال بيان تلك القوى.
وبلغ الوساوس القهري عند حليف حزب الله المدلل الأمير طلال أرسلان من جور "النظام" اللبناني، حد التغريد و"بق البحصة" عن "عورات النظام" الذي "قلنا مرارًا وتكرارًا إنه لا يحمي إلا الفساد والمفسدين ولا يمت بصلة إلى بناء روح المواطنة الحقيقية...". واستنكر الأمير إخلاء سبيل العميل الفاخوري. كأنما "النظام" قائم في جزيرة معزولة عن الدولة، التي تحكمها حكومة لون سياسي واحد للطيف الحزبي الأصفر والبرتقالي. وكأن ليس للنائب الدرزي وزير ونصف في الحكومة، وتعطل تشكيل الحكومة مرات في السابق لمنحه وزيراً. وأخر حزب الله تشكيل الحكومة الحالية مصراً على منح الأمير وزيرين، فقضت التسوية منحه وزيراً ونصف وزير.
معزوفة المتصهينين
وفي غمرة هذا السيل من المواقف يُظن أن رئيس الحكومة الحالي ليس تكنوقراطي حزب الله والتيار الوطني الحر، بل السفير السابق نواف سلام، الذي استبعده "الحزب" لأنه "مشروع أميركي مئة في المئة" أو "مشروع فتنة كبيرة في لبنان"، كما قالت مصادر الحزب عنه بعيد طرح اسمه لترؤس حكومة حيادية عقب استقالة سعد الحريري.
رئيس الحكومة الحالية ليس سعد الحريري "المتآمر مع الأميركيين". وللمفارقة أن من كشف شبكة التجسس في لبنان سابقاً، وملفات العملاء، مثل فايز كرم وغيره، كانت شعبة المعلومات التي ترأسها وسام الحسن المقرب من الحريري (وكلنا يعرف من اغتاله). والحكومة الحالية لا يعرقلها سمير جعجع "الصهيوني، الصهيوني"، كما هتفت الرطانة الممانعة في تظاهرات انتفاضة 17 تشرين. بل هي حكومة حزب الله وحلفائه ويحميها "بأشفار عيونه".
وحزب الله هو من سيسهل للحكومة طريق الوصول إلى صندوق النقد الدولي (الإمبريالي والمستكبر) شرط عدم "الخضوع لإملاءاته السياسية"، كما قال خطيب الحزب. وهذا يستدعي من اللبنانيين الخوف فعلاً على مستقبلهم المالي والاقتصادي، بعدما تبين أن لا أحد يتحمل مسؤولية خضوع لبنان، كما في حالة الفاخوري، للإدارة الأميركية.
سيتسابق الممانعون في إدانة تغريدة الوزيرة السابقة والقواتية مي الشدياق التي انتقدت فيها قرار إخلاء سبيل الفاخوري قائلة: "حزب الله يتلاعب على الوقائع. وفريق جبران (باسيل) دندله ورجع طبخ مع الأميركي طلعته. مقابل مدري شو سكت ونكر تورطه...". وستصنف شدياق في خانة التسييس وتسديد ضربات في ملعب "المقاومة"، فهي مثل رئيس القوات متصهينة بدورها(؟) لكن على من تتلو الممانعة مزاميرها؟!
0 comments:
إرسال تعليق