لكن في المقابل، حققت القوات التركية خرقاً في قواعد القتال، وأظهرت أن إدلب بالفعل معركة وجودية بالنسبة لها. والدليل الواضح على ذلك هو حصيلة خسائر النظام التي أعلنتها تركيا، تضم ثلاث مقاتلات و135 دبابة و8 مروحيات و77 مدرعة و5 قواعد دفاع جوي وغيرها من المعدات الحربية. والحقيقة أن تركيا أظهرت قدرات قتالية ليست بالهينة، وستُلقي بظلالها على سير المعارك مستقبلاً في حال قرر النظام السوري استئناف القتال. مثل هذه المواجهة تتطلب انخراطاً روسياً كاملاً.
وما زال مصير نقاط المراقبة التركية مجهولاً، والأرجح أن تُبقي تركيا على وجودها الرمزي وربما تواصل المطالبة بالعودة لما وراء خط 17 أيلول (سبتمبر) 2018.
وهناك مؤشرات الى بعض التنازلات الروسية في "البرتوكول الإضافي للمذكرة حول إرساء الاستقرار في منطقة إدلب لخفض التصعيد" الذي تلاه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره التركي مولود تشاووش أوغلو. في البروتوكول، أكد البلدان "التزامهما استقلال الجمهورية العربية السورية ووحدتها ووحدة أراضيها"، و"حزمهما على مكافحة جميع أشكال الإرهاب والقضاء على كل التنظيمات الإرهابية" وفقاً لتصنيف "مجلس الأمن". هذا الشق الروسي من الاتفاق. أما التركي منه، فيؤكد أن "تهديد المدنيين والبنية التحتية المدنية لا يمكن تبريره بأي ذرائع".
وفي الوثيقة اعتراف من الطرفين بأن "لا حل عسكرياً للنزاع السوري الذي يمكن تسويته فقط نتيجة لعملية سياسية يقودها وينفذها السوريون بأنفسهم بدعم الأمم المتحدة وفق القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي". وأيضاً أكد الطرفان منع استمرار النزوح السوري، والمساهمة في العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين. والبنود الثلاثة تنص على وقف النار واقامة ممر آمن عرضه 6 كيلومترات شمالاً ومثلها جنوباً من الطريق "M4"، وتسيير دوريات روسية-تركية منذ يوم 15 مارس 2020 على طول الطريق "M4".
ومثل هذه الشروط تعني عملياً وقفاً أطول للنار وإعادة تنشيط العملية السياسية بدعم تركي-روسي. وإعادة إحياء العملية السياسية تتطلب ضغوطاً روسية على النظام السوري لتقديم تنازلات في أي مفاوضات مستقبلية. لا بد أن تزداد هذه الضغوط خلال الفترة المقبلة، ومعها النزاع الإيراني-الروسي في خصوص دوائر النفوذ والتنازلات.
في إدلب والمناطق المحيطة فيها، ستسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها، ولم شمل الفصائل المختلفة، واحتواء الجماعات الجهادية. والدور المباشر لتركيا في دفع قوات النظام إلى الوراء وتدمير دباباته واسقاط مقاتلات له، منح أنقرة بعض الصدقية في هذه المواجهة. في المقابل، بدت الفصائل عاجزة عن وقف تقدم قوات النظام، من دون الدعم التركي. لا بد لهذا الواقع الميداني أن يُعيد تشكيل الدور التركي في ادارة المناطق خارج "درع الفرات" و"غصن الزيتون".
في نهاية المطاف، خسرت تركيا مناطق أساسية، لكنها نجحت في الوقت نفسه في تأكيد دورها كضامن وحيد لأمن المنطقة. هي القوة العسكرية الوحيدة التي نفذت هجمات منسقة ضد النظام وكسرت دفاعه الجوي، وأوقفت تقدمه، ولو متأخرة.
يبقى أن العمل التالي لوقف النار، عسكرياً وسياسياً، أكثر أهمية مما سبق. هل تنجح تركيا في تعزيز عملية بناء قدرات الفصائل وتزويدها بالسلاح استعداداً للمرحلة المقبلة؟
0 comments:
إرسال تعليق