بأي حال، حصل ما حصل في وقتٍ حَرِج ودقيق، سواء بالنسبة للدولة اللبنانية، التي بات يُشكل "الحزب" أحد "رافعاتها وحماتها" الأساسيين، كما للضاحية ذاتها التي تُعاني ضغوطًا كبيرة في ظل تردِّي الأوضاع الداخلية اللبنانية من جهة، وتأزّم أوضاع "الحليف الايراني" إقليميً.
ولعلَّ أهمية الخطوة الالمانية، تُكْمِن في أنّها صدرت عن الدولة رقم 2 في الاتحاد الاوروبي، والتي لا بُدَّ أنّه سيكون لقرارها ارتداداتٍ على باقي الشركاء، فمع القرار الألماني تكون واشنطن، ومن خلفها تل ابيب، قد قطعت أحد أبرز خطوط التواصل والتفاوض "من تحت الطاولة" مع "الحزب" وطهران، وهو ما يُفسِّر ردُّ الفعل الإيراني "العنيف"، وفي ذلك دلالات كبيرة ستتضح تِباعًا مع الأيام، خصوصًا انّ من يتولى رئاسة جهاز الاستخبارات الالمانية حاليًا يُعَدُّ من المُقرَّبين من "الموساد".
من جهةٍ ثانيةٍ، لا شكَّ ان حزب الله تلقى ضربةً قويةً على الصعيد المالي، قد تزيد من أزمته وتُضيِّق عليه الخناق، اذ يُردِّد مسؤولون أمنيون غربيّون سَبق ان زاروا بيروت، ان المتابعة والتحقيقات التي قامت بها وكالة الاستخبارات الاميركية ووزارة الخزانة، في مجال تمويل حزب الله، قد بيَّنت ان المانيا تُشكل محطة محورية في العملية ، إذ لوحظ ان الاموال التي يتمٌ جمعها من قبل المؤسسات الخيرية والأفراد، لصالح "الحزب" في دول اوروبية يتمُّ نقلها الى المانيا ومنها عبر حسابات "شرعية" الى بيروت.
والأهم من ذلك، هو ما توصَّل اليه الاميركيون من ان بعض مُناصري "الحزب" قد انتقل الى المانيا من افريقيا ويعمدون الى تحويل حسابات الأشخاص الذين يدعمون "الحزب" والمعروفون الى برلين ومنها الى بيروت عبر اكثر من وسيلة، سواء نقدًا او عبر حسابات مصرفية او تحويلات مالية، وتتابع المعلومات بان الأميركيين تمكنوا من الحصول على داتا كاملة مُفصلة حول تلك العمليات والاشخاص المتورطون بها وعناوينهم وآليات عملهم.
ويَكشف احد المسؤولين الامنيين الغربيين، بأن واشنطن سبق وطلبت أكثر من مرة مساعدة المخابرات الفرنسية التي تملك معلومات مُفصلة ودقيقة عن مناصري "الحزب" وداعميه في افريقيا، الَّا ان باريس رفضت التعاون مع واشنطن في هذا الملف، ما أدى الى توتر في العلاقة بين الطرفين وانعكس افتراقًا سياسيًا على الساحة اللبنانية.
ولكن ماذا سيكون عليه الموقف الفرنسي بعد الخطوة الالمانية؟، الواضح ان السياسة الفرنسية في بيروت لا "طعم ولا لون لها"، وهي لا تُقدِّم ولا تُؤخر على الساحة اللبنانية راهنًا، في ظل الانقسام الاوروبي والخلاف مع الولايات المتحدة الاميركية، الذي سببه الاساس لبنانيًا الخطوط التي فتحتها باريس مع "الحزب" في مراتٍ كثيرة دون اخذها بالحسبان المصالح الاميركية والتي جاءت لإرساء معادلات لغير صالح واشنطن.
وعلى هذا الصعيد، تتحدث المعلومات عن تواصل بين اكثر من جهة فرنسية وحزب الله عبر قنوات عديدة أهمها احد ابرز الصحافيين اللبنانيين، والذي يلعب ادوارٍ خفيّة منذ 7 من آيار وحتى اليوم، وكان له علاقة بالكثير من الصفقات التي أُبرمت والرسائل التي تبودلت.
في كل الاحوال، يبقى الأهم ان التاثير الفرنسي الذي ضَعف أوروبيا سيجد ترجمة عملية له في البرلمان الاوروبي، الذي بدت سياسته تجاه الملف واضحة المعالم وداعمة بالكامل لحماية وحفظ سيادة لبنان وحصرية السلاح بالمؤسسات الامنية اللبنانية، وتأييده لثورة الشعب اللبناني ومطالبه، حيث تشير المعطيات الى وجود توجّه لسحب الجنسية الاوروبية من الاشخاص المؤيدين والداعمين لحزب الله، وسحب الاقامات من غير المواطنين، وهو امر في حال بُوشر بتنفيذه سيُشكل أزمة حقيقية في البيئة الشيعية أولًا واللبنانية ثانية، خصوصًا ان القرار يتخطى حدود الطائفة الشيعية.
إذًا، خطوة غربية جديدة على طريق تضييق الخناق و"شدّ الحبل" حول رقبة حزب الله، ونجاح اميركي ايضافي في مسيرة تحجيمه تمهيدًا لضربه، دون اسقاط هدف اميركي آخر، قد يكون ثانويًا في هذه القضية، وهو اضعاف الاتحاد الاوروبي ممثلًا بفرنسا، وإجبارها على ركوب الموجة العالمية الحالية في الملف الايراني وامتداداته، فهل تقدم فرنسا او تحجم؟ وكيف وأين سيرد حزب الله؟.
0 comments:
إرسال تعليق